قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ) [يوسف 76]
هناك معجزة تاريخية موجودة في فحوى هذه الآية الكريمة ألا وهي لفظة "الملك" تحديداً.
فدأب القرآن الكريم عندما يتكلم عن حكام مصر أنه يلقبهم بلفظة "فرعون" وذلك مُشاهد في كل سور القرآن الكريم، مثال: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ) [المؤمنون : 46] (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الزخرف : 51] وغيرها الكثير من الآيات.
بينما في سورة يوسف عندما تكلم القرآن عن حاكم مصر استعمل لفظة "ملك" وليس "فرعون" !! (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) [يوسف : 43] (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) [يوسف : 50] (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ) [يوسف : 54] ... الى آخر الآيات في سورة يوسف.
وهنا ذكرت كتب التاريخ أن لفظ "الفرعون" لم يستعمل إلا في بداية الأسرة الثامنة عشرة أي -153 قبل الميلاد- فصاعدًا، وهي الفترة التي بعث خلالها نبي الله موسى -عليه السلام- ونزلت فيها آيات "فرعون"، بينما كل الفترة الزمنية التي سبقت هذا التاريخ كان لقب حكام مصر هو "الملك" بلا خلاف.
ومن المعلوم بل ومن المتفق عليه أن نزول يوسف -عليه السلام- إلى مصر وحكمه كان قبل بعثة موسى -عليه السلام- بفترة طويلة وذلك لقوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) [غافر : 34]
أي أن يوسف -عليه السلام- كان في مصر قبل عصر الأسرة الثامنة عشرة أي الفترة التي كان يطلق على حكام مصر لقب "الملك" .
وهنا نستدل على المعجزة الغيبية التي جاء بها القرآن الكريم في هذه الآية دونًا عن غيره من الكتب السماوية؛ حيث فرّق بين عصريين مهمين في التاريخ المصري، وهو عصر ما قبل الفراعنة -أي ما قبل الأسرة الثامنة عشرة الذين كانوا يطلقون لقب "الملك" على حكامهم، وعصر ما بعد الفراعنة -الذين كانوا يطلقون لقب "الفرعون" على حكامهم وذلك ابتداء من الأسرة الثامنة عشرة- بينما الكتب الأخرى كالتوارة وغيرها لم تفرق بين العصرين أو اللقبين، "ففرعون" هو اللقب الخاص لحكام مصر في التوراة سواء أيام نبي الله يوسف أو نبي الله موسى وهذا يخالف العلم الحديث.
وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين
م
مـــ ماجده ـلاك الروح