إرهاصات النبوة بدأت في سن الأربعين إرهاصات النبوة الأولى، فكانت تأتى له الرؤى كفلق الصبح وإزداد حبه للخلوة بالله عز وجل فى غار "حراء" بعيدًا عن الآلهة حول بيت الله، ويصعد أعلى هذا الجبل بغار "حراء" ليقضى النهار والليل فى العبادة، والتذلل، والتفكر مما يوصلهم إلى نتيجة واحدة. "رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". سورة "آل عمران": الآية (191). فحبب الخلاء للرسول بعيدًا عن طقوس المشركين، قمة جبل النور النهار للتدبر والتفكر، والليل يبحث عن الحقيقة، ثم يعود ليحكى عن هذه الحقائق للسيدة "خديجة"، التى لم تعترض بل تزوده بمثلها ولم تتهمه بأى تهم لا تليق له، وتزوده بالزاد، وتعينه على الخلوة. وفى ليلة كريمة من ليل رمضان، يخشع الكون والصحراء، وتسكن كل الأشياء فى الكون، فينزل جبريل إلى جبل النور، ويضم الرسول بشدة ويقول له إقرأ، فيقول الحبيب: "ما انا بقارئ"، فيضمه ويقول: اقرا: فيقول الحبيب: ما أنا بقارئ، فيقول جبريل: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ". سورة "العلق": الآيات (1ـ5). وينزل الرسول الكريم إلى السيدة "خديجة"، وهو يرتعد من الخوف والذهول، ويقول: "زملونى زملونى"، ولم تقل له ماذا حدث، ولكن غطته كما طلب، حتى ذهب الفزع عن النبى، وجلس يحدث خديجة عن الخبر وقال: "لقد خشيت على نفسى يا خديجة"، فقالت له: "كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"، هذه هى "خديجة" الزوجة الصابرة، والناضجة النقية، وهى التى تستدعى هذا الرصيد ولا تنسى الفضل مع زوجها. وهذه هي أخلاقه قبل البعثة، ثم بعد النبوة زاده الله خلق على خلق "إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ". سورة "القلم": الآية (4). ويقول الرسول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أخرجه "البخاري". ولم تكتفى الزوجة الصابرة بأن تصبر زوجها وتطمئنه، بل ذهبت به إلى ابن عمها "ورقة بن نوفل" الذي كان قد تنصر فى الجاهلية، ويكتب الكتب وشيخا كبيرًا له باع بالعلم وبالأنبياء السابقين، وقالت له اسمع من بن أخيك، فقال له "ورقة": ماذا رأيت يا ابن أخى؟ قص عليه النبي ما رأى، فقال "ورقة": هذا والله هو الناموس وهو صاحب السر ـ أي أمين وحى السماء ـ الذي نزل الله على "موسى"، ليتنى فيها جزعًا يوم يخرجك قومك، فقال الرسول: "أومخرجى هم"؟ قال "ورقة": "نعم لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا". ثم توفى "ورقة"، واطمئن الرسول، ولكن ماذا بعد اقرأ، يقول الرسول: "بينما أنا أمشى إذ رأيت الملك الذى جاءنى بحراء سد ما بين السماء والأرض، فرعبت منه وجريت فنادانى وقال: "يا أيها المدثر قم فانذر". فعاد إلى "خديجة" يقول: دثروني. فنزل قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ". سورة "المدثر": الآية (1). وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا". سورة "المزمل": الآيات (1ـ2). قم يا "محمد"، فما كان بالأمس حلمًا جميلاً أصبح اليوم حملاً ثقيلاً، فمضى عهد النوم والراحة وأخذ يبلغ عن الله، ولم يذق طعم الراحة، إلا عندما أنزل الله قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". سورة "المائدة": الآية (3). فانظروا إلى موقف "خديجة" التى لم تتخلَ عن زوجها رسول الله ولا لحظة، وآمنت به "خديجة"، فهى أول من آمن فى الأرض كلها، فقد عرض النبى عليها الإسلام فأسلمت معه، وهي أول من صلى خلف رسول الله، وأول من سمع القرآن من فم رسول الله. الشيخ "محمد حسان" |
مع منتديات الشامل للأحبة في الله
لنلتقي لنرقى