السؤال:
أريد إجابة بعيدًا عن كل شيء، إجابة من واقع علم النفس.
بوجه عام بالحياة، هل يُعقل أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك، بالمقابل لا يكون هناك صدى بقلْب الآخر لهذا الحب؟
حينما يكون هناك شخص هو كل شيء بالنسبة لك؛ أي: إنسان تحبُّه لاعتقادِك أنَّ هذا الشخص به صفاتٌ تُعجبك في كلِّ شيْء، كل شيء.
أيعقل بالمقابل أن يكْرهَك لدرجة مُتْعِبة، حتَّى لو لَم يقُل هذه الكلمة، ولكن لبعده فقط؟
سبب السؤال فقط جاء بِخَلَدي من واقع شاهدته، قلت: سأعرِضُه على موقعِنا الحبيب "الألوكة" قد أجِد له جوابًا من ناحية علم النَّفس.
لكم أجْمل تحيَّة.
الجواب:
لك كل الشُّكر على ثقتك الغالية بـ(الألوكة)، ومنَّا لك أرقُّ وأعذب تحية،
تقولين:
"هل يُعقل أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك، بالمقابل لا يكون هناك صدى بقلْب الآخر لهذا الحب؟".
لا، لا يعقل أبدًا، لكن هذا ما يحدث بالفعل، ويحدث أحيانًا أكثر مما يجب!
علم النَّفس لا يُجيب على مثل هذه التساؤُلات، فعالَم القلوب والأرْواح لا يعلمه إلا الله - جلَّ في علاه - لكن إن تساءَلْنا أو تعجَّبنا، أو حتَّى حاولنا البحث عن إجابة، فلن نُلام بإذن الله، فلقَدْ تعجَّب الحبيبُ المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قبلُ، من حبِّ مُغيثٍ بريرةَ ومن بُغْضِها لمُغيث؛ روى البخاري في صحيحِه عن ابن عبَّاس: أنَّ زوج بريرةَ كان عبدًا يقال له مغيث، كأنِّي أنظر إليه يطوف خلْفَها يبكي ودموعُه تسيل على لِحيته، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبَّاس: ((يا عبَّاس، ألا تعجَّب من حبِّ مغيثٍ بريرةَ ومن بُغْضِ بريرة مغيثًا؟!))، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو راجعتِه!)) قالت: يا رسول الله، أتأمُرني؟ قال: ((إنَّما أنا أشْفع))، قالت: لا حاجة لي فيه.
في المشرِق والمغرب تتكرَّر قصَّة "مغيث وبريرة" كثيرًا، فتاريخ الحبِّ حافلٌ بِمثل هذا النَّوع من القصص مع تبادُل الأدْوار، فأحيانًا بل كثيرًا ما تكون "بريرة" هي المحبَّة التي تسيل دموعُها، ويكون "مغيث" هو مُبغِضَها الذي لا حاجة له فيها!
الحب هو انجِذاب عاطفي بين قلبَين وفكريْن وجسدَين، وحين يكون الحبُّ الشَّريف متبادَلاً يصبِح بلْسمًا للقلوب الجريحة، لكنَّه ينقلب ليُصْبِح داءً وشقاءً حين يتعلَّق بطرف واحد، فما الذي يجعل الحبَّ موْصولاً من طرف، ومقطوعًا من الطرف الآخر؟
أسباب عديدة تجعل الحب معلَّقا من طرفٍ واحد:
أولاً: نحن في العادة نلوم الطرف الآخر المقصِّر في بذْل الحب، لكِنْ لو فكَّرْنا بمنطق وإنصاف، لأدْركْنا أنَّنا في كثيرٍ من الأحيان نُحبُّ مَن نحب بمنتهى الأنانية، فلئِنْ كان الحب في اعتِقادك بأنَّ صورة هذا الحبيب هي الصورة المثالية التي تعجبك؛ "تحبُّه لاعتقادِك أنَّ هذا الشخص به صفاتٌ تُعجبك في كلِّ شيْء، كل شيء"، فمن الإنصاف أن تفكِّري أيضًا بأنَّ لهذا الحبيب صورةً مثاليَّة قد لا تنطبق مقاييسها عليكِ!
((الأرواح جنود مجنَّدة، فما تعارف منها ائْتلف وما تناكر منها اختلف))؛ رواه البخاري ومسلم، ولئن تآلفتْ روحُ شخصٍ ما مع روحِ شخصٍ ما على الرَّغم منه، فاختِلاف تلك الروح مع روحه هو أيضًا على الرغم منه.
ثانيًا: قد يكون الطَّرف الآخَر أكثرَ عقلانيَّة ومنطقيَّة في استِقْراء مصير هذا الحبّ، وأشدَّ مخافة من الوقوع في الذَّنب، فيعمل على إنْهائه منذ بداياتِه أو حتَّى في منتصفِه، متى استيْقن بأنَّ الأبواب مغلَّقة، والطرق غير معبَّدة، وأنَّ الحب إن استمرَّ على ما هو عليْه، استحال إلى حبٍّ مستحيل، فالحب عهدٌ وثيق بين فِكرَين وقلبَين ورُوحين وجسديْن، فإن لم يتمَّ الوفاء به بتتْويج علاقة الحبِّ هذه بالزَّواج، دخلنا متاهةً مخيفة قد تنتهي بنا نحْو هاوية الأمراض النفسيَّة والعلل الجسدية؛ فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، فلماذا نستغرق مطوَّلا في التفتيش بين المشتبهات، والتوغُّل كثيرًا في التضاريس الوعرة؟!
ثالثًا: لأنَّ القلوب تتغيَّر وتتقلَّب بأمر الله تعالى، روى الإمام مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: أنَّه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ قلوب بني آدم كلّها بين إصبعيْن من أصابِع الرَّحمن، كقلْبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء))، ثمَّ قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اللهُمَّ مصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))، وصدق الشاعرُ حين قال:
ولعلَّ الحكمة النبويَّة الرائعة: ((أحبِبْ حبيبَك هوْنًا ما عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هوْنًا ما عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما)) - تُعطينا الحلَّ السِّحْريَّ لإنْهاء عذابات هذه المشكلة.
رابعًا: أحيانًا يتمُّ التَّعبير عن الحبِّ بطرُق منفِّرة للطَّرف الآخر، فالحبُّ الخانق المطبِق على الأنفاس هو حب قاتل للحب، بكل معانيه المرهِقة التي ينطوي عليها، كالشَّكِّ، وعدِّ الأنفاس، والغيرة العمياء، ومُحاولة السيطرة بأسلوب تملُّكي، فالإنسان بطبْعِه ينزع للحرِّيَّة حتَّى لو كان في أشدِّ حالات الهيام .
خامسًا: قد يكون مردّ ذلك لشخصيَّة المحبِّ وطريقة تفكيره، فالحبُّ وحْده لا يشفع كثيرًا أمام الاختِلافات العميقة والجذْريَّة بين الشخصيَّات المحبَّة وطريقة تفكير كل واحد منها، وقد فطن الرَّافعي لذلك في علاقته بميّ زيادة فقال: "إنَّه لا صُلْح لقلبَين لَم يصطلِح فِكْراهُما"، ولئِن أبقى أحدُ الطَّرفين على جذْوة الحبِّ متَّقدةً رغْم الاختِلاف، فمِن المحْتمل جدًّا أن ينسحِب الطَّرف الآخَر تارِكًا الطَّريق موحشًا لِمن كان قد أسماه في يوم ما: حبيبًا.
سادسًا: تقول الحكمة: "من أحبَّك لشيءٍ، أبْغضك لفقْده"، ومن أحبَّ شخصًا لسببٍ أو لحاجةٍ أو لغايةٍ، فعلى الأغْلب سينتهي حبُّه بانتِهاء تلك الحاجة أو حصولِه عليْها، يقول د. ديفيد فيسكوت: "إنَّ الشخص الذي يحبُّك، يحبك فقط لأنَّه يحبك، وليس لشيء آخر".
مَن يحبُّ فعليْه أن يحبَّ لله، لا لغرضٍ دنيوي سرعانَ ما ينتهي؛ فعنْ أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان: أن يَكونَ الله ورسولُه أحبَّ إليْه ممَّا سواهُما، وأن يحبَّ المرْء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكْرَه أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقْذف في النار))؛ رواه البخاري.
هل تلتقي القلوب؟
أجل، متى كانت غاية الحبِّ أن يكون قربةً وطاعةً لله - عزَّ وجلَّ.
ختامًا:
استوقفتْني عبارتك هذه كثيرًا: " أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك".
حين نصِل إلى هذه المرتبة من الحب، فيجِب أن نرْتقي بأرْواحنا إلى مرتبةٍ عالية أيضًا كمرتبة الحب هذه، بِحيث نُحسن اختِيار أحبَّتنا، أعني: مَن يستحقُّون أن يكونوا أمامَ الله وأمام النَّاس أحبَّتنا، وإلاَّ فلندفعْ من دماء قلوبِنا الكثير والكثير لقاءَ الحفاظ على كراماتِنا المستباحة من أشخاصٍ لا يقدِّرون قيمة الحب، ولا يثمِّنون قِيَمنا ولا يحفظون مقاماتِنا كبشر!
ثمَّ إنَّ الحبَّ - يا أخيتي - عطاء متبادل، وما عدا ذلك فليس إلا هدرًا للعمر، هدرًا للكرامة، وهدرًا لدم القلب!
كلّ الأمنيات الطيبة لكِ، دمتِ بِخير ولا تنسَيْني من صالح دعائك.
أريد إجابة بعيدًا عن كل شيء، إجابة من واقع علم النفس.
بوجه عام بالحياة، هل يُعقل أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك، بالمقابل لا يكون هناك صدى بقلْب الآخر لهذا الحب؟
حينما يكون هناك شخص هو كل شيء بالنسبة لك؛ أي: إنسان تحبُّه لاعتقادِك أنَّ هذا الشخص به صفاتٌ تُعجبك في كلِّ شيْء، كل شيء.
أيعقل بالمقابل أن يكْرهَك لدرجة مُتْعِبة، حتَّى لو لَم يقُل هذه الكلمة، ولكن لبعده فقط؟
سبب السؤال فقط جاء بِخَلَدي من واقع شاهدته، قلت: سأعرِضُه على موقعِنا الحبيب "الألوكة" قد أجِد له جوابًا من ناحية علم النَّفس.
لكم أجْمل تحيَّة.
الجواب:
لك كل الشُّكر على ثقتك الغالية بـ(الألوكة)، ومنَّا لك أرقُّ وأعذب تحية،
تقولين:
"هل يُعقل أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك، بالمقابل لا يكون هناك صدى بقلْب الآخر لهذا الحب؟".
لا، لا يعقل أبدًا، لكن هذا ما يحدث بالفعل، ويحدث أحيانًا أكثر مما يجب!
علم النَّفس لا يُجيب على مثل هذه التساؤُلات، فعالَم القلوب والأرْواح لا يعلمه إلا الله - جلَّ في علاه - لكن إن تساءَلْنا أو تعجَّبنا، أو حتَّى حاولنا البحث عن إجابة، فلن نُلام بإذن الله، فلقَدْ تعجَّب الحبيبُ المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - من قبلُ، من حبِّ مُغيثٍ بريرةَ ومن بُغْضِها لمُغيث؛ روى البخاري في صحيحِه عن ابن عبَّاس: أنَّ زوج بريرةَ كان عبدًا يقال له مغيث، كأنِّي أنظر إليه يطوف خلْفَها يبكي ودموعُه تسيل على لِحيته، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبَّاس: ((يا عبَّاس، ألا تعجَّب من حبِّ مغيثٍ بريرةَ ومن بُغْضِ بريرة مغيثًا؟!))، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو راجعتِه!)) قالت: يا رسول الله، أتأمُرني؟ قال: ((إنَّما أنا أشْفع))، قالت: لا حاجة لي فيه.
في المشرِق والمغرب تتكرَّر قصَّة "مغيث وبريرة" كثيرًا، فتاريخ الحبِّ حافلٌ بِمثل هذا النَّوع من القصص مع تبادُل الأدْوار، فأحيانًا بل كثيرًا ما تكون "بريرة" هي المحبَّة التي تسيل دموعُها، ويكون "مغيث" هو مُبغِضَها الذي لا حاجة له فيها!
الحب هو انجِذاب عاطفي بين قلبَين وفكريْن وجسدَين، وحين يكون الحبُّ الشَّريف متبادَلاً يصبِح بلْسمًا للقلوب الجريحة، لكنَّه ينقلب ليُصْبِح داءً وشقاءً حين يتعلَّق بطرف واحد، فما الذي يجعل الحبَّ موْصولاً من طرف، ومقطوعًا من الطرف الآخر؟
أسباب عديدة تجعل الحب معلَّقا من طرفٍ واحد:
أولاً: نحن في العادة نلوم الطرف الآخر المقصِّر في بذْل الحب، لكِنْ لو فكَّرْنا بمنطق وإنصاف، لأدْركْنا أنَّنا في كثيرٍ من الأحيان نُحبُّ مَن نحب بمنتهى الأنانية، فلئِنْ كان الحب في اعتِقادك بأنَّ صورة هذا الحبيب هي الصورة المثالية التي تعجبك؛ "تحبُّه لاعتقادِك أنَّ هذا الشخص به صفاتٌ تُعجبك في كلِّ شيْء، كل شيء"، فمن الإنصاف أن تفكِّري أيضًا بأنَّ لهذا الحبيب صورةً مثاليَّة قد لا تنطبق مقاييسها عليكِ!
((الأرواح جنود مجنَّدة، فما تعارف منها ائْتلف وما تناكر منها اختلف))؛ رواه البخاري ومسلم، ولئن تآلفتْ روحُ شخصٍ ما مع روحِ شخصٍ ما على الرَّغم منه، فاختِلاف تلك الروح مع روحه هو أيضًا على الرغم منه.
ثانيًا: قد يكون الطَّرف الآخَر أكثرَ عقلانيَّة ومنطقيَّة في استِقْراء مصير هذا الحبّ، وأشدَّ مخافة من الوقوع في الذَّنب، فيعمل على إنْهائه منذ بداياتِه أو حتَّى في منتصفِه، متى استيْقن بأنَّ الأبواب مغلَّقة، والطرق غير معبَّدة، وأنَّ الحب إن استمرَّ على ما هو عليْه، استحال إلى حبٍّ مستحيل، فالحب عهدٌ وثيق بين فِكرَين وقلبَين ورُوحين وجسديْن، فإن لم يتمَّ الوفاء به بتتْويج علاقة الحبِّ هذه بالزَّواج، دخلنا متاهةً مخيفة قد تنتهي بنا نحْو هاوية الأمراض النفسيَّة والعلل الجسدية؛ فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، فلماذا نستغرق مطوَّلا في التفتيش بين المشتبهات، والتوغُّل كثيرًا في التضاريس الوعرة؟!
ثالثًا: لأنَّ القلوب تتغيَّر وتتقلَّب بأمر الله تعالى، روى الإمام مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: أنَّه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ قلوب بني آدم كلّها بين إصبعيْن من أصابِع الرَّحمن، كقلْبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء))، ثمَّ قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اللهُمَّ مصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))، وصدق الشاعرُ حين قال:
وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لِنَسْيِهِ وَلا القَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ |
ولعلَّ الحكمة النبويَّة الرائعة: ((أحبِبْ حبيبَك هوْنًا ما عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هوْنًا ما عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما)) - تُعطينا الحلَّ السِّحْريَّ لإنْهاء عذابات هذه المشكلة.
رابعًا: أحيانًا يتمُّ التَّعبير عن الحبِّ بطرُق منفِّرة للطَّرف الآخر، فالحبُّ الخانق المطبِق على الأنفاس هو حب قاتل للحب، بكل معانيه المرهِقة التي ينطوي عليها، كالشَّكِّ، وعدِّ الأنفاس، والغيرة العمياء، ومُحاولة السيطرة بأسلوب تملُّكي، فالإنسان بطبْعِه ينزع للحرِّيَّة حتَّى لو كان في أشدِّ حالات الهيام .
خامسًا: قد يكون مردّ ذلك لشخصيَّة المحبِّ وطريقة تفكيره، فالحبُّ وحْده لا يشفع كثيرًا أمام الاختِلافات العميقة والجذْريَّة بين الشخصيَّات المحبَّة وطريقة تفكير كل واحد منها، وقد فطن الرَّافعي لذلك في علاقته بميّ زيادة فقال: "إنَّه لا صُلْح لقلبَين لَم يصطلِح فِكْراهُما"، ولئِن أبقى أحدُ الطَّرفين على جذْوة الحبِّ متَّقدةً رغْم الاختِلاف، فمِن المحْتمل جدًّا أن ينسحِب الطَّرف الآخَر تارِكًا الطَّريق موحشًا لِمن كان قد أسماه في يوم ما: حبيبًا.
سادسًا: تقول الحكمة: "من أحبَّك لشيءٍ، أبْغضك لفقْده"، ومن أحبَّ شخصًا لسببٍ أو لحاجةٍ أو لغايةٍ، فعلى الأغْلب سينتهي حبُّه بانتِهاء تلك الحاجة أو حصولِه عليْها، يقول د. ديفيد فيسكوت: "إنَّ الشخص الذي يحبُّك، يحبك فقط لأنَّه يحبك، وليس لشيء آخر".
مَن يحبُّ فعليْه أن يحبَّ لله، لا لغرضٍ دنيوي سرعانَ ما ينتهي؛ فعنْ أنسٍ، عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجدَ حلاوة الإيمان: أن يَكونَ الله ورسولُه أحبَّ إليْه ممَّا سواهُما، وأن يحبَّ المرْء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكْرَه أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقْذف في النار))؛ رواه البخاري.
هل تلتقي القلوب؟
أجل، متى كانت غاية الحبِّ أن يكون قربةً وطاعةً لله - عزَّ وجلَّ.
ختامًا:
استوقفتْني عبارتك هذه كثيرًا: " أن تحبَّ إنسانًا بِحياتك لدرجة أن تتمنَّى أن تُعْطِيه من دمِ قلبِك".
حين نصِل إلى هذه المرتبة من الحب، فيجِب أن نرْتقي بأرْواحنا إلى مرتبةٍ عالية أيضًا كمرتبة الحب هذه، بِحيث نُحسن اختِيار أحبَّتنا، أعني: مَن يستحقُّون أن يكونوا أمامَ الله وأمام النَّاس أحبَّتنا، وإلاَّ فلندفعْ من دماء قلوبِنا الكثير والكثير لقاءَ الحفاظ على كراماتِنا المستباحة من أشخاصٍ لا يقدِّرون قيمة الحب، ولا يثمِّنون قِيَمنا ولا يحفظون مقاماتِنا كبشر!
ثمَّ إنَّ الحبَّ - يا أخيتي - عطاء متبادل، وما عدا ذلك فليس إلا هدرًا للعمر، هدرًا للكرامة، وهدرًا لدم القلب!
كلّ الأمنيات الطيبة لكِ، دمتِ بِخير ولا تنسَيْني من صالح دعائك.
أعائشة الحكمى
مآآآآآآجده
مآآآآآآجده