السؤال:
السلام عليْكم ورحمة الله،
أنا شابٌّ متزوِّج منذ أربع سنوات ولي طِفلتان، بدأت مُشكِلتي مع زوجتي منذ حوالَي ثمانية أشْهر حينما انتقلْنا إلى سكَن جديد، حيثُ آجرنا منزلاً في حيّ راقٍ لفترة مؤقتة لظروف عملي الجديد، ومن هنا بدأت المشكلة؛ حيثُ تعرَّفت زوجتِي علي زوجات الجيران وصارتْ لها صداقاتٌ معهنَّ، ولا أنكِر أنَّهنَّ خلوقات، ولكنَّهنَّ من طبقات مختلفة اجتماعيًّا عنَّا، ويَحييْن حياةً فيها الكثير من البذخ والإسراف، فهذِه تُحدِّثها عن أحدث سيارة أهداها لها زوجُها، وتلك عن طقْم الماس، وهكذا، حتَّى زاغتْ عيْنا زوجتِي ولم تعُد تشعُر بالرِّضا كما هو في السَّابق، ولَقيتُ منها تذمُّرًا شديدًا.
رغْم أنَّنا - والحمد لله - نَحيا حياةً كريمة؛ ولكنْ ليس باستطاعتِي توفير ما تَجِده عند هؤلاء الصَّديقات والجارات، وأصبح العيْش بيْنَنا جحيمًا، فأنا في مقارنة دائمة مع أزواج صديقاتِها، وحدثتْ بيْننا مشادة كلامية قالت لي خِلالَها: إنَّ الرجولة في نظرها هي فقَطْ تُقاس بالمال، ومَن يَجلب مالاً أوْفر هو بعينيها أرْجل الرجال!
أنَّبتُها وذكَّرتُها بما بيْننا من ودٍّ ودفْء قد لا تَجده الأخريات ممَّن لديهنَّ المال، ويَحييْن حياة باردة مع أزْواج ليْس لهم همٌّ سوى جلْب المال والهدايا، وهُم مقلُّون عاطفيًّا، فكان جوابها أنَّ العواطف لا تشتري شيئًا وأنَّها قد ملَّت حياة الفقر، وتُريد أن تَحيا حياة الأميرات، وهذا ما لا أستطيع توفيرَه لها.
حاولت أن أبعِدها بشتى الطُّرق عن تلك الصحْبة، ولكن دون فائدة؛ فهي تشكو الوحدة والملَل في السَّكن الجديد، ومن الصَّعب جدًّا تغْيير السَّكَن مرة أخرى.
أرْجو توْجيه كلِمة لزوْجتي لتتَّقي الله، ولترضَي بما قسمه الله من حياة مع زوْجٍ خلوق وحنون، وأنَّ المال كما من السَّهل أن يَجيء فهو من السَّهل أن يذهب، لكن يبقى الحبُّ والودُّ باقيًا بإذْن الله.
الجواب:
أخي الفاضل، حياكَ الله.
وعليْكم السَّلام ورحمة الله وبركاته،
يرحَم الله فاطمة بنتَ عبدالملك:
حين خيَّرها زوجُها عمر بن عبدالعزيز - رضِي الله عنه وأرْضاه - وهي المرْأة المتْرفة، جوهرة قصر الخضراء وسيّدة القصور - بين الثَّراء والغِنى، وبين البقاء معه على الحال الَّذي اختاره لنفسِه، اختارتْه هو، اختارتِ الآخِرة على الدُّنيا، مستوْدِعة كلَّ ما تَملكه من مالٍ ومتاعٍ، وجواهرَ وذهَبٍ في بيت مال المسلمين.
فكم امرأةً اليوم مثل فاطمة؟
ومن قبلِها زوجات النَّبي - صلواتُ الله وسلامُه عليْه وعلى آل بيتِه الأطْهار - فعنْ عائشة قالت: لمَّا أُمِر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتخْيير أزواجِه، بدأ بي، فقال: ((إنّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك ألاّ تعْجلي حتَّى تستأمري أبويْك))، قالت: قد علِم أنَّ أبويَّ لم يكونا ليأمرانِي بفراقه، قالت: ثمَّ قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] قال: فقلت: في أيِّ هذا أستأمِر أبويَّ؟ فإنِّي أريد الله ورسولَه والدَّار الآخرة، قالت: ثمَّ فعل أزْواج رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثلَ ما فعلت؛ رواه مسلم.
ولنا أيضًا في قصَّة زوجتيْ إسماعيل - عليْه السَّلام - عِظة وعِبرة؛ روى البخاري في صحيحِه: ((وماتت أمُّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوَّج إسماعيلُ يطالع ترِكَتَه، فلم يَجد إسماعيل، فسأل امرأته عنْه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمَّ سألها عن عَيْشِهم وهيْئَتهم، فقالت: نحن بشرٍّ، نَحن في ضيقٍ وشدَّة، فشكتْ إليْه، قال: فإذا جاء زوْجُك فاقرئي عليه السَّلام، وقولي له: يُغيِّر عتبة بابه، فلمَّا جاء إسماعيل كأنَّه آنسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسألَنا عنك فأخبرتُه، وسألَني كيْف عيشُنا، فأخبرتُه أنَّا في جهد وشدَّة، قال: فهلْ أوْصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقْرأ عليك السَّلام، ويقول: غيِّر عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أُفارِقَك، الحقي بأهلِك، فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى، فلبِث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمَّ أتاهُم بعدُ فلم يَجِدْه، فدخل على امرأته فسألَها عنه، قالت: خرج يَبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشِهم وهيْئَتهم، قالت: نحن بِخيرٍ وسَعة، وأثنتْ على الله، فقال: ما طعامُكم؟ قالت: اللَّحم، قال: فما شرابُكم؟ قالت: الماء، قال: اللَّهُمَّ باركْ في اللَّحْم والماء - قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ولَم يكن لهم يومئذٍ حبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهُما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكَّة إلاَّ لَم يوافِقاه - قال: فإذا جاءَ زوجُك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكُم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيْخ حسن الهيئة، وأثْنت عليْه، فسألنِي عنك فأخبرتُه، فسألنِي كيف عيشُنا فأخبرتُه أنَّا بِخير، قال: فأوْصاكِ بشيء، قالت: نعم، هو يقرأ عليْك السلام، ويأمرُك أن تثبِّت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتَبة، أمرني أن أُمْسِكك)).
كلُّ ذلك يدل على أنَّ الأصل هو القناعة بالقليل والنَّزْر اليسير، وأنَّ الثَّراء العاطفي ورِضا الزَّوج ومَحبَّته مقدَّم على كلِّ ما عداه، والوعيد كلُّ الوعيد لِمن تعْصي الله في ذلك؛ عن عبدالله بن عمْرو - رضِي الله تعالى عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا ينظُر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوْجِها وهي لا تستغني عنه))؛ رواه البيْهقي في سننه، والحاكم في مستدركِه.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريت الجنَّة، فتناولت عنقودًا، ولو أصبتُه لأكلتُم منه ما بقيت الدنيا، وأُريت النَّار، فلم أر منظرًا كاليوم قطُّ أفظع، ورأيت أكثرَ أهلَها النِّساء)) قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: ((بِكُفرهنَّ)) قيل: يكفُرن بالله؟ قال: ((يكفُرْن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدهر كلَّه، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ))؛ رواه البخاري.
فيا ، إنَّ أردتَ لزوجتِك أن تقدِّر لك ظروفَك الماليَّة، فاجلس معها جلسة هادئة صريحة وودِّيَّة، وأشرِكْها في همومك، وأطْلِعْها على حقيقة وضْعك المالي وطبيعة عملك، كُنْ صريحًا معها فيما يتعلَّق بدخلك الشَّهري الفِعْلي، وتعاونا معًا على رسْم الخطوط العريضة لميزانيَّة البيت، مذكِّرا إيَّاها بقول الله - تعالى -: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
تذَكَّرْ أنَّ إعداد الميزانيَّة يتطلَّب عادةً جلساتٍ عدَّة للوصول إلى نتيجة مُرْضية، كما تَحتاج إلى تعديل منتظم ومراجعة مستمرَّة حسب التغْييرات الحاصلة شهريًّا، المهمُّ في القضيَّة أن تكون زوجتُك على بيِّنة.
إذا كنتَ تُحبُّها حقًّا ولا يَضيرك أن تتصرَّف زوجتُك بِمالك، فاقترح عليها أن تتصرَّف في الدَّخْل الشَّهري لشهرٍ واحدٍ كتجربة، فلربَّما ساعدَها ذلك على أن تتفهَّم حجْم معاناتك الحقيقيَّة، حين تَختبر حقيقة وضْعِك المالي مع مطالبها الماديَّة الضَّاغطة، وتعيش الدَّور الصَّعب الَّذي فُضِّلتَ به عليها؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]؛ فلربَّما أعادها ذلك إلى صوابِها فتُحْسِن التَّدبير في النَّفقة.
عن أبي هُريرة - رضِي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير نساءٍ ركِبْن الإبل نساءُ قريْش، أحناه على ولدٍ في صغَرِه، وأرْعاه على زوْجٍ في ذات يدِه))؛ متَّفق عليه.
إذا كانت زوجتك تَحمِل شهادة تؤهِّلها للعمل، ولا تُمانِع أنت من خروجِها للعمل - فلا تتأخَّر في ذلك من أجْل تَحسين وضعِكُما المالي، ابذُل وسعَك لحماية سفينتِك من الغرق.
أخي الفاضل:
زوجتُك اليوم تسير معصوبةَ العينين بلا هدى، فهي لا ترى من النِّعَم إلاَّ الزَّائل منها، ولا ترى النِّعْمة الحقيقيَّة التي وهبها الله إيَّاها، وهي: أنت؛ (زوج خلوق وحنون).
فامنح زوجتَك الوقتَ الكافيَ لتجْرِبة هذه المقْترحات، فإن لم تستجِبْ لكلِّ الجهود التي بذلْتَها للإصلاح، فلا بدَّ ساعتئذٍ أن تبتعِدا قليلاً عن بعضكما لعدَّة أيَّام؛ لكي تشعُر بقيمتِك وبالقيمة الحقيقيَّة للمودَّة والرَّحْمة، من دون أن تُضْمِر في نفسِك الطَّلاق؛ فليس هذا ما عنَيْناه - بارك الله فيك.
واصطبِر يومئذٍ على غيابِها حتَّى تعود من نفسِها إلى نفسِها، وإليْك وإلى بيتها، فإن لم تعُد إلى صوابِها، فماذا عسانا أن نفعل بعد ذلك؟!
أسألُ الله تعالى أن يُصْلِح حال زوجتِك، ويهديها لِما يحبُّه ويرْضاه عنها، ولا يرضى اللهُ إلاَّ ما ترضاه يا ، فأكثِرْ من الدُّعاء وفَّقك الله؛ {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
دمتَ بألف خير، ولا تنسَنا من صالح دعائك.
أ. عائشة الحكمي
السلام عليْكم ورحمة الله،
أنا شابٌّ متزوِّج منذ أربع سنوات ولي طِفلتان، بدأت مُشكِلتي مع زوجتي منذ حوالَي ثمانية أشْهر حينما انتقلْنا إلى سكَن جديد، حيثُ آجرنا منزلاً في حيّ راقٍ لفترة مؤقتة لظروف عملي الجديد، ومن هنا بدأت المشكلة؛ حيثُ تعرَّفت زوجتِي علي زوجات الجيران وصارتْ لها صداقاتٌ معهنَّ، ولا أنكِر أنَّهنَّ خلوقات، ولكنَّهنَّ من طبقات مختلفة اجتماعيًّا عنَّا، ويَحييْن حياةً فيها الكثير من البذخ والإسراف، فهذِه تُحدِّثها عن أحدث سيارة أهداها لها زوجُها، وتلك عن طقْم الماس، وهكذا، حتَّى زاغتْ عيْنا زوجتِي ولم تعُد تشعُر بالرِّضا كما هو في السَّابق، ولَقيتُ منها تذمُّرًا شديدًا.
رغْم أنَّنا - والحمد لله - نَحيا حياةً كريمة؛ ولكنْ ليس باستطاعتِي توفير ما تَجِده عند هؤلاء الصَّديقات والجارات، وأصبح العيْش بيْنَنا جحيمًا، فأنا في مقارنة دائمة مع أزواج صديقاتِها، وحدثتْ بيْننا مشادة كلامية قالت لي خِلالَها: إنَّ الرجولة في نظرها هي فقَطْ تُقاس بالمال، ومَن يَجلب مالاً أوْفر هو بعينيها أرْجل الرجال!
أنَّبتُها وذكَّرتُها بما بيْننا من ودٍّ ودفْء قد لا تَجده الأخريات ممَّن لديهنَّ المال، ويَحييْن حياة باردة مع أزْواج ليْس لهم همٌّ سوى جلْب المال والهدايا، وهُم مقلُّون عاطفيًّا، فكان جوابها أنَّ العواطف لا تشتري شيئًا وأنَّها قد ملَّت حياة الفقر، وتُريد أن تَحيا حياة الأميرات، وهذا ما لا أستطيع توفيرَه لها.
حاولت أن أبعِدها بشتى الطُّرق عن تلك الصحْبة، ولكن دون فائدة؛ فهي تشكو الوحدة والملَل في السَّكن الجديد، ومن الصَّعب جدًّا تغْيير السَّكَن مرة أخرى.
أرْجو توْجيه كلِمة لزوْجتي لتتَّقي الله، ولترضَي بما قسمه الله من حياة مع زوْجٍ خلوق وحنون، وأنَّ المال كما من السَّهل أن يَجيء فهو من السَّهل أن يذهب، لكن يبقى الحبُّ والودُّ باقيًا بإذْن الله.
الجواب:
أخي الفاضل، حياكَ الله.
وعليْكم السَّلام ورحمة الله وبركاته،
يرحَم الله فاطمة بنتَ عبدالملك:
بِنْتُ الخَلِيفَةِ وَالخَلِيفَةُ جَدُّهَا أُخْتُ الخَلائِفِ وَالخَلِيفَةُ زَوْجُهَا |
حين خيَّرها زوجُها عمر بن عبدالعزيز - رضِي الله عنه وأرْضاه - وهي المرْأة المتْرفة، جوهرة قصر الخضراء وسيّدة القصور - بين الثَّراء والغِنى، وبين البقاء معه على الحال الَّذي اختاره لنفسِه، اختارتْه هو، اختارتِ الآخِرة على الدُّنيا، مستوْدِعة كلَّ ما تَملكه من مالٍ ومتاعٍ، وجواهرَ وذهَبٍ في بيت مال المسلمين.
فكم امرأةً اليوم مثل فاطمة؟
ومن قبلِها زوجات النَّبي - صلواتُ الله وسلامُه عليْه وعلى آل بيتِه الأطْهار - فعنْ عائشة قالت: لمَّا أُمِر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتخْيير أزواجِه، بدأ بي، فقال: ((إنّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك ألاّ تعْجلي حتَّى تستأمري أبويْك))، قالت: قد علِم أنَّ أبويَّ لم يكونا ليأمرانِي بفراقه، قالت: ثمَّ قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] قال: فقلت: في أيِّ هذا أستأمِر أبويَّ؟ فإنِّي أريد الله ورسولَه والدَّار الآخرة، قالت: ثمَّ فعل أزْواج رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثلَ ما فعلت؛ رواه مسلم.
ولنا أيضًا في قصَّة زوجتيْ إسماعيل - عليْه السَّلام - عِظة وعِبرة؛ روى البخاري في صحيحِه: ((وماتت أمُّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوَّج إسماعيلُ يطالع ترِكَتَه، فلم يَجد إسماعيل، فسأل امرأته عنْه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمَّ سألها عن عَيْشِهم وهيْئَتهم، فقالت: نحن بشرٍّ، نَحن في ضيقٍ وشدَّة، فشكتْ إليْه، قال: فإذا جاء زوْجُك فاقرئي عليه السَّلام، وقولي له: يُغيِّر عتبة بابه، فلمَّا جاء إسماعيل كأنَّه آنسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخٌ كذا وكذا، فسألَنا عنك فأخبرتُه، وسألَني كيْف عيشُنا، فأخبرتُه أنَّا في جهد وشدَّة، قال: فهلْ أوْصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقْرأ عليك السَّلام، ويقول: غيِّر عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أُفارِقَك، الحقي بأهلِك، فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى، فلبِث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمَّ أتاهُم بعدُ فلم يَجِدْه، فدخل على امرأته فسألَها عنه، قالت: خرج يَبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشِهم وهيْئَتهم، قالت: نحن بِخيرٍ وسَعة، وأثنتْ على الله، فقال: ما طعامُكم؟ قالت: اللَّحم، قال: فما شرابُكم؟ قالت: الماء، قال: اللَّهُمَّ باركْ في اللَّحْم والماء - قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ولَم يكن لهم يومئذٍ حبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهُما لا يخلو عليهما أحدٌ بغير مكَّة إلاَّ لَم يوافِقاه - قال: فإذا جاءَ زوجُك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبِّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكُم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيْخ حسن الهيئة، وأثْنت عليْه، فسألنِي عنك فأخبرتُه، فسألنِي كيف عيشُنا فأخبرتُه أنَّا بِخير، قال: فأوْصاكِ بشيء، قالت: نعم، هو يقرأ عليْك السلام، ويأمرُك أن تثبِّت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتَبة، أمرني أن أُمْسِكك)).
كلُّ ذلك يدل على أنَّ الأصل هو القناعة بالقليل والنَّزْر اليسير، وأنَّ الثَّراء العاطفي ورِضا الزَّوج ومَحبَّته مقدَّم على كلِّ ما عداه، والوعيد كلُّ الوعيد لِمن تعْصي الله في ذلك؛ عن عبدالله بن عمْرو - رضِي الله تعالى عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا ينظُر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوْجِها وهي لا تستغني عنه))؛ رواه البيْهقي في سننه، والحاكم في مستدركِه.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريت الجنَّة، فتناولت عنقودًا، ولو أصبتُه لأكلتُم منه ما بقيت الدنيا، وأُريت النَّار، فلم أر منظرًا كاليوم قطُّ أفظع، ورأيت أكثرَ أهلَها النِّساء)) قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: ((بِكُفرهنَّ)) قيل: يكفُرن بالله؟ قال: ((يكفُرْن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدهر كلَّه، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ))؛ رواه البخاري.
فيا ، إنَّ أردتَ لزوجتِك أن تقدِّر لك ظروفَك الماليَّة، فاجلس معها جلسة هادئة صريحة وودِّيَّة، وأشرِكْها في همومك، وأطْلِعْها على حقيقة وضْعك المالي وطبيعة عملك، كُنْ صريحًا معها فيما يتعلَّق بدخلك الشَّهري الفِعْلي، وتعاونا معًا على رسْم الخطوط العريضة لميزانيَّة البيت، مذكِّرا إيَّاها بقول الله - تعالى -: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
تذَكَّرْ أنَّ إعداد الميزانيَّة يتطلَّب عادةً جلساتٍ عدَّة للوصول إلى نتيجة مُرْضية، كما تَحتاج إلى تعديل منتظم ومراجعة مستمرَّة حسب التغْييرات الحاصلة شهريًّا، المهمُّ في القضيَّة أن تكون زوجتُك على بيِّنة.
إذا كنتَ تُحبُّها حقًّا ولا يَضيرك أن تتصرَّف زوجتُك بِمالك، فاقترح عليها أن تتصرَّف في الدَّخْل الشَّهري لشهرٍ واحدٍ كتجربة، فلربَّما ساعدَها ذلك على أن تتفهَّم حجْم معاناتك الحقيقيَّة، حين تَختبر حقيقة وضْعِك المالي مع مطالبها الماديَّة الضَّاغطة، وتعيش الدَّور الصَّعب الَّذي فُضِّلتَ به عليها؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]؛ فلربَّما أعادها ذلك إلى صوابِها فتُحْسِن التَّدبير في النَّفقة.
عن أبي هُريرة - رضِي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير نساءٍ ركِبْن الإبل نساءُ قريْش، أحناه على ولدٍ في صغَرِه، وأرْعاه على زوْجٍ في ذات يدِه))؛ متَّفق عليه.
إذا كانت زوجتك تَحمِل شهادة تؤهِّلها للعمل، ولا تُمانِع أنت من خروجِها للعمل - فلا تتأخَّر في ذلك من أجْل تَحسين وضعِكُما المالي، ابذُل وسعَك لحماية سفينتِك من الغرق.
أخي الفاضل:
زوجتُك اليوم تسير معصوبةَ العينين بلا هدى، فهي لا ترى من النِّعَم إلاَّ الزَّائل منها، ولا ترى النِّعْمة الحقيقيَّة التي وهبها الله إيَّاها، وهي: أنت؛ (زوج خلوق وحنون).
مَنْ كَانَ يَمْلِكُ دُرَّةً فَأَضَاعَهَـا صَدِئَتْ عَلَى كَفَّيْهِ تِيجَانُ الذَّهَبْ |
فامنح زوجتَك الوقتَ الكافيَ لتجْرِبة هذه المقْترحات، فإن لم تستجِبْ لكلِّ الجهود التي بذلْتَها للإصلاح، فلا بدَّ ساعتئذٍ أن تبتعِدا قليلاً عن بعضكما لعدَّة أيَّام؛ لكي تشعُر بقيمتِك وبالقيمة الحقيقيَّة للمودَّة والرَّحْمة، من دون أن تُضْمِر في نفسِك الطَّلاق؛ فليس هذا ما عنَيْناه - بارك الله فيك.
واصطبِر يومئذٍ على غيابِها حتَّى تعود من نفسِها إلى نفسِها، وإليْك وإلى بيتها، فإن لم تعُد إلى صوابِها، فماذا عسانا أن نفعل بعد ذلك؟!
سَلامٌ عَلَيْهَا مَا أَحَبَّتْ سَلامَنَـا فَإِنْ كَرِهَتْهُ فَالسَّلامُ عَلَى أُخْرَى |
أسألُ الله تعالى أن يُصْلِح حال زوجتِك، ويهديها لِما يحبُّه ويرْضاه عنها، ولا يرضى اللهُ إلاَّ ما ترضاه يا ، فأكثِرْ من الدُّعاء وفَّقك الله؛ {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
دمتَ بألف خير، ولا تنسَنا من صالح دعائك.
أ. عائشة الحكمي
مآآآآآجده