بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في أحد الشوارع التجارية كان يسير ببطء بسيارته التي ينطلق منها صوت الأغاني الأجنبية حتى إذا التفت من حوله إلى مصدر الصوت هالهم ما رأوا: شاب في مقتبل العمر، ينسدل شعره على كتفيه، ولما ترجل من السيارة ازداد العجب فقد كان يرتدي بنطالا أو بالأحرى "شورتا" حتى الركبة وفوقه "تي شيرت" على ظهره عبارة "فولومي توهيل" بالإنجليزية أي "اتبعني إلى جهنم".
صاحبنا هذا واحد من آلاف الشباب ممن وقعوا ضحية صرعات الموضة بأشكالها و"تقليعاتها" المختلفة ففي هذا المكان الذي رأينا فيه ذلك الشاب يتجمع أصدقاء له بملابسهم الغريبة وقَصّات الشعر الأكثر غرابة: فهذه قَصّة الكابوريا، وتلك قَصّة الأسد، وهذه قَصّة لاعب الكرة الإنجليزي ديفيد بيكهام، وتلك قَصّة فرساتشي ويدور بين هؤلاء تنافس في أيهم أكثر مجاراة لأحدث الموضات وأكثر قدرة على لفت الأنظار وجذب الفتيات.
ولعُ الشباب بالموضة قد لا يقف عند حدود، فإذا كان من المستساغ ـ مثلا ـ بحثهم عن أشكال وأنواع جديدة من الثياب أو الشماغ أو حتى "إكسسوارات" الجوال وزينة السيارات إلا أن الأمر قلما يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى ما يصدم الذوق السليم. فهل يتصور عاقل أن تنتقل موضة البنطال السائب الذي يعرف باسم "thug" من سجون أمريكا إلى المجتمعات العربية فنجد في شوارع المدن العربية من يرتدي هذا البنطال من الشباب دون أن يعرف أصله أو نشأته؟!.
والأكثر غرابة أن ولع الشباب بالموضة كثيرا ما يسير في خط معاكس للأناقة والجمال. فمن أحدث صرعات الموضة في اللباس ما يمكن أن نسميه الملابس القذرة التي ظهرت أول مرة مع فرق موسيقى الروك كنوع من التمرد على السائد في الولايات المتحدة الأمريكية. إذا رأيت واحدا من هؤلاء الشباب يرتدي تلك الملابس فإنك ربما تبادر لتضع يدك في جيبك وتخرج له ما تجود به نفسك على سبيل الصدقة فكأن ملابسه من سلة القمامة والبنطال في الغالب ممزق فوق الركبتين، لكن ما يجعلك تراجع نفسك أنك ستجد هذا الشاب يقود سيارة من أحدث "الموديلات"، وإذا حدثته _ إذا سمح لك أن تحدثه – ستفاجئك الكلمات الأجنبية في حديثه.
مسألة حيوية وأسباب غير مقنعة
إذا اقتربت من شباب الموضة لتعرف أسباب تعلقهم بهذه الصرعات في الملابس أو قصّات الشعر، فقد لا تجد شيئا مقنعا بمعايير العقل والمنطق، لكنه من وجهة نظرهم مسألة حيوية تكلفهم الكثير من المال والجهد وبالتالي فهم يحصلون منهما على ما يبرر هذا الإنفاق.
أحد أصحاب قصّات الشعر الغريبة يرى أن تلك القصة تبرز جماله وأناقته، وأنه يرتاح إليها، وأنها الأكثر انتشارا بين أصدقائه المقربين. حزمة من الأسباب قد لا تجد حيلة في تنفيذها.
أما ع. المولع بكل جديد في " إكسسوارات" الجوالات والسيارات فيجد في ذلك الأمر إشباعا لرغبته في التميز بين أقرانه ويطالبنا بأن ننظر للمسألة بدرجة أكبر من الأريحية، ففي رأيه أن المسألة هواية ليست أكثر لا تختلف عن هوايات أخرى كجمع طوابع البريد أو تربية الطيور والحيوانات الأليفة.
ويبقى ولع بعض الشباب بالغريب من الأزياء والملابس المتغيرة بحسب صرعات الموضة هو الأمر الأكثر حيرة ودلالة في آن .فأكثر هذه الملابس لا تخضع لمعايير الجمال والذوق، وأكثرها أيضا عابر للحدود جاءنا من مجتمعات أخرى. ورغم ذلك فإن من الشباب من يرهق نفسه وأهله للحصول عليها.
رأي المراقبين
المراقبون والخبراء يرون أن الأمر يتجاوز رغبات الشباب، بل ويعتبرون تلك الرغبات نتيجة وليست سببا في مسألة ولع الشباب بالموضة. ففي عصر ثقافة الصورة التي تسود العالم، وفي عصر الفضائيات والإنترنت أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصرعاتها واتخذت من الشباب فئة مستهدفة، فما أكثر المجلات والبرامج ومواقع الإنترنت التي تعرض الجديد من كل موضة للشباب وترغّبهم فيه حتى أصبحت أخبار الموضة تنافس أكثر الأخبار الساخنة في مناطق الصراع.
ومن المثير للعجب أن وكالات الأنباء العالمية بثت بالكلمة والصورة خبر استدعاء نجم الكرة الإنجليزي ديفيد بيكهام لحلاقه إلى ألمانيا أثناء مشاركته لفريق بلاده في مباريات كأس العالم حتى يحلق شعره على طريقته المعهودة التي أصبحت صرعة جديدة بين الشباب.
كل هذا الولع لماذا؟
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الأمر يتجاوز ولع الشباب بصرعات الموضة، فالمعضلة في دلالة ذلك الأمر وليس في مظهره، فهذا الولع قد يكون مؤشراً لخواء وضعف انتماء وأزمة هوية وضعف ثقة بالنفس ، ومؤشرا على قدرة الآخرين على التلاعب بنا. كان الدكتور حامد ربيع الذي أسس لدراسة الرأي العام في العالم العربي ينظر إلى شركات الموضة كأكبر خطر يهدد العقول، فهي تتلاعب بالناس وتغير قناعاتهم بين ليلة وضحاها، وما تعتبره اليوم تخلفا تقدمه غدا على أنه رمز لصرعة جديدة، وهكذا دواليك.. ونظرا لأن هذه التغيرات تحدث بوتيرة متسارعة فإن الجمهور المستهدف وهم الشباب تضيع لديهم القدرة على التمييز والحكم على الأشياء ويصبحون لعبة في أيدي بيوت الأزياء.
ليس عيبا أن يبحث الشباب عن التغيير والتجديد، لكن العيب أن يحدث ذلك على أرضية مختلفة تماما عن دينه ومجتمعه ووفق نسق قيمي مغاير بل معاد لأمته، وأن يكون ذلك مؤشرا لخواء مخيف بحيث تصبح ملابس حثالات المجتمعات الغربية من نزلاء السجون وفرق البوب والروك و"الهيبس" موضة لشبابنا ومؤشرا لتقدمهم ومجاراتهم لروح العصر!!
م
مـــ ماجده ـلاك الروح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في أحد الشوارع التجارية كان يسير ببطء بسيارته التي ينطلق منها صوت الأغاني الأجنبية حتى إذا التفت من حوله إلى مصدر الصوت هالهم ما رأوا: شاب في مقتبل العمر، ينسدل شعره على كتفيه، ولما ترجل من السيارة ازداد العجب فقد كان يرتدي بنطالا أو بالأحرى "شورتا" حتى الركبة وفوقه "تي شيرت" على ظهره عبارة "فولومي توهيل" بالإنجليزية أي "اتبعني إلى جهنم".
صاحبنا هذا واحد من آلاف الشباب ممن وقعوا ضحية صرعات الموضة بأشكالها و"تقليعاتها" المختلفة ففي هذا المكان الذي رأينا فيه ذلك الشاب يتجمع أصدقاء له بملابسهم الغريبة وقَصّات الشعر الأكثر غرابة: فهذه قَصّة الكابوريا، وتلك قَصّة الأسد، وهذه قَصّة لاعب الكرة الإنجليزي ديفيد بيكهام، وتلك قَصّة فرساتشي ويدور بين هؤلاء تنافس في أيهم أكثر مجاراة لأحدث الموضات وأكثر قدرة على لفت الأنظار وجذب الفتيات.
ولعُ الشباب بالموضة قد لا يقف عند حدود، فإذا كان من المستساغ ـ مثلا ـ بحثهم عن أشكال وأنواع جديدة من الثياب أو الشماغ أو حتى "إكسسوارات" الجوال وزينة السيارات إلا أن الأمر قلما يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى ما يصدم الذوق السليم. فهل يتصور عاقل أن تنتقل موضة البنطال السائب الذي يعرف باسم "thug" من سجون أمريكا إلى المجتمعات العربية فنجد في شوارع المدن العربية من يرتدي هذا البنطال من الشباب دون أن يعرف أصله أو نشأته؟!.
والأكثر غرابة أن ولع الشباب بالموضة كثيرا ما يسير في خط معاكس للأناقة والجمال. فمن أحدث صرعات الموضة في اللباس ما يمكن أن نسميه الملابس القذرة التي ظهرت أول مرة مع فرق موسيقى الروك كنوع من التمرد على السائد في الولايات المتحدة الأمريكية. إذا رأيت واحدا من هؤلاء الشباب يرتدي تلك الملابس فإنك ربما تبادر لتضع يدك في جيبك وتخرج له ما تجود به نفسك على سبيل الصدقة فكأن ملابسه من سلة القمامة والبنطال في الغالب ممزق فوق الركبتين، لكن ما يجعلك تراجع نفسك أنك ستجد هذا الشاب يقود سيارة من أحدث "الموديلات"، وإذا حدثته _ إذا سمح لك أن تحدثه – ستفاجئك الكلمات الأجنبية في حديثه.
مسألة حيوية وأسباب غير مقنعة
إذا اقتربت من شباب الموضة لتعرف أسباب تعلقهم بهذه الصرعات في الملابس أو قصّات الشعر، فقد لا تجد شيئا مقنعا بمعايير العقل والمنطق، لكنه من وجهة نظرهم مسألة حيوية تكلفهم الكثير من المال والجهد وبالتالي فهم يحصلون منهما على ما يبرر هذا الإنفاق.
أحد أصحاب قصّات الشعر الغريبة يرى أن تلك القصة تبرز جماله وأناقته، وأنه يرتاح إليها، وأنها الأكثر انتشارا بين أصدقائه المقربين. حزمة من الأسباب قد لا تجد حيلة في تنفيذها.
أما ع. المولع بكل جديد في " إكسسوارات" الجوالات والسيارات فيجد في ذلك الأمر إشباعا لرغبته في التميز بين أقرانه ويطالبنا بأن ننظر للمسألة بدرجة أكبر من الأريحية، ففي رأيه أن المسألة هواية ليست أكثر لا تختلف عن هوايات أخرى كجمع طوابع البريد أو تربية الطيور والحيوانات الأليفة.
ويبقى ولع بعض الشباب بالغريب من الأزياء والملابس المتغيرة بحسب صرعات الموضة هو الأمر الأكثر حيرة ودلالة في آن .فأكثر هذه الملابس لا تخضع لمعايير الجمال والذوق، وأكثرها أيضا عابر للحدود جاءنا من مجتمعات أخرى. ورغم ذلك فإن من الشباب من يرهق نفسه وأهله للحصول عليها.
رأي المراقبين
المراقبون والخبراء يرون أن الأمر يتجاوز رغبات الشباب، بل ويعتبرون تلك الرغبات نتيجة وليست سببا في مسألة ولع الشباب بالموضة. ففي عصر ثقافة الصورة التي تسود العالم، وفي عصر الفضائيات والإنترنت أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصرعاتها واتخذت من الشباب فئة مستهدفة، فما أكثر المجلات والبرامج ومواقع الإنترنت التي تعرض الجديد من كل موضة للشباب وترغّبهم فيه حتى أصبحت أخبار الموضة تنافس أكثر الأخبار الساخنة في مناطق الصراع.
ومن المثير للعجب أن وكالات الأنباء العالمية بثت بالكلمة والصورة خبر استدعاء نجم الكرة الإنجليزي ديفيد بيكهام لحلاقه إلى ألمانيا أثناء مشاركته لفريق بلاده في مباريات كأس العالم حتى يحلق شعره على طريقته المعهودة التي أصبحت صرعة جديدة بين الشباب.
كل هذا الولع لماذا؟
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الأمر يتجاوز ولع الشباب بصرعات الموضة، فالمعضلة في دلالة ذلك الأمر وليس في مظهره، فهذا الولع قد يكون مؤشراً لخواء وضعف انتماء وأزمة هوية وضعف ثقة بالنفس ، ومؤشرا على قدرة الآخرين على التلاعب بنا. كان الدكتور حامد ربيع الذي أسس لدراسة الرأي العام في العالم العربي ينظر إلى شركات الموضة كأكبر خطر يهدد العقول، فهي تتلاعب بالناس وتغير قناعاتهم بين ليلة وضحاها، وما تعتبره اليوم تخلفا تقدمه غدا على أنه رمز لصرعة جديدة، وهكذا دواليك.. ونظرا لأن هذه التغيرات تحدث بوتيرة متسارعة فإن الجمهور المستهدف وهم الشباب تضيع لديهم القدرة على التمييز والحكم على الأشياء ويصبحون لعبة في أيدي بيوت الأزياء.
ليس عيبا أن يبحث الشباب عن التغيير والتجديد، لكن العيب أن يحدث ذلك على أرضية مختلفة تماما عن دينه ومجتمعه ووفق نسق قيمي مغاير بل معاد لأمته، وأن يكون ذلك مؤشرا لخواء مخيف بحيث تصبح ملابس حثالات المجتمعات الغربية من نزلاء السجون وفرق البوب والروك و"الهيبس" موضة لشبابنا ومؤشرا لتقدمهم ومجاراتهم لروح العصر!!
م
مـــ ماجده ـلاك الروح