بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فلا شك أن أي فرد يتمنى الخير لبلده وأمته، ولكن الواقع الذي حدث من عبد الناصر في حرب يونيو 1967 يظهر لنا عكس ذلك، ويظهر لنا مدى الخسارة الفادحة والهزيمة المنكرة التي ذاقتها البلاد والعباد، وذلك بسبب الأوامر التي قام عبد الناصر بإصدارها، والأحداث التي قام بصنعها وقيادتها حتى أدت إلى ذلك الواقع المرير الذي لا يتمناه من عنده أدنى ذرة من حب لدينه أو حتى بلاده، وسنتجول في مبحثنا هذا عن دور عبد الناصر عن هزيمة حرب يونيو.
حرب 1967:
استفاد اليهود من حرب يونيو 67 استفادة كبيرة جداً علي يد جمال عبد الناصر وفي مجالات شتى مما لم يكن يخطر لهم على بال سواء في حينها أو بعدها وحتى الآن، ونبين هنا أن الإجراءات التي اتبعت في حرب يونيو 67 متماثلة مع الإجراءات المتبعة في حرب 1956 مع خلاف بسيط، مما يجعل المرء يعتقد أن من وراء ذلك سوء قصد، وتعمد الوصول للنتائج التي أدت إلى الهزيمة المخزية والمزرية، ومن ذلك:
1- علم عبد الناصر المسبق بوقوع الحرب:
ثبت أن عبد الناصر كان على دراية سابقة بوقوع الحرب، وسنتكلم هنا بإيجاز عن ذلك ثم دوره بناءاً على هذا العلم، في هذه الحرب كان عند عبد الناصر معلومات كثيرة أكيدة ودقيقة عن قرب وقوع العدوان، وبصورة أوضح بكثير من حرب 1956 نسوق منها:
- وصول معلومات وتفصيلات عن استعداد إسرائيل العسكري للحرب، وتحديد 5 يونيو للهجوم على مصر، وذلك عن طريق مندوب المخابرات المصرية المزروع في إسرائيل والمسمى "رأفت الهجان" (1).
- إعطاء كولونيل فرنسي تفاصيل خطة الهجوم على مصر وساعة وتاريخ الهجوم على مصر للمفوض المصري بباريس "عز الدين شرف" الذي سافر للقاهرة لإبلاغ شقيقه "سامي شرف" "مدير مكتب الرئيس"، والذي قام بدوره بإبلاغ عبد الناصر بذلك في نفس اليوم.
- جاء على لسان الفريق أول محمد أحمد صادق، مدير المخابرات الحربية عام 1967 أنه في أحد الاجتماعات العسكرية التي عقدت برئاسة عبد الناصر يوم 2 يونيو 1967، أعلن فيه أن معلوماته التي حصل عليها شخصياً من مصادر دولية كبيرة كالهند تؤكد هجوم إسرائيل يوم 4 أو 5 يونيو.. وتقرير المخابرات بصوت مسموع: "إن إسرائيل ستهجم يوم 5 يونيو" (2).
وقال: "إن علينا ألا نبدأ بالهجوم، ونتلقى الضربة الأولى، وأن روسيا أكدت أن خسائرنا لن تزيد على 15 في المئة" (3).
هذه المعلومات وغيرها وصلت إلى علم عبد الناصر، ويؤكد ذلك قوله في خطاب 23 يوليو 1967 والذي أشار فيه إلى اجتماعه بالقادة العسكريين الكبار بمبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث قال: ".. وقلت في هذا الاجتماع يوم 2 يونيو أنه لابد لنا أن نتوقع ضربة من العدو في خلال 48 ساعة إلى 72 ساعة لا تتأخر عنها أبداً على أساس ما كانت تشير دلائل الحوادث والتطورات، وقلت أيضاً في هذا الاجتماع إنني أتوقع أن يكون العدوان في الاثنين 5 يونيو وأن الضربة الأولى ستوجه إلى قواتنا الجوية.." وحدث ما تم ذكره تماماً من ضرب القوات الجوية في التاريخ المذكور.
ب- استجابة عبد الناصر لنداء روسيا وأمريكا وانتظار الضربة الأولى:
في حرب يونيو 1967 طلبت كل من الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية من عبد الناصر ضبط النفس وعدم المبادأة بالعدوان، وقد استجاب عبد الناصر لذلك رغم علمه بتوقع الحرب - كما سبق القول - وانتظر الضربة الأولى حتى وقعت دون أن يكون هناك أدنى استعداد من جهته لذلك.
يقول في المؤتمر الصحفي يوم 28 مايو عام 1967: "مستنيين (منتظرين) تاركين المبادأة لهم".
ولا يفوت عبد الناصر أن ذلك خطة السياسة العسكرية الإسرائيلية أن تكون هي دائماً البادئة بالعدوان نظرا لوضعها وحجمها "إن فرصة إسرائيل الوحيدة في التغلب على خصمها الذي يفوقها في العدد والعدة تكمن في أن تكون البادئة بالهجوم" (4).
وأكد عبد الناصر في اجتماع القادة يوم 2 يونيو 1967 أن الوضع سيحل سلمياً عن طريق أمريكا وروسيا، وسيرسل زكريا محيي الدين إلى الولايات المتحدة لذلك.
- ويقول محمد حسنين هيكل في مقاله: "بصراحة إن المواجهة المسلحة مع إسرائيل أصبحت واقعة لا محالة ولكننا سننتظر الضربة الأولى منها ونرد عليها بضربة ردع حاسمة" (5).
ج- الإجراءات العسكرية في المعركة:
أهم ما نلاحظه في سير هذه المعركة هو أمر عبد الناصر بتخفيض حمولة الطائرات من الذخيرة بنسبة 25 في المئة، والسماح لأجازات الطيارين بنسبة 15 في المئة،على أن تنفذ هذه التعليمات اعتباراً من يوم 5 يونيو 1967م، وزاد من بلية الأمر وغرابته ووضع علامة استفهام كبيرة على تصرف عبد الناصر هذا بالذات هو إصداره أمراً للمشير عبد الحكيم عامر ومعه طائرتان تحملان طاقم القيادة العسكرية بالكامل بالتوجه إلى سيناء، وإعطاء أوامر للدفاع الجوي بمنع التعرض لأي هدف طائر على مستوى الجمهورية من الساعة الخامسة من صباح 5 يونيو رغم اعترافه وعلمه السابق الإشارة إليه بأن الطيران الإسرائيلي سيبدأ الهجوم بين الساعة السابعة والساعة الثامنة من صباح يوم 5 يونيو 1967م.
- وبدأ الهجوم صباح هذا اليوم والطيران الإسرائيلي يسبح في سماء الأجواء المصرية بطلاقة وحرية، دون أن تتعرض له الصواريخ أو المدفعية المضادة للطائرات تنفيذاً للتعليمات الصادرة في اليوم السابق للعدوان.
وقصفت الطائرات الإسرائيلية المطارات المصرية، والطائرات رابضة في ممراتها وفي خلال ساعات دمرت هذه المطارات بنسبة 80 في المئة.
فالأمر في الاستعداد لمعركة 1967 في منتهى الغرابة وفي غاية الدهشة والفوضى والتسيب.
- يقول الفريق أول "محمد أحمد صادق" مدير المخابرات الحربية عام 1967م "جريمة كبرى ولا يمكن أن أصفها بأقل من ذلك تلك التي ارتكبوها في حق الشعب المصري وهم ينفذون مشروع التعبئة العامة لمعركة 5 يونيو 1967، عندما قاموا بكل الهزل والاستخفاف بإرسال تشكيلات قوات الاحتياط بملابسهم المدنية إلى مسرح القتال ودون أسلحة أو أغذية أو أدوية، بل بدون توفير مياه الشرب لهذه القوات، أرسلوا مئات الدبابات دون وقود، ودون إبر ضرب النار إلى سيناء وأطقم دبابات "ث34" يرسلونها إلى دبابات "ت54" ودبابات جديدة خرجت من المخابرات (6) بشحومها وبدون بطاريات أو ذخيرة، وبينها دبابات شيرمان الغربية التي حصلت عليها مصر سراً قبل الحرب بفترة قصيرة، تشكيلات برية دفعوا بها إلى سيناء، دون أن يكون لدى قادتها خرائط بمواقعهم، أو أوامر بواجباتهم القتالية، كما شحنوا إلى الجبهة بوحدات الحرس الوطني دون مهام لها، فتحولوا إلى عبء خطير إدارياً وقيادياً وإنسانياً، ولم يرسلوا إليهم بكميات من الأغذية تكفي أسبوعا ولا حتي يوماُ واحداً ولا بمياه شرب وبالدواء تحسباً للأمراض المفاجئة، أعادوا قادة من الجبهة دفعوا بدلاً منهم آخرين على مستوى التشكيلات الكبيرة والصغيرة كذلك، دون أن يكون لهؤلاء القادة الجدد أدنى فكرة عن تنظيم التشكيلات التي سيتولون قيادتها واستمر ذلك حتى نهار 4 يونيو، وظلت مستودعات الذخيرة والبترول واحتياطات الغذاء الجافة متناثرة في جبهة سيناء كما تستلزم حالة السلم دون نقلها إلى مستودعات أخرى خشية التدمير أو السقوط في أيدي العدو الذي استخدمها وهو يزحف متقدماً نحو الضفة الشرقية للقناة وبين هذه المستودعات مخازن الذخيرة" (7).
د- انسحاب يونيو 1967م:
أصدر جمال عبد الناصر الأوامر بالانسحاب الفوضوي غير المدروس، وبدون خطة، مما أربك القوات المصرية في صحراء سيناء المكشوفة، وأصبحت هدفاً سهلاً للطيران الإسرائيلي، مما عرضها للإبادة، وتركها الأسلحة والمعدات والعربات ثم ملاذها بالفرار في اتجاه القناة والنجاة بنفسها.
- نتائج الحرب:
في حرب 1967م احتلت إسرائيل سيناء بأكملها حتى قناة السويس، هذا بخلاف مرتفعات الجولان والقدس والضفة الغربية فإلى جانب الخسائر الباهظة في الحرب من ألوف القتلى والجرحى والأسرى، ومئات الملايين ثمن المعدات والأسلحة المختلفة، والتجهيزات العسكرية والمدنية، مما كان له عظيم الأثر على اقتصاد مصر فأدى بها إلى الخراب الذي وقع بها، فعانت ويلاته ولا تزال تعانيه حتى الآن (8).
الخاتمة:
فعبد الناصر كان هو السبب الرئيسي في الهزيمة المنكرة في حرب يونيو1967م، ولقد أتاح ذلك لإسرائيل كل السبل لتحقيق السبل لتحقق لنفسها كل هذه المكاسب باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكانت هذه النتيجة هي التمهيد الطبيعي لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل فيما بعد، والذي يتبادر إلى الذهن هو التساؤل عن كيفية صدور مثل هذه القرارات والأوامر والتصرفات من رجل عسكري كان مدرساً بمدرسة المشاة ثم الكلية الحربية ولا يخفى عليه ما فعله، وبالتالي يُنفى عنه حسن النية أو حتى الخطأ، وقد نشر حسن التهامي في أغسطس عام 1979 بجريدة الأهرام ما يؤكد شكه الذي يحمله على الاعتقاد بأن الهزائم التي لحقت بمصر عام 1967، لم يكن بخطأ عبد الحكيم عامر أو عبد الناصر، بل الأمر يحمل ورائه شيئاً غير الخطأ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر "عبد الناصر وعلاقاته الخفيُّة" للأستاذ أحمد عبد المجيد من ص 59 إلى ص 69 بتصرف.
1- الشرق الأوسط في 17/7/1986.
2- الشرق الأوسط في 9/6/1987.
3- جريدة الوفد في 24 شوال 1407هـ الموافق 30 يونيو 1987م.
4- الموساد - جهاز المخابرات الإسرائيلية السري ص 106.
5- الأهرام في 26 مايو 1967م.
6- التي هو مديرها.
7- الشرق الأوسط في 9/6/1987.
8- انظر كتاب وزارة المالية - اللجنة العامة لتعويضات الحرب - ملف100/1.
بقلم الأستاذ/ أحمد عبد المجيد (بارك الله لك )
مـــ ماجده ـلاك الروح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فلا شك أن أي فرد يتمنى الخير لبلده وأمته، ولكن الواقع الذي حدث من عبد الناصر في حرب يونيو 1967 يظهر لنا عكس ذلك، ويظهر لنا مدى الخسارة الفادحة والهزيمة المنكرة التي ذاقتها البلاد والعباد، وذلك بسبب الأوامر التي قام عبد الناصر بإصدارها، والأحداث التي قام بصنعها وقيادتها حتى أدت إلى ذلك الواقع المرير الذي لا يتمناه من عنده أدنى ذرة من حب لدينه أو حتى بلاده، وسنتجول في مبحثنا هذا عن دور عبد الناصر عن هزيمة حرب يونيو.
حرب 1967:
استفاد اليهود من حرب يونيو 67 استفادة كبيرة جداً علي يد جمال عبد الناصر وفي مجالات شتى مما لم يكن يخطر لهم على بال سواء في حينها أو بعدها وحتى الآن، ونبين هنا أن الإجراءات التي اتبعت في حرب يونيو 67 متماثلة مع الإجراءات المتبعة في حرب 1956 مع خلاف بسيط، مما يجعل المرء يعتقد أن من وراء ذلك سوء قصد، وتعمد الوصول للنتائج التي أدت إلى الهزيمة المخزية والمزرية، ومن ذلك:
1- علم عبد الناصر المسبق بوقوع الحرب:
ثبت أن عبد الناصر كان على دراية سابقة بوقوع الحرب، وسنتكلم هنا بإيجاز عن ذلك ثم دوره بناءاً على هذا العلم، في هذه الحرب كان عند عبد الناصر معلومات كثيرة أكيدة ودقيقة عن قرب وقوع العدوان، وبصورة أوضح بكثير من حرب 1956 نسوق منها:
- وصول معلومات وتفصيلات عن استعداد إسرائيل العسكري للحرب، وتحديد 5 يونيو للهجوم على مصر، وذلك عن طريق مندوب المخابرات المصرية المزروع في إسرائيل والمسمى "رأفت الهجان" (1).
- إعطاء كولونيل فرنسي تفاصيل خطة الهجوم على مصر وساعة وتاريخ الهجوم على مصر للمفوض المصري بباريس "عز الدين شرف" الذي سافر للقاهرة لإبلاغ شقيقه "سامي شرف" "مدير مكتب الرئيس"، والذي قام بدوره بإبلاغ عبد الناصر بذلك في نفس اليوم.
- جاء على لسان الفريق أول محمد أحمد صادق، مدير المخابرات الحربية عام 1967 أنه في أحد الاجتماعات العسكرية التي عقدت برئاسة عبد الناصر يوم 2 يونيو 1967، أعلن فيه أن معلوماته التي حصل عليها شخصياً من مصادر دولية كبيرة كالهند تؤكد هجوم إسرائيل يوم 4 أو 5 يونيو.. وتقرير المخابرات بصوت مسموع: "إن إسرائيل ستهجم يوم 5 يونيو" (2).
وقال: "إن علينا ألا نبدأ بالهجوم، ونتلقى الضربة الأولى، وأن روسيا أكدت أن خسائرنا لن تزيد على 15 في المئة" (3).
هذه المعلومات وغيرها وصلت إلى علم عبد الناصر، ويؤكد ذلك قوله في خطاب 23 يوليو 1967 والذي أشار فيه إلى اجتماعه بالقادة العسكريين الكبار بمبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث قال: ".. وقلت في هذا الاجتماع يوم 2 يونيو أنه لابد لنا أن نتوقع ضربة من العدو في خلال 48 ساعة إلى 72 ساعة لا تتأخر عنها أبداً على أساس ما كانت تشير دلائل الحوادث والتطورات، وقلت أيضاً في هذا الاجتماع إنني أتوقع أن يكون العدوان في الاثنين 5 يونيو وأن الضربة الأولى ستوجه إلى قواتنا الجوية.." وحدث ما تم ذكره تماماً من ضرب القوات الجوية في التاريخ المذكور.
ب- استجابة عبد الناصر لنداء روسيا وأمريكا وانتظار الضربة الأولى:
في حرب يونيو 1967 طلبت كل من الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية من عبد الناصر ضبط النفس وعدم المبادأة بالعدوان، وقد استجاب عبد الناصر لذلك رغم علمه بتوقع الحرب - كما سبق القول - وانتظر الضربة الأولى حتى وقعت دون أن يكون هناك أدنى استعداد من جهته لذلك.
يقول في المؤتمر الصحفي يوم 28 مايو عام 1967: "مستنيين (منتظرين) تاركين المبادأة لهم".
ولا يفوت عبد الناصر أن ذلك خطة السياسة العسكرية الإسرائيلية أن تكون هي دائماً البادئة بالعدوان نظرا لوضعها وحجمها "إن فرصة إسرائيل الوحيدة في التغلب على خصمها الذي يفوقها في العدد والعدة تكمن في أن تكون البادئة بالهجوم" (4).
وأكد عبد الناصر في اجتماع القادة يوم 2 يونيو 1967 أن الوضع سيحل سلمياً عن طريق أمريكا وروسيا، وسيرسل زكريا محيي الدين إلى الولايات المتحدة لذلك.
- ويقول محمد حسنين هيكل في مقاله: "بصراحة إن المواجهة المسلحة مع إسرائيل أصبحت واقعة لا محالة ولكننا سننتظر الضربة الأولى منها ونرد عليها بضربة ردع حاسمة" (5).
ج- الإجراءات العسكرية في المعركة:
أهم ما نلاحظه في سير هذه المعركة هو أمر عبد الناصر بتخفيض حمولة الطائرات من الذخيرة بنسبة 25 في المئة، والسماح لأجازات الطيارين بنسبة 15 في المئة،على أن تنفذ هذه التعليمات اعتباراً من يوم 5 يونيو 1967م، وزاد من بلية الأمر وغرابته ووضع علامة استفهام كبيرة على تصرف عبد الناصر هذا بالذات هو إصداره أمراً للمشير عبد الحكيم عامر ومعه طائرتان تحملان طاقم القيادة العسكرية بالكامل بالتوجه إلى سيناء، وإعطاء أوامر للدفاع الجوي بمنع التعرض لأي هدف طائر على مستوى الجمهورية من الساعة الخامسة من صباح 5 يونيو رغم اعترافه وعلمه السابق الإشارة إليه بأن الطيران الإسرائيلي سيبدأ الهجوم بين الساعة السابعة والساعة الثامنة من صباح يوم 5 يونيو 1967م.
- وبدأ الهجوم صباح هذا اليوم والطيران الإسرائيلي يسبح في سماء الأجواء المصرية بطلاقة وحرية، دون أن تتعرض له الصواريخ أو المدفعية المضادة للطائرات تنفيذاً للتعليمات الصادرة في اليوم السابق للعدوان.
وقصفت الطائرات الإسرائيلية المطارات المصرية، والطائرات رابضة في ممراتها وفي خلال ساعات دمرت هذه المطارات بنسبة 80 في المئة.
فالأمر في الاستعداد لمعركة 1967 في منتهى الغرابة وفي غاية الدهشة والفوضى والتسيب.
- يقول الفريق أول "محمد أحمد صادق" مدير المخابرات الحربية عام 1967م "جريمة كبرى ولا يمكن أن أصفها بأقل من ذلك تلك التي ارتكبوها في حق الشعب المصري وهم ينفذون مشروع التعبئة العامة لمعركة 5 يونيو 1967، عندما قاموا بكل الهزل والاستخفاف بإرسال تشكيلات قوات الاحتياط بملابسهم المدنية إلى مسرح القتال ودون أسلحة أو أغذية أو أدوية، بل بدون توفير مياه الشرب لهذه القوات، أرسلوا مئات الدبابات دون وقود، ودون إبر ضرب النار إلى سيناء وأطقم دبابات "ث34" يرسلونها إلى دبابات "ت54" ودبابات جديدة خرجت من المخابرات (6) بشحومها وبدون بطاريات أو ذخيرة، وبينها دبابات شيرمان الغربية التي حصلت عليها مصر سراً قبل الحرب بفترة قصيرة، تشكيلات برية دفعوا بها إلى سيناء، دون أن يكون لدى قادتها خرائط بمواقعهم، أو أوامر بواجباتهم القتالية، كما شحنوا إلى الجبهة بوحدات الحرس الوطني دون مهام لها، فتحولوا إلى عبء خطير إدارياً وقيادياً وإنسانياً، ولم يرسلوا إليهم بكميات من الأغذية تكفي أسبوعا ولا حتي يوماُ واحداً ولا بمياه شرب وبالدواء تحسباً للأمراض المفاجئة، أعادوا قادة من الجبهة دفعوا بدلاً منهم آخرين على مستوى التشكيلات الكبيرة والصغيرة كذلك، دون أن يكون لهؤلاء القادة الجدد أدنى فكرة عن تنظيم التشكيلات التي سيتولون قيادتها واستمر ذلك حتى نهار 4 يونيو، وظلت مستودعات الذخيرة والبترول واحتياطات الغذاء الجافة متناثرة في جبهة سيناء كما تستلزم حالة السلم دون نقلها إلى مستودعات أخرى خشية التدمير أو السقوط في أيدي العدو الذي استخدمها وهو يزحف متقدماً نحو الضفة الشرقية للقناة وبين هذه المستودعات مخازن الذخيرة" (7).
د- انسحاب يونيو 1967م:
أصدر جمال عبد الناصر الأوامر بالانسحاب الفوضوي غير المدروس، وبدون خطة، مما أربك القوات المصرية في صحراء سيناء المكشوفة، وأصبحت هدفاً سهلاً للطيران الإسرائيلي، مما عرضها للإبادة، وتركها الأسلحة والمعدات والعربات ثم ملاذها بالفرار في اتجاه القناة والنجاة بنفسها.
- نتائج الحرب:
في حرب 1967م احتلت إسرائيل سيناء بأكملها حتى قناة السويس، هذا بخلاف مرتفعات الجولان والقدس والضفة الغربية فإلى جانب الخسائر الباهظة في الحرب من ألوف القتلى والجرحى والأسرى، ومئات الملايين ثمن المعدات والأسلحة المختلفة، والتجهيزات العسكرية والمدنية، مما كان له عظيم الأثر على اقتصاد مصر فأدى بها إلى الخراب الذي وقع بها، فعانت ويلاته ولا تزال تعانيه حتى الآن (8).
الخاتمة:
فعبد الناصر كان هو السبب الرئيسي في الهزيمة المنكرة في حرب يونيو1967م، ولقد أتاح ذلك لإسرائيل كل السبل لتحقيق السبل لتحقق لنفسها كل هذه المكاسب باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكانت هذه النتيجة هي التمهيد الطبيعي لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل فيما بعد، والذي يتبادر إلى الذهن هو التساؤل عن كيفية صدور مثل هذه القرارات والأوامر والتصرفات من رجل عسكري كان مدرساً بمدرسة المشاة ثم الكلية الحربية ولا يخفى عليه ما فعله، وبالتالي يُنفى عنه حسن النية أو حتى الخطأ، وقد نشر حسن التهامي في أغسطس عام 1979 بجريدة الأهرام ما يؤكد شكه الذي يحمله على الاعتقاد بأن الهزائم التي لحقت بمصر عام 1967، لم يكن بخطأ عبد الحكيم عامر أو عبد الناصر، بل الأمر يحمل ورائه شيئاً غير الخطأ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر "عبد الناصر وعلاقاته الخفيُّة" للأستاذ أحمد عبد المجيد من ص 59 إلى ص 69 بتصرف.
1- الشرق الأوسط في 17/7/1986.
2- الشرق الأوسط في 9/6/1987.
3- جريدة الوفد في 24 شوال 1407هـ الموافق 30 يونيو 1987م.
4- الموساد - جهاز المخابرات الإسرائيلية السري ص 106.
5- الأهرام في 26 مايو 1967م.
6- التي هو مديرها.
7- الشرق الأوسط في 9/6/1987.
8- انظر كتاب وزارة المالية - اللجنة العامة لتعويضات الحرب - ملف100/1.
بقلم الأستاذ/ أحمد عبد المجيد (بارك الله لك )
مـــ ماجده ـلاك الروح