السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب متدين ولله الحمد، ولكن هناك مشكلة مع أهلي.. فأنا أدعوهم، أريدهم أن يسلكوا طريق الهداية، أريد لهم أن يقرؤوا القرآن، أريد لهم قيام الليل، ولكنهم يؤدون الفرائض فقط.. علمًا أنهم يشاهدون المعاصي في التليفزيون، وأبي عندما يسمع الأذان يصلي في المنزل ولا يذهب إلى المسجد، وقد تعبت معهم كثيراً. أرجو أن تدلني على أسلوب دعوي واضح أتبعه معهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من أجمل ما في الدنيا المشاعر الجميلة التي نحملها تجاه من نحب، والحبيب يفرح بتعب حبيبه، وكما يقولون "تعبك راحة" وهذه حقيقة أن تعب الإنسان لخدمة من يحبه راحة له.
أخي العزيز: أهلك فيهم خير كثير، وهم أفضل من كثير من الأسر، فهم يلتزمون بالفرائض ويسمحون لك بالالتزام بلا معارضة ولا مشكلات، بل ربما يعينوك على طريق الحق الذي تسير عليه.
وفي المقابل أنت تحبهم كثيراً وتشفق عليهم وتتمنى لهم الخير، وهذا موقف تشكر عليه، كما أن حرصك على إنكار المنكر وحرقتك عليه هذا مدح آخر لك، وطلبك للرأي في دعوتهم يدل على وعيك وحرصك على الالتزام بالطريقة النبوية الصحيحة في الدعوة إلى الله، ومن واجبنا أن نعينك –بعد الله– بما نعلم مع الدعاء بأن يوفقك الله لما يحبه ويرضاه.
أخي الحبيب:
ثمة أمور يجب على كل داعٍ إلى الله أن يعرفها ويدركها وهو يسير على طريق البصيرة في تبليغ الدعوة، ومنها:
المطلوب منا العمل بل والإتقان فيه على أحسن ما نستطيع وليس علينا النتائج، فالهداية بيد الله والقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف شاء، فلا ينبغي للداعية أن يغضب أو يحزن كثيراً على عدم استجابة دعوته من قبل الآخرين، حتى وإن كانوا أقرب الناس إليه، ولا أظنك تجهل قصة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- مع عمه أبي طالب الذي مات على الكفر.
أن عدم تقبل الآخرين لما نقول له عدة أسباب، والله سبحانه له حكمة في كل أمر، وعلينا أن نبحث عن الأسباب ومعالجة ما يمكننا علاجه، وليس بالضرورة أن يكون التقصير منا، كما ليس بالضرورة أن يكون لسوء المقابل، بل هناك متغيرات كثيرة في حياة الإنسان تجعله عرضة للتقلب الكثير. وهذا ينطبق عليك مع أهلك، فلابد من البحث عن عدم الاستجابة فقد تكون أنت السبب، وقد يكون الأصحاب المحيطون وقد يكون السبب في عدم وجود برامج وأهداف يسعون لتحقيقها، وقد يكون نتيجة للجهل بها (ولا أقصد عدم معرفة الحكم) وقد يكون ابتلاء من الله لك، ووسيلة من الله لتربيتك على الإيمان بالقدر خيره وشره وقد....إلخ، فأنت من يمكنه أن يخمن الأسباب.
من أهم الأمور في مجال الدعوة تنوع الأساليب، وعدم الاعتماد الكلي على أسلوب واحد وهو الكلام المباشر، فقد ثبت علمياً أن أضعف الأساليب في التأثير الأسلوب المباشر، ولعلك تستعرض مسيرة الرسل والأنبياء عليهم السلام، وعلى رأسهم نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- لتعرف الكم الذي استخدمه –صلى الله عليه وسلم- من الأساليب في دعوة الأقارب والأباعد.
فبالحب تفتح القلوب، وبالتطبيق تفتح العيون، وبالأسلوب تفتح الأذهان، وعليه فإني أنصحك بأن تجعل أهلك يحبونك قبل أن تتحدث معهم عن المنكرات، بل ولا تتحدث عن أخطائهم لفترة محدودة حتى تشعر أنك قد ملكت قلوبهم عن طريق الخدمة والابتسامة والمعاملة الحسنة، والتغاضي عن الزلات والهدايا، ثم لا تنسَ التطبيق العملي للدين الصحيح في كل جوانب حياتك، واعلم أنك تدعو بفعلك قبل قولك، وأخيراً اختر من الأساليب ما يناسب كل فرد منهم، فلا تخاطب الجميع بنفس الأسلوب، بل ادرس كل واحد منهم، وكيف يمكنك الدخول إليه.
عدم النجاح المؤقت لا يعني الفشل الدائم، بل ربما نستفيد من أخطائنا لتصحيح عيوبنا، فلا تتقاعس وجدِّد وغيِّر وحاول، وتذكر الأنبياء والرسل وصبرهم وجهادهم، واجتهد أن تسير على خطاهم.
حاول أن تستعين –بعد الله– بالأقارب أو من هو داخل البيت ويوافقك الرأي، وليكن لكم خطة دعوية تجتهدون فيها قدر ما تستطيعون.
كثرة الدعاء لهم مع تخير الأوقات والأماكن والظروف المعينة على تقبل الدعاء، ولعلي أذكرك بهذه القصة: فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة ! فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله –صلى الله عليه وسلم- فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة. وسمعت خضخضة الماء قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.قال: فرجعت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين. فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
جرّب الدعوة الفردية، بمعنى أن تركز على أحد أفراد الأسرة في البداية، وهو الذي تشعر أنه يمكن أن يستجيب معك، ثم تنتقل إلى آخر، وهكذا مع ملاحظة تحييد الآخرين وإبعادهم عن دائرة التأثير.
أخيراً أرجو التركيز على نفسك والرقي بها، وثق بأن أول خطوة للنجاح مع الآخرين مع النجاح مع الذات، اسأل الله لك الهداية والتوفيق والثبات، وأدعو الله أن يفتح على قلوب أهلك وقلوبنا، وأن يهدينا وإياهم إلى صراطه المستقيم، كما أسأل الله أن تكون سبباً في هداية أسرتك وسيرها على صراط الله المستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ / جمال يوسف الهميلى
ماجده
أنا شاب متدين ولله الحمد، ولكن هناك مشكلة مع أهلي.. فأنا أدعوهم، أريدهم أن يسلكوا طريق الهداية، أريد لهم أن يقرؤوا القرآن، أريد لهم قيام الليل، ولكنهم يؤدون الفرائض فقط.. علمًا أنهم يشاهدون المعاصي في التليفزيون، وأبي عندما يسمع الأذان يصلي في المنزل ولا يذهب إلى المسجد، وقد تعبت معهم كثيراً. أرجو أن تدلني على أسلوب دعوي واضح أتبعه معهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من أجمل ما في الدنيا المشاعر الجميلة التي نحملها تجاه من نحب، والحبيب يفرح بتعب حبيبه، وكما يقولون "تعبك راحة" وهذه حقيقة أن تعب الإنسان لخدمة من يحبه راحة له.
أخي العزيز: أهلك فيهم خير كثير، وهم أفضل من كثير من الأسر، فهم يلتزمون بالفرائض ويسمحون لك بالالتزام بلا معارضة ولا مشكلات، بل ربما يعينوك على طريق الحق الذي تسير عليه.
وفي المقابل أنت تحبهم كثيراً وتشفق عليهم وتتمنى لهم الخير، وهذا موقف تشكر عليه، كما أن حرصك على إنكار المنكر وحرقتك عليه هذا مدح آخر لك، وطلبك للرأي في دعوتهم يدل على وعيك وحرصك على الالتزام بالطريقة النبوية الصحيحة في الدعوة إلى الله، ومن واجبنا أن نعينك –بعد الله– بما نعلم مع الدعاء بأن يوفقك الله لما يحبه ويرضاه.
أخي الحبيب:
ثمة أمور يجب على كل داعٍ إلى الله أن يعرفها ويدركها وهو يسير على طريق البصيرة في تبليغ الدعوة، ومنها:
المطلوب منا العمل بل والإتقان فيه على أحسن ما نستطيع وليس علينا النتائج، فالهداية بيد الله والقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف شاء، فلا ينبغي للداعية أن يغضب أو يحزن كثيراً على عدم استجابة دعوته من قبل الآخرين، حتى وإن كانوا أقرب الناس إليه، ولا أظنك تجهل قصة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- مع عمه أبي طالب الذي مات على الكفر.
أن عدم تقبل الآخرين لما نقول له عدة أسباب، والله سبحانه له حكمة في كل أمر، وعلينا أن نبحث عن الأسباب ومعالجة ما يمكننا علاجه، وليس بالضرورة أن يكون التقصير منا، كما ليس بالضرورة أن يكون لسوء المقابل، بل هناك متغيرات كثيرة في حياة الإنسان تجعله عرضة للتقلب الكثير. وهذا ينطبق عليك مع أهلك، فلابد من البحث عن عدم الاستجابة فقد تكون أنت السبب، وقد يكون الأصحاب المحيطون وقد يكون السبب في عدم وجود برامج وأهداف يسعون لتحقيقها، وقد يكون نتيجة للجهل بها (ولا أقصد عدم معرفة الحكم) وقد يكون ابتلاء من الله لك، ووسيلة من الله لتربيتك على الإيمان بالقدر خيره وشره وقد....إلخ، فأنت من يمكنه أن يخمن الأسباب.
من أهم الأمور في مجال الدعوة تنوع الأساليب، وعدم الاعتماد الكلي على أسلوب واحد وهو الكلام المباشر، فقد ثبت علمياً أن أضعف الأساليب في التأثير الأسلوب المباشر، ولعلك تستعرض مسيرة الرسل والأنبياء عليهم السلام، وعلى رأسهم نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- لتعرف الكم الذي استخدمه –صلى الله عليه وسلم- من الأساليب في دعوة الأقارب والأباعد.
فبالحب تفتح القلوب، وبالتطبيق تفتح العيون، وبالأسلوب تفتح الأذهان، وعليه فإني أنصحك بأن تجعل أهلك يحبونك قبل أن تتحدث معهم عن المنكرات، بل ولا تتحدث عن أخطائهم لفترة محدودة حتى تشعر أنك قد ملكت قلوبهم عن طريق الخدمة والابتسامة والمعاملة الحسنة، والتغاضي عن الزلات والهدايا، ثم لا تنسَ التطبيق العملي للدين الصحيح في كل جوانب حياتك، واعلم أنك تدعو بفعلك قبل قولك، وأخيراً اختر من الأساليب ما يناسب كل فرد منهم، فلا تخاطب الجميع بنفس الأسلوب، بل ادرس كل واحد منهم، وكيف يمكنك الدخول إليه.
عدم النجاح المؤقت لا يعني الفشل الدائم، بل ربما نستفيد من أخطائنا لتصحيح عيوبنا، فلا تتقاعس وجدِّد وغيِّر وحاول، وتذكر الأنبياء والرسل وصبرهم وجهادهم، واجتهد أن تسير على خطاهم.
حاول أن تستعين –بعد الله– بالأقارب أو من هو داخل البيت ويوافقك الرأي، وليكن لكم خطة دعوية تجتهدون فيها قدر ما تستطيعون.
كثرة الدعاء لهم مع تخير الأوقات والأماكن والظروف المعينة على تقبل الدعاء، ولعلي أذكرك بهذه القصة: فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة ! فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله –صلى الله عليه وسلم- فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة. وسمعت خضخضة الماء قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.قال: فرجعت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين. فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
جرّب الدعوة الفردية، بمعنى أن تركز على أحد أفراد الأسرة في البداية، وهو الذي تشعر أنه يمكن أن يستجيب معك، ثم تنتقل إلى آخر، وهكذا مع ملاحظة تحييد الآخرين وإبعادهم عن دائرة التأثير.
أخيراً أرجو التركيز على نفسك والرقي بها، وثق بأن أول خطوة للنجاح مع الآخرين مع النجاح مع الذات، اسأل الله لك الهداية والتوفيق والثبات، وأدعو الله أن يفتح على قلوب أهلك وقلوبنا، وأن يهدينا وإياهم إلى صراطه المستقيم، كما أسأل الله أن تكون سبباً في هداية أسرتك وسيرها على صراط الله المستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ / جمال يوسف الهميلى
ماجده