من روائع البيان في نظم القرآن
إعداد الأستاذ هشام طلبة
كاتب إسلامي متخصص بالبشارات الدالة على
النبي صلى الله عليه وسلم محمد في التوراة والإنجيل
تختلف سور القرآن عن كتب التوراة الحالية في أنها لم ترتب مثلها ترتيبًا تاريخيًّا، تبدأ بقصة خلق الكون ثم خلق الإنسان ثم قصص أبناء آدم ثم الأنبياء وهكذا.. على العكس من ذلك ترتب سور القرآن ترتيبًا موضوعيًّا، فالقرآن ليس كتاب تاريخ، فكل سورة إذاً لها موضوعها.
* الترتيب الموضوعي للسور ووحدة السورة القرآنية:
فسورة الفاتحة هي دعاء المسلم الأعظم، وسورة البقرة موضوعها الإيمان والتقوى وأركانها، وسورة آل عمران تكمل موضوع السورة الأخيرة من تضمن قواعد الدين، كذلك تاليتها النساء ( فيما يختص بالنساء ) تعقبها مكملة لها أيضًا سورة المائدة ( فيما يختص بالأطعمة والذبائح )، وسورة الأنعام سورة الجدل مع المشركين، وسورة الأعراف فيها قصة الإنسان منذ خلقه فنزوله الأرض فتعرضه للأنبياء، ثم موته ثم تعرضه لأحداث يوم القيامة، وهكذا، وسورة النحل هي سورة النعمة، وحين تقصر سور القرآن يظل لها موضوع وإن كان صغيرًا فيكون أقرب إلى السمة فمريم سورة الرحمة، والأحزاب هي سورة النبي صلى الله عليه وسلم، وسورة الصافات هي سورة الملائكة، وسورة ص هي سورة الإنابة، وسورة الزمر هي سورة إخلاص العبادة، وسورة غافر هي سورة الدعاء، وفصلت هي سورة القرآن، والشورى هي سورة الوحي والعنكبوت هي سورة الصبر على البلاء، وهكذا..
* تلخيص السورة القرآنية في بعضها:
ومن جميل ما يذكر هنا أن تجد موضوع السورة القرآنية ( خاصةً الطويلة ) ملخصًا في آية أو بضع آيات من آياتها – خاصة في بداياتها أو في أواخرها – فسورة الأنعام تجدها ملخصةً في قوله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام: 162، 163 ]. إذ أن موضوعها الأصلي هو جدال المشركين، وهي أكثر سورة ذكرت فيها كلمة: { قُلْ } وقد اهتمت بأحكام الذبائح ( النسك )، كما نجد سورة يوسف ملخصة في قوله تعالى: { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ يوسف: 21 ]. إذ خطط إخوة يوسف له خطة للخلاص منه فيجعل الله منها سبب خيرٍ له كما جاء في أواخرها قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [ يوسف: 110 ].
كذلك نجد سورة الصافات ملخصةً في آخر ما ذكر منها: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات: 180 – 182 ] , سورة النحل: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [ النحل: 18 ]..
* الاتجاه المعنوي للسورة القرآنية
في هذا المجال أيضًا لا يفوتنا الإشارة إلى الاتجاه المعنوي للسورة القرآنية، فسورة الطلاق مثلًا تشعر وكأن السورة قد دخلت في قلب مشاعر المطلق، وسورة النور تجد لها اتجاهًا معنويًّا هادئًا سلسًا (خاصةً آيات النور ) تخالف مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم الحزينة على حادث الإفك.
أما عرض مشاهد القيامة والدار الآخرة فكأنك ترى رأي العين، حسبنا هنا سورة الأعراف، خاصة في قوله تعالى:{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } [الآية: 47 ] ترى كأنما جاءت قوة خارجية لدفع أصحاب الأعراف إلى النظر إلى أصحاب النار بينما كان نظرهم لأهل الجنة باختيارهم.
* عرض موضوع السورة في بدايتها ونهايتها
من شيم سور القرآن الكريم في موضوعها – خاصةً بعد مقدمة إيمانية إن كانت السورة طويلة – أن تبدأ في عرض الموضوع ثم تبتعد قليلًا بالخوض في المواضيع الإيمانية الأخرى وقبل نهاية السورة تعود لموضوعها مرة أخرى.
* الترتيب المعجز للسور
ترتيب السور خلف بعضها البعض ترتيبٌ معجزٌ، فالسور لم ترتب حسب تاريخ نزول كلٍّ منها، بل هذا ترتيب توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت كل فقرة في مناسبة فيما عُرف بأسباب النزول، ويعجب المتدبر حين يجد كل سورة ترتبط بسابقتها خاصةً في أوائلها، وترتبط كذلك بلاحقتها خاصةً في أواخرها كحلق السلسلة الواحدة.
قد نجد هذه الرابطة مباشرة وواضحة خاصةً في السور القصيرة نسبيًّا وقصار السور، كقوله تعالى في سورة الطور: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } [ الطور: 49 ]، ثم قوله تعالى في أول سورة النجم التي تأتي في الترتيب بعدها مباشرةً: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [ النجم: 1 ]، فذكر النجم بعد النجوم مناسب تماما. وكذكره تعالى في سورة الفيل: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } [ الفيل: 1 ]، ثم أول لاحقتها سورة قريش: { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } [ قريش: 1 ]، أي أنه تعالى فعل ما فعل بأصحاب الفيل ما فعل إلا لإيلاف قريش، فاللام هنا لام العلة.
وقد نجد الرابطة بين السور رابطة موضوعية، خاصةً في السور الطويلة، مثل أواخر الزمر وأوائل لاحقتها غافر في ذكر حملة العرش وأحوال الآخرة، وقد نجد هذه الرابطة في سمات المعاني، مثل أواخر سورة هود: { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ...} [ هود: 120 ]، وأوائل لاحقتها يوسف: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ... } [ يوسف: 3 ]، فالقصص المذكورة في آية سورة يوسف هي أنباء الرسل المذكورة في آية سورة هود وكذكر الغفلة في آخر هود ثم في أوائل يوسف ( الآية 3). وكابتداء بعض السور بالحمد بعد نهاية سابقتها بذكر فصل القضاء ( أحداث الآخرة ) كعادة القرآن في ذكر الحمد بعد فصل القضاء، مثل الأنعام بعد المائدة، ومثل فاطر بعد سبأ.
كاتب إسلامي متخصص بالبشارات الدالة على
النبي صلى الله عليه وسلم محمد في التوراة والإنجيل
تختلف سور القرآن عن كتب التوراة الحالية في أنها لم ترتب مثلها ترتيبًا تاريخيًّا، تبدأ بقصة خلق الكون ثم خلق الإنسان ثم قصص أبناء آدم ثم الأنبياء وهكذا.. على العكس من ذلك ترتب سور القرآن ترتيبًا موضوعيًّا، فالقرآن ليس كتاب تاريخ، فكل سورة إذاً لها موضوعها.
* الترتيب الموضوعي للسور ووحدة السورة القرآنية:
فسورة الفاتحة هي دعاء المسلم الأعظم، وسورة البقرة موضوعها الإيمان والتقوى وأركانها، وسورة آل عمران تكمل موضوع السورة الأخيرة من تضمن قواعد الدين، كذلك تاليتها النساء ( فيما يختص بالنساء ) تعقبها مكملة لها أيضًا سورة المائدة ( فيما يختص بالأطعمة والذبائح )، وسورة الأنعام سورة الجدل مع المشركين، وسورة الأعراف فيها قصة الإنسان منذ خلقه فنزوله الأرض فتعرضه للأنبياء، ثم موته ثم تعرضه لأحداث يوم القيامة، وهكذا، وسورة النحل هي سورة النعمة، وحين تقصر سور القرآن يظل لها موضوع وإن كان صغيرًا فيكون أقرب إلى السمة فمريم سورة الرحمة، والأحزاب هي سورة النبي صلى الله عليه وسلم، وسورة الصافات هي سورة الملائكة، وسورة ص هي سورة الإنابة، وسورة الزمر هي سورة إخلاص العبادة، وسورة غافر هي سورة الدعاء، وفصلت هي سورة القرآن، والشورى هي سورة الوحي والعنكبوت هي سورة الصبر على البلاء، وهكذا..
* تلخيص السورة القرآنية في بعضها:
ومن جميل ما يذكر هنا أن تجد موضوع السورة القرآنية ( خاصةً الطويلة ) ملخصًا في آية أو بضع آيات من آياتها – خاصة في بداياتها أو في أواخرها – فسورة الأنعام تجدها ملخصةً في قوله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام: 162، 163 ]. إذ أن موضوعها الأصلي هو جدال المشركين، وهي أكثر سورة ذكرت فيها كلمة: { قُلْ } وقد اهتمت بأحكام الذبائح ( النسك )، كما نجد سورة يوسف ملخصة في قوله تعالى: { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ يوسف: 21 ]. إذ خطط إخوة يوسف له خطة للخلاص منه فيجعل الله منها سبب خيرٍ له كما جاء في أواخرها قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [ يوسف: 110 ].
كذلك نجد سورة الصافات ملخصةً في آخر ما ذكر منها: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات: 180 – 182 ] , سورة النحل: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [ النحل: 18 ]..
* الاتجاه المعنوي للسورة القرآنية
في هذا المجال أيضًا لا يفوتنا الإشارة إلى الاتجاه المعنوي للسورة القرآنية، فسورة الطلاق مثلًا تشعر وكأن السورة قد دخلت في قلب مشاعر المطلق، وسورة النور تجد لها اتجاهًا معنويًّا هادئًا سلسًا (خاصةً آيات النور ) تخالف مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم الحزينة على حادث الإفك.
أما عرض مشاهد القيامة والدار الآخرة فكأنك ترى رأي العين، حسبنا هنا سورة الأعراف، خاصة في قوله تعالى:{ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } [الآية: 47 ] ترى كأنما جاءت قوة خارجية لدفع أصحاب الأعراف إلى النظر إلى أصحاب النار بينما كان نظرهم لأهل الجنة باختيارهم.
* عرض موضوع السورة في بدايتها ونهايتها
من شيم سور القرآن الكريم في موضوعها – خاصةً بعد مقدمة إيمانية إن كانت السورة طويلة – أن تبدأ في عرض الموضوع ثم تبتعد قليلًا بالخوض في المواضيع الإيمانية الأخرى وقبل نهاية السورة تعود لموضوعها مرة أخرى.
* الترتيب المعجز للسور
ترتيب السور خلف بعضها البعض ترتيبٌ معجزٌ، فالسور لم ترتب حسب تاريخ نزول كلٍّ منها، بل هذا ترتيب توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت كل فقرة في مناسبة فيما عُرف بأسباب النزول، ويعجب المتدبر حين يجد كل سورة ترتبط بسابقتها خاصةً في أوائلها، وترتبط كذلك بلاحقتها خاصةً في أواخرها كحلق السلسلة الواحدة.
قد نجد هذه الرابطة مباشرة وواضحة خاصةً في السور القصيرة نسبيًّا وقصار السور، كقوله تعالى في سورة الطور: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } [ الطور: 49 ]، ثم قوله تعالى في أول سورة النجم التي تأتي في الترتيب بعدها مباشرةً: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [ النجم: 1 ]، فذكر النجم بعد النجوم مناسب تماما. وكذكره تعالى في سورة الفيل: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } [ الفيل: 1 ]، ثم أول لاحقتها سورة قريش: { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } [ قريش: 1 ]، أي أنه تعالى فعل ما فعل بأصحاب الفيل ما فعل إلا لإيلاف قريش، فاللام هنا لام العلة.
وقد نجد الرابطة بين السور رابطة موضوعية، خاصةً في السور الطويلة، مثل أواخر الزمر وأوائل لاحقتها غافر في ذكر حملة العرش وأحوال الآخرة، وقد نجد هذه الرابطة في سمات المعاني، مثل أواخر سورة هود: { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ...} [ هود: 120 ]، وأوائل لاحقتها يوسف: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ... } [ يوسف: 3 ]، فالقصص المذكورة في آية سورة يوسف هي أنباء الرسل المذكورة في آية سورة هود وكذكر الغفلة في آخر هود ثم في أوائل يوسف ( الآية 3). وكابتداء بعض السور بالحمد بعد نهاية سابقتها بذكر فصل القضاء ( أحداث الآخرة ) كعادة القرآن في ذكر الحمد بعد فصل القضاء، مثل الأنعام بعد المائدة، ومثل فاطر بعد سبأ.
يتبع