<table dir=ltr cellSpacing=3 cellPadding=0 width="100%" align=right border=0><tr><td dir=ltr vAlign=center align=right height=11> المناسبة بين الأبنية المتماثلة في القرآن الكريم دراسة في دلالة المبنى على المعنى </TD></TR></TABLE> |
<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=1 align=left border=0><tr><td style="PADDING-RIGHT: 5px"><table cellSpacing=0 cellPadding=0 width='".$newwidth."' border=0><tr><td> </TD></TR></TABLE></TD></TR></TABLE> د. عمرو خاطر عبد الغني وهدان كلية البنات – جامعة طيبة الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد...، فإنَّ الاهتمام بكتاب الله عزَّ وجل – تلاوة ودرسًا – أفضل ما تُقضى فيه الأوقات، وتُفنى فيه الأيَّام والسُّنون فالسَّعيد من صرفه همَّته وفكره إليه. هذا وإنَّ الأبنية المتماثلة بين ألفاظ القرآن الكريم مع التَّنوُّع في التَّعريف والتَّنكير، والتَّذكير والتَّأنيث، والاسميَّة والفعليَّة، وما ينطوي تحتها من جزئيات تُعد وجهًا من وجوه إعجاز هذا الكتاب المبارك، ولونًا من ألوان بلاغته وفصاحته. وليس مجيء تلك الأبنية تكرارًا،ولغوًا؛ لأنَّه يستحيل عليه الاختلاف والحشو واللَّغو ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت 42]. فالأبنية المتماثلة وجه من وجوه إعجازه البيانيِّ، فما ورد معرَّفًا في موطن، ومنكَّرًا في موطن آخر، أو مذكَّرًا هنا ومؤنَّثًا هناك.. الخ إنَّما هو لحكمة تُطلب وفائدة تُرام، وليس تكرارًا بلا فائدة، يقول الخطيب الإسكافيُّ: "إذا أورد الحكيم – تقدَّست أسماؤه – آية على لفظة مخصوصة، ثمَّ أعادها في موضع آخر من القرآن، وقد غيَّر لفظة عمَّا كانت عليه في الأولى فلابد من حكمة تُطلب، وإن أدركتموها فقد ظفرتم، وإن لم تدركوها فليس لأنَّه لا حكمة هناك، بل جهلتم"[1]. كما أنَّ ما يرد في الكتاب العزيز "ممَّا ظاهره التَّكرار زيادة فائدة، أو تتميم معنى، أو لبناء غيره من الكلام عليه"[2]. فهذا التَّحوُّل في الصِّيغ في السِّياق القرآنيِّ، أو العُدُول من صيغة إلى صيغة أخرى يُعدُّ أحد روافد التَّحليل اللُّغويِّ، بل يمثِّل إحدى الوسائل التي تساعد على التَّماسك الشَّكليِّ، وتُعدُّ مدخلاً من مداخل التَّحليل اللُّغويِّ للنَّص؛ للوصول إلى المضمون أو الغاية الدَّلاليَّة من تشاكل الألفاظ، يقول ابن الأثير: "اعلم أيُّها المتوشِّح لمعرفة علم البيان، أنَّ العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى لا يكون إلا لنوع خصوصية اقتضت ذلك، وهو لا يتوخَّاه في كلامه إلا العارف برموز الفصاحة و البلاغة، الذي اطَّلع على أسرارها، وفتَّش عن دفائنها، ولا تجد ذلك في كلِّ كلام فإنَّه من أشكال ضروب علم البيان، وأدقِّها، وأغمضها طريقًا"[3]. والبحث في دلالة الأبنية المتماثلة، بحث في التَّنوُّع الأسلوبيِّ؛ لأنَّه مرتبط بالتَّحليل اللُّغويِّ، فالمغايرة بين الألفاظ ظاهرة أسلوبيَّة خاضعة للسِّياق، فمتى كان المقام مقتضيًا للمغايرة، ومراوحة الأسلوب بين فنٍّ وفنٍّ وجدنا النَّظم القرآنيَّ منسجمًا مع هذا التَّغايُر بأبلغ سبيل، ومتى كان المقام مقتضيًا لاستمرار الأسلوب على طريقة، أو فنٍّ واحد وجدت البلاغة متحقِّقة في النَّظم. ومن ثمَّ سأحاول إبراز السِّمات اللُّغويَّة التي يستعملها الخطاب القرآنيُّ في ظاهرة الأبنية المتماثلة، مبيِّنًا القيمة الصَّرفيَّة؛ لتداخل الصِّيغ في الاستعمال اللُّغويِّ محتكمًا إلى السِّياق. وتُعدُّ المناسبة في البيان القرآنيِّ موضوعًا دقيقًا، وجليل الشَّأن في آنٍ معًا، دقيقًا؛ لأنَّه يبحث ويتناول وجهًا لطيفًا من أوجه بلاغة القرآن، وجليلاً؛ لأنَّه يستلزم المعرفة بدقائق الاستعمال اللُّغويِّ معجميًّا، وصرفيًّا، ودلاليًّا. وهذه الدِّراسة هي محاولة متواضعة لمتابعة ما أشار إليه علماؤنا من ارتباط آيات القرآن، واتِّساق معانيه، وانتظام مبانيه، وتعميق البحث في ذلك؛ لإبراز الخصائص البيانيَّة لأسلوب القرآن الكريم. فالبحث في الصِّيغة من خلال سياقها يُعدُّ من أهم القرائن اللَّفظيَّة التي تُعين على فهم الخطاب، فالصِّيغة قادرة على تفسير السِّياق الخطابيِّ وخاصَّة فيما يتعلَّق بنظم القرآن الكريم. اختلاف أبنية الألفاظ أوَّلا: أبنية الأسماء أ – اختلاف أبنية اسم الفاعل: تختلف صيغ الوصف المشتق في القرآن الكريم من موطن لآخر؛ تبعًا لسياقها، مثاله: صيغة مشتبه – اسم فاعل – جاءت في قوله تعالى: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام 99]. بينما جاءت صيغة متشابه – اسم فاعل – في قوله سبحانه: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام 141]. فما سرُّ تعاقب صيغتي اسم الفاعل في السِّياقين؟ وما سبب التَّخصيص؟. لحظ بعض الموجِّهين أنَّ ثمَّة سرًّا بلاغيًّا لطيفًا كاد يبوح به تعاور الصِّيغتين في سياقيهما، وقد تأبَّى ذلك على أهل اللُّغة فذهبوا – عندما أعوزهم تلمُّسُه – إلى أنَّ مشتبهًا، ومتشابهًا لغتان بمعنى واحد، فذهب كثير منهم إلى مجيء تفاعل بمعنى افتعل، يقول سيبويه: "وأمَّا تفاعلت فلا يكون إلا وأنت تريد فعل اثنين فصاعدًا..... وذلك قولك: تضاربنا وترامينا وتقاتلنا. وقد يشركه افتعلنا فتريد بهما معنى واحدًا، وذلك قولهم: تضاربوا واضطربوا، وتقاتلوا، واقتتلوا، وتجاوروا، واجتوروا، وتلاقوا، والتقوا"[4]. واعتمد الزَّمخشريُّ[5]، والرَّازيُّ[6]، وأبو حيَّان[7] على هذا المعهود اللُّغويِّ حينما رأوا أنَّ: اشتبه الشَّيئان وتشابها، كقولك اختصم وتخاصم، واستوى وتساوى، واشترك وتشارك، وغير ذلك ممَّا يشترك فيه باب الافتعال والتَّفاعُل. والافتعال والتَّفاعُل يشتركان كثيرًا. سوى أنَّ ابن الزُّبير الغرناطيّ يعقِّب على مذهبهم هذا – مؤيدًا – ويبيِّن الفرق بين الصِّيغتين، وسرَّ تغاير الاستعمال القرآنيِّ في السِّياقين، يقول: "إنَّ مشتبهًا ومتشابهًا لا فرق بينهما إلا ما يُعدُّ فارقًا؛ إذ الافتعال والتَّفاعُل متقاربان، أصولهما: الشِّين والباء والهاء، من قولك: أشبه هذا هذا إذا قاربه وماثله. ورد في أولى الآيتين على أخفِّ البناءين، وفي الثَّانية على أثقلهما؛ رعيًا للتَّرتيب المتقرِّر، وقد مرَّ نحو هذا في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ في سورة البقرة 38، وقوله: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ﴾ في سورة طه 123"[8]. أقول: ما ضرب به المثل من آية البقرة، وآية طه فيه نظر؛ لأنَّ سورة طه مكيَّة، وسورة البقرة مدنيَّة[9]، وإن كان مقصد التَّرتيب عنده البداءة بالأخفِّ ثمَّ الأثقل صياغة فهذا يحتاج إلى دليل مخصِّص لسياق هذا الاستعمال، وهو نفسه مثَّل للأخفِّ والأثقل في تغاير الصِّيغتين اسطاع واستطاع[10] بدلالة السِّياق، لا بالتَّرتيب المذكور. ووافق ابن عاشور[11] – أيضًا – ما ذهب إليه ابن الزُّبير وذكر أنَّ الاشتباه والتَّشابه بمعنى واحد وأنَّهما مترادفان، واشتقاقهما من الشَّبه، وجمع بينهما في الآية الأولى؛ للتَّفنُّن كراهية إعادة اللَّفظ بعينه؛ ولأنَّ اسم الفاعل من التَّشابه – متشابه – أسعد بالوقف عليه لما فيه من مدِّ الصَّوت بخلاف متشابه وهذا من بديع الفصاحة. وأرى أنَّ الصِّيغتين ليستا بمعنى واحد من حيث الدَّلالة السِّياقيَّة، فهناك فرق دقيق بينهما جاء القرآن الكريم به؛ لتخصيص كلِّ آية بالصِّيغة التي وردت فيها؛ لأنَّ الزِّيادة في المبنى تعطي زيادة في المعنى، كما أنَّ القرآن الكريم لا يستعمل كلمة بصيغة محدَّدة في موطن، ويستعملها بصيغة متماثلة في موطن آخر إلا لسبب يقتضيه سياق النَّص، فكلُّ لفظة اختصَّت بموطنها المناسب. فسياق الآية الأولى في بيان قدرة الله عز وجل وآياته الباهرة في خلقه قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ... فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ... وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا ... وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ... وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ...﴾ [الأنعام 95-99]. وسياق الآية الأخرى ففي بيان الأطعمة وما يحلِّله ويحرِّمه أهل الكفر؛ افتراء على الله، وبيان عقائدهم الباطلة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ... وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ... وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ...﴾ [الأنعام 136 – 141]. فالفعل اشتبه أكثر ما يفيد الالتباس والإشكال، وأنَّ تشابه أكثر ما يفيد المشاركة في معنى من المعاني. جاء في تاج العروس: "أمور مشتبهة ومشبَّهة كمعظَّمة، أي: مشكِلة ملتبسة يشبه بعضها بعضًا"[12]، وجاء في المصباح المنير: "فالمشابهة: المشاركة في معنى من المعاني، والاشتباه: الالتباس"[13]. فـ "الأمور المشتبهة تحتاج إلى زيادة نظر وتأمُّل؛ لإدراك حقيقة أمرها، فوضع مشتبهًا في السِّياق الدَّال على قدرته وآياته، وفي موضع الأمر بالنَّظر انظروا إلى ثمره دون الموضع الآخر ممَّا ليس في هذا السِّياق،فكان كلُّ تعبير أنسب في سياقه الذي ورد فيه"[14]. ب – بين التَّفضيل واسم الفاعل: جاءت صيغة أفعل التَّفضيل في قوله تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾ [هود 22]، وصيغة اسم الفاعل في قوله تعالى: ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [النحل 109]. وقد اختلفت نظرة العلماء في بيان وجه المغايرة بين الصِّيغتين في سياقيهما فذهب الخطيب الإسكافيَُّ[15] – معتمدًا على السِّياقين اللُّغويِّ والحاليِّ – إلى أنَّ سياق آية هود تقدَّمها: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود 20]، فهؤلاء ضُوعف لهم العذاب؛ لأنَّهم كما وصفهم الله بقوله: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود 19]، فهم لم يكتفوا بضلالهم، وإنَّما يضلون غيرهم؛ ليكونوا في الضَّلال سواء؛ فاستحقُّوا تضعيف العذاب، ولمَّا كانوا استحقُّوا الوصف بالخسران بصيغة التَّفضيل. أمَّا سياق آية النَّحل فلم يُخبر عن الكفَّار أنَّهم مع ضلالهم أضلُّوا من سواهم، وإنَّما جاء وصفهم بقوله سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [النَّحل 107]. فهؤلاء لم يُذكر فيهم ما ذكر في آية هود من مضاعفة العذاب، كما أنَّ فواصل الآيات قبلها، مثل: الكافرين، والغافلون ناسب مجيء الخاسرون. وقد ذهب الكرمانيُّ إلى ما ذهب إليه الإسكافيُّ، ونقل عنه، وأرجع سبب تخصيص كلِّ صيغة في تراكيبها إلى السِّياق الذي سيقت فيه؛ "لأنَّ هؤلاء صدُّوا عن سبيل الله وصدُّوا غيرهم فهم الأخسرون يُضاعف لهم العذاب، وفي النَّحل صدُّوا فهم الخاسرون"[16]. وإلى هذين التَّحليلين أشار: الأنصاريُّ[17]، والألوسيُّ[18]. بينما يرى ابن الزُّبير[19] أنَّ آية هود سبقها ما يُفهِم المفاضلة ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود 17]، أي: من كان على بينة من ربه ليس كمن كفر وجحد وكذَّب الرُّسل، ثمَّ جاء قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [هود 18]، فهذه آية مفاضلة – أيضًا – فقد جاء باسم التَّفضيل أظلم، فناسب هذا لفظ الأخسرون بصيغة المفاضلة، ولو ورد الخاسرون لحصل التَّنافُر في النَّظم والتَّبايُن في السِّياق. وأمَّا سياق آية النَّحل فلم يقع قبلها تفاضُل وتفاوُت – كما في سياق آية هود – وإنَّما قبلها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النَّحل 104 – 105]، وبعد ذلك: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [النَّحل 107]، و ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [النَّحل 108]، فيلاحظ أنَّ فواصل هذه الآيات جاء بصيغة: اسم الفاعل المجموع جمع السَّلامة، فناسب مجيء الخاسرون ولم يكن هنا ما يستدعي المفاضلة لا من جهة المعنى، ولا من جهة اللَّفظ فتناسبت الآيات في سياقها وفواصلها. نلاحظ من تحليلي الإسكافيِّ، وابن الزُّبير أنَّهما اتَّفقا في تفعيل السِّياق اللغُّويِّ القائل بالتَّوفيق بين الفواصل، أمَّا سياق الحال فتأويل ابن الزُّبير يختلف عن الإسكافيِّ، ومن شايعه، فعند ابن الزُّبير أنَّ آية هود جاءت بصيغة التَّفاضُل لما سبقها من التَّفاضُل والتَّفاوُت، ولمَّا لم يكن قبل آية النَّحل مفاضلة جاءت بصيغة اسم الفاعل المجموع جمع مذكَّر سالمًا موافقة لِمَا سبقها من سياقات. ووظَّف أبو حيَّان صيغة التَّفضيل في تركيبها فاستلهم قولا لطيفًا، فقال – عند آية هود-: "ولما كان خسران النَّفس أعظم الخسران حكم عليهم بأنَّهم هم الزَّائدون في الخسران على كلِّ خاسر"[20]. وكذلك كان من اليسير أن نتبيَّن قيمة ما أدركه علماؤنا في بيان الفارق الأساس بين الصِّيغتين في الاستعمال اللُّغويِّ عند تناول ابن عاشور لوجه المغايرة بين الصِّيغتين فذكر أنَّ آية هود جاءت بصيغة المفاضلة؛ لبيان أنَّ خسارتهم الأخرويَّة أعظم من خسارتهم الدُّنيويَّة، حيث قال: " ووقع في سورة هود ﴿هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾ ووقع هنا في النَّحل ﴿هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾؛ لأنَّ آية سورة هود تقدَّمها ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ هود 21، فكان المقصود بيان أنَّ خسارتهم في الآخرة أشدُّ من خسارتهم في الدُّنيا"[21]. |
يتبع