حقيقة الفرقة الناجية | ||
من القواصم التي قصمت ظهر المسلمين وفرقتهم الى فرق متناحرة يكفر بعضها بعضا قاصمة فقه الفرقة الناجية، حيث تظن كل جماعة أنها الفرقة الوحيدة الناجية وباقي الفرق هالكة لا محالة، وكيف لا يعتقدون ذلك ؟ وقد وردت الأحاديث بذلك في المستدرك على الصحيحين الحاكم، وسنن أبي داود وابن ماجة، والبيهقي، والترمذي، وصحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد وغيرهم وبدا الأمر وكأنه القدر المحتوم لهذه الأمة , وعلى المسلمين تقبل هذا التفريق وهذا القدر المحتوم، وتاه المخلصون والمتدينون من شباب الأمة في دهاليز التفسير الخاطئ للفرقة الناجية، وظللت أبحث عن مخرج من هذه المقتلة والمقصلة التي وضعت على رقابنا ، والمفرمة التي أبت أن تتوقف حتى تدخلنا النار جميعا، وفي إحدى الندوات المقامة في مملكة البحرين عن وحدة المسلمين، صال الحاضرون والمحاضرون وجالوا في بيان أهمية تلك الوحدة التي يجب أن تقوم بين المسلمين،والتي لن تحقق إلا بإتباع منهاج المتحدث وفرقته، ووجدت أن الموحدين لنا يعملون جاهدين على تشتيتنا، وفجأة وسط هذه البيئة المخيفة وقف الأستاذ الدكتور عبداللطيف محمود آل محمود ليحدثنا عن الفرقة الناجية التي استهزئ بها كثيرا في تلك الندوة، وكانت المفاجاة الكبرى لي أنا شخصيا أن صحح الدكتور عبداللطيف بعض روايات الفرقة الناجية فحبست أنفاسي من المأزق الذي أصبحنا فيه، وبعد استماع للدكتور عبداللطيف وجدته قد أخرجنا بفضل الله ثم بعلمه وبفقهه ودراسته من تلك الدوامة بتعريفه العلمي الشرعي الموضوعي للفرقة الناجية , بأن وضع معيارا قرآنيا واضحا للفرقة الناجية مفاده أنها فرقة المتقين، وصال وجال المحاضر في بيان مفهومه العلمي الشرعي للفرقة الناجية، تلك الفرقة التي لاتحدها الحدود الجغرافية ولا الزمانية ولا المذهبية، الفرقة التي لا تدعي لنفسها النجاة وحدها وهلاك الآخرين جميعا، وعلى بكرة أبيهم، وقد سعدت كثيرا عندما وجدت هذا البحث مطبوعا ومنشورا عن طريق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مملكة البحرين في طبعة جميلة أنيقة ميسرة بعنوان الفرقة الناجية هي فرقة المتقين، قال المؤلف حفظه الله في المقدمة: هذا كتاب(الفرقة الناجية) التي يحرص كل مسلم وكل منتم لدين يؤمن بالله وباليوم الآخر أن يكون من أتباعها، أقدمه إلى القارئ الكريم في وقت يتمسك كل فرد بدينه وبطائفته وبفرقته وبمذهبه بل وجماعته، ولا يريد أن يحيد عنها بدافع أن ما هو عليه من دين وطائفه وفرقة ومذهب وجماعة هو الحق الذي لا محيص عنه استنادا إلى حديث افتراق الأمة الإسلامية إلى اثنتين وسبعين أو ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ومع أن كل طائفة وفرقة ومذهب وجماعة تتفق مع غيرها في بعض المصادر وأهمها كتاب الله عز وجل وهو القرآن الكريم. إلا أن رأيا في الإنسان البشري من علمائهم وفقهائهم ودعاتهم ووعاظهم – بما في الإنسان من حب استعلاء وحب غلبة ومنافرة وهوى وغضب ورضى ومايراه من مصلحة خاصة ومصلحة عامة- قد دخل إلى فكر الطائفة والفرقة والمذهب والجماعة في مسيرة حياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية خاصة وما مر بأتباعهم من قوة وغلبة أو ضعف واضطهاد حتى عد المتأخرون من كل منهم أن ما وصل اليهم هو الدين الخالص الذي لم ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كأنه القرآن الكريم. ثم ومذاهبهم وفرقهم وجماعاتهم وتنازعوا فيما بينهم – مجتهدا بالدليل إلى الوصول إلى معيار موضوعي للفرق التي تدخل النار مسترشدا في ذلك بكتاب الله عز وجل وهو القرآن الكريم عملا بالمنهج الذي رسمه الله تعالى لكل من ينتمي إلى الإسلام في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " { النساء59} وقد حدد الدكتور عبداللطيف حفظه الله المعيار الموضوعي للفرقة الناجية الذي بينه القرآن الكريم والمنضبط بضوابطه وهو (التقوى)، فكل المتقين من الفرقة الناجية من أي دين أو طائفة أو مذهب أو جماعة، والدعوة أن الفرقة من الفرق هي الفرقة الناجية بإطلاق (أي بمجرد الانتماء اليها وحمل اسمها) وأن غيرها من الفرق التي في النار بإطلاق (أي بمجرد الانتماء اليها وحمل اسمها) انما هو من قبيل تزكية النفس الذي أنكره القرآن على مدعيه حيث يقول "فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى " { النجم 32} ودلل على أن المتقين هم أصحاب الجنة وهم الفرقة الناجية بآيات قرآنية كثيرة منها " إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً "{ النبأ31} وقوله تعالى " إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ " { القلم34} وغيرها من الآيات العديدة. ثم قال: إن الله قد بين مستحقي النار في مواطن كثيرة في كتابه العزيز ليس منها الانتساب إلى مسمى أي فرقة من الفرق، وإنما استحقوا النار بسبب أمور اعتقا دية وبسبب عدم تنفيذ الأحكام التي شرعها الله لعباده. وبين صفات المتقين وهي الإيمان، والعبادة، والسلوك، والأخلاق، وتطبيق الأحكام (الشرعية) وبذلك وفق الله تعالى هذا العالم الجليل الى حل معضلة كبرى في حياة الفرق والجماعات التي تظن أنها المؤمنة ، وأن اتباعها من المسلمين هم المؤمنون وحدهم، والظن أن باقي المسلمين في النار رغم توحيدهم الله سبحانه وتعالى واتباعهم للكتاب والسنة وإقامة الصلاة كما علمها لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتون الزكاة المفروضة، ويحجون البيت إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وهم يؤمنون بالله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ويؤمنون بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويؤمنون بالغيب الذي أنبأهم إياه الله تعالى في الكتاب والسنة، فعلى كل منا أن يراجع نفسه في عقيدته، ويتق الله في المسلمين الموحدين المتقين وأن يبتعد عن تكفيرهم ماداموا لا يأتون بالمعتقدات والأعمال الكفرية والشركية، ولا يستعلي عليهم ويظن أنه هو الأفضل وإن سرق وقتل وزنى وتعامل بالربا وترك الصلاة، وكيف لا ينجوا وعنده صك الغفران من علماء المذهب والجماعة والفرقة الناجية ولذلك نراهم يحملون صكوك الغفران في أيديهم لمن تبعهم، ويحملون أيضا أختام القمع الديني الكفري يختمون بها من كفروه وأخرجوه من الفرقة الناجية. وقد بين الدكتور عبد العزيز الحميدي حفظه الله في كتابه الرسائل الشمولية أن الفرقة الناجية هي فرقة المتقين . وهنا يبرز الدور المأمول للعلماء عليهم بيان الحق والحقيقة، والبحث عن حل لتلك المعضلات والقواسم، وبيان المخارج الشرعية العاصمة منها، وبدلا من الانشغال بسفاسف الأمور، وبالمفرقات بين المسلمين والانشغال ببعض الدروس والفتاوى المكرورة، عليهم بالانشغال بعظائم الأمور والبحث العلمي الموضوعي المخلص البعيد عن الهوى وحظ النفس والمنافع الدنيوية الزائلة وكما قال الله تعالى: " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ "{ ص 26} فمن اتقى الله وخالف الهوى وحكم بالحق كان من الناجين، ومن ضل عن سبيل الله واتبع هواه وبعد عن الحق الذي بينه الله تعالى في كتابه الكريم وسنته صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وضل عن سبيل الله بحثا عن مكسب دنيوي وسلطة دنيوية فهو من الهالكين، وله عذاب شديد ببعده عن الحق ونسيانه يوم الحساب. |
م
ماجده