الناس فريقان ، عامة وخاصة ، أو ملأ (أشراف وسادة) ومستضعفون (عامة الناس)، أو (متبوعون) و (أتباع)، أو (مستكبرون) و (مستضعفون) كما يسميهم القرآن. أو (الكَذَبَة) و (الغافلون) كما ينطق لسان الحال، المجتمع الكافر يتركب من هاذين الفصيلين من خلق الله.
الملأ في اللغة هم الأشراف من الناس كأنهم ممتلئون شرفا، قال الزجاج سُمّوا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه، والملأ أيضا حسن الخلق ومنه الحديث: «أحسنوا الملأ فكلكم سيَروى» [خرَّجَهُ مسلم] (القرطبي في تفسير الآية 60 من سورة الأعراف).
والشرع خصص المعنى(1) وجعله دِلالة على نوعية معينة من أشراف القوم وسادتهم وهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، من جحدوا أو عندوا ظلما وعلوا، الذين يتولون الدفاع عن الجاهلية ضد الإسلام وأهله، وفي التنزيل: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سورة الأعراف: 60]، {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [سورة الأعراف: 66]، {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [سورة ص: 6]، وهؤلاء قريش مَن بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عن قتلى المشركين يوم بدر "أبو جهل، وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ..": «أولئك الملأ» [الراوي: عدي بن حاتم المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/26- خلاصة الدرجة: فيه حسين السلولي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات] (2).
هذا الصنف من الناس يعرف الحق جيدا ثم يقلب الحقائق للناس، جهدُهُ في صدِّ الناس عن دين الله، يكذب وهو يعلم أنه يكذب، يكذب ليضل الناس عن سبيل الله، كما بطرس الآن.
وقد فصَّلتُ في بيان حالهم (دوافعهم وأهدافهم ووسائلهم) في مكانٍ آخر(3)، وتكفي هذه العجالة لهذا المقام.
والمستضعفون وهم القسم الثاني من الناس في تركيبة الجاهلية التي واجهها الإسلام ويواجهها كل الدعاة، هم (المستضعفون)... (الأتباع)... (أخراهم) . . وهذه كلها مصطلحات شرعية وصفهم بها القرآن الكريم في الآيات التي مرت بنا، وهي أوصاف لأحوالٍ مختلفة تبدوا عليهم، فهم (مستضعفون) فيما يبدو لنا، ليست بأيديهم أسباب القوة، وهم (أتباع) يُؤمَرون فيأتمرون، ويُنْهون فينتهون، وهم (أخراهم) يدخلون النار بعد أسيادهم، يتقدمهم أسيادهم وهم يأتون بعدهم متأخرين عنهم. وهم (العامة) وهم (الجماهير) في مفهوم (مثقفي) اليوم. والمفسرون يفسرون كل واحدة من هذه بالأخرى فعند ذكر المستضعفين ـ مثلا ـ يقولون (الأتباع)؛ وهي أوصاف متعددة تدل على أعيانهم ويفهم منها السامع حالهم والمراد من ذكرهم.
والملأ يمكرون على هؤلاء (الضعفاء)، يقلبون لهم الحقائق تارة، ويرهبونهم تارة. والملأ يقفون في وجه الدعاة إلى الله، يتصدون لهم بكل قوة، وما دام الملأ يسيطرون على المجتمعات الكافرة فإن الدعوة لا تصل بمفهومها الصحيح للناس، فهم يكذبون ويقلبون الحقائق كما يفعل بطرس الآن، وما دام الملأ يسيطرون على المجتمعات الكافرة فإن كثيراً من الناس لا يستطيعون أن يتبعوا الإسلام رهبة أو غفلة.. ينشغلون بدنياهم... لا يستطيعون أن يختاروا اختياراً حقيقياً بين الإيمان والكفر.
وأسأل: وهذا حالهم فما العمل معهم؟
من يتكلمُ بكلامٍ يعرف هو قبلَ غيره كذبه، ما العمل معه؟
من يتكلمُ بكلامٍ غير معقولٍ ما العمل معه؟
من يكذب وهو يعلم أنه يكذب ما العمل معه؟
نحاوره؟... نبين له؟
هو يعرف أنه كذَّاب، هو يتعمد الكذب، هو يعرف وينكر... هو يثير الفتنة بين الناس بتساؤلاته. هذا الصنف من الناس لا يريد بيانا أصلا... هذا الفصيل من خلق الله لا دواء له إلا القتل، ولهذا الفصيل من الناس شرّع الله الجهاد.
فالسياق العام الذي جاء فيه تشريع الجهاد في الإسلام.. هو إزالة العقبات من طريق الدعوة... إزاحة الملأ من طريق الناس، ثم يضع الناسَ أمام خيار حقيقي... يعرض عليهم الصورة كما هي... لا كما زيفها الملأ الكذَّابون... يزيح الملأ ثم يُخيِّر الناس خياراً حقيقاً {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدمِنَ الْغَيِّ} [سورة البقرة: 256]. وغالبا ما يؤمن الناس... ذلك أن عامَّة الناس عبيد مَنْ غلب... عامة الناس لا تتدبر الخطاب وإنما تتبع أسيادها ومن يترأس فيهم، أو تبحث عن ثقة وتتبعه، أو تخاف على رزقها فتتبع أسيادها.
فهنا نقطتان:
الأولى: أن هدف الجهاد هو إزالة الملأ من حياة الناس.. إزالة هؤلاء الكذابين المارقين من حياة الناس... إزالة العقبات من طريق الدعوة ثم وضع الناس أمام خيارٍ حقيقي، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]. وهذا قول الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدمِنَ الْغَيِّ} [سورة البقرة: 256].، وهذا قول الله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29].
الثانية: أن عامة الناس عبيد من غلب، عامة الناس لا تتدبر الخطاب الدعوي وإنما هي مع من غلب، لذلك حالَ سيطرة الملأ عليهم، لا يتدبرون أو يفقهون ولا يستطيعون أن يتبعوا.
الجهاد وسيلة من وسائل الدعوة:
لم يكن الجهاد في الإسلام لشيء... أي شيء غير الدعوة إلى الله... غير إزاحة الملأ الذين استكبروا في الأرض بغير الحق ومن ثم عرض الإسلام على الناس، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وشواهد ذلك من السيرة النبوية كثيرة، أذكر هنا بعضها.
ـ النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن غلب سخينة (قريش) ماذا فعل بها؟
منَّ عليهم بالفداء، لماذا؟ لأن الإبادة ليست مقصداً أبداً.
ـ والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم هوازن وأخذ نسائهم وأموالهم رد عليهم نساءهم وأموالهم طمعا في إسلامهم وقد أسلموا بالفعل... لماذا؟ لأن الإبادة ليست مقصداً أبدا.
ـ والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم بني المصطلق وساقهم إلى المدينة المنورة، مَنَّ عليهم بالفداء فأسلموا جميعا... الإبادة ليست مقصداً أبداً.
ـ وثمامة بن أثال ـ سيد من سادات بني حنيفة في نجد ـ بعد أن غلبه وأسره وربطه في المسجد ولو شاء قتله... منَّ عليه بالفداء فأسلم... لماذا؟ القتل ليس هو المقصد أبداً.
ـ وطيء بعد أن غلبهم وأخذهم ونسائهم وأموالهم وأطفالهم منَّ عليهم بالفداء، لم؟
المالُ والنساء ليسوا مقصداً، والإبادة ليست مقصدا أبداً.
ـ ووقف أياماً ينتظر هوازن تأتي وتسلم ويرد عليها أموالها ونسائها، وحين تأخرت ثم جاءت نزع السبي من يدي أصحابه وأعطاه لهم، أكرم وفادتهم كي يسلموا وبالفعل أسلموا.
ـ ولمَ أسلمت هذه الشعوب بعد أن غُلِبَت؟
رأت الأمر على حقيقته.
بنو طيئ عادوا يقولون جئنا من عند أكرم الناس صلى الله عليه وسلم، وعَدِي حين جلس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد يقول ما هذا بملك؟ واستوت عنده الصورة على حقيقتها بعد أن كانت مقلوبة مشوشة.
ويلاحظ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يربط الأسرى بالمسجد أو على باب المسجد ليشاهدوا الصلاة ويسمعوا القرآن... حدث هذا مع ثمامة، ومع بني المصطلق، ومع أسارى طيء. وتتبع التاريخ.. تاريخ الفتوحات الإسلامية، تجد أن الفتوحات الإسلامية، الجهاد في الإسلام لا يستهدف إبادة الشعوب، ولا يستهدف قتل العوام وأخذ أموال الناس ونساءهم كما يفتري النصارى وغيرُهم اليوم، وإنما يستهدف إزالة العقبات التي تقف في وجه الدعوة الإسلامية. وعامة الناس فقط حين ترى المسلمين المستمسكين بدينهم المجاهدين في سبيله وتعاشرهم، فإنها تسلم من فورها، تنتهي غفلتها عن هذا الدين، وينتهي الكذب الذي يمارسه الملأ ليصدوا الناس عن دين الله، فيسلمون لله رب العالمين، والدين متين يتمكن من القلوب حين يعرض عليها.
هذا هو سياق تشريع الجهاد في الإسلام.
ونحن المسلمين نعتقد أن الإسلام رسالة يجب أن يسمعَها كلُّ الناس، يسمعونها سماعا حقيقيا، وأن الشريعة الإسلامية شريعة حق يجب أن تحكم كلَّ الناس.
========================
(1) وهذه عادة الشرع مع الألفاظ اللغوية يخصص المعنى غالبا كما الصلاة والآذان والحج والتيمم وغير ذلك . وقد شرحت هذا في مكان آخر ولا داعي للتكرار.
(2) الروض الأنف ج 3 / 93
(3) (الكفر والإيمان إذ يعتركان)، وهو بحث في السيرة النبوية، و (جدال وقتال) وهما تحت المراجعة للطبع إن شاء الله.
مـــ ماجده ـلاك الروح
الملأ في اللغة هم الأشراف من الناس كأنهم ممتلئون شرفا، قال الزجاج سُمّوا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه، والملأ أيضا حسن الخلق ومنه الحديث: «أحسنوا الملأ فكلكم سيَروى» [خرَّجَهُ مسلم] (القرطبي في تفسير الآية 60 من سورة الأعراف).
والشرع خصص المعنى(1) وجعله دِلالة على نوعية معينة من أشراف القوم وسادتهم وهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، من جحدوا أو عندوا ظلما وعلوا، الذين يتولون الدفاع عن الجاهلية ضد الإسلام وأهله، وفي التنزيل: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سورة الأعراف: 60]، {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [سورة الأعراف: 66]، {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [سورة ص: 6]، وهؤلاء قريش مَن بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عن قتلى المشركين يوم بدر "أبو جهل، وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ..": «أولئك الملأ» [الراوي: عدي بن حاتم المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/26- خلاصة الدرجة: فيه حسين السلولي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات] (2).
هذا الصنف من الناس يعرف الحق جيدا ثم يقلب الحقائق للناس، جهدُهُ في صدِّ الناس عن دين الله، يكذب وهو يعلم أنه يكذب، يكذب ليضل الناس عن سبيل الله، كما بطرس الآن.
وقد فصَّلتُ في بيان حالهم (دوافعهم وأهدافهم ووسائلهم) في مكانٍ آخر(3)، وتكفي هذه العجالة لهذا المقام.
والمستضعفون وهم القسم الثاني من الناس في تركيبة الجاهلية التي واجهها الإسلام ويواجهها كل الدعاة، هم (المستضعفون)... (الأتباع)... (أخراهم) . . وهذه كلها مصطلحات شرعية وصفهم بها القرآن الكريم في الآيات التي مرت بنا، وهي أوصاف لأحوالٍ مختلفة تبدوا عليهم، فهم (مستضعفون) فيما يبدو لنا، ليست بأيديهم أسباب القوة، وهم (أتباع) يُؤمَرون فيأتمرون، ويُنْهون فينتهون، وهم (أخراهم) يدخلون النار بعد أسيادهم، يتقدمهم أسيادهم وهم يأتون بعدهم متأخرين عنهم. وهم (العامة) وهم (الجماهير) في مفهوم (مثقفي) اليوم. والمفسرون يفسرون كل واحدة من هذه بالأخرى فعند ذكر المستضعفين ـ مثلا ـ يقولون (الأتباع)؛ وهي أوصاف متعددة تدل على أعيانهم ويفهم منها السامع حالهم والمراد من ذكرهم.
والملأ يمكرون على هؤلاء (الضعفاء)، يقلبون لهم الحقائق تارة، ويرهبونهم تارة. والملأ يقفون في وجه الدعاة إلى الله، يتصدون لهم بكل قوة، وما دام الملأ يسيطرون على المجتمعات الكافرة فإن الدعوة لا تصل بمفهومها الصحيح للناس، فهم يكذبون ويقلبون الحقائق كما يفعل بطرس الآن، وما دام الملأ يسيطرون على المجتمعات الكافرة فإن كثيراً من الناس لا يستطيعون أن يتبعوا الإسلام رهبة أو غفلة.. ينشغلون بدنياهم... لا يستطيعون أن يختاروا اختياراً حقيقياً بين الإيمان والكفر.
وأسأل: وهذا حالهم فما العمل معهم؟
من يتكلمُ بكلامٍ يعرف هو قبلَ غيره كذبه، ما العمل معه؟
من يتكلمُ بكلامٍ غير معقولٍ ما العمل معه؟
من يكذب وهو يعلم أنه يكذب ما العمل معه؟
نحاوره؟... نبين له؟
هو يعرف أنه كذَّاب، هو يتعمد الكذب، هو يعرف وينكر... هو يثير الفتنة بين الناس بتساؤلاته. هذا الصنف من الناس لا يريد بيانا أصلا... هذا الفصيل من خلق الله لا دواء له إلا القتل، ولهذا الفصيل من الناس شرّع الله الجهاد.
فالسياق العام الذي جاء فيه تشريع الجهاد في الإسلام.. هو إزالة العقبات من طريق الدعوة... إزاحة الملأ من طريق الناس، ثم يضع الناسَ أمام خيار حقيقي... يعرض عليهم الصورة كما هي... لا كما زيفها الملأ الكذَّابون... يزيح الملأ ثم يُخيِّر الناس خياراً حقيقاً {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدمِنَ الْغَيِّ} [سورة البقرة: 256]. وغالبا ما يؤمن الناس... ذلك أن عامَّة الناس عبيد مَنْ غلب... عامة الناس لا تتدبر الخطاب وإنما تتبع أسيادها ومن يترأس فيهم، أو تبحث عن ثقة وتتبعه، أو تخاف على رزقها فتتبع أسيادها.
فهنا نقطتان:
الأولى: أن هدف الجهاد هو إزالة الملأ من حياة الناس.. إزالة هؤلاء الكذابين المارقين من حياة الناس... إزالة العقبات من طريق الدعوة ثم وضع الناس أمام خيارٍ حقيقي، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29]. وهذا قول الله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدمِنَ الْغَيِّ} [سورة البقرة: 256].، وهذا قول الله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29].
الثانية: أن عامة الناس عبيد من غلب، عامة الناس لا تتدبر الخطاب الدعوي وإنما هي مع من غلب، لذلك حالَ سيطرة الملأ عليهم، لا يتدبرون أو يفقهون ولا يستطيعون أن يتبعوا.
الجهاد وسيلة من وسائل الدعوة:
لم يكن الجهاد في الإسلام لشيء... أي شيء غير الدعوة إلى الله... غير إزاحة الملأ الذين استكبروا في الأرض بغير الحق ومن ثم عرض الإسلام على الناس، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وشواهد ذلك من السيرة النبوية كثيرة، أذكر هنا بعضها.
ـ النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن غلب سخينة (قريش) ماذا فعل بها؟
منَّ عليهم بالفداء، لماذا؟ لأن الإبادة ليست مقصداً أبداً.
ـ والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم هوازن وأخذ نسائهم وأموالهم رد عليهم نساءهم وأموالهم طمعا في إسلامهم وقد أسلموا بالفعل... لماذا؟ لأن الإبادة ليست مقصداً أبدا.
ـ والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هزم بني المصطلق وساقهم إلى المدينة المنورة، مَنَّ عليهم بالفداء فأسلموا جميعا... الإبادة ليست مقصداً أبداً.
ـ وثمامة بن أثال ـ سيد من سادات بني حنيفة في نجد ـ بعد أن غلبه وأسره وربطه في المسجد ولو شاء قتله... منَّ عليه بالفداء فأسلم... لماذا؟ القتل ليس هو المقصد أبداً.
ـ وطيء بعد أن غلبهم وأخذهم ونسائهم وأموالهم وأطفالهم منَّ عليهم بالفداء، لم؟
المالُ والنساء ليسوا مقصداً، والإبادة ليست مقصدا أبداً.
ـ ووقف أياماً ينتظر هوازن تأتي وتسلم ويرد عليها أموالها ونسائها، وحين تأخرت ثم جاءت نزع السبي من يدي أصحابه وأعطاه لهم، أكرم وفادتهم كي يسلموا وبالفعل أسلموا.
ـ ولمَ أسلمت هذه الشعوب بعد أن غُلِبَت؟
رأت الأمر على حقيقته.
بنو طيئ عادوا يقولون جئنا من عند أكرم الناس صلى الله عليه وسلم، وعَدِي حين جلس مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد يقول ما هذا بملك؟ واستوت عنده الصورة على حقيقتها بعد أن كانت مقلوبة مشوشة.
ويلاحظ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يربط الأسرى بالمسجد أو على باب المسجد ليشاهدوا الصلاة ويسمعوا القرآن... حدث هذا مع ثمامة، ومع بني المصطلق، ومع أسارى طيء. وتتبع التاريخ.. تاريخ الفتوحات الإسلامية، تجد أن الفتوحات الإسلامية، الجهاد في الإسلام لا يستهدف إبادة الشعوب، ولا يستهدف قتل العوام وأخذ أموال الناس ونساءهم كما يفتري النصارى وغيرُهم اليوم، وإنما يستهدف إزالة العقبات التي تقف في وجه الدعوة الإسلامية. وعامة الناس فقط حين ترى المسلمين المستمسكين بدينهم المجاهدين في سبيله وتعاشرهم، فإنها تسلم من فورها، تنتهي غفلتها عن هذا الدين، وينتهي الكذب الذي يمارسه الملأ ليصدوا الناس عن دين الله، فيسلمون لله رب العالمين، والدين متين يتمكن من القلوب حين يعرض عليها.
هذا هو سياق تشريع الجهاد في الإسلام.
ونحن المسلمين نعتقد أن الإسلام رسالة يجب أن يسمعَها كلُّ الناس، يسمعونها سماعا حقيقيا، وأن الشريعة الإسلامية شريعة حق يجب أن تحكم كلَّ الناس.
========================
(1) وهذه عادة الشرع مع الألفاظ اللغوية يخصص المعنى غالبا كما الصلاة والآذان والحج والتيمم وغير ذلك . وقد شرحت هذا في مكان آخر ولا داعي للتكرار.
(2) الروض الأنف ج 3 / 93
(3) (الكفر والإيمان إذ يعتركان)، وهو بحث في السيرة النبوية، و (جدال وقتال) وهما تحت المراجعة للطبع إن شاء الله.
مـــ ماجده ـلاك الروح