هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف شمس النصر الثلاثاء 4 نوفمبر - 9:05

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله



    محمد بن شاكر الشريف


    ‏تدلهم على الناس الخطوب وتفجؤهم المصائب الكبيرة، فإذا تأملوها حق التأمل وجدوا فيها من ‏فضل الله وإحسانه ما تعجز الألفاظ عن التعبير عنه، لقد فوجئ المسلمون بحفنة من الحاقدين النصارى ‏الذين أعمى بصيرتهم شعاع الحق الظاهر من دين الإسلام، الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده ولم ‏يرض دينا سواه، فذهب هؤلاء المنكوسين يفرغون حقدهم وضلالهم في العيب والذم لرسول الله تعالى ‏الذي أرسله ربه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، لقد كانت فاجعة وأي فاجعة ومصيبة وأي ‏مصيبة، لكن جعل الله من ذلك فرصة عظيمة للمسلمين لبيان حبهم لدينهم وشدة تمسكهم به، وبذل ‏الغالي والنفس والنفيس للذود عن حبيبهم، ومهما كتب الكاتبون ومدح المادحون ونافح المنافحون ‏فلن يستطيعوا أن يوفوه حقه اللائق به ‏ صلى الله عليه وسلم، ولكنها كلمات يكتبها المسلم المحب لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ليعبر ‏بها عن بعض ما بداخله، وليؤدي جزءًا مما يجب عليه نحوه، كيف لا وقد أخرجنا الله تعالى به من ‏الظلمات إلى النور وهدانا به الصراط المستقيم، فمن أقل ما يجب علينا أن ننتهز هذه الفرصة لنعبر عما ‏يجيش بصدورنا تجاه هذا الرسول الأكرم الذي لم تعرف له البشرية نظيرًا أو مدانيًا، وما مثل الكاتبون ‏ومثل سيرة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم إلا كمثل رجل دخل بستانا مثمرًا من كل أنواع الثمار التي تحبها النفوس ‏وتشتهيها، وذلك وقت نضجها، فلم يدر من شدة جمالها وحسنها ماذا يأخذ وماذا يدع.‏

    كيف كان العالم قبل مجيء الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم:‏

    كان العالم كله يعيش في ظلمات الجهل والضلالة والشرك، إلا عددًا قليلاً جدًا ممن حافظ على ‏دينه من أهل الكتاب، فلم يحرفوه أو يقبلوا تحريفه ممن قام به، يقول الرسول الحبيب ‏ صلى الله عليه وسلم:"إن الله نظر ‏إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال:إنما بعثتك لأبتليك ‏وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان.."‏ ‏ الحديث، فهذا الحديث ‏يصور الحالة البشعة التي كان عليها العالم قبل مبعث خير البرية، حيث استوجبت من الله تعالى أشد ‏البغض، وهذا لا يكون إلا مع الانغماس التام في الضلالة والبعد عن سنن الرشاد.‏

    فقد كان العرب يئدون البنات ويحرمون أشياء مما رزقهم الله تعالى بغير حجة أو برهان، قال ‏ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من ‏سورة الأنعام:" قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ ‏قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ" [الأنعام:140]‏، وكانوا يأكلون الميتة ويشربون الدم، كما قال الله ‏تعالى مبينا حالهم، وآمرا رسوله أن يقول لهم:" قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ ‏يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ ‏اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [الأنعام:145]، وفوق ذلك كله كانوا مشركين ‏يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويحرمون على أنفسهم الاستفادة من بعض حيواناتهم، ‏ويجعلون إنتاجها للطواغيت، كما نعى الله عليهم ذلك في قوله:"مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ ‏وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ"‏ ‏ [المائدة ‏‏:103]، ولم يكن أهل الكتاب بأحسن حالاً منهم فحرفوا كتابهم المنزل على رسولهم، وافتروا على ‏الله الكذب وأشركوا بالله، وادعى اليهود أن لله تعالى ولدًا، كما ادعت النصارى أن لله تعالى ولدًا ‏‏:"وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ ‏الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ"[التوبة:30 ]، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، واتخذوا ‏أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى، قال الله تعالى في وصف ذلك:" اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ ‏وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ‏سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة:31]، ولم يكونوا يتناهون عن المنكرات التي تحدث بينهم كما قال الله ‏عنهم:"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ ‏يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" [المائدة:78-79]، وكانوا المجوس ‏يعبدون النار ويستحلون نكاح المحارم فينكح الرجل منهم أخته أو ابنته، وبالجملة فقد كان العالم في ‏ظلام دامس وشرك وضلال، حتى جاءهم الرسول الكريم بالرسالة الشاملة الهادية إلى صراط مستقيم، ‏فبأبي أنت وأمي يا رسول الله.‏

    كما يبين الحديث الغرض الذي لأجله بعثه الله تعالى، وهو دعوة الناس إلى الله تعالى ومجانبة ‏طريق الشرك والضلال، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، قال النووي:"إنما بعثتك ‏لأبتليك وأبتلى بك، معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ‏ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى وغير ذلك، وأبتلى بك من أرسلتك إليهم ‏فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعاته، ومن يتخلف ويتأبد بالعداوة والكفر، ومن ينافق"‏، ولم ‏ينس الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم الذي كان العدل والإنصاف من شمائله أن يستثني من الشرك والضلالة طائفة من ‏أهل الكتاب ظلت محافظة على عهد الله تعالى إليهم، فقال:"إلا بقايا من أهل الكتاب"، فالإسلام ‏دين يحث على العدل والإنصاف وعدم غمط الناس، يقول الله تعالى:" لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران:113] وقال:"وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ ‏لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" [آل عمران:199]، وقال:"وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ ‏بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ ‏لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" [آل عمران:75 ]وغير ذلك من ‏الآيات.‏

    ماذا قدمت دعوة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم للعالمين:‏

    بعد أن عم الشرك والجهل والضلال والظلم العالم كله، وكان في حاجة ماسة إلى من يخرجه ‏من كل هذه الظلمات منَّ الله تعالى على العالمين ببعثته كما قال تعالى:"الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ‏لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ"، [إبراهيم:1]، فهو ‏ صلى الله عليه وسلم ‏مرسل ليخرج الناس كلهم-وليس جنسا دون جنس، إذ دعوته ‏ صلى الله عليه وسلم ليست قومية أو عنصرية- من ‏أنواع الظلمات كلها إلى النور التام، كما قال تعالى:"هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ‏لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"، [الحديد:9]، فكان ‏ صلى الله عليه وسلم بذلك رحمة ‏للناس جميعًا، كما قال تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، [الأنبياء:107].‏

    فدعا الناس إلى الله ربهم، لا يطلب منهم على ذلك أجرًا أو مقابل، وتحمل منهم في سبيل ذلك ‏الأذى الكثير، ومنع العدوان على الناس حتى لو كانوا من الكافرين، فبلغ عن ربه قوله:" وََلاَ ‏يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ ‏تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة:2] والشنآن هو البغض.‏

    ‏ ومنع الظلم بين الناس ولم يقبله حتى من أتباعه على أعدائه، وأمر بالعدل حتى مع الأعداء ‏فبلغ عن ربه تعالى قوله:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ ‏قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المائدة:8].‏

    ‏ ودعا الناس إلى الوفاء بالعهود والعقود حتى مع الأعداء، ولم يكونوا كالذين قالوا:ليس لمن ‏خالفنا في ديننا علينا أية حقوق، يستحلون بذلك ظلم من يخالفهم ويكذبون على الله وينسون ذلك ‏إليه، فبلغ عن ربه تعالى قوله:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ" [المائدة:1]، وقوله:"وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ‏اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا ‏تَفْعَلُونَ" [النحل:91].‏

    ‏ وقد كان النهي عن الخيانة من الأحكام التي جاء بها الرسول الكريم وبلغها للناس حتى من ‏يُخشى من خيانتهم من الأعداء فلا ينبغي خيانتهم لأن الخيانة خلق ذميم والله لا يحب الخائنين، قال ‏الله تعالى:"وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ" [الأنفال:58] ‏فإذا خاف الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم أو أتباعه من قوم عاهدوهم خيانة بإمارة تلوح أو ترشد إلى ذلك، فلا ينبغي ‏للمسلم أن يخون بناء على ما ظهر من إقدام العدو على الخيانة، ولكن عليه أن يبين لهم أن العهد ‏الذي بيننا وبينهم قد ألغي قال ابن كثير:" أي أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك ‏وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي تستوي أنت ‏وهم في ذلك"‏، فإن غير ذلك من الخيانة والله لا يحب الخائنين.‏

    ‏ وقد كان لتعليماته ‏ صلى الله عليه وسلم على أصحابه أكبر التأثير فالتزموا بها حتى ضربوا أروع الأمثلة في كل ‏ذلك، فعن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو ‏بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول:الله أكبر الله أكبر، ‏وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال:سمعت رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏يقول:من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على ‏سواء، فرجع معاوية "‏

    فما أحسن أثر دعوته على العالمين جميعًا، وما أقبح موقف الكافرين منه، الذين ناصبوه العداء ‏وعاندوا دعوته، فبأبي أنت وأمي يا رسول الله.

    احتماله ‏ صلى الله عليه وسلم الأذى في تبليغ الدعوة:‏

    وقد ضرب رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التمسك بالحق والثبات عليه وعدم التضعضع أمام الباطل ‏وسلطانه، فعن عقيل بن أبي طالب قال:جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا:إن ابن أخيك يؤذينا في ‏نادينا وفي مجلسنا فانهه عن أذانا، فقال لي:يا عقيل ائت محمدًا قال فانطلقت إليه، فجاء في الظهر من ‏شدة الحر فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم، فقال أبو طالب:إن بني ‏عمك زعموا إنك تؤذيهم في ناديهم وفي مجلسهم، فانته عن ذلك، فحلَّق رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ببصره إلى ‏السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن ‏تشعلوا منها شعلة، فقال أبو طالب:ما كذبنا بن أخي قط فارجعوا"‏، يبين لهم شدة تمسكه بالحق ‏الذي هداه الله إليه واستحالة تركه أو ترك الدعوة إليه، فكما أنهم عاجزون عن أن يشعلوا شعلة من ‏الشمس فهو لا يمكنه ترك ما أوحاه الله إليه، وإزاء هذا الإباء والثبات، عادته قريش وآذوه وصدوا ‏الناس عنه، حتى بلغ بهم الأمر أن يتعاقدوا ويتعاهدوا على مقاطعة الرسول والمؤمنين ومن يسانده من ‏أقربائه حتى لو كانوا على دين قريش، فقاطعوهم مقاطعة اجتماعية لا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم ‏ولا يكلموهم ولا يجالسوهم وقاطعوهم مقاطعة اقتصادية لا يبيعون منهم ولا يبيعون لهم، وكتبوا ‏يذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، وظلت هذه المقاطعة ثلاث سنوات، وانظر تصويرًا لتلك ‏الحالة الصعبة التي كان فيها المسلمون، يقول سعد بن أبي وقاص: لقد رأيتني مع رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم بمكة ‏فخرجت من الليل أبول، فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي، فنظرت فإذا قطعة جلد بعير، فأخذتها ‏فغسلتها ثم أحرقتها، فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها من الماء فقويت عليها ‏ثلاثا"‏، "وكانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئًا من الطعام لعياله، فيقوم أبو ‏لهب عدو الله، فيقول: يا معشر التجار:غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا، فقد ‏علمتم ما لي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافا، ‏حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يديه شيء يطعمهم به"‏ ‏ فما رده ذلك ‏عن دعوته، وقد بلغ الإيذاء بأصحابه مبلغه حتى اضطرهم ذلك إلى مغادرة الأوطان والهجرة منها، ‏وترك التجارات والأموال والأهلين، وانتهى الأمر به ‏ صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة وهو صابر محتسب صامد كالطود ‏الأشم، تميد الجبال الشم وهو ‏ صلى الله عليه وسلم ثابت لا ينحني، ولم يقبل رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم أن يساوم على دعوته، أو ‏يقبل بما يدعونه من الحلول الوسط، بأن يكتم بعض ما أنزل الله إليه في سبيل أن يمتنع الكافرون عن ‏معاداته أو محاربته، أو أن يلين في الحق في مقابل أن يلينوا معه في مواقفهم، بل رفض كل ذلك وظل ‏صامدا فصلى الله تعالى عليه وسلم.

    وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف بقوله تعالى:" وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ ‏فَيُدْهِنُونَ" [القلم:9 ]، وقال لهم في قوة وصلابة في الحق كما أمره ربه:" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ ‏مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ ‏دِينِ" [الكافرون:1-6] وعرضوا عليه الأموال والنساء والملك، فيأبى كل ذلك ولسان حاله يقول: والله ‏لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله تعالى ‏أو أهلك دونه".‏
    .


    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف شمس النصر الثلاثاء 4 نوفمبر - 9:13

    ولما مكنه الله تعالى وأظهره لم يطغى أو يظلم أحد ولم يبغ العلو في الأرض وإنما جاهد في الله ‏حق جهاده، وبذل نفسه في سبيل ذلك، وسنَّ في ذلك سننًا هي في غاية العدل والكمال، فلا ظلم ‏ولا اعتداء ولا إفساد، ولا رغبة في العلو في الأرض بالباطل، ولا رغبة في التوسع على حساب ‏الشعوب، بل كان يدعوهم إلى الله تعالى لا إلى نفسه ولا إلى قومه، حتى كان العربي والعجمي في ‏كنفه سواء، فهذا بلال الحبشي مؤذن لصلاة المسلمين بين يدي رسول الله، وهذا صهيب الرومي ‏الذي ترك ماله لقريش حتى لا يمنعوه من الهجرة إلى رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم فتلقاه الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم وهو يقول له‏‏: ربح البيع، وهذا سلمان الفارسي الذي يقول فيه الرسول: سلمان منا أهل البيت، وكان يدعو الناس ‏فمن قبل منهم دعوة الله كان واحدا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم من غير تفرقة بلون أو لغة ‏أو جنس، وهذه هي وصية رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم لمن خرج مجاهدا في سبيل الله تعالى مما يبين بكل وضوح ‏نبل غاية الجهاد وأنه جهاد لإحقاق الحق وليس للعلو في الأرض أو الإفساد فعن سليمان بن بريدة عن ‏أبيه قال:"كان رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه ‏من المسلمين خيرًا ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا ‏تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ‏خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم ‏وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما ‏للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب ‏المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا ‏أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن ‏هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم..الحديث "‏ ‏ فبأبي أنت وأمي يا رسول الله.

    الأمانة في تبليغه ‏ صلى الله عليه وسلم الدعوة:‏

    حيثما توجهت مع الرسول الكريم لا تجد إلا الطهر والنقاء، والثبات والقوة، والصدق ‏والأمانة، يبلغ ما أوحاه الله إليه، ولا يُخفي منه شيئًا، حتى لو كان فيما أمر بتبليغه ما يدل على ‏معاتبته على أحد التصرفات، فبلغ قوله تعالى:" عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ‏أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى" [عبس:1-4]، قال ابن كثير: "ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم ‏مكتوم، وكان ممن أسلم قديما، فجعل يسأل رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي ‏ صلى الله عليه وسلم أن لو ‏كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعا ورغبة في هدايته، وعبس في وجه ابن أم ‏مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى: "عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك ‏لعله يزكى"‏، فما انصرف عنه الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم وعبس رغبة عنه أو استهانة به، وإنما حمله على ذلك ‏رغبته في إسلام أولئك العظماء، ليعز بهم المسلمون، ومع ذلك فقد بلغها رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ولم يكتمها.‏

    وكان لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم مولى اسمه زيد بن حارثة تبناه الرسول قبل البعثة، وكانت عادة العرب ‏أن زوجة الابن تحرم على الوالد ولو لم يكن ابنا للصلب وإنما كان ابنا بالتبني، وأراد الله تعالى أن ‏يهدم هذا العرف الجاهلي، فلما طُلقت زينب زوجة زيد، شرع الله لرسوله ‏ صلى الله عليه وسلم زواجها ليكون هو ‏أول من يهدم هذا العرف الجاهلي، لكن هذا الأمر كان صعبًا على تلك البيئة لتأصل تلك العادة ‏فيهم، فأخفى ‏ صلى الله عليه وسلم في نفسه هذه المشروعية، فقال الله تعالى له في شأن زينب بنت جحش وزوجها ‏حارثة مولى النبي ‏ صلى الله عليه وسلم: "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" فبلغها ولم ‏يكتمها، قال أنس:"جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي ‏ صلى الله عليه وسلم يقول: "اتق الله وأمسك عليك ‏زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه، قال فكانت زينب تفخر على أزواج ‏النبي ‏ صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات "‏، فالرسول ‏ صلى الله عليه وسلم أمين ‏على وحي الله تعالى، يبلغه كما أنزله الله عليه، لا يزيد فيه ولا ينقص منه.‏

    رحمته ‏ صلى الله عليه وسلم بالعالمين:‏

    قال الله له:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، [الأنبياء:107]، فما أرسله تعالى إلا ليكون إرساله ‏رحمة للعالمين جميعا فمن قبل رسالته فهو ممن رحمهم الله تعالى ومن أعرض فعلى نفسه جنى، ولقد ‏شملت رحمته ‏ صلى الله عليه وسلم حتى الحيوانات، فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال:"كنا مع رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، ‏فجاء النبي ‏ صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: من ‏حرق هذه؟ قلنا:نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار"‏.‏ فالنبي ‏ صلى الله عليه وسلم يرق لحال هذا ‏الطائر الذي فقد ولديه، ويرحمه ويأمر من أخذهما بإطلاقهما، مع أن صيد البر حلال لكن الرحمة التي ‏ملأت جوانح الرسول الكريم لم يقدر معها على رؤية هذا الطائر المسكين المفجوع في ولده، حتى أمر ‏بإطلاقه، وها هو ذا ‏ صلى الله عليه وسلم يدعو إلى رحمة كل ما فيها روح ويحث على ذلك ببيان ما فيه من الأجر ‏فيقول: "بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث ‏يأكل الثرى من العطش، فقال:لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي ‏فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد ‏رطبة أجر"‏.‏ وكان ‏ صلى الله عليه وسلم يرحم الصبية الصغار ويقبلهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول ‏الله ‏ صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من ‏الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ثم قال:من لا يَرحم لا يُرحم"‏، ودعا أمته إلى ‏رحمة الخلق جميعهم-من في الأرض- من يعقل كالإنس ومن لا يعقل كالحيوانات، فقال:"الراحمون ‏يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها ‏وصله الله، ومن قطعها قطعه الله "‏، وقد سجلت لنا السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها شمائله التي ‏طبعه الله تعالى عليها حتى من قبل أن تأتيه الرسالة، فقالت له لما جاءه الوحي:" والله ما يخزيك الله ‏أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"‏ ‏ ‏فكانت هذه خلاله ‏ صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه، فلما جاءه الوحي زادت نورًا وتلألؤًا وجلالاً، فصلى الله ‏عليك يا من أرسلك ربك رحمة للعالمين.‏


    الحلم والعفو والصفح من شمائله ‏ صلى الله عليه وسلم:‏

    كان الحلم والعفو والصفح شيمة هذا الرسول الكريم، حتى إنه لم ينتقم لنفسه قط، إلا أن ‏تنتهك حدود الله تعالى، فقد كان لرجل من اليهود دين على رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم فأتاه يتقاضاه منه وأغلظ ‏له في الكلام فرد عليه الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم بحلم وصفح-على ما يتبين من هذه الرواية-حتى أداه ذلك إلى ‏الإسلام، فقد كان زيد بن سعنة من أحبار اليهود وأتى النبي ‏ صلى الله عليه وسلم "يتقاضاه فجبذ ثوبه عن منكبه ‏الأيمن، ثم قال:إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل، وأني بكم لعارف، فانتهره عمر، فقال له ‏رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم: "يا عمر أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج:أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن ‏التقاضي، انطلق يا عمر أوفه حقه، أما أنه قد بقي من أجله ثلاث [أي لم يحن أجل الدين بعدُ، بل ‏بقي منه ثلاث] فزده ثلاثين صاعًا، لتزويرك عليه"‏، ورواه ابن حبان وفيه: "فلما كان قبل محل ‏الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، ومعه أبو بكر وعمر ‏وعثمان ونفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه ‏ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فو الله ما علمتكم بني عبد المطلب ‏بمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه ‏كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتفعل به ما ‏أرى؟ فو الذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك، ورسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ‏عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء ‏وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعًا من غيره، مكان ما رعته، قال ‏زيد فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت:ما هذه الزيادة؟ قال:أمرني ‏رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك، فقلت:أتعرفني يا عمر؟ قال:لا فمن أنت؟ قلت:أنا زيد ‏بن سعنة، قال:الحَبْر؟ قلت:نعم الحَبْر، قال:فما دعاك أن تقول لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ما قلت وتفعل به ما ‏فعلت؟ فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين ‏لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد أختبرتهما، فأشهدك يا ‏عمر أني قد رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد ‏ صلى الله عليه وسلم نبيًا، وأشهدك أن شطر مالي-فإني أكثرها ‏مالاً-صدقة على أمة محمد ‏ صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أو على بعضهم؟ فإنك لا تسعهم كلهم، قلت:أو على ‏بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ‏‏..الحديث"‏ ‏ فحلم عليه، ولم يرد عليه بمثل ما قال، بل زاده في حقه من أجل انتهار عمر له، وعن ‏أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي ‏فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من ‏شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ثم ضحك، ‏ثم أمر له بعطاء"‏ ‏ فلم يقابل جفاء الأعرابي وغلظته وقسوته عليه إلا أن التفت إليه وضحك، ثم ‏أعطاه ما سأل، فما أحلمك يا رسول الله.‏

    وقد حاربته قريش أشد المحاربة، وألَّبوا عليه القبائل وآذوه وآذوا أصحابه، فلما أمكنه الله منهم ‏وأظهره عليهم ودخل مكة فاتحًا في عام الفتح في موقف النصر والعزة والتمكين، لم يعاملهم بما ‏يستحقونه من العقاب البليغ، بل عفا عنهم "وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانع ‏بكم؟ قالوا:خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال:اذهبوا فأنتم الطلقاء"‏.‏

    شجاعته ‏ صلى الله عليه وسلم:‏

    كان لرسول ‏ صلى الله عليه وسلم في الشجاعة القدح المعلى فكان أسرع الناس إلى العدو وأقربهم إليه، ولم يفر ‏ صلى الله عليه وسلم من أية معركة رغم شدتها والتحام الصفوف فعن أبي إسحق قال:"جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة، فقال أشهد على نبي الله ‏ صلى الله عليه وسلم ما ولىَّ، ولكنه انطلق أخِفَّاء من ‏الناس وحُسَّر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد ‏فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر ‏وهو يقول:أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك، قال البراء:كنا والله إذا احمر ‏البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي ‏ صلى الله عليه وسلم"‏ ‏ وكان ‏ صلى الله عليه وسلم إذا دهم المدينة خطر ‏يكون أسرع الناس لاستجلائه، فعن أنس قال: "كان النبي ‏ صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع ‏الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي ‏ صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس ‏إلى الصوت، وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في ‏عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا أو إنه لبحر"‏ ‏ فلفرط شجاعته ‏ صلى الله عليه وسلم كان أول من فزع حتى ‏استجلى الأمر، حتى إن أسرع الناس من بعده لم يلحقه إلا وهو راجع، وذهب على فرس عري ليس ‏عليه سرج والسيف في عنقه، فأي شجاعة هذه التي تجعل من صاحبها يقدم بمفرده ولا ينتظر من ‏يعاونه أو يساعده على هذا الوضع الصعب، و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبر:"أنه غزا ‏مع رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، ‏فنزل رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق ‏بها سيفه، قال جابر فنمنا نومة ثم إذا رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال ‏رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال لي: من يمنعك مني؟ ‏قلت: الله فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم "‏، في هذا الوضع الصعب حيث الرجل ‏ممسك بالسيف، والرسول ‏ صلى الله عليه وسلم ليس معه سلاح، لكنه ظل رابط الجأش واثقا من معية الله، ولم يظهر ‏منه خوف أو جزع، بل ثبات ويقين، قال ابن حجر:"وفي الحديث فرط شجاعة النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه ‏وصبره على الأذى وحلمه عن الجهال"‏.

    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف شمس النصر الثلاثاء 4 نوفمبر - 9:31

    وجوب نصرة النبي ‏ صلى الله عليه وسلم
    :

    نصرة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان، وقد ضمن الله تعالى الفلاح لمن آمن برسوله ونَصَرَه، فقال ‏تعالى: "فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ‏‏[الأعراف:157]، فالذين عزروه هم الذين وقَّروه، والذين نصروه هم الذين أعانوه على أعداء الله ‏وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم، وقد مدح الله تعالى المهاجرين الذين نصروا رسوله وشهد لهم ‏بالصدق في إيمانهم فقال تعالى:" لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً ‏مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"[الحشر:8 ] كما شهد لمن آوى ‏المهاجرين ونصر الرسول بأنهم هم المؤمنون حقا فقال تعالى:"وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي ‏سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" [الأنفال:74] ‏فكان البذل والعطاء في سبيل الله سواء بالهجرة أو بالنصرة دليل الإيمان الحق.‏

    وكان رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم وهو في مكة قبل الهجرة يطوف على الناس يطلب النصرة حتى يتمكن ‏من إبلاغ رسالة الله تعالى للعالمين،"فعن جابر قال: مكث رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس ‏في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى، يقول:من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي، وله ‏الجنة،.." الحديث، وعندما أراد الهجرة إليهم في المدينة أخذ البيعة عليهم أن ينصروه وأن يمنعوه مما ‏يمنعون من أهليهم، ففي الحديث المتقدم قال لهم:"وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما ‏تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة"‏‏.‏

    وقد أخذ الله تعالى الميثاق على من تقدمنا من الأمم بنصرة الرسول الكريم، فما أتعس قوم أخذ ‏عليهم الميثاق بنصرته ‏ صلى الله عليه وسلم فإذا هم يسخرون ويستهزئون، قال الله تعالى في أخذه الميثاق على من سبق ‏من الأمم: "وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا ‏مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ ‏مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ" [آل عمران:81]، فأخذ الميثاق على النبيين كلهم وأممهم تبع لهم فيه، قال ابن كثير ‏‏:"قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما:ما بعث الله نبيًا من الأنبياء إلا أُخذ ‏عليه الميثاق لئن بعث الله محمدًا وهو حي ليؤمنن به وينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن ‏بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه"‏.‏

    وقد بين الله تعالى أنه ناصر رسوله، وأن رسوله ليس في حاجة إلى نصرهم، والمسلم عندما ‏ينصر الرسول فإنما يسعى لخير نفسه، وإذا تقاعس فلن يضر إلا نفسه، وقد نصر الله رسوله في أحلك ‏الظروف وأصعب الأوقات عندما هاجر من مكة إلى المدينة وقريش كلها تطارده بخيلها ورجلها تأمل ‏في العثور عليه، لكن الله أنجاه منهم مع ضعف الإمكانات وقلة الزاد والمعين، قال الله تعالى يبين ذلك ‏‏:" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ ‏تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى ‏وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة:40] فمن تقاعس عن نصرة الرسول فلا يُزري إلا ‏بنفسه، وهي منزلة من العز والشرف قد حرمها منه.‏

    وإذا كانت هناك وسائل كثيرة لنصرة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم والانتصار له ممن سخر أو استهزأ من الكفرة ‏والملحدين، فإن من النصرة التي يقدر عليها كل مسلم، ولا يعذر في التخلف عنها: محبة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم ‏وموالاته واتباع سنته، وترك الابتداع في الدين، إذ لا يستقيم أن يكون المسلم ناصرًا حقًا للرسول ‏الكريم في الوقت الذي يعصيه فيه ويخالف سنته، ويبتدع في دينه، أو يوالي أعداءه، ويناصرهم ويقف ‏معهم في ملماتهم، وكيف تكون هناك موالاة بين المسلم وبين الكافر الذي يسخر أو يسب الرسول ‏الكريم ‏ صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: "لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ‏وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ ‏مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ ‏اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [المجادلة:22]‏

    وجوب تعزيره وتوقيره ‏ صلى الله عليه وسلم:‏

    التعزير النصرة والحماية والتوقير التعظيم والإجلال وكل ذلك يستحقه الرسول الكريم وبذلك أمرنا ‏رب السموات والأرضين قال الله تعالى:"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" [الفتح:8-9]، ومحبة النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وتوقيره يرجع إلى أمرين: أمر ‏إلى صفاته الشخصية وشمائله التي تحلى بها، والتي لا تدع لأحد منصف اطلع عليها إلا محبة هذا ‏الرسول وتوقيره وتعظيمه، وهذه تكون من المسلمين كما تكون من المنصفين من غير المسلمين، ‏وهناك كم كبير من أقوالهم في ذلك، وآخر إلى أمر الله بذلك وإيجابه على المسلمين وهذه يختص بها ‏الذين آمنوا بالله ورسوله، حتى يفديه المؤمن بأبيه وأمه، بل يكون الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء ‏فقد قال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم :"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"‏، ‏بل لا بد أن يكون الرسول أحب إلى المسلم من نفسه التي بين جوانحه فيؤثر مرضاة الرسول على ما ‏تطمح إليه نفسه، ويقدم أمره وسنته على محبوباته ورغباته، فعن عبد الله بن هشام قال:"كنا مع النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر:يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا ‏من نفسي، فقال النبي ‏ صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه ‏الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي ‏ صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر"‏، وقد كان المسلمون من محبتهم ‏لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم يعرضون أنفسهم للمهالك والردى في سبيل حفظ الرسول ونجاته فعن أنس رضي الله ‏عنه قال:"لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي ‏ صلى الله عليه وسلم مجوب به عليه ‏بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمر معه ‏الجعبة من النبل فيقول انثرها لأبي طلحة، فأشرف النبي ‏ صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي ‏الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك"‏، وإزاء كل ما تقدم ‏لم يكن من المسلمين لرسولهم إلا الحب والإجلال والإكبار والرغبة في فدائه بكل ما يملكون، ولم ‏يكن أحد من أصحابه يطيق أن يسمع شيئًا مما قد يكون فيه أدني نقص من قدره ‏ صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة ‏رضي الله عنه قال:"استب رجلان: رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال المسلم: والذي ‏اصطفى محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ‏ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي ‏ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا ‏النبي ‏ صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي ‏ صلى الله عليه وسلم :لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون ‏يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان ‏فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله"‏ ‏ فلم يحتمل الصحابي الجليل أن يسمع من اليهودي ‏تفضيل موسى ‏ صلى الله عليه وسلم على رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قصة تبين مدى ‏حب الصحابة لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم فعنه " أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا ‏تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي ‏ صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المغول ‏فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ‏ذلك لرسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام ‏الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي ‏ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنا صاحبها ‏كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ‏وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها ‏واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي ‏ صلى الله عليه وسلم: "ألا اشهدوا أن دمها هدر "‏‏.‏

    ‏ ولم يكن يتصور أن يقوم أحد ممن آمن به بانتقاصه أو سبه أو السخرية منه أو الاستهزاء به، ‏وقد أجمع علماء المسلمين على أن من سب الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم أو أحد من أنبياء الله ورسله أنه مرتد ويجب ‏قتله، كما أن من سبه من أهل العهد والذمة فإن عهده ينتقض بذلك ويجب قتله فإنا لم نعاهدهم على ‏سب رسولنا أو الانتقاص منه، قال محمد بن سحنون:" أجمع العلماء على أن شاتم النبي ‏ صلى الله عليه وسلم و‏المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له و حكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره و‏عذابه كفر"‏ ‏ وقال ابن تيمية:" و تحرير القول فيه: إن الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر و يقتل ‏بغير خلاف و هو مذهب الأئمة الأربعة و غيرهم و قد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق ‏بن راهويه و غيره، و إن كان ذميًا فإنه يقتل أيضًا في مذهب مالك و أهل المدينة، و سيأتي حكاية ‏ألفاظهم وهو مذهب أحمد و فقهاء الحديث و قد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: [ كل من شتم النبي صلى الله عليه و سلم أو تنقصه ـ مسلمًا كان أو ‏كافرًاـ فعليه القتل و أرى أن يقتل و لا يستتاب"‏.

    وبعد فهل وفيتُ حق الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم، لا وألف لا، بل ولا قطرة في بحر حقه وفضله، فبأبي أنت وأمي يا ‏رسول الله.
    اللهم إنا قد أحببنا نبيك وأصحاب نبيك فاللهم احشرنا في زمرتهم
    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف شمس النصر الثلاثاء 4 نوفمبر - 9:37

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله 3
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف مدير عام الأربعاء 5 نوفمبر - 11:26

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله Roswq
    بأبي أنت وأمي يا رسول الله E%20(116)
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الخميس 6 نوفمبر - 4:02

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله Lf2tk8elvs9jormat895ta2
    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف شمس النصر الخميس 6 نوفمبر - 4:41

    بأبي أنت وأمي يا رسول الله 920be1
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله

    مُساهمة من طرف مدير عام الخميس 6 نوفمبر - 10:30

    بارك الله فيك

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 12:35