بينما أسدل الليل أستاره، وهجعت الكائنات، وأغمضت غزة نصف عينيها لتنام في حضن الأمن، انشقت السماء عن أزيز طائرات، وراح يتسلل من بعيد هدير دبابات، وقبل أن يدوي في فراغ الصمت رجف مواجهات، انشقت أرض غزة وأخرجت أثقالها، وقال الكافر بالمقاومة مالها؟
شباب ملثمون ينتشرون في شوارع قطاع غزة، مسلحون، يذكرونك بالكرامة العربية المكبوتة،
جبال شامخة على مفارق الطرق في حراك قتالي، تراهم في طرفة عينٍ، ثم لا تراهم، وتدركهم دون أن تراهم، ملامحهم تشي بالجدية، واستعدادهم يشي بالمصداقية، وهم على أهبة الأمل، يلتحفون الانتباه والترقب، ويثقبون بعيونهم الحادة عتمة المرحلة السياسية.
تلقي عليهم: مساء الخير يا شباب.
يردون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تسألهم: من أنتم يا رجال؟ ما الذي يدور حولنا؟
لا يصدون، ولا يردون، يترقبون، وهم يمتشقون الثقة، ويتقدون كالجمر، فتسأل عارفاً بالأمر: من هؤلاء؟ كيف خرجوا فجأة؟ أين كانوا قبل قليل؟ كيف ملؤوا الشوارع بهذه السرعة؟ من هم؟ أين مواقعهم العسكرية؟ أين مقراتهم؟ هل يأخذون راتباً، هل لهم رُتب عسكرية؟ وهل لهم نجوم على الكتف؟ هل تلقوا دورات تدريبية في الصين، وفيتنام، وكوبا، هل يصرفون نثريات، ويأخذون مكافآت؟
يأتيك الجواب: إنهم خريجو جامعات، وأساتذتهم، وطلاب دراسات عليا، ومحاضروهم، وتلاميذ ثانوية عامة، ومدرسوهم، وموظفون؛ أطباء، ومهندسون، ومحاسبون، ومثقفون، وخطباء، وعلماء، وباعة متجولون، وعمال بلا عمل، وشباب بلا طفولة، إنهم جيل المقاومة، إنهم مدربون جيداً، وكل يؤدي واجبه المحدد، وهم في النهار حمام مسجد، وفي الليل مرابطون على الثغور تطوعاً لوجه الله، ولعيون الوطن. لم تعبر عليهم ليلة واحدة قبل التهدئة دون أن يسقط منهم الشهيد راضياً مبتسماً مستشرفاً الأمل، وهم يستعدون لما بعد التهدئة، يعبرون الليلة خط الوهم الفاصل بين الكرامة والمذلة، بين أن تكون نداً، أو تكون عبداً، ولا يخطر في بالهم مصطلح الهزيمة، أو الفرار، وشعارهم الشهادة أو الانتصار.
قالت امرأةٌ يدق قلبها في مواقع الانفجار، وترحل بالروح خلف الجدار: أدركت الآن يا أولادي؛ لماذا وافقت الدولة العبرية على التهدئة، وكيف بعد ليلٍ يشقشق النهار؟
قلت: إنه صمت غزة الهادر الذي يحاصر الحصار!.
د. فايز أبو شمالة
مـــ ماجده ـلآك الروح
شباب ملثمون ينتشرون في شوارع قطاع غزة، مسلحون، يذكرونك بالكرامة العربية المكبوتة،
جبال شامخة على مفارق الطرق في حراك قتالي، تراهم في طرفة عينٍ، ثم لا تراهم، وتدركهم دون أن تراهم، ملامحهم تشي بالجدية، واستعدادهم يشي بالمصداقية، وهم على أهبة الأمل، يلتحفون الانتباه والترقب، ويثقبون بعيونهم الحادة عتمة المرحلة السياسية.
تلقي عليهم: مساء الخير يا شباب.
يردون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تسألهم: من أنتم يا رجال؟ ما الذي يدور حولنا؟
لا يصدون، ولا يردون، يترقبون، وهم يمتشقون الثقة، ويتقدون كالجمر، فتسأل عارفاً بالأمر: من هؤلاء؟ كيف خرجوا فجأة؟ أين كانوا قبل قليل؟ كيف ملؤوا الشوارع بهذه السرعة؟ من هم؟ أين مواقعهم العسكرية؟ أين مقراتهم؟ هل يأخذون راتباً، هل لهم رُتب عسكرية؟ وهل لهم نجوم على الكتف؟ هل تلقوا دورات تدريبية في الصين، وفيتنام، وكوبا، هل يصرفون نثريات، ويأخذون مكافآت؟
يأتيك الجواب: إنهم خريجو جامعات، وأساتذتهم، وطلاب دراسات عليا، ومحاضروهم، وتلاميذ ثانوية عامة، ومدرسوهم، وموظفون؛ أطباء، ومهندسون، ومحاسبون، ومثقفون، وخطباء، وعلماء، وباعة متجولون، وعمال بلا عمل، وشباب بلا طفولة، إنهم جيل المقاومة، إنهم مدربون جيداً، وكل يؤدي واجبه المحدد، وهم في النهار حمام مسجد، وفي الليل مرابطون على الثغور تطوعاً لوجه الله، ولعيون الوطن. لم تعبر عليهم ليلة واحدة قبل التهدئة دون أن يسقط منهم الشهيد راضياً مبتسماً مستشرفاً الأمل، وهم يستعدون لما بعد التهدئة، يعبرون الليلة خط الوهم الفاصل بين الكرامة والمذلة، بين أن تكون نداً، أو تكون عبداً، ولا يخطر في بالهم مصطلح الهزيمة، أو الفرار، وشعارهم الشهادة أو الانتصار.
قالت امرأةٌ يدق قلبها في مواقع الانفجار، وترحل بالروح خلف الجدار: أدركت الآن يا أولادي؛ لماذا وافقت الدولة العبرية على التهدئة، وكيف بعد ليلٍ يشقشق النهار؟
قلت: إنه صمت غزة الهادر الذي يحاصر الحصار!.
د. فايز أبو شمالة
مـــ ماجده ـلآك الروح