هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    الحج مدرسة تربوية,

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال الحج مدرسة تربوية,

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الثلاثاء 11 نوفمبر - 14:18


    إنه مدرسة تربوية واجتماعية، وأي مدرسة تلك التي تربي النفوس وتقودها لخالقها جلَّ وعلا مطيعة وكأنها تقول: ها أنا ذا يا رب تحتك أمرك، منقادة لجلالك، فتقبل مني وارض عني وبلغني ما يرضيك عني (لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك).



    إنه الحج.. تلك المدرسة المنيرة، والمنهل العذب، والماء الصافي، والبركة المتاحة لنا جميعاً؛ لننهل من معينه، ونستقي من صفوه فنعود بعده على خير حال قد انجلت النفوس وانتفى عنها الخبث كما تنفي النار خبث الحديد.



    الحج مدرسة تربوية ودورة تنشيطية في شتى المجالات، وإليك بعضاً منها:



    الحج مدرسة للانقياد والاستجابة لأمر الله جل وعلا دون توقف أو تردد، انصياعاً وامتثالاً يقهر شهوات النفس ووساوسها في كل لحظة من لحظاته، وكل مشهد من مشاهده، انطلاقاً من أول مناسكه؛ التلبية عند الإحرام، إلى حين التحلل، كيف ذاك؟!!


    ألسنا نقول عند النية: (لبيك اللهم لبيك) أي: استجابة لك بعد استجابة، ثم نمارس هذه العبادات العظيمة المختلفة في طبيعتها وكيفيتها عن كثير من العبادات الأخرى التي قد ألفناها وعهدنا؟



    ولا نقول كيف ولماذا؟! إنها سبع حصيات لا ثمان ولا ست، وسبعة أشواط لا أقل ولا أكثر، ونقف هاهنا ثم ننتقل هناك ولا نقول: لماذا هذه البقعة دون غيرها، ثم نتحلل بماذا؟ حلق الشعر أو تقصيره لا بقص أظفر ولا قطع جلدةٍ ولا مس طيب.


    إن الحج طواف وسعي ورمي وحلق (خروج عن المألوف) لتحقيق معنى الذل والعبودية والانصياع، وإنه والله درس عظيم لتنقاد النفوس إلى خالقها متعبدة متذللة وقّافة عند حدوده وأوامره ونواهيه، لا تشرئب أعناقها للتطلع إلى الحكمة وفهم المقصود، فإن لاح للنظر أو عُرف بالنص فذاك وإلا "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"، إنه – جل وعلا – خلق الخلق وهو أعرف بما يصلحهم ويصلح لهم، وحقه عظيم فنفعل منيبين ولسان حالنا ومقالنا: (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك).



    مدرسة في الزهد

    الحج مدرسة في الزهد وتعلق القلب بالآخرة، فالدنيا متاع زائل لا محالة، وكم نتعلق بها وقد نسينا أنها إلى الزوال صايرة، وبالغرور موسومة، فيأتي الحج ويزيل عن البصر ما قد علاه من الغشاوة، وعن القلب ما قد حجبه لينير بصره وبصيرته فيذكر القبر ووحشته، والكفن وموعظته، والحشر وأهواله، فما هو إلا الإحرام للرجل كالكفن، وهاهو السعي الشديد الطويل لمرضاة الرب جل وعلا، وهاهم الناس أفواجاً أفواجاً قد اجتمعوا في مكان واحد ثم ينتقلون وكأنهم في المحشر أو إلى أرضها يقادون، من مِنى إلى عرفة ثم مزدلفة، وهاهم يرجعون ليطوفوا ويسعوا، وحالهم في ذلك: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم".. وإنهم شعث غبر في عرفة بل في أغلب أحوالهم قد أنستهم مرضاةُ الحبيب الرحيم تفقدَ هيئاتهم، وانشغلت قلوبهم بالتعرض لنفحات ربهم عن حاجات أبدانهم وزخرف حياتهم، كيف لا وهم يستشعرون دنو ربهم إليهم؟



    كما أن الحج يربى فينا حسن الخلق، وهو محك لإمكانية ظهور سوء الأخلاق (عناء وتعب، وسفر وتنقل، وزحام ونفرة) فيأتي الدرس التربوي (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) لا خصومة ولا تنازع، كما لا معصية ولا غيرها مما يخدش أو يؤثر لينصرف القلب بكليته لربه.



    وقد ذكر ذلك ابن قدامة وغيره فقال: (ينبغي للمسافر تطييب الكلام، وإطعام الطعام، وإظهار محاسن الأخلاق، فإن السفر يخرج خفايا الباطن، ومن كان في السفر ـ الذي هو مظنة الضجر ـ حسن الخلق كان في الحضر أحسن خُلقاً.


    وقد قيل: إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه.



    أيضاً من مدرسة الحج نستفيد عبراً أخرى نجملها فيما يلي:

    ليتذكر المرء حين يجهز متاعه حسن الزا د الذي سيلقي به ربه، وليحذر أن تشوبه شوائب تفسده من رياء وسمعة وتعلق بالدنيا، فحينها لن تصحبه ولا تنفعه، كالطعام الرطب والثوب الممزق الذي يفسد في أول منازل السفر ومواطن الحاجة فيبقى صاحبه متحيراً محتاجاً.



    وليتذكر حين تحول حول النفس هواجس وخطرات تحيد به عن الصراط المستقيم تلك القدرة العظيمة على الطاعة رغم العناء والتعب، وذلك الانتصار على الكسل فينتصر على نفسه ويقهرها ويسلك بها صراط الله، فلا يحيد ولا يميل ولا يكل ولا يمل.

    التربية على الاقتداء والاتباع لا الابتداع، فالحج إنما هو اقتداء لا مجال للاجتهاد فيه (خذوا عني مناسككم) فما كان بابه التوقيف فالأمر فيه (سمعنا وأطعنا) وهذا يحفظ المرء من الابتداع والإحداث في الدين.

    لفت الذهن وتنبيهه إلى تنوع شعب الإسلام ليختار منها ما يمكن أن ينهل منه بلا حدود ولا سأم ولا ملل، فالحج فيه عبادات كثيرة ومتنوعة (إحرام، وطواف، وسعي، ورمي، وحلق، وذبح، ودعاء، ومبيت، وصلاة، ووقوف... إلخ) وفي هذا لفت النظر إلى تنوع شعب الإسلام وتنوع وسائل الدعوة وأساليبها ليختار منها ما يمكن أن ينجح فيه وينهل منه دون توقف.
    وما أجمل ما كتبه مالك – رحمه الله – للعمري العابد حين أرسل إليه يحضه على الانفراد والعمل ويرغبه عن الاجتماع إليه في العلم فأجابه بقوله: "إن الله تعالى قسَّم الأعمال كما قسَّم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصيام، وآخر فُتح له في الجهاد ولم يُفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أشرف أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله عز وجل فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر، ويجب على كل منا أن يرضى بما قسم له، والسلام".

    من دروس مدرسة الحج: التربية على التواضع والأخوة الإسلامية دون قيود أو حدود تجمعهم أرض واحدة بزي واحد يؤدون نسكاً واحداً لا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا غني ولا فقير، تجمعهم شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره).. إن الحج يزيل بأجلى صورة كل تميز طبقي أو عنصري أو وطني فلا قومية ولا عربية، بل إسلامية تعبدية كالجسد الواحد.

    الحج ميدان للتعارف وتلاقي الشعوب والاستفادة بعضها من بعض دون عقبات أو حدود، هذا جوار هذا يعلمه ما يجهل من أمر دينه، ويرشده لما يحتاجه، ويصحح ما يخطئ فيه من معتقداته وأفعاله.

    في عرفة حيث الحجيج وقد باهى الله بهم ملائكته فيقول لهم: "انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم".

    إن الحج فرصة ـ وأي فرصة؟!

    ـ للم شعث القلب والإقبال على المولى المنعم، فكم أشغلتنا الدنيا بمطالبها وأعمالها، وكم أنستنا وأغفلتنا عن كثير مما يحتاج الفؤاد لينعم ولا يسقم، وينتج ولا يكسل، فيقبل بذلك على ربه ومولاه فينزل حاجته به ويقرب منه ويفضي إليه بأسراره فيغنم ويغنم ويغنم.. فيفلح ورب الكعبة، ولولا هذه المواسم لما أفاق كثير من الخلق من غفلتهم ولا أنابوا إلى ربهم، إلا من رحم الله.

    حقاً: إن الحج دورة تنشيطية للرجوع إلى العبادة، والإنابة إلى مستحقها، فلله الحمد والمنة أن جعل الحج لهذه الأمة.
    وما أجمل ما قاله ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: "اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتجرد والانفراد لخدمته، وقد كان الرهبان ينفردون في الجبال طلباً للأنس بالله، فجُعل الحج رهبانية لهذه الأمة".

    إن الحج مدرسة للتعلم وحسن الخلق، فكم من العناء والتعب في قطع المسافات والمشقة في فعل بعض العبادات ليتعلم المرء الصبر ويستفيد درساً عظيماً، ألا وهو: (أن النعيم لا يدرك بالنعيم) بل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْل َمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).
    فالفتنة لا بد منها لكل من ادعى الإسلام ليُعلم صدقه من كذبه (الم. أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون). فيأتي الصيام وبعده الحج ليربي فينا معنى الصبر طلباً لمرضاة الله.
    وأخيراً: إن الحج فرصة سانحة لإعطاء صورة مشرقة ومشرفة في الوقت نفسه عن الإسلام وأهله بتواضع أهل هذا البلد لغيرهم، وتعليمهم أمر دينهم بشفقة وحرص وطرح متجدد، وتنبيههم إلى ضرورة التكافل ووحدة الصف؛ لمحاربة عدوهم ونصرة دينهم بالشريط الإسلامي الهادف والدعاة البارزين من الجاليات المسلمة.

    فالحج مدرسة لتهذيب النفوس والرقي بالشعوب وتوحد الصفوف؛ للوصول إلى مرضاة الرب الغفور، فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحقق للأمة آمالها ونصرها ومجدها ويهدي ضالها ويغفر لمذنبها ويتقبل من محسنها. اللهم آمين

    مـــ ماجده ـلآك الروح
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: الحج مدرسة تربوية,

    مُساهمة من طرف مدير عام الثلاثاء 23 ديسمبر - 10:44

    شكرا على الموضوع
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: الحج مدرسة تربوية,

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الأربعاء 24 ديسمبر - 2:37

    الشكر لله
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: الحج مدرسة تربوية,

    مُساهمة من طرف مدير عام الأربعاء 24 ديسمبر - 12:23

    تسلمي

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 14:36