الحمد لله الذي قدر فهدى وخلق فسوى والصلاة والسلام على رسوله المجتبى
وعلى آله وأصحابه وكل من اهتدى
ثم أما بعد:
خلوت بنفسي فهجمت علي معزية حزينة, منكسرة موتورة قلت لها: فيمن العزاء؟ قالت: في واقع المسلمين.....في أمة كانت بالأمس غير البعيد سيدة العالم وأصبحت اليوم ومنذ قريب كقصعة الخبز تداعى عليها الأمم كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
حقيقة أوقفتني نفسي مع واقع أحاول دائماً أن أجمله في عين نفسي ولكنها أبت علي إلا أن أفيق, ألحت علي وألحت حتى جاذبتها الحوار الهامس وكان كالتالي:
قالت : ظلام حالك يموج ويموج وأنت وهم , هؤلاء وأولئك كلكم مسئولون ألم يقل الحق جل وعلا : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } [سورة الصافات:24].
قلت : ولكن .........
بادرتني مقاطعة : لا ترمي المسئولية على غيرك, فكل منكم يظن أنه ليس المسئول ولكن لو بحثت ستجد الإجابة عند خير رسول «ولكنكم غثاء كغثاء السيل» [روله أبو داود], واعلم أن كلاً منهم يقول كما تقول أنا لست المسئول! القضية يا عزيزي في جوهرها قضية فردية هي قضيتك أنت! ماذا قدمت لهذا الدين؟
قلت:يا عزيزتي اللوامة فهل عندك من مخرج؟ هل ترين من بارقة أمل؟ هل تدليني على الطريق و بإذن الله تكوني في الجنة خير رفيق؟
قالت: فلنتهامس....فلنفكر ....فلنستيقظ ....بل حتى فلنتشاجر حتى نصل إلى طريق......ولكن هل حقيقة ً الطريق غير معروف؟ أم أنك تبالغ؟
قلت: لا أبالغ بالطبع! أنا معك أن الطريق واضح, فقد قال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام:153] ولكن يا عزيزتي أنا أقصد كيف أسلك الطريق؟ ومن أين أبدأ؟ وكيف أسير؟ و...و...و....؟
قالت: نعم نعم, فالآن حددنا وجهة النقاش وهو كيف نسلك الطريق إلى الله؟! هذا الطريق الذي لن تنتصر الأمة ولن تقوم لها قائمة بدونه؟
قلت لها: نعم يا عزيزتي فلنبدأ بطرح التساؤلات عسى أن نجد الإجابة المرجوة والله المستعان.
قالت: ابدأ إذن وفكر وتحرك.
قلت : ما رأيك لو أنني خضت غمار البحر الهائج, وحاولت أن أصاول وأناضل حتى أصبح رأساً من الرؤوس تنحني لها الجباه وهنا أقول للقوم حكموا شرع الله؟
قالت: نعم هذا طريق ولكن سبق إليه أكثر من صديق, فدميت أقدامهم ولم يصلوا إلى نصرة الدين لأن القاعدة لا تبدأ من أعلى وإنما تبدأ من مكانها الصحيح...تبدأ مني ومنك ومن أخي وأخيك ومن أقرب رفيق وكل صديق. ولكن لا تمنع من سار في هذا الدرب وإن خالفته لأننا سنلتقي بإذن الله معه لا محالة فالطريق واحد وإن اختلفت الوجوه والاتجاهات والمقصد والغاية واحدة وإن تباعدت التفرعات وعموماً فاعلم أنك مكمل له لأنك توفر له القاعدة التي تسانده عند رفع راية الإسلام وهذا أيضا لا يمنع من أن نجتهد في هذا الأمر فأنت وغيرك مطالبون بالجد والاجتهاد في العلم والعمل ترقى من خلاله لمكان حتى إذا جاءت الفرصة لرفع راية الإسلام من هذا الطريق لا تجدنا خاملين فياله من دين لو أن له رجال.
قلت لها: فأتفرغ للدعوة والخروج مع كل صيحة فجر آخذ بأيدي المسلمين وأدعوهم للخروج معي عسى أن نأخذ بيد جديد أو ننصح بأمر سديد؟
قالت: هذا رأي رشيد...ولكن ألا تعلم أن الدعوة هذه تجب عليك في كل وقت وآن؟ تجب عليك تجاه أهلك وجارك وإلى أقرب إنسان؟ فلا تحتاج الدعوة إلى مكان بعيد أو ركن شديد؟ كما أن الدعوة يلزمها سلاح لا تصلح بدونه, أتدري ما هو؟
قلت: ما هو؟
قالت: إنه العلم ..فالعلم شرط للدعوة, أتدري ذلك؟
قلت: وكيف الأمر؟
قالت: الله تعالى يقول {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة يوسف:108] فالعلم شرط للدعوة.
قلت: فهل معنى ذلك أن أظل أتعلم وأتعلم.....فلن ينتهي العلم إذن؟ فمتى أدعو؟
قالت: فهمت خطأً.. يا عزيزي: الدعوة لا تتطلب أن تتعلم كل العلم ثم تدعو ولكن تعلم أولا ما تحتاج أنت إليه من فرائض العلوم ثم تعلم ما تدعو إليه الحاجة لنصح المسلمين فلا تدعو أحداً إلى أمر إلا وأنت لديك فيه من الله برهان...أفهمت؟ فالعلم والدعوة طريقان متوازيان وليس كما فهمت يجب أن ينتهي الأول حتى يبدأ الآخر ..
قلت: نعم...نعم ....ولكن هذا أمر يمكنني فعله كما اتفقنا في كل مكان في بيتي وفي عملي وفي طريقي فهلا اتفقنا على أمر آخر نخدم به الإسلام, على أن أعاهدك على ألا أقصر في الدعوة؟
قالت: اقترح.
قلت: ما رأيك لو أصبحت فارساً من فرسان المسلمين أحارب الكفار في كل وقت وحين. وأينما ذهبت أحمل راية الدين, بارودتي في يدي وبجعبتي كفني؟
قالت: والله والله أحسنت.
قلت: إذن وداعاً فأنا ذاهب لأحمي حمى الإسلام.
قالت: انتظر فلكل فعل أوان , أتظن أنك لو قاتلت الآن ستحمي حمى الإسلام حقيقة؟ أم أن لكل شيء عدته وإعداده؟ ألم يقل الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال:60] ؟
قلت: بلى.
قالت: إذن فلتستعد.
قلت: ولكن كيف أستعد؟
قالت: أولاً: يجب أن تعد النفس ثم تعد العدة, ثانياً: فلا تظن أنه يستطيع أن يحمي الإسلام من كان ناقص الإيمان؟
قلت: يالك من نفس! أتستهزئين بي أأنا ناقص الإيمان؟
قالت : تمهل ولا تظن بي السوء, فالإيمان ياعزيزي كما قرر أهل العلم ينقص بالمعاصي ويزداد بالطاعات, فعليك أولاً بإصلاح نفسك وفهم دينك حتى تكون جندياً صالحاً غير فاسد ولا مفسد ولا رعديد.
قلت لها: فسّري بالله عليك!
قالت: من يحمي حمى الإسلام هو هذا الفارس الهمام الذي يسير بعقيدته كالنور يقهر الظلام يمشي بنور الله على هدىً من الله ثابت الجأش ناصع القلب والعقيدة يعلم من يعبد وكيف يعبد وكيف يصرف عبادته لله وكيف يتقي شر أعدائه التي أولها نفسه إذا أمرته بالسوء فالنفس لا تكون دائماً على حالي معك لوامة, وكذا يعلم أن هواه ثاني أعدائه ثم من بعدهم عدوه الثالث اللدود وجنده الألد إنه الشيطان أعاذنا الله وإياك منه ومن حبائله .
قلت: فهمت قصدك الآن ولكن لنرسم سويا خطوطاً أصل بها إلى ما أصبو من إعداد نفسي!
قالت: ياعزيزي إنها خطوات من نور...شمر ساعدك وامشي والله معك واعلم أن الله وعد من جاهد فيه أنه سيهديه سبله فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [سورة العنكبوت:69] وإليك هذه الخطوات :
أولاً التوحيد: فكلمة التوحيد أولاً بل وقبل توحيد الكلمة حتى يكون الصف متناسقاً يعرف الله بأسمائه وصفاته , ويعرف من يعبده بذاته , ويعرف كيف يفرده بعباداته , فله وحده نسكه وصلواته بل له وحده محياه ومماته , فيكون المسلم ها هنا نموذجاً فريداً يتحقق فيه قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام:162].
ثانياً العلم : فالتوحيد لا يكون بلا علم قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [سورة محمد:19] فكم من أناس يظنون أنهم يحسنون صنعا وهم الضلالة بذاتها , قال تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [سورة الكهف:103,104].
فالعلم طريق تصفية القلب من علائق وأدران الباطل, وإفراد الله وحده بالعبادة ومعرفة حقوق الله سبحانه التي رأسها الفرائض, فكيف بمن ليس لديه علم بالفرائض أن يؤديها صحيحة فالإجماع منعقد على أنه من العلوم ما هو فرض على الإنسان أن يتعلمه وأولها وأولاها علم العقيدة ثم الفرائض, فمتى بلغ الصبي فعليه أن يتعلم معنى الشهادة والتوحيد والعمل بمقتضى هذا العلم, ثم يجب عليه تعلم الطهارة, ثم عند أداء أول فريضة صلاة بعد البلوغ يجب أن تكون صحيحة ولن يكون هذا بغير علم عن كيفيتها ثم إذا قدم عليه رمضان يجب عليه أن يتعلم نواقض الصيام وكيفيته حتى لا يبطل صومه وكذا إذا استطاع الحج وكذا إذا بلغ ماله نصاب الزكاة وكذا إذا أصبح الجهاد فرضاً عليه وهكذا.
ثالثاً العمل : فعلم بلا عمل نفاق أعاذنا الله وإياك فلا ينفع مجرد العلم صاحبه ولا خير فيه إن لم يقترن بالعمل , وما تراجعت الأمة إلا لقلة العاملين قال تعالى: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة آل عمران:79] فالعمل سبيل الحق وتطبيق الشرع ودعوة الناس إليه وتربيتهم عليه حتى تكتمل الصورة ويعم الخير سائر المجتمع فالمرء يعمل لنفسه ويأمر غيره بالصلاح حتى تكتمل الدوائر.
ويالها من روعة عندما صعد عثمان ابن عفان رضي الله عنه على المنبر لخطبة الجمعة فلم يزد على كلمات علم بها الأمة الكثير قال رضي الله عنه: "أيها الناس اعملوا فإنني إمام فعال ولست بقوال " فكثرة الكلام بلا عمل تضر أكثر مما تفيد, فعلى المسلم أن يكون دائماً في عمل, وعليه دائماً أن يحول حتى المباح إلى عمل صالح, وذلك بالنية الصالحة.
رابعاً : التآخي في الله قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات:10]وهذا المعنى العظيم نادراً جدا ما نلقاه, فيالحسرة القلب, في زمن غربة الإسلام ومحاربته بكل السهام, يجد الإنسان نفسه وحيداً وسط الأنام, فيالها من روعة لو وجدت لك فيها رفيقاً, وياله من خير لو أحسنت اختيار الصديق, فمن أول ما أسس النبي صلى الله عليه وسلم به دولة الإسلام في المدينة المآخاة بين المهاجرين والأنصار , فيجب أن تتوفر الأخوة في الله وإلا فمن يعين على الحق والبر؟ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2], وبدلا من أن نختلف يجب أن نأتلف فلا يعطي المسلم ظهره لأخيه المسلم بزعم الخلاف , فإنما ذلك مرض بالقلب , فاليد في اليد تفعل الكثير والفرقة شر نذير.
وأخيراً: إذا أعددت وأصبح لك على الحق أعوان فأقول لك أصبحت أنت ابن الإسلام, أقول لك والله لو جاهدت بأقل العدة لكنت خير الفاتحين, فالسر ليس في العدة ولكن فيمن يحملها.
قلت: جزاك الله من نفس خيرا، وأرجو أن أكون كما رسمت وأن أكون من جند الله في أرضه وأن أكون ساعداً من سواعد المسلمين لا أبتغي بذلك إلا نصرة الدين.
مـــ ماجده ـلآك الروح
وعلى آله وأصحابه وكل من اهتدى
ثم أما بعد:
خلوت بنفسي فهجمت علي معزية حزينة, منكسرة موتورة قلت لها: فيمن العزاء؟ قالت: في واقع المسلمين.....في أمة كانت بالأمس غير البعيد سيدة العالم وأصبحت اليوم ومنذ قريب كقصعة الخبز تداعى عليها الأمم كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
حقيقة أوقفتني نفسي مع واقع أحاول دائماً أن أجمله في عين نفسي ولكنها أبت علي إلا أن أفيق, ألحت علي وألحت حتى جاذبتها الحوار الهامس وكان كالتالي:
قالت : ظلام حالك يموج ويموج وأنت وهم , هؤلاء وأولئك كلكم مسئولون ألم يقل الحق جل وعلا : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } [سورة الصافات:24].
قلت : ولكن .........
بادرتني مقاطعة : لا ترمي المسئولية على غيرك, فكل منكم يظن أنه ليس المسئول ولكن لو بحثت ستجد الإجابة عند خير رسول «ولكنكم غثاء كغثاء السيل» [روله أبو داود], واعلم أن كلاً منهم يقول كما تقول أنا لست المسئول! القضية يا عزيزي في جوهرها قضية فردية هي قضيتك أنت! ماذا قدمت لهذا الدين؟
قلت:يا عزيزتي اللوامة فهل عندك من مخرج؟ هل ترين من بارقة أمل؟ هل تدليني على الطريق و بإذن الله تكوني في الجنة خير رفيق؟
قالت: فلنتهامس....فلنفكر ....فلنستيقظ ....بل حتى فلنتشاجر حتى نصل إلى طريق......ولكن هل حقيقة ً الطريق غير معروف؟ أم أنك تبالغ؟
قلت: لا أبالغ بالطبع! أنا معك أن الطريق واضح, فقد قال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام:153] ولكن يا عزيزتي أنا أقصد كيف أسلك الطريق؟ ومن أين أبدأ؟ وكيف أسير؟ و...و...و....؟
قالت: نعم نعم, فالآن حددنا وجهة النقاش وهو كيف نسلك الطريق إلى الله؟! هذا الطريق الذي لن تنتصر الأمة ولن تقوم لها قائمة بدونه؟
قلت لها: نعم يا عزيزتي فلنبدأ بطرح التساؤلات عسى أن نجد الإجابة المرجوة والله المستعان.
قالت: ابدأ إذن وفكر وتحرك.
قلت : ما رأيك لو أنني خضت غمار البحر الهائج, وحاولت أن أصاول وأناضل حتى أصبح رأساً من الرؤوس تنحني لها الجباه وهنا أقول للقوم حكموا شرع الله؟
قالت: نعم هذا طريق ولكن سبق إليه أكثر من صديق, فدميت أقدامهم ولم يصلوا إلى نصرة الدين لأن القاعدة لا تبدأ من أعلى وإنما تبدأ من مكانها الصحيح...تبدأ مني ومنك ومن أخي وأخيك ومن أقرب رفيق وكل صديق. ولكن لا تمنع من سار في هذا الدرب وإن خالفته لأننا سنلتقي بإذن الله معه لا محالة فالطريق واحد وإن اختلفت الوجوه والاتجاهات والمقصد والغاية واحدة وإن تباعدت التفرعات وعموماً فاعلم أنك مكمل له لأنك توفر له القاعدة التي تسانده عند رفع راية الإسلام وهذا أيضا لا يمنع من أن نجتهد في هذا الأمر فأنت وغيرك مطالبون بالجد والاجتهاد في العلم والعمل ترقى من خلاله لمكان حتى إذا جاءت الفرصة لرفع راية الإسلام من هذا الطريق لا تجدنا خاملين فياله من دين لو أن له رجال.
قلت لها: فأتفرغ للدعوة والخروج مع كل صيحة فجر آخذ بأيدي المسلمين وأدعوهم للخروج معي عسى أن نأخذ بيد جديد أو ننصح بأمر سديد؟
قالت: هذا رأي رشيد...ولكن ألا تعلم أن الدعوة هذه تجب عليك في كل وقت وآن؟ تجب عليك تجاه أهلك وجارك وإلى أقرب إنسان؟ فلا تحتاج الدعوة إلى مكان بعيد أو ركن شديد؟ كما أن الدعوة يلزمها سلاح لا تصلح بدونه, أتدري ما هو؟
قلت: ما هو؟
قالت: إنه العلم ..فالعلم شرط للدعوة, أتدري ذلك؟
قلت: وكيف الأمر؟
قالت: الله تعالى يقول {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة يوسف:108] فالعلم شرط للدعوة.
قلت: فهل معنى ذلك أن أظل أتعلم وأتعلم.....فلن ينتهي العلم إذن؟ فمتى أدعو؟
قالت: فهمت خطأً.. يا عزيزي: الدعوة لا تتطلب أن تتعلم كل العلم ثم تدعو ولكن تعلم أولا ما تحتاج أنت إليه من فرائض العلوم ثم تعلم ما تدعو إليه الحاجة لنصح المسلمين فلا تدعو أحداً إلى أمر إلا وأنت لديك فيه من الله برهان...أفهمت؟ فالعلم والدعوة طريقان متوازيان وليس كما فهمت يجب أن ينتهي الأول حتى يبدأ الآخر ..
قلت: نعم...نعم ....ولكن هذا أمر يمكنني فعله كما اتفقنا في كل مكان في بيتي وفي عملي وفي طريقي فهلا اتفقنا على أمر آخر نخدم به الإسلام, على أن أعاهدك على ألا أقصر في الدعوة؟
قالت: اقترح.
قلت: ما رأيك لو أصبحت فارساً من فرسان المسلمين أحارب الكفار في كل وقت وحين. وأينما ذهبت أحمل راية الدين, بارودتي في يدي وبجعبتي كفني؟
قالت: والله والله أحسنت.
قلت: إذن وداعاً فأنا ذاهب لأحمي حمى الإسلام.
قالت: انتظر فلكل فعل أوان , أتظن أنك لو قاتلت الآن ستحمي حمى الإسلام حقيقة؟ أم أن لكل شيء عدته وإعداده؟ ألم يقل الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال:60] ؟
قلت: بلى.
قالت: إذن فلتستعد.
قلت: ولكن كيف أستعد؟
قالت: أولاً: يجب أن تعد النفس ثم تعد العدة, ثانياً: فلا تظن أنه يستطيع أن يحمي الإسلام من كان ناقص الإيمان؟
قلت: يالك من نفس! أتستهزئين بي أأنا ناقص الإيمان؟
قالت : تمهل ولا تظن بي السوء, فالإيمان ياعزيزي كما قرر أهل العلم ينقص بالمعاصي ويزداد بالطاعات, فعليك أولاً بإصلاح نفسك وفهم دينك حتى تكون جندياً صالحاً غير فاسد ولا مفسد ولا رعديد.
قلت لها: فسّري بالله عليك!
قالت: من يحمي حمى الإسلام هو هذا الفارس الهمام الذي يسير بعقيدته كالنور يقهر الظلام يمشي بنور الله على هدىً من الله ثابت الجأش ناصع القلب والعقيدة يعلم من يعبد وكيف يعبد وكيف يصرف عبادته لله وكيف يتقي شر أعدائه التي أولها نفسه إذا أمرته بالسوء فالنفس لا تكون دائماً على حالي معك لوامة, وكذا يعلم أن هواه ثاني أعدائه ثم من بعدهم عدوه الثالث اللدود وجنده الألد إنه الشيطان أعاذنا الله وإياك منه ومن حبائله .
قلت: فهمت قصدك الآن ولكن لنرسم سويا خطوطاً أصل بها إلى ما أصبو من إعداد نفسي!
قالت: ياعزيزي إنها خطوات من نور...شمر ساعدك وامشي والله معك واعلم أن الله وعد من جاهد فيه أنه سيهديه سبله فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [سورة العنكبوت:69] وإليك هذه الخطوات :
أولاً التوحيد: فكلمة التوحيد أولاً بل وقبل توحيد الكلمة حتى يكون الصف متناسقاً يعرف الله بأسمائه وصفاته , ويعرف من يعبده بذاته , ويعرف كيف يفرده بعباداته , فله وحده نسكه وصلواته بل له وحده محياه ومماته , فيكون المسلم ها هنا نموذجاً فريداً يتحقق فيه قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام:162].
ثانياً العلم : فالتوحيد لا يكون بلا علم قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [سورة محمد:19] فكم من أناس يظنون أنهم يحسنون صنعا وهم الضلالة بذاتها , قال تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [سورة الكهف:103,104].
فالعلم طريق تصفية القلب من علائق وأدران الباطل, وإفراد الله وحده بالعبادة ومعرفة حقوق الله سبحانه التي رأسها الفرائض, فكيف بمن ليس لديه علم بالفرائض أن يؤديها صحيحة فالإجماع منعقد على أنه من العلوم ما هو فرض على الإنسان أن يتعلمه وأولها وأولاها علم العقيدة ثم الفرائض, فمتى بلغ الصبي فعليه أن يتعلم معنى الشهادة والتوحيد والعمل بمقتضى هذا العلم, ثم يجب عليه تعلم الطهارة, ثم عند أداء أول فريضة صلاة بعد البلوغ يجب أن تكون صحيحة ولن يكون هذا بغير علم عن كيفيتها ثم إذا قدم عليه رمضان يجب عليه أن يتعلم نواقض الصيام وكيفيته حتى لا يبطل صومه وكذا إذا استطاع الحج وكذا إذا بلغ ماله نصاب الزكاة وكذا إذا أصبح الجهاد فرضاً عليه وهكذا.
ثالثاً العمل : فعلم بلا عمل نفاق أعاذنا الله وإياك فلا ينفع مجرد العلم صاحبه ولا خير فيه إن لم يقترن بالعمل , وما تراجعت الأمة إلا لقلة العاملين قال تعالى: {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [سورة آل عمران:79] فالعمل سبيل الحق وتطبيق الشرع ودعوة الناس إليه وتربيتهم عليه حتى تكتمل الصورة ويعم الخير سائر المجتمع فالمرء يعمل لنفسه ويأمر غيره بالصلاح حتى تكتمل الدوائر.
ويالها من روعة عندما صعد عثمان ابن عفان رضي الله عنه على المنبر لخطبة الجمعة فلم يزد على كلمات علم بها الأمة الكثير قال رضي الله عنه: "أيها الناس اعملوا فإنني إمام فعال ولست بقوال " فكثرة الكلام بلا عمل تضر أكثر مما تفيد, فعلى المسلم أن يكون دائماً في عمل, وعليه دائماً أن يحول حتى المباح إلى عمل صالح, وذلك بالنية الصالحة.
رابعاً : التآخي في الله قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات:10]وهذا المعنى العظيم نادراً جدا ما نلقاه, فيالحسرة القلب, في زمن غربة الإسلام ومحاربته بكل السهام, يجد الإنسان نفسه وحيداً وسط الأنام, فيالها من روعة لو وجدت لك فيها رفيقاً, وياله من خير لو أحسنت اختيار الصديق, فمن أول ما أسس النبي صلى الله عليه وسلم به دولة الإسلام في المدينة المآخاة بين المهاجرين والأنصار , فيجب أن تتوفر الأخوة في الله وإلا فمن يعين على الحق والبر؟ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2], وبدلا من أن نختلف يجب أن نأتلف فلا يعطي المسلم ظهره لأخيه المسلم بزعم الخلاف , فإنما ذلك مرض بالقلب , فاليد في اليد تفعل الكثير والفرقة شر نذير.
وأخيراً: إذا أعددت وأصبح لك على الحق أعوان فأقول لك أصبحت أنت ابن الإسلام, أقول لك والله لو جاهدت بأقل العدة لكنت خير الفاتحين, فالسر ليس في العدة ولكن فيمن يحملها.
قلت: جزاك الله من نفس خيرا، وأرجو أن أكون كما رسمت وأن أكون من جند الله في أرضه وأن أكون ساعداً من سواعد المسلمين لا أبتغي بذلك إلا نصرة الدين.
مـــ ماجده ـلآك الروح