الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
مع انتشار أدوات الطباعة ورخص ثمنها، أضحت الصحف والأوراق في كل مكان، تجدها في الشارع وفي الطريق وربما ألقيت في حاوية القمامة. وفي بلادنا غالب الصحف والأوراق والكراتين بل وحتى أكياس المحلات يوجد عليها لفظ الجلالة! فيا ترى كيف نعظم الرب- عزّ وجلّ- وننزهه ونحن نلقي بتلك الأوراق والمغلفات البلاستيكية في كل مكان؟!
وقد استمرأ الأمر مع الأسف الكبار والصغار مع أن الأصل قيام الأب بذلك لأمرين:
الأول: رفع اسم الله تبارك وتعالى عن الامتهان والقاذورات.
والثاني: تربية الأبناء على تعظيم شعائر الله، واحترام وإجلال اسم الله تعالى أن يُمتهن، والأمر سهل في الكراتين الكبيرة بإزالة الاسم سواء بالقص أو الطمس بقلم كثيف اللون يخفي المعالم.
وعلى تلك الكتابة (كتابة لفظ الجلالة على العلب والصناديق والأكياس) ملاحظة مهمة وهي:
كتابة لفظ الجلالة على علب ومعلبات مصيرها حاويات المخلفات، وصناديق القمامة، فعلى من كان في اسمه أو اسم أبيه لفظ الجلالة مراعاة لذلك، لئلا يُمتهن اسم الله تبارك وتعالى.
ويلحق بذلك ما إذا كان المحل يقع على شارع يكون لفظ الجلالة في اسم صاحب الشارع، (شارع عبد الله بن عباس) أو (شارع عبد الله بن الزبير) وما شابه ذلك، فيُكتب على المغلفات عنوان المحل دون لفظ الجلالة، حتى لا يؤدي ذلك إلى امتهان من حيث لا يشعر.
ويلحق بهذا الأوراق الرسمية التي كُتبت البسملة عليها، فعندما يفرغ منها الموظف أو لا يكون له بها حاجة يمزقها ثم يرميها في سلة المهملات، مع العلم أنه يوجد في كثير من المكاتب (فرّامات ورق) وبالتالي لا يكون للفظ الجلالة رسم في تلك الأوراق بعد تمزيقها.
وأعجبني أحد الموظفين فقد وضع مظروفاً كتب عليه (القصاصات التي تشتمل على اسم الله) وقد علق ذلك المظروف في المكتب بين زملائه، ثم يجمعها ويقوم بإحراقها بنفسه.
قال محمد بن الصلت: "سمعت بشر بن الحارث وسُئل ما بال اسمك بين الناس كأنه اسم نبي؟ قال: هذا من فضل الله وما أقول لكم، كنت رجلاً عياراً صاحب عصبة فجزت يوماً فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية (نوعاً من الطيب) ومسحته في القرطاس فنمت تلك الليلة، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي: يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق، وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، ثم كان ما كان". رواه أبو نعيم في الحلية.
قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال له: جوّدها فإن رجلاً جودها فغفر له. قال سعيد: وبلغني أن رجلاً نظر إلى قرطاس فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فقبّله ووضعه على عينيه فغفر له. ذكره القرطبي في التفسير.
ولا يعني هذا أنه كلما وجد المسلم ورقة فيها اسم الله رفعها وطيبها وقبلها، لكن عليه أن يرفع اسم الله وأن يُبعده عن الامتهان، وأن يربي أولاده على ذلك، فلا تمتهن الكتب الدراسية والأوراق المحترمة التي فيها شيء من القرآن أو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل حتى كراساتهم إذا كان في أسمائهم أو أسماء آبائهم لفظ الجلالة.
لا ينبغي استخدام القرآن في الأغراض الدنيئة:
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي:
يوجد بعض علب لبيع الألبان ومكتوب على العلبة بعض آية من القرآن الكريم هو { لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } [النحل:66] ومصير هذه العلب بعد الاستعمال الرمي في الكناسات وامتهانها، فإن كان لا يجوز وضعها على العلب ولا رميها في الأقذار فأفيدوني لأبلغ باعة الألبان ليحتاطوا في ذلك والله يحفظكم؟ [فتاوى اللجنة الدائمة، فتوى رقم: 204].
• وقد أجابت اللجنة الدائمة بما يلي: "إن هؤلاء يأخذون كلمات من القرآن والحديث ولا يقصدون بذلك حكايتها على أنها قرآن أو حديث ولذلك لم يقولوا قال الله- تعالى- ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذوها، استحساناً لها، ولمناسبتها ما قصدوا استعمالها فيه من جعلها في لا فتة أو استعمالها في الدعاية إلى ما كتب عليه، وبذلك خرجت في كتابتهم عن أن تكون قرآناً أو حديثاً، ومثل هذا يُسمّى اقتباساً، وهو عند علماء البديع أخذ شيء من القرآن أو الحديث على غير طريق الحكاية ليجعل به الكلام نثراً أو نظماً، وعلى هذا لا يكون حكمه حكم القرآن من تحريم حمله أو مسه عل غير المتطهر، أو تحريم النطق به على ما كان جنباً، ولكن لا يليق بالمسلم أن يقتبس شيئاً من القرآن أو الحديث للأغراض الدنيئة أو يكتبه عنوناً أو دعاية لصناعة أو مهنة أو عمل خسيس، لما في نفس الاقتباس لذلك من الامتهان، وأما رمي الأوراق المكتوبة أو العلب أو الأواني المكتوب عليها في الأقذار ونحوها أو استعمالها فيما فيه امتهان لها فلا يجوز، وإن كان المكتوب قرآناً كان ذلك أشد خطراً، وإن قصد برمي ما فيه القرآن امتهانه أو كان مستهتراً بقذفه في القاذورات أو باستعماله فيها كان ذلك كفراً".
وسُئلت اللجنة أيضاً السؤال التالي:
ما حكم من يضع متاعه أو حاجياته أو يلفها في كتب أو ورق يحتوي على سور وآيات من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فأنكر عليه شخص بالقول، فرد عليه فقال: أي الذي بضع البضاعة- لا بأس بهذا ولا ضرر في ذلك، واستمر في عمله هذا وقال لا أجد غير هذا الورق، مع العلم أنه يقرأ ويكتب وهذه ظاهرة شائعة عندنا، فما حكم الله تعالى في هذا العمل وهل أسير في الشارع راكعاً، لجمع تلك الآيات والسور التي كثر رميها على الأرض في حين أن الناس تسخر فماذا أفعل لإزالة هذا المنكر المنتشر؟
• فأجابت اللجنة: "أولاً: لا يجوز أن يضع المسلم متاعه أو حاجته في أوراق كتب فيها سوراً وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، ولا أن يلقى ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة لما في ذلك من الامتهان وانتهاك حرمة القرآن والأحاديث النبوية وذكر الله، ودعوى أنه لا يجد غير هذا الورق دعوى يكذبها الواقع، فإن وسائل صيانة المتاع كثيرة وفيها غنية عن استعمال ما كتب فيه القرآن والأحاديث النبوية أو ذكر الله وإنما هو الكسل وضعف الدين.
• ثانياً: يكفيك للخروج من الإثم والحرج أن تنصح الناس بعد استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة وفي الشوارع والحارات ونحوها، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك من جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج".
حكم وضع الصحف التي تشتمل على آيات سفرة للطعام:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فإن القرآن كلام الله تبارك وتعالى أنزله على عبده ورسوله محمّد صلى الله عليه وسلم ليكون هدىً ونوراً للعالمين إلى يوم القيامة، وقد أكرم الله تعالى صدر هذه الأمة بحفظه في الصدور والعمل به في جميع شؤون الحياة والتحاكم إليه في القليل والكثير، ولا يزال فضل الله- سبحانه- ينزل على بعض عباده فيعطون القرآن حقه من التعظيم والتكريم حساً ومعنى ولكن هناك طوائف كبيرة وأعداد عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام حرمت من القيام بحق القرآن العظيم وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخشى أن ينطبق بحق على كثير منهم قوله تعالى: { وقال الرَّسول يا ربِّ إنَّ قَوْمي اتَّخذوا هذا الْقُرآن مَهجوراً } [الفرقان: 3] إذ أصبح القرآن لدى كثير منهم مهجوراً، وهجروا تلاوته وهجروا تدبره والعمل به، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد غفل كثير منهم عما يجب عليهم من تكريم كتاب الله، وحفظه إذا قصروا في مجال الحفظ والتدبر والعمل كما لم يقوموا بما يجب من التعظيم والتكريم لكلام رب العالمين، ولقد عمت بلاد المسلمين المنشورات والصحف والمجلات، وكثيراً ما تشتمل على آيات من القرآن الكريم في غلافها أو داخلها لكن قسماً كبيراً من المسلمين حينما يقرءون تلك الصحف يلقونها فتجمع مع القمائم وتوطأ بالأقدام بل قد يستعملها بعضهم لأغراض أخرى حتى تصيبها النجاسات والقاذورات والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: { إنَّه لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُون . لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُون . تَنزِيلٌ مِن رَّبِّ الْعَالمِين } [الواقعة:77- 80]. والآية دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا إذا كان المسلم على طهارة كما هو رأي الجمهور من أهل العلم وفي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أن لا يمس القرآن إلا طاهر » . ويروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر » . وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: (لا يمسّ القرآن إلاَّ المطهّرون). فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء.
وعن سعد: "أنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف". فإذا كان هذا في مس القرآن العزيز فكيف بمن يضع الصحف التي تشتمل على آيات من القرآن سفرة لطعامه ثم يرمي بها في النفايات مع النجاسات والقاذورات لا شك أن هذا امتهان لكتاب الله العزيز وكلامه المبين.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحافظوا على الصحف والكتب وغيرها مما فيه آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو كلام فيه ذكر الله أو بعض أسمائه سبحانه وتعالى فيحفظها في مكان طاهر وإذا استغنى عنها دفنها في أرض طاهرة أو أحرقها ولا يجوز التساهل في ذلك وحيث إن الكثير من الناس في غفلة عن هذا الأمر وقد يقع في المحذور جهلاً منه بالحكم رأيت كتابة هذه الكلمة تذكيراً وبياناً لما يجب على المسلمين العمل به تجاه كتاب الله وأسمائه وصفاته وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً من الوقوع فيما يغضب الله ويتنافى مع مقام كلام رب العالمين والله سبحانه المسؤول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يمنحنا جميعاً تعظيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما وصيانتهما عن كل ما يسيء إليهما من قول أو فعل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمّد وآله وصحبه وسلم.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/
عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله-
دار القاسم: المملكة العربية السعودية
مـــ ماجده ـلآك الروح
مع انتشار أدوات الطباعة ورخص ثمنها، أضحت الصحف والأوراق في كل مكان، تجدها في الشارع وفي الطريق وربما ألقيت في حاوية القمامة. وفي بلادنا غالب الصحف والأوراق والكراتين بل وحتى أكياس المحلات يوجد عليها لفظ الجلالة! فيا ترى كيف نعظم الرب- عزّ وجلّ- وننزهه ونحن نلقي بتلك الأوراق والمغلفات البلاستيكية في كل مكان؟!
وقد استمرأ الأمر مع الأسف الكبار والصغار مع أن الأصل قيام الأب بذلك لأمرين:
الأول: رفع اسم الله تبارك وتعالى عن الامتهان والقاذورات.
والثاني: تربية الأبناء على تعظيم شعائر الله، واحترام وإجلال اسم الله تعالى أن يُمتهن، والأمر سهل في الكراتين الكبيرة بإزالة الاسم سواء بالقص أو الطمس بقلم كثيف اللون يخفي المعالم.
وعلى تلك الكتابة (كتابة لفظ الجلالة على العلب والصناديق والأكياس) ملاحظة مهمة وهي:
كتابة لفظ الجلالة على علب ومعلبات مصيرها حاويات المخلفات، وصناديق القمامة، فعلى من كان في اسمه أو اسم أبيه لفظ الجلالة مراعاة لذلك، لئلا يُمتهن اسم الله تبارك وتعالى.
ويلحق بذلك ما إذا كان المحل يقع على شارع يكون لفظ الجلالة في اسم صاحب الشارع، (شارع عبد الله بن عباس) أو (شارع عبد الله بن الزبير) وما شابه ذلك، فيُكتب على المغلفات عنوان المحل دون لفظ الجلالة، حتى لا يؤدي ذلك إلى امتهان من حيث لا يشعر.
ويلحق بهذا الأوراق الرسمية التي كُتبت البسملة عليها، فعندما يفرغ منها الموظف أو لا يكون له بها حاجة يمزقها ثم يرميها في سلة المهملات، مع العلم أنه يوجد في كثير من المكاتب (فرّامات ورق) وبالتالي لا يكون للفظ الجلالة رسم في تلك الأوراق بعد تمزيقها.
وأعجبني أحد الموظفين فقد وضع مظروفاً كتب عليه (القصاصات التي تشتمل على اسم الله) وقد علق ذلك المظروف في المكتب بين زملائه، ثم يجمعها ويقوم بإحراقها بنفسه.
قال محمد بن الصلت: "سمعت بشر بن الحارث وسُئل ما بال اسمك بين الناس كأنه اسم نبي؟ قال: هذا من فضل الله وما أقول لكم، كنت رجلاً عياراً صاحب عصبة فجزت يوماً فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية (نوعاً من الطيب) ومسحته في القرطاس فنمت تلك الليلة، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي: يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق، وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، ثم كان ما كان". رواه أبو نعيم في الحلية.
قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال له: جوّدها فإن رجلاً جودها فغفر له. قال سعيد: وبلغني أن رجلاً نظر إلى قرطاس فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فقبّله ووضعه على عينيه فغفر له. ذكره القرطبي في التفسير.
ولا يعني هذا أنه كلما وجد المسلم ورقة فيها اسم الله رفعها وطيبها وقبلها، لكن عليه أن يرفع اسم الله وأن يُبعده عن الامتهان، وأن يربي أولاده على ذلك، فلا تمتهن الكتب الدراسية والأوراق المحترمة التي فيها شيء من القرآن أو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل حتى كراساتهم إذا كان في أسمائهم أو أسماء آبائهم لفظ الجلالة.
لا ينبغي استخدام القرآن في الأغراض الدنيئة:
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي:
يوجد بعض علب لبيع الألبان ومكتوب على العلبة بعض آية من القرآن الكريم هو { لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } [النحل:66] ومصير هذه العلب بعد الاستعمال الرمي في الكناسات وامتهانها، فإن كان لا يجوز وضعها على العلب ولا رميها في الأقذار فأفيدوني لأبلغ باعة الألبان ليحتاطوا في ذلك والله يحفظكم؟ [فتاوى اللجنة الدائمة، فتوى رقم: 204].
• وقد أجابت اللجنة الدائمة بما يلي: "إن هؤلاء يأخذون كلمات من القرآن والحديث ولا يقصدون بذلك حكايتها على أنها قرآن أو حديث ولذلك لم يقولوا قال الله- تعالى- ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذوها، استحساناً لها، ولمناسبتها ما قصدوا استعمالها فيه من جعلها في لا فتة أو استعمالها في الدعاية إلى ما كتب عليه، وبذلك خرجت في كتابتهم عن أن تكون قرآناً أو حديثاً، ومثل هذا يُسمّى اقتباساً، وهو عند علماء البديع أخذ شيء من القرآن أو الحديث على غير طريق الحكاية ليجعل به الكلام نثراً أو نظماً، وعلى هذا لا يكون حكمه حكم القرآن من تحريم حمله أو مسه عل غير المتطهر، أو تحريم النطق به على ما كان جنباً، ولكن لا يليق بالمسلم أن يقتبس شيئاً من القرآن أو الحديث للأغراض الدنيئة أو يكتبه عنوناً أو دعاية لصناعة أو مهنة أو عمل خسيس، لما في نفس الاقتباس لذلك من الامتهان، وأما رمي الأوراق المكتوبة أو العلب أو الأواني المكتوب عليها في الأقذار ونحوها أو استعمالها فيما فيه امتهان لها فلا يجوز، وإن كان المكتوب قرآناً كان ذلك أشد خطراً، وإن قصد برمي ما فيه القرآن امتهانه أو كان مستهتراً بقذفه في القاذورات أو باستعماله فيها كان ذلك كفراً".
وسُئلت اللجنة أيضاً السؤال التالي:
ما حكم من يضع متاعه أو حاجياته أو يلفها في كتب أو ورق يحتوي على سور وآيات من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فأنكر عليه شخص بالقول، فرد عليه فقال: أي الذي بضع البضاعة- لا بأس بهذا ولا ضرر في ذلك، واستمر في عمله هذا وقال لا أجد غير هذا الورق، مع العلم أنه يقرأ ويكتب وهذه ظاهرة شائعة عندنا، فما حكم الله تعالى في هذا العمل وهل أسير في الشارع راكعاً، لجمع تلك الآيات والسور التي كثر رميها على الأرض في حين أن الناس تسخر فماذا أفعل لإزالة هذا المنكر المنتشر؟
• فأجابت اللجنة: "أولاً: لا يجوز أن يضع المسلم متاعه أو حاجته في أوراق كتب فيها سوراً وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، ولا أن يلقى ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة لما في ذلك من الامتهان وانتهاك حرمة القرآن والأحاديث النبوية وذكر الله، ودعوى أنه لا يجد غير هذا الورق دعوى يكذبها الواقع، فإن وسائل صيانة المتاع كثيرة وفيها غنية عن استعمال ما كتب فيه القرآن والأحاديث النبوية أو ذكر الله وإنما هو الكسل وضعف الدين.
• ثانياً: يكفيك للخروج من الإثم والحرج أن تنصح الناس بعد استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة وفي الشوارع والحارات ونحوها، ولست مكلفاً بما فيه حرج عليك من جعل نفسك وقفاً على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج".
حكم وضع الصحف التي تشتمل على آيات سفرة للطعام:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فإن القرآن كلام الله تبارك وتعالى أنزله على عبده ورسوله محمّد صلى الله عليه وسلم ليكون هدىً ونوراً للعالمين إلى يوم القيامة، وقد أكرم الله تعالى صدر هذه الأمة بحفظه في الصدور والعمل به في جميع شؤون الحياة والتحاكم إليه في القليل والكثير، ولا يزال فضل الله- سبحانه- ينزل على بعض عباده فيعطون القرآن حقه من التعظيم والتكريم حساً ومعنى ولكن هناك طوائف كبيرة وأعداد عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام حرمت من القيام بحق القرآن العظيم وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخشى أن ينطبق بحق على كثير منهم قوله تعالى: { وقال الرَّسول يا ربِّ إنَّ قَوْمي اتَّخذوا هذا الْقُرآن مَهجوراً } [الفرقان: 3] إذ أصبح القرآن لدى كثير منهم مهجوراً، وهجروا تلاوته وهجروا تدبره والعمل به، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد غفل كثير منهم عما يجب عليهم من تكريم كتاب الله، وحفظه إذا قصروا في مجال الحفظ والتدبر والعمل كما لم يقوموا بما يجب من التعظيم والتكريم لكلام رب العالمين، ولقد عمت بلاد المسلمين المنشورات والصحف والمجلات، وكثيراً ما تشتمل على آيات من القرآن الكريم في غلافها أو داخلها لكن قسماً كبيراً من المسلمين حينما يقرءون تلك الصحف يلقونها فتجمع مع القمائم وتوطأ بالأقدام بل قد يستعملها بعضهم لأغراض أخرى حتى تصيبها النجاسات والقاذورات والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: { إنَّه لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُون . لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُون . تَنزِيلٌ مِن رَّبِّ الْعَالمِين } [الواقعة:77- 80]. والآية دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا إذا كان المسلم على طهارة كما هو رأي الجمهور من أهل العلم وفي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أن لا يمس القرآن إلا طاهر » . ويروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر » . وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: (لا يمسّ القرآن إلاَّ المطهّرون). فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء.
وعن سعد: "أنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف". فإذا كان هذا في مس القرآن العزيز فكيف بمن يضع الصحف التي تشتمل على آيات من القرآن سفرة لطعامه ثم يرمي بها في النفايات مع النجاسات والقاذورات لا شك أن هذا امتهان لكتاب الله العزيز وكلامه المبين.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحافظوا على الصحف والكتب وغيرها مما فيه آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو كلام فيه ذكر الله أو بعض أسمائه سبحانه وتعالى فيحفظها في مكان طاهر وإذا استغنى عنها دفنها في أرض طاهرة أو أحرقها ولا يجوز التساهل في ذلك وحيث إن الكثير من الناس في غفلة عن هذا الأمر وقد يقع في المحذور جهلاً منه بالحكم رأيت كتابة هذه الكلمة تذكيراً وبياناً لما يجب على المسلمين العمل به تجاه كتاب الله وأسمائه وصفاته وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحذيراً من الوقوع فيما يغضب الله ويتنافى مع مقام كلام رب العالمين والله سبحانه المسؤول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن يمنحنا جميعاً تعظيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما وصيانتهما عن كل ما يسيء إليهما من قول أو فعل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمّد وآله وصحبه وسلم.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/
عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله-
دار القاسم: المملكة العربية السعودية
مـــ ماجده ـلآك الروح