[size=24]
[/size]
الحمد لله الذي فرض الحج لبيته الحرام ، وجعل ذلك منة على أهل الإسلام ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد بن عبد الله أفضل من صلى وصام ، وحج على بيت الله الحرام أما بعد :
من نعم الله على العبد أن يرزقه همةً تعينه على الطاعة ، وتيسيراً للوصول إليها وفي هذه الأيام تتقاطر القوافل السائرة على بيت الله العتيق ، تعج بنداء التوحيد في كل وسيلة ، فما أجمل التلبية تملأ أرجاء الفضاء في البر والبحر والأجواء ، في السيارات السائرة ، والبواخر الماخرة ، والطائرات العالية ، لقد اسمع المسلمون الدنيا بأسرها كلمة التوحيد الخالدة في شعار الحج العظيم ، وتنادوا لتلبية النداء للملك الكريم سبحانه رغم كل شانئ ، وإغاضة لكل كافر : { لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } في دروس الحج تذكيرُ الأمة بأن أعظمَ ما يجب أن تهتمّ به وأن تحافظ عليه وأن تغرسه في النفوس وتبثّه في المناشطِ كلّها والأعمالِ جميعها تحقيقُ التوحيد لله سبحانه، تحقيق الغايةِ القصوى في الخضوع والتذلل له عز شأنه توجّهاً وإرادة، قصداً وعملاً. فهذه التلبية رمزُ الحج ومفتاحه التي أهلّ بها سيّد الخلق وإمام الأنبياء حين افتتح حجتَه بالتوحيد كما يقول جابر: فأهلّ بالتوحيد: ((لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)).
إهلالٌ يتضمن كلماتِ التلبية، ذاك المعنى العظيمُ والمدلول الدقيق ألا وهو روح الدين وأساسُه وأصله، وهو توحيد الله جل وعلا ونبذ الإشراك به بكلّ صوره وشتى أشكاله.
فالواجبُ على أفراد الأمة جمعاء أن يستحضِروا ما دلّت عليه هذه الكلمة من معنى، وأن يعرفوا ما تضمّنته من دلالة، وأن يكونَ المسلم على دراية عظيمة بهذا المعنى في حياته كلّها، محافظاً عليه في كلّ حين وآن، مراعياً له في كلّ جانب، لا يسأل إلا اللهَ، لا يستغيث إلا بالله، لا يتوكَّل إلا على الله، لا يطلبُ المدد والعون والنصر إلا من الله، مستيقناً أنَّ الخير كلّه بيد الله، وأزمَّة الأمور بيده، ومرجعها إليه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد اشتملت كلماتُ التلبية على قواعدَ عظيمة وفوائد جليلة... ـ إلى أن قال في سياق تعداد فوائدها: ـ ومنها أن التلبيةَ تتضمّن التزامَ دوامِ العبودية، ولهذا قيل: هي من الإقامة أي: أنا مقيم على طاعتك، ومنها أنها تتضمّن الخضوعَ والذل، ومنها أنها تتضمَّن الإخلاصَ لله جل وعلا" انتهى.
فحريٌّ بالمسلم الموفّق الاهتمامُ بتلك المعاني كلها، وتحقيقها في حياته بشتى جوانبها.
كم هو مؤسف أن ترى من جهلة المسلمين من تعب للوصول إلى تلك الأماكن الطاهرة ، وبذل الأموال الطائلة ، رغبة في المغفرة ومحو الذنوب ثم يأتي وهو متلبس بنوع من أنواع الشرك الذي يحول بينهن وبين القبول والله المستعان ، ولقد حصل أن رأيت أحد المسلمين من دولة عربية في حج عام 1415هـ في عشية عرفة ، في الوقت الذي ينزل فيه المولى جلَّ وتعالى ويباهي بأهل الموقف ملائكته في هذه الأثناء سقط نظري على هذا الرجل وهو يحمل خيطاً في يده فناديته وسألته بلطفٍ عن ذلكم الخيط فقال إنه تميمة لأجل حمى تتعاوده وحاولت جاهداً أن أبين له خطر ذلك على عقيدته وأن أصرف همته لسؤال مولاه في ذاك المكان والزمان الشريفين وأن ما يفعله ويعتقده لا يزيده إلا وهناً كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ثم حاولت الوصول للخيط فقطعته ورميته في الأرض فقام ذلكم الرجل وكأنه قد اقتنع بما قلت له وخرج من الخيمة وبعد لحظات قليلة عاد مسرعاً وأخذ هذا الخيط وهرب على مرأى من الزملاء الذين كانوا معي فقلت سبحان الله لا حيلة في العقيدة إذا تمكنت من النفوس ولو كانت باطلة ، وقلت سبحان الله كم ظفر الشيطان بكثيرٍ من هؤلاء الجهلة فأبطل عليهم دينهم وعبادتهم ، وعلقهم بغير مولاهم ، وتذكرت قول الله تعالى ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) ﴾ الكهف ، يا حسرةً على العباد يتعبون أنفسهم في غير طائل ، ويتعلقون بغير منجي وصدق الله إذ يقول ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) ﴾ فمتى يعي المسلمون أنه لا خلاص لهم مما يعانونه من ذلة ، ومهانة وتسلط للأعداء إلا بتحقيق التوحيد الخالص ، وعدم الاتكال على الأسباب وإن كانت مشروعة فكيف بها إن كانت سبباً للشرك وظلمات الدنيا والآخرة.
وإذا كان الأمرُ كذلك في حق الأفراد فالأمة أجمَع حري بها أن تستلهم من الحج تلك الدروسَ والعبر، ولتعلمْ أن القاعدةَ الثابتة لاستقرار حياتها والمستقرّ الآمنَ الذي يؤوبون إليه هو تحقيق التوحيد لله جل وعلا في كل شأن من الشؤون، في مناشط الحياة كلّها، وأن تحقق الخضوع التامَ لله والذل المتناهيَ له سبحانه، ترسيخاً للعقيدة الصحيحة في واقع الحياة وتأصيلا لها في النفوس، وإلا فبدون ذلك تتخطّفها الأهواء تخطّف الجوارح، وتتقاذفها الأوهام تقاذف الرّياح.
ألا فلتصبغ الأمة حياتَها كلّها وأنشطتَها جميعَها بقاعدة العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص، فلا تخطو خطوةً ولا تتحرك حركة إلا وهي تنظر من منظار القرآن الكريم، ومن مرآة السنة ورضا الربِّ جل وعلا، فالله جل وعلا يقول: ﴿ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82].
إنَّ من دروس الحجّ أن تعلم الأمة وتتذكَّر وأن تستشعرَ وتستيقن أنه لا سعادة ولا نجاح في هذه الحياة والآخرة ولا توفيقَ ولا سدادَ إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والسير على نهجه والمسيرة الجادة على هديه في الاعتقاد والأعمال، في الحكم والتَّحاكم، في الأخلاق والسلوك، وفي هذا الصدَد يقول سيدنا ونبينا عند كل منسك من مناسك الحج: ((خذوا عني مناسككم)).
وانظر ـ أيها العبد ـ كيفَ حقق الصحابة هذا المقصدَ حينما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (حجّوا كما حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تقولوا: هذا سنَّة وهذا فرض) انتهى.
فأعظمُ أهداف الحج تذكر هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولزوم طريقه في هذه الحياة دونَ إفراط ولا تفريط ولا غلوٍّ أو جفاء، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
نسأل الله العلي القدير أن يصلح أحوال المسلمين ويزيدهم فقهاً في دينه ، واتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحقق بالحق آمالهم إنه جوادٌ كريم وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.ِ
من نعم الله على العبد أن يرزقه همةً تعينه على الطاعة ، وتيسيراً للوصول إليها وفي هذه الأيام تتقاطر القوافل السائرة على بيت الله العتيق ، تعج بنداء التوحيد في كل وسيلة ، فما أجمل التلبية تملأ أرجاء الفضاء في البر والبحر والأجواء ، في السيارات السائرة ، والبواخر الماخرة ، والطائرات العالية ، لقد اسمع المسلمون الدنيا بأسرها كلمة التوحيد الخالدة في شعار الحج العظيم ، وتنادوا لتلبية النداء للملك الكريم سبحانه رغم كل شانئ ، وإغاضة لكل كافر : { لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } في دروس الحج تذكيرُ الأمة بأن أعظمَ ما يجب أن تهتمّ به وأن تحافظ عليه وأن تغرسه في النفوس وتبثّه في المناشطِ كلّها والأعمالِ جميعها تحقيقُ التوحيد لله سبحانه، تحقيق الغايةِ القصوى في الخضوع والتذلل له عز شأنه توجّهاً وإرادة، قصداً وعملاً. فهذه التلبية رمزُ الحج ومفتاحه التي أهلّ بها سيّد الخلق وإمام الأنبياء حين افتتح حجتَه بالتوحيد كما يقول جابر: فأهلّ بالتوحيد: ((لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)).
إهلالٌ يتضمن كلماتِ التلبية، ذاك المعنى العظيمُ والمدلول الدقيق ألا وهو روح الدين وأساسُه وأصله، وهو توحيد الله جل وعلا ونبذ الإشراك به بكلّ صوره وشتى أشكاله.
فالواجبُ على أفراد الأمة جمعاء أن يستحضِروا ما دلّت عليه هذه الكلمة من معنى، وأن يعرفوا ما تضمّنته من دلالة، وأن يكونَ المسلم على دراية عظيمة بهذا المعنى في حياته كلّها، محافظاً عليه في كلّ حين وآن، مراعياً له في كلّ جانب، لا يسأل إلا اللهَ، لا يستغيث إلا بالله، لا يتوكَّل إلا على الله، لا يطلبُ المدد والعون والنصر إلا من الله، مستيقناً أنَّ الخير كلّه بيد الله، وأزمَّة الأمور بيده، ومرجعها إليه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد اشتملت كلماتُ التلبية على قواعدَ عظيمة وفوائد جليلة... ـ إلى أن قال في سياق تعداد فوائدها: ـ ومنها أن التلبيةَ تتضمّن التزامَ دوامِ العبودية، ولهذا قيل: هي من الإقامة أي: أنا مقيم على طاعتك، ومنها أنها تتضمّن الخضوعَ والذل، ومنها أنها تتضمَّن الإخلاصَ لله جل وعلا" انتهى.
فحريٌّ بالمسلم الموفّق الاهتمامُ بتلك المعاني كلها، وتحقيقها في حياته بشتى جوانبها.
كم هو مؤسف أن ترى من جهلة المسلمين من تعب للوصول إلى تلك الأماكن الطاهرة ، وبذل الأموال الطائلة ، رغبة في المغفرة ومحو الذنوب ثم يأتي وهو متلبس بنوع من أنواع الشرك الذي يحول بينهن وبين القبول والله المستعان ، ولقد حصل أن رأيت أحد المسلمين من دولة عربية في حج عام 1415هـ في عشية عرفة ، في الوقت الذي ينزل فيه المولى جلَّ وتعالى ويباهي بأهل الموقف ملائكته في هذه الأثناء سقط نظري على هذا الرجل وهو يحمل خيطاً في يده فناديته وسألته بلطفٍ عن ذلكم الخيط فقال إنه تميمة لأجل حمى تتعاوده وحاولت جاهداً أن أبين له خطر ذلك على عقيدته وأن أصرف همته لسؤال مولاه في ذاك المكان والزمان الشريفين وأن ما يفعله ويعتقده لا يزيده إلا وهناً كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ثم حاولت الوصول للخيط فقطعته ورميته في الأرض فقام ذلكم الرجل وكأنه قد اقتنع بما قلت له وخرج من الخيمة وبعد لحظات قليلة عاد مسرعاً وأخذ هذا الخيط وهرب على مرأى من الزملاء الذين كانوا معي فقلت سبحان الله لا حيلة في العقيدة إذا تمكنت من النفوس ولو كانت باطلة ، وقلت سبحان الله كم ظفر الشيطان بكثيرٍ من هؤلاء الجهلة فأبطل عليهم دينهم وعبادتهم ، وعلقهم بغير مولاهم ، وتذكرت قول الله تعالى ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) ﴾ الكهف ، يا حسرةً على العباد يتعبون أنفسهم في غير طائل ، ويتعلقون بغير منجي وصدق الله إذ يقول ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) ﴾ فمتى يعي المسلمون أنه لا خلاص لهم مما يعانونه من ذلة ، ومهانة وتسلط للأعداء إلا بتحقيق التوحيد الخالص ، وعدم الاتكال على الأسباب وإن كانت مشروعة فكيف بها إن كانت سبباً للشرك وظلمات الدنيا والآخرة.
وإذا كان الأمرُ كذلك في حق الأفراد فالأمة أجمَع حري بها أن تستلهم من الحج تلك الدروسَ والعبر، ولتعلمْ أن القاعدةَ الثابتة لاستقرار حياتها والمستقرّ الآمنَ الذي يؤوبون إليه هو تحقيق التوحيد لله جل وعلا في كل شأن من الشؤون، في مناشط الحياة كلّها، وأن تحقق الخضوع التامَ لله والذل المتناهيَ له سبحانه، ترسيخاً للعقيدة الصحيحة في واقع الحياة وتأصيلا لها في النفوس، وإلا فبدون ذلك تتخطّفها الأهواء تخطّف الجوارح، وتتقاذفها الأوهام تقاذف الرّياح.
ألا فلتصبغ الأمة حياتَها كلّها وأنشطتَها جميعَها بقاعدة العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص، فلا تخطو خطوةً ولا تتحرك حركة إلا وهي تنظر من منظار القرآن الكريم، ومن مرآة السنة ورضا الربِّ جل وعلا، فالله جل وعلا يقول: ﴿ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82].
إنَّ من دروس الحجّ أن تعلم الأمة وتتذكَّر وأن تستشعرَ وتستيقن أنه لا سعادة ولا نجاح في هذه الحياة والآخرة ولا توفيقَ ولا سدادَ إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والسير على نهجه والمسيرة الجادة على هديه في الاعتقاد والأعمال، في الحكم والتَّحاكم، في الأخلاق والسلوك، وفي هذا الصدَد يقول سيدنا ونبينا عند كل منسك من مناسك الحج: ((خذوا عني مناسككم)).
وانظر ـ أيها العبد ـ كيفَ حقق الصحابة هذا المقصدَ حينما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (حجّوا كما حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تقولوا: هذا سنَّة وهذا فرض) انتهى.
فأعظمُ أهداف الحج تذكر هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولزوم طريقه في هذه الحياة دونَ إفراط ولا تفريط ولا غلوٍّ أو جفاء، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
نسأل الله العلي القدير أن يصلح أحوال المسلمين ويزيدهم فقهاً في دينه ، واتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحقق بالحق آمالهم إنه جوادٌ كريم وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.ِ
[/size]