"وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا "
قال القرطبي :
في هذه الآية دليل على أن سقى الماء من أفضل الأعمال وقد سئل إبن عباس رضي الله عنه أي الصدقة أفضل فقال : الماء ألم نرد على أهل النار حين أستغاثوا بأهل الجنة أن أفيضو الله ؟
وروى أبو داود أن سعداً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي الصدقة أحب إليك فقال "الماء "وفي رواية "فحفر بئر "
فقال هذا لأم سعد ..
وعن أنس قل سعد يارسول الله أن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء ..
فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله وقد قال بعض التابعين من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء ..
وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب فكيف بمن سقى رجلاً مؤمنا موحدا ..
الجامع لأحكام القران ..
الآية الكريمة أن الكفار في دركات النار والعياذ بالله، إذا أحرقتهم النار وأضر بهم الجوع الشديد والعطش الشديد مع إحراق النار -سألوا أهل الجنة.
وفي قصتهم أنهم يقولون لله: إن لنا قرابات في الجنة فأْذن لنا أن نراهم ونقابلهم ونكلمهم، وأنهم إذا قابلوهم يدعو الواحد أخاه والواحد أباه والواحد ابنه والواحد يدعو ابن عمه.
لأنه والعياذ بالله يكون أخوان أحدهما في الجنة والثاني في النار، ويكون أخوان الابن في الجنة والأب في النار، والعكس. فيقولون لهم يستغيثون بقراباتهم أنهم في إحراق وجوع وعطش. ويطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من الماء؛ ليتبردوا من شدة الحريق الذي هم فيه وشدة العطش؛ فيجيبوهم بأن الله حرم ما في الجنة على الكفار أعاذنا الله من الكفر.
وهذا معنى قوله: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ؛ أي هي كالمذكورات قبلها في القولين اللذين بينا أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ؛ إفاضة الماء صبه بكثرة وسعة. أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أو هنا مانعة خلو مجوزة جمع يجوز أن يكون الماء وحده، أو ما رزقهم الله، أو الجميع.
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ بعضهم يقول: مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الأنواع التي تشبه الماء كالألبان وكالخمر؛ لأن الإفاضة يظنون أنها تختص بالسائلات؛ وعلى هذا قدروا في قوله: أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أو ألقوا إلينا مما رزقكم الله، وهذا وإن كان سائغا في اللغة العربية أن يحدث فعل يدل على المقام. هذا موجود كثيرا في اللغة العربية إلا أنه لا يحتاج إليه في هذه الآية الكريمة.
وهو معروف في كلام العرب كقول الراجز:
علفتهــا تبنـا ومــاء بــاردا
حـتى شـتت همـالــة عيناهــا
لأن الماء البارد لا يعلف يعني علفتها تبنا، وسقيتها ماء. ومنه القول الآخر:
إذا مـا الغانيـات بـرزن يـومـا
وزججـن الـحـواجـب والعيـونـا
لأن العيون لا تزجج والمعنى وأكحلن العيون.
وقول الآخر:
ورأيـت زوجـك فـي الـوغــى
متقلـــدا سيفـــا ورمحــــا
لأن الرمح لا يتقلد؛ أي وحاملا رمحا، وهذا كثير في المنصوبات.
ومن أمثلته في المرفوعات قوله جل وعلا على أحد التفسيرين: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ؛ لأن الجلود لا تصهر أي لا تذاب، معناه وتحرق الجلود. ونظيره في المرفوعات من كلام العرب قول لبيد بن ربيعة في معلقته:
فعـلا فـروع الأيهقـان وأطفلـت
بـالجلهتـين ظباؤهــا ونعامهــا
لأن النعام لا يطفل وإنما هو يبيض حتى بعد ذلك ينفلق البيض عن الأطفال هكذا قال بعضهم. والتحقيق أن إفاضة الشيء وإلقاءه بكثرة قد يكون في المائعات وغير المائعات، وقد أطلقه الله على الآدميين المفيضين من عرفات وهم ليسوا من المائعات كما قال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ .
والعرب تقول: أفاض علينا من طعامه، وأفاض علينا من رزقه إذا أكثر كما هو معروف. فلا حاجة إلى هذا التقدير الذي ذهب إليه كثير من المفسرين. أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من مآكل الجنة ومشاربها يطلبونهم ويستجدونهم.
إن أصحاب الأعراف بعد أن وبخوا أهل النار، وهم بين الجنة والنار -يطمعون أنهم بعد ذلك يرحمهم الله ويتفضل عليهم، ويقول لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ وهذا الوجه الأخير ذكره جماعة كثيرة من المفسرين. والأول أظهر، وإن كان القائل بهذا الأخير كثيرا جدا من علماء التفسير.
والجنة هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ قد بينا أن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر المستقبل أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه. وأن الحزن يسمى حزَنا ويسمى حُزْنا وفعله يأتي على حزَن وحزِن ومضارعه يأتي على يُحزِن ويحزُن-أنه والعياذ بالله غم من أمر فائت. تقول: فلان حزين إذا أصابته مصيبة وكان حزينا من أمر قد مضى ووقع. وتقول: فلان خائف إذا كان مغموما من أمر يتوقعه ولم يأت بعد. هذا أصل الخوف والحزن في لغة العرب أعاذنا الله منهما.
وربما وضعت العرب أحدهما في موضع الآخر؛ فعبرت بالخوف عن غم من أمر فائت، وربما عبروا بالحزن عن الغم من أمر مستقبل، ربما وضعت أحدهما في موضع الآخر وهذا معنى قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
تفسير الشيخ :عبدالله الجبرين حفظه الله ..
مـــ ماجده ـلآك الروح
قال القرطبي :
في هذه الآية دليل على أن سقى الماء من أفضل الأعمال وقد سئل إبن عباس رضي الله عنه أي الصدقة أفضل فقال : الماء ألم نرد على أهل النار حين أستغاثوا بأهل الجنة أن أفيضو الله ؟
وروى أبو داود أن سعداً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي الصدقة أحب إليك فقال "الماء "وفي رواية "فحفر بئر "
فقال هذا لأم سعد ..
وعن أنس قل سعد يارسول الله أن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء ..
فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله وقد قال بعض التابعين من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء ..
وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب فكيف بمن سقى رجلاً مؤمنا موحدا ..
الجامع لأحكام القران ..
الآية الكريمة أن الكفار في دركات النار والعياذ بالله، إذا أحرقتهم النار وأضر بهم الجوع الشديد والعطش الشديد مع إحراق النار -سألوا أهل الجنة.
وفي قصتهم أنهم يقولون لله: إن لنا قرابات في الجنة فأْذن لنا أن نراهم ونقابلهم ونكلمهم، وأنهم إذا قابلوهم يدعو الواحد أخاه والواحد أباه والواحد ابنه والواحد يدعو ابن عمه.
لأنه والعياذ بالله يكون أخوان أحدهما في الجنة والثاني في النار، ويكون أخوان الابن في الجنة والأب في النار، والعكس. فيقولون لهم يستغيثون بقراباتهم أنهم في إحراق وجوع وعطش. ويطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من الماء؛ ليتبردوا من شدة الحريق الذي هم فيه وشدة العطش؛ فيجيبوهم بأن الله حرم ما في الجنة على الكفار أعاذنا الله من الكفر.
وهذا معنى قوله: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ؛ أي هي كالمذكورات قبلها في القولين اللذين بينا أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ؛ إفاضة الماء صبه بكثرة وسعة. أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أو هنا مانعة خلو مجوزة جمع يجوز أن يكون الماء وحده، أو ما رزقهم الله، أو الجميع.
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ بعضهم يقول: مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الأنواع التي تشبه الماء كالألبان وكالخمر؛ لأن الإفاضة يظنون أنها تختص بالسائلات؛ وعلى هذا قدروا في قوله: أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أو ألقوا إلينا مما رزقكم الله، وهذا وإن كان سائغا في اللغة العربية أن يحدث فعل يدل على المقام. هذا موجود كثيرا في اللغة العربية إلا أنه لا يحتاج إليه في هذه الآية الكريمة.
وهو معروف في كلام العرب كقول الراجز:
علفتهــا تبنـا ومــاء بــاردا
حـتى شـتت همـالــة عيناهــا
لأن الماء البارد لا يعلف يعني علفتها تبنا، وسقيتها ماء. ومنه القول الآخر:
إذا مـا الغانيـات بـرزن يـومـا
وزججـن الـحـواجـب والعيـونـا
لأن العيون لا تزجج والمعنى وأكحلن العيون.
وقول الآخر:
ورأيـت زوجـك فـي الـوغــى
متقلـــدا سيفـــا ورمحــــا
لأن الرمح لا يتقلد؛ أي وحاملا رمحا، وهذا كثير في المنصوبات.
ومن أمثلته في المرفوعات قوله جل وعلا على أحد التفسيرين: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ؛ لأن الجلود لا تصهر أي لا تذاب، معناه وتحرق الجلود. ونظيره في المرفوعات من كلام العرب قول لبيد بن ربيعة في معلقته:
فعـلا فـروع الأيهقـان وأطفلـت
بـالجلهتـين ظباؤهــا ونعامهــا
لأن النعام لا يطفل وإنما هو يبيض حتى بعد ذلك ينفلق البيض عن الأطفال هكذا قال بعضهم. والتحقيق أن إفاضة الشيء وإلقاءه بكثرة قد يكون في المائعات وغير المائعات، وقد أطلقه الله على الآدميين المفيضين من عرفات وهم ليسوا من المائعات كما قال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ .
والعرب تقول: أفاض علينا من طعامه، وأفاض علينا من رزقه إذا أكثر كما هو معروف. فلا حاجة إلى هذا التقدير الذي ذهب إليه كثير من المفسرين. أو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من مآكل الجنة ومشاربها يطلبونهم ويستجدونهم.
إن أصحاب الأعراف بعد أن وبخوا أهل النار، وهم بين الجنة والنار -يطمعون أنهم بعد ذلك يرحمهم الله ويتفضل عليهم، ويقول لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ وهذا الوجه الأخير ذكره جماعة كثيرة من المفسرين. والأول أظهر، وإن كان القائل بهذا الأخير كثيرا جدا من علماء التفسير.
والجنة هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ قد بينا أن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر المستقبل أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه. وأن الحزن يسمى حزَنا ويسمى حُزْنا وفعله يأتي على حزَن وحزِن ومضارعه يأتي على يُحزِن ويحزُن-أنه والعياذ بالله غم من أمر فائت. تقول: فلان حزين إذا أصابته مصيبة وكان حزينا من أمر قد مضى ووقع. وتقول: فلان خائف إذا كان مغموما من أمر يتوقعه ولم يأت بعد. هذا أصل الخوف والحزن في لغة العرب أعاذنا الله منهما.
وربما وضعت العرب أحدهما في موضع الآخر؛ فعبرت بالخوف عن غم من أمر فائت، وربما عبروا بالحزن عن الغم من أمر مستقبل، ربما وضعت أحدهما في موضع الآخر وهذا معنى قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
تفسير الشيخ :عبدالله الجبرين حفظه الله ..
مـــ ماجده ـلآك الروح