هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17096
    السٌّمعَة : 22

    سؤال ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الخميس 8 يناير - 10:28

    وجدت الموضوع في إحدى المنتديات فنقلته لكم للفائدة ..
    فجزى الله الجميع خيرا ..كاتبه وناقلته ..
    أترككم مع الموضوع ..
    ما معنى … ظاهرة التآكل الروحي؟!

    هي ظاهرة تنشأ من خلل في التوازن التربوي بين طاقات العبد الثلاثة، وهي طاقة العقل، وطاقة البدن، وطاقة الروح. حيث يقلّ حظ الجانب الروحي في أعمال العبد، مثل التفريط في بعض الفرائض، وغيرها من أعمال اليوم والليلة من السنن، مثل الذكر والدعاء والاستغفار، وتلاوة القرآن.
    وينشأ نوع من الخلل أو الانفصام المركب:
    أولاً: داخلياً يستشعر العبد قسوةً وجفاءاً مع نفسه.
    ثانياً: خارجياً يستشعر العبد قسوةً وجفاءاً مع الوجود كله.

    والنتيجة هي الشعور بأن النفس والوجود يتنكران له فما هي بالنفس وما هو بالوجود الذي يعرفهما.
    وبمعنى آخر؛ هي الظاهرة التي تبحث في حالة صدأ القلب، أو حالة الجفاء الروحي، التي يستشعرها العبد المؤمن، عندما يقصّر في طاعته سبحانه، فلا يستشعر للعبادة حلاوة، ولا للطاعة لذة، ويقاسي ألم البعد عنه عز وجل، ويتحوّل هذا إلى شعور بوحدة قاسية، ومسافات شاسعة، وحواجز نفسية تفصل بينه وبين الخلائق، خاصة الصالحين.
    ويسير في الأرض والعياذ بالله كالحيران الذي تتقاذفه عوامل الجذب في كل اتجاه ويصبح كحلبة يلتقي عليها المتصارعين؛ أو يكون نقطة التقاء للصراع عليه بين استهواء وإغواء شياطين الإنس والجن، وبين رفقة الخير من الدعاة المصلحين
    : "كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ".
    ويمتد هذا الشعور بغياب لذة الطاعة وألم البعد عنه سبحانه إلى حالة من غياب الرغبة في الحياة عموماً، وضياع اللذة في المعيشة في الدنيا، ثم فوق ذلك؛ استشعار خيبة الأمل في النجاة في الآخرة:
    "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى".
    وهو تحذير منه سبحانه، لكل معرض (أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه فإن له معيشة ضنكاً؛ أي ضنك في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيّق حرج لضلاله وإن تنعّم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردّد فهذا من ضنك المعيشة. عن أبي سعيد في قوله معيشة ضنكا قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه. وقال عكرمة: عمي عليه كل شيء إلا جهنم ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة).

    خطورة الظاهرة دعوياً:

    فالخطورة تأتي من أن هذا التآكل يهدّد الأساس الذي يُخرج ناشئة الليل؛ وهم الربانيين.
    ويعطّل حركة انبعاث أو عمليّة إيجاد هؤلاء الربانيين الذين سيحملون القول الثقيل؛ وهي الأمانة التي كان من قدر الإنسان أن يحملها؛ وهو المنهج الرباني؛ أو هو القرآن الكريم الذي أنزله سبحانه ليس إلى البشرية فقط، بل إلى الوجود كله، وتدبّر مغزى هذه التوجيهات الكريمة المبكّرة في عمر الدعوة والداعية
    : "يا أيها المزمل. قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً. إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً. إن ناشئة الليل هي أشدُ وطئاً وأقومُ قيلاً".
    فكيف سيتخرّج هذا الرباني المنشود، دون قيام ليل، ودون ترتيل للقرآن الكريم وتدبر له؟!.
    وكيف سيحمل المنهج الرباني، دون المرور على محطة السَحَر؛ التي هي أفضل الأوقات واللحظات ليتوافق السمع مع البصر مع اللسان مع الفؤاد؛ أي كل كيانه، لفقه الرسالة وفهم المنهج؟!.
    وكيف يسير وحده على طريق مبارك يلزمه مشاركة الوجود معه، ودون التوافق مع سننه سبحانه الإلهية؟!.
    وكيف سيتوافق مع هذه السنن الإلهية؛ ويستشعر مشاركة الوجود معه في عبادته من قيام واستغفار بالسَحَر وترتيل للقرآن الكريم؛ إلا في تلك اللحظات الخاصة؟!.
    وكما ورد عنه صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه اللحظات، يحتكرها فقط عباد الرحمن!.

    هل ظاهرة التآكل الروحي … سنّة إلهية؟!:
    وعندما نقول أنها سنّة إلهية، فإننا نقصد أن هذه الظاهرة هي محصلة لفعل قوانين ربانية، وقواعد إلهية ثابتة، أو هي نتيجة لوجود أسباب بشرية وزمانية ومكانية انطبقت عليها القوانين الإلهية فكان الجزاء في صورة تلك الظاهرة.
    ونذكر أن السنن الإلهية؛ هي:
    1-سنن إلهية كونية؛ تنظّم عالم المادة في الآفاق.
    2-سنن إلهية اجتماعية؛ تنظّم عالم الأحياء أو الأنفس.

    وهذه السنن الإلهية تتميّز بسِمات ثلاث؛ هي العموم والثبات والاطراد أي التكرار إن وجدت الظروف البشرية والمكانية والزمانية.
    إذن هذا الجفاء الروحي، نتيجة لخلل ترتب على وجود أسباب بشرية، من فعل العبد.

    وعندما نقول أن ظاهرة التآكل الروحي سنّة إلهية اجتماعية؛ نقصد أنها من القوانين الربانية والقواعد الإلهية، المنظّمة لعالم الأحياء، أو الأنفس، خاصة البشر.
    أي أن لها أسباب أوجدتها.
    وهذه الأسباب أوجدت خللاً.
    وهذا الخلل أوجب العقاب الإلهي؛ أو الجزاء.
    وهذا العقاب تحكمه قوانين؛ تعرف بالسنن الإلهية الاجتماعية.
    والأسباب أو الظروف البشرية هنا؛ هي
    التقصير بكل درجاته.
    والنتيجة المترتبة؛ وهي حالة القسوة القلبية والانفصال عن المنظومة الكونية العابدة.

    والمعادلة أو القانون أو
    سلسلة تتابع هذه السنّة الإلهية؛ هي كالتالي:
    (أسباب تعود إلى العبد -> خلل تربوي -> عقاب إلهي على هيئة جزاء من جنس العمل).

    وبمعنى أبسط؛ هذه الظاهرة؛ أو هذا الشعور ما هو إلا نتيجة لعقاب الله عز وجل للعاصي والمسرف المقصّر في طاعته سبحانه.
    أي إذا قصّر العبد في طاعته سبحانه، فإنه يترتب على ذلك خللاً داخل العبد مع نفسه، وخارجه؛ أي مع المجتمع ومع الوجود العابد لربه، وهنا تأتي السنّة الإلهية في هيئة عقاب من نفس نوع الأسباب التي عملها العبد؛ أي يزيده بعداً وجفاءاً مع نفسه ومع الوجود من حوله.

    وتدبر هذا الحوار؛ بين العبد وربه؛ فلقد تساءل العبد ما جرمه وما سبب هذا العقاب، وكانت الإجابة منه عز وجل؛ حيث يبيّن الحق سبحانه هذا القانون القرآني العام، أو السنّة الإلهية الاجتماعية؛ التي تنطبق على كل من أسرف في الذنوب، وقصّر في الطاعة.
    (ولهذا يقول:
    "ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراأي في الدنيا."قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"؛ أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك؛ "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا فإن الجزاء من جنس العمل).

    ثم يبيّن الحق سبحانه هذا القانون القرآني العام الآخر، أو السنّة الإلهية الاجتماعية الأخرى؛ والتي تنطبق على كل من أسرف في غية وكذب بآياته سبحانه:
    "وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى".
    (يقول تعالى وهكذا نجازي المسرفين المكذّبين بآيات الله في الدنيا والآخرة لهم عذاب في الحياة الدنيا، "ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واقولهذا قال: "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي أشد ألماً من عذاب الدنيا وأدوم عليهم فهم مخلدون فيه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: "إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة").

    يتبع
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17096
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الخميس 8 يناير - 10:30

    ما هي أعراض هذه الظاهرة؟!:
    لهذه الظاهرة الكثير من الأعراض العامة والخاصة.

    أولاً: الأعراض العامة:
    وهي الآثار العامة الكثيرة للذنوب؛ أي العقوبات التي نغفل عنها ولا ندري ما سببها، والتي منها، (حرمان العلم والفقه في الدين، ووحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله سبحانه، والوحشة بينه وبين الناس، واستشعار الظلمة بالقلب، وضعف البصيرة، وحرمان الطاعة، ووهن القلب والبدن، وقصر العمر ومحق البركة، والوقوع في سلسلة الذنوب، وزيادة إرادة المعصية، وهوان العبد على الله عز وجل، واستصغار الذنوب، وذهاب الحياء، والحرمان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة واستغفارهم للمؤمنين والمؤمنات، وعدم توقير القلب لله سبحانه، ونسيان الله سبحانه لعبده، وزوال النعم وحلول النقم).

    ثانياً: الأعراض الخاصة:
    وهي التي نقصد بها الأعراض التي تؤثر على الجانب الدعوي التربوي.
    ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

    الأول: استشعار الغربة الداخلية مع النفس؛ مثل:
    1-عدم الشعور بحلاوة العبادة، مثل الفرائض، وقراءة القرآن الكريم والذكر.
    2-تسرب اليأس إلى النفس.
    3-فقدان الأمل بموعوده سبحانه وموعود نبيه صلى الله عليه وسلم.
    4-عدم الشعور بلذة البذل الدعوي، وكأنه عمل روتيني وظيفي.
    5-عدم الإقبال على حضور اللقاءات التربوية ومجالس العلم والذكر.
    6-التقصير في عمل اليوم والليلة؛ من صلاة وذكر وقراءة قرآن كريم.
    7-عدم الشعور باللهفة للقاء أولياء الله من الدعاة والصالحين المتحابين في الله.
    8-الشعور بالكآبة والحزن والاكتئاب، واستفحال هموم الدنيا والرزق.
    9-الفتور العبادي.


    الثاني: استشعار الغربة الخارجية؛ وهذا على أنواع ومراتب:
    (أ)الشعور بالغربة مع المؤسسة التربوية؛ مثل:
    1-عدم الهمّة في إنجاز التكاليف.
    2-التقصير في الواجبات.
    3-المطالبة بالحقوق.
    4-كثرة النقد.
    5-استشعار الجفوة بينه وبين أعضاء المؤسسة، وضعف رابطة الأخوة والمحبة.
    6-الفتور الدعوي.

    (ب)الشعور بالغربة مع المجتمع؛ مثل:
    ضعف الشعور بمفهوم الخروج إلى الناس، ومقتضياته؛ مثل:
    1-التقصير في الواجب الدعوي؛ والمهمة الرئيسة للمسلم مع مجتمعه؛ من أمر بمعروف ونهي عن منكر.
    2-التقصير في فعل الخير.
    3-ضعف الشعور بحب الناس والقرب منهم.
    4-الفتور الانعزالي، وبغض مخالطة الناس.

    (ج) الشعور بالغربة مع الوجود الكبير؛ مثل:
    1-الشعور بعدم الأنس بالوجود الكبير؛
    2-عدم التفاعل مع الخلائق والاندماج في المنظومة العابدة، وغياب الشعور بلذة العبودية الجماعية الشاملة.

    وتدبّر هذا الأنس المؤمن، والتفاعل بين الخالق ونعمه، ومع الخلائق وامتنانهم بنِعم خالقهم، وتأمّل هذا الربط الطيب بين ذكر الرحمن، وبين ذكر نعمة تعليم القرآن الكريم وتفهيمه، ونعمة خلق الإنسان، ونعمة تعليمه النطق والبيان، وبين حركة الشمس والقمر المقدّرة بإتقان وحساب دقيق، وسجود النجم؛ وهو النبات الذي ليس له ساق، فيمتد على الأرض ساجداً عابداً لربه العظيم، وكذلك سجود الشجر؛ أي النبات الذي له ساق، فيرتفع سامياً شامخاً بعبوديته، ونعمة رفع السماء بلا عمد، ووضع الموازين والمقاييس السماوية الربانية للوجود، والسنن الإلهية، ثم الأمر بالطاعة لهذه الموازين والسنن بالقسط والعدل، ثم ربط هذا كله بنعمة عظيمة مغفول عنها؛ ألا وهي نعمة تمهيد الأرض للخلائق للعيش بسلام.
    كل ذلك في منظومة عابدة ساجدة لا يشذ عنها إلا هالك، ولا يغفل عنها إلا جاحد، ولا ينكرها إلا ضال.

    "الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الإنسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5)وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ(6)وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7)أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ(8)وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ(9)وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنامِ(10)".

    يتبع
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17096
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الخميس 8 يناير - 10:32

    ما هي سبل علاجها؟:

    وسبل العلاج منها العام ومنها الخاص.

    أولاً: السبل العامة:
    وهي طرق العلاج العامة المشروعة؛ لأسباب التقصير في طاعته سبحانه، الباعثة إلى الخلل في مسيرة العبد، مما يترتب عليه جزاء من جنس العمل ألا وهو حالة الجفاء القلبي؛ أو ما يعرف بظاهرة التآكل الروحي.
    ونقول أنها عامة، للحالات العامة؛ أي تفيد أي عبد قاسى من هذه الظاهرة.
    ومن هذه السبل:
    1-الذكر.
    2-تلاوة القرآن الكريم.
    3-الصلاة.
    4-صحبة الصالحين.
    5-الاستغفار.
    6-الدعاء.
    7-قراءة التاريخ.
    8-التفكر في خلق السماوات والأرض.
    9-زيارة القبور.


    ثانياً: السبل الخاصة:
    وهي السبل الخاصة المشروعة، للحالات الخاصة؛ والمفيدة لأسباب خاصة من التقصير في طاعته سبحانه.
    حيث يستشعر العبد، أنه يمتلك قوة معينة تنطلق من أدائه لعبادة معينة.
    فإذا فتش في ذاته وتلمس سبباً معيناً من أسباب التقصير، وجد على الفور قوة ربانية معينة، تنطلق من طاعة معينة؛ فتعينه على معالجة هذا السبب الخاص.
    فيظل يعالج سبباً سبباً، حتى يبرأ من كل أسباب التقصير، فينمحي الخلل، فيجازيه الحق سبحانه جزاءاً من جنس عمله.
    أي يبدأ في طاعة معينة تعالج سبباً معيناً اكتشفه في نفسه، ويجتهد فيها ويداوم عليها فترة، بينه وبين ربه الودود الكريم، فينمحي الخلل النفسي الداخلي، فيستشعر أنه بدأ المسير المبارك؛ فيجازيه الحق الحنان المنان الرحيم سبحانه؛ بأن يهديه إلى طاعة أخرى وييسرها له، فالطاعة عنده سبحانه تؤدي إلى طاعة، فيسمو روحياً، ويظل يترقى مادام سائراً على طريقه
    :
    "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".
    والقوى العبادية كثيرة ومعلومة ومجربة.

    وتدبر هذا الحديث، وتأمله وكأنك تقرأه لأول مرة.
    عن الحبيب صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
    "إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات؛ أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، فقال له عيسى عليه السلام: إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسف بي وأُعذَّب. فجمع يحيى الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعد على الشرف، فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن.
    أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وإن من أشرك بالله كمثل رجلٍ اشترى عبداً من خالص ماله بذهبٍ وورقٍ، فقال: هذه داري وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ. فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده!. فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟!!!.
    وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يكن يلتفت.
    وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابة معه صرة فيها مسك، كلهم يعجب، أو يعجبه ريحه. وأن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
    وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك مثل رجلٍ أسره العدو؛ فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أن أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم.
    وأمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ خرج العدو في أثره سراعاً؛ حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ، فأحرز ـ أي حمى ـ نفسه منهم؛ كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى.
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمسٍ، الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة ـ أي عروة من الحبل تشد إليه ـ الإسلام من عنقه إلا أن يراجع. ومن ادعى دعوى الجاهلية؛ فإنه جُثى ـ بضم الجيم وكسرها ـ جهنم. فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وإن صام؟. قال: وإن صلى وصام ـ في المسند أضاف: وزعم أنه مسلم ـ، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".


    قال ابن القيم رحمه الله: (في هذا الحديث العظيم الشأن، الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله، ما يُنجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. فالمقصود أن الله عز وجل، قد أمدّ العبد بالجنود والعدد والأمداد، وبيّن له ما يحرز به نفسه من عدوه، وبماذا يفتكَّ نفسه إذا أُسِرَ).

    ونحن في هذا المقام سنحاول التركيز فقط على جانب الاهتمام بالدعاء والاستغفار لما لهما من آثار وقوة تعين العبد في سيره المبارك، وكبابين عظيمين من أبواب التربية الروحية.
    القوة الدعائية:
    وهي من القوى المطلوبة لعلاج هذه الظاهرة؛ ونعني بها تنمية فن استمطار التوفيق الإلهي، وذلك بالدعاء الخاشع، والثقة فيما عنده سبحانه، وحسن الظن به سبحانه.
    وإذا كان للدعاء أهمية، كباب عظيم من أبواب التربية الروحية عند الفرد المسلم، فهو في حق الداعية أوجب وأهم.
    وذلك لأن الداعية في طريقه يحتاج إلى ركائز ثلاثة؛ هي:
    1-الفكرة الربانية؛ أي القاعدة التي توجه كل سكناته وحركته، فيكون سلوكه في الحياة ترجمه لها.
    فما من فرد أو جماعة أو مؤسسة أو أمم؛ إلا وتحركهم فكرة معينة دفينة أو ظاهرة.
    2-العمل الدؤوب؛ أي سلوكه في خدمة هذه الفكرة، وهو الجهد البشري المطلوب لأي عمل، "إياك نعبد".
    فما من فرد أو مؤسسة أو أمّة أو أمم؛ إلا وأن سلوكهم، ما هو إلا ترجمة للفكرة التي يحملونها.
    3-والدعاء الخاشع، وهو طلب التوفيق الإلهي،
    "إياك نستعين".
    فما من عمل موفق إلا ويقوم على دعامتين، جهد بشري وتوفيق إلهي.

    وللقوة الدعائية دورها التربوي الروحي، وأسرارها الطيبة البعيدة؛ والتي منها:
    (أ)تدبر أمره سبحانه بالدعاء، ثم تحذيره للذين يستكبرون عن التوجه لله بأن يوجهوا أذلاء صاغرين لجهنم
    : "وقال ربكم ادعوني استجب لكم. إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين".
    فهي دعوة للتمسك بسلاح الدعاء كجانب عبادي، والعبادة من أهم وسائل التربية الروحية.

    (ب)تدبر بعض ما ورد في فضل الدعاء وأسراره، وكيف أن بعض الدعوات المخلصة قد استحالت إلى قوى مادية حركت الصخرة التي عجز ثلاثة من الرجال أن يحركوها عن باب الغار!. وذلك في قصة (الثلاثة والصخرة) التي رواها الحبيب صلى الله عليه وسلم.

    وهذه أسرار مباركة للدعاء، لا يشعر بها إلا من مر بتجربة خاصة يستشعر فيها كيف أن الحق سبحانه يمنّ على عباده المتقربين إليه، المتذللين إليه بأنواع العبادة المختلفة، فيجدونها وقد استحالت من مجرد قوى معنوية، إلى قوى مادية ربانية ذات آثار ملموسة ومعلومة. وبذلك يُفتح للعبد أبواباً متعددة من أبواب التربية الروحية.

    وهذه (القوة الدعائية)، التي كان لها الأثر المادي العظيم، كما ورد في قصة (الثلاثة والصخرة)، لا يدرك سرها إلا من عايش جو هذه الآية: "أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء". (فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوى الأسناد، وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجرداً من وسائل النصرة وأسباب الخلاص. لا قوته، ولا قوة في الأرض تنجده. في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان نسيه من قبل في ساعات الرخاء، فهو وحده دون سواه، الذي يجيب المضطر إذا دعاه، فيجيبه ويكشف عنه السوء، وينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق).

    (ج)تدبر ما ورد في دعاء الخليل عليه السلام: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم". وكيف طلب منه سبحانه، أن يربط بين مشروعه الحضاري العظيم؛ وهو مشروع الحج، وبين أفئدة البشر، كعلاقة وجدانية قلبية، وعامل خفي يخاطب القلوب ويجذبها، كما جذبت فكرة هذا العمل العظيم عقول البشر.
    وهذا يبيّن الفرق بين المشروع الحضاري الذي يقوم على فكرة ربانية، والمشاريع الأخرى القائمة على أفكارٍ مغايرة.
    فالمشروع الحضاري الإسلامي، يخاطب الفطرة البشرية، ويحيط الإنسان من كل جوانبه؛ على أساس التوازن بين الجانب العقلي والجانب البدني، والجانب الروحي، فهو يخاطب العقل بالفكر، ويخاطب الجسد بتحري أكل الحلال، والاهتمام به كأمانة، ثم يخاطب الروح فترتبط القلوب والمشاعر بهذه العلاقة الوجدانية الروحية.
    ولقد كانت وصايا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالدعاء تفوق الحصر منها: "الدعاء هو العبادة".
    وكذلك كانت وصايا مصابيح أمّتنا، ومنها هذا النكير الذي أرسله الإمام الشافعي رحمه الله على من يهزءون بالدعاء:
    أتهزأ بالدعاء وتزدريــه … وما تدري بما صنع الدعــاء
    سهام الليل لا تخطـــئ … ولكن لها أمد، وللأمد انقضـاء
    فيرسلها إذا ما شاء ربـي ... ويمسكها إذا حكم القضـــاء

    وحتى تؤتي هذه (القوة الدعائية) أُكلها، كان على المسلم، أن يلتزم بالآداب العشر لسلاح الدعاء:
    (الأول: أن يترصد الأوقات الشريفة. كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر.
    الثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة. كحال الزحف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وحالة السجود.
    الثالث: أن يدعو مستقبل القبلة، ويرفع يديه.
    الرابع: أن يخفض الصوت بين المخافتة والجهر.
    الخامس: أن لا يتكلف السجع في الدعاء. والأولى الاهتمام بالدعوات المأثورة.
    السادس: أن يتضرع ويخشع رغبة ورهبة.
    السابع: أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه.
    الثامن: أن يلح في الدعاء، ويكرره ثلاثا، ولا يستبطئ الإجابة.
    التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله، وأن يصلى عليه صلى الله عليه وسلم ويختتم بها.
    العاشر: وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة، أن يسبق الدعاء التوبة ورد المظالم).


    القوة الاستغفارية:

    التي يستشعرها كل من استجاب لنداء التوبة، فأكثر من الاستغفار، فيجد أن لديه قوى خفية لم يعهدها من قبل، ويستشعر أن هنالك فيوضات وبركات تزيده يقيناً بموعوده سبحانه: "ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويزدكم قوة إلى قوتكم. ولا تتولوا مجرمين". (وننظر في هذا الوعد، وهو يتعلق بإدرار المطر ومضاعفة القوة. وهي أمور تجري فيها سنة الله وفق قوانين ثابتة في نظام هذا الوجود، من صنع الله ومشيئته بطبيعة الحال. فما علاقة الاستغفار بها وما علاقة التوبة؟. فأما زيادة القوة فالأمر فيها قريب ميسور، بل واقع مشهود، فإن نظافة القلب والعمل الصالح في الأرض يزيدان التائبين العاملين قوة. يزيدانهم صحة في الجسم بالاعتدال والاقتصار على الطيبات من الرزق وراحة الضمير وهدوء الأعصاب والاطمئنان إلى الله والثقة برحمته في كل آن؛ ويزيدانهم صحة في المجتمع بسيادة شريعة الله الصالحة التي تطلق الناس أحراراً كراماً. كما تطلقان طاقات الناس ليعملوا وينتجوا ويؤدوا تكاليف الخلافة في الأرض).
    وهكذا …

    ومن خلال تدبر القوى الخفية للعبادات والأسرار الدفينة للطاعات، يستطيع المسلم أن يتلمس باقي القوى العبادية الأخرى، والتي تناسب حالته الخاصة وظروفه الخاصة.
    ثم …
    ومن خلال هذه اللمحات التربوية، في هذه المحاولة المتواضعة، نرجو أن نكون قد وفقنا بعونه تعالى، في تحليل هذه السنّة الإلهية الاجتماعية، التي تفسر
    (ظاهرة التآكل الروحي) عند المسلمين عامة، وعند الدعاة خاصة.
    د. حمدي شعيب
    مـــ ماجده ـلآك الروح
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8209
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مدير عام الخميس 8 يناير - 10:46

    شكرا لك ماجده
    وشكرا على جهودك البنائة
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17096
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الجمعة 9 يناير - 6:37

    اسعدنى تواجدك الكريم
    الشكر لله
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8209
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: ظاهرة التآكل الروحى!!!!

    مُساهمة من طرف مدير عام الجمعة 9 يناير - 14:21

    صح أختي ماجده
    وبارك فيك الرحمان

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر - 18:51