التنـــــــفس يســـــــاوي الحــــياة..
فلا حياة من دون تنفس،ولا تنفس من دون حياة،
والتنفس عملية مشتركة بين كل الأحــــــياء،
من نبــــات وحيــــــوان وإنســــــــــــــــــان،
وذلك لأن الأسس الكيميائية للحياة تحتاج إلى
أكسدة الأنسجة مما لا غنى عنه في كل كائن
ღ
حياة الإنسان تبدأ فعليا عند أول (شهيق) وتنتهي عند آخر (زفير) فمفهوم الشهيق يرتبط بالحياة، كما أن مفهوم الزفير يعني نهاية الحياة.. ولأهمية التنفس فإن ربنا عز وجل، جعله يعمل بنظامين إرادي، وغير إرادي..
فبالرغم من أن التنفس يتم لا إرادياً، إلا أن الإنسان قادر على التحكم به، زيادةً ونقصاناً، كما أنه غير قادر على إيقافه عن طريق حبسه إرادياً.
وحسب الخبراء، فإن سعادة الإنسان وصحته، تعتمدان من البداية وحتى النهاية، وفي كل اللحظات من عمره على كمية الهواء الداخل إلى رئتيه، والطريقة التي يتم بها الاستنشاق، وإذا لم يجد الجسم ما يكفيه من الأوكسجين، فإن كل خلية في تعلن حالة الطوارئ القصوى، وبالرغم من أهمية الطعام والماء، إلا أن الهواء يبقى أكثر أهمية منهما، حيث الطلب عليه هو دائم، وصبر الجسم عليه غير وارد.. ذلك أن الحرمان منه لدقائق معدودات يعني الاختناق والموت.
هذا هو التنفس..
وتلك أهميته في الحياة..
أما دور التنفس في سعادة الإنسان،
فيأتي من خلال العلاقة الوثيقة بين كل من جهازي التنفس والجهاز العصبي، فأنت معرض في أعصابك لأسوأ التأثيرات، إلا في الأحوال التي يكون فيها تنفسك عميقاً، ومليئاً، ومُطّرداً..
وليس هنالك غير طريقة واحدة للتنفس الصحي، وهي القيام بعملية الشهيق والزفير العميقين المتناغمين من خلال الأنف، فإذا كانت الرئة غير سليمة، أو كان المنخران غير صافيين، فليس من الممكن أن نحصل على تنفس سليم..
إن عملية التنفس تبدأ بولوج الهواء عبر فتحتي الأنف، ولهذا وجب المحافظة على المجاري والجيوب الأنفية مفتوحة دائماً، فإذا تنفس الطفل من خلال فمه فقط، وجب عرضه على الطبيب لإماطة اللثام عن أي عيب خلقي في المسالك التنفسية، لأن التنفس عبر الفم ليس بديلاً عن التنفس الأنفي، ذلك أن للأنف مقدرة خاصة على تكييف الهواء الذي يمر به خلال ثوانٍ لكي يوازي حرارة الجسم، كما يعمل كمصفاة له، فيُنقِّيه من جزيئات الأتربة والشوائب العالقة، وحين يدخل الهواء الحنجرة بعد مروره بالبلعوم، تستقبله الحبال الصوتية التي تشبه الصمام لتسمح له بالعبور إلى القصبة الهوائية، فالشعيبات حتى يصل إلى الحويصلات الهوائية الدقيقة.
ووظيفة الرئة الأساسية هي تبادل الغازات التي نحتاجها للحياة عن طريق الأوعية الدموية الدقيقة والمبطنة لملايين الحويصلات
الهوائية، فتستقبل غاز الأكسجين المُستنشق، وتتخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عملية حرق المواد المتفضلة التي يفرزها الجسم باستمرار، وهذه العملية تحتاج إلى كمية وافرة من الأوكسجين، أي بعبارة أخرى سيؤدي نقص الأكسجين في حالة التنفس الضحل إلى اضطرابها، ليتجسد هذا على شكل إجهاد عام، وخمول ذهني وبدني ونفسي فلا يُقبِل من يعاني منه على أمور الحياة برغبة وحيوية.
وتمثل رئتاك خزان الأوكسجين في جسمك، أما القلب فالمضخة الرئيسية للدم، حيث يدفعه إلى الرئتين أولاً ليتحمل بالأكسجين وينبذ ما علق به من ثاني أكسيد الكربون، ثم يعود أدراجه إلى القلب مُتوجاً بالأوكسجين ليدور مرة أخرى، فيمر أكثره في الشريان الأكبر عند الحجاب الحاجز ومنه إلى ألوف الشرايين الصغيرة لتغذية أجزاء الجسم المختلفة بالأوكسجين الضروري.
ويُكوِّن الحجاب الحاجز فاصلاً بين القلب والرئيتين من جهة، وبقية أعضاء البطن من جهة أخرى، كالمعدة والكليتين والأمعاء والأعضاء التناسلية والمثانة، وهو مثل سقف متحرك، فعندما يتحرك إلى الأسفل مع كل تمدد للرئة، يضغط برفق على تلك الأعضاء ليثيرها وينعشها، ولن تحصل على هذه الفائدة إذا كان التنفس ضحلاً وضغط الحجاب الحاجز عليها ضئيلاً، فمن الإمساك إلى اضطرابات المعدة أو المرارة أو الكلية كنتيجة غير مباشرة لقصورها الوظيفي، ولهذا كان للتنفس العميق دور حيوي بارز واضح المعالم في صحتنا العامة، كما أن لاضطرابه عواقب وخيمة لا حصر لها، ليس فقط على الأعضاء التي تحت الحجاب الحاجز، بل كذلك على القلب الذي تساعده حركة الحجاز الحاجب في أداء مهمته، وبالتالي يزداد العبء على القلب إذا ضعفت هذه الحركة، فتنعكس على شكل صعوبات أو اضطرابات في الدورة الدموية.
وإلى جانب دور التنفس الواضح في وظائف بقية الأعضاء، واستخلاص المواد الضارة من الدم وزيادة الحيوية، فإن له وظيفة مهمة تنكر لها معظمنا، ألا وهي مساعدة العضلات على القيام بمهمتها.
ღ
ولكي تعرف ذلك جرب الاختبار التالي: -
قف وارفع ذراعيك عالياً كمالو أنك تحاول الوصول إلى رف مرتفع، ثم عد إلى وضعك الطبيعي، والآن كرر التجربة مع أخذ شهيق عميق عندما تبدأ في رفع ذراعيك، ستشعر أنها ارتفعت بجهد أقل وقوة أكثر، أليس كذلك؟، كما يصاحبك شعور بالراحة لأن جسمك منتظم في عمله، فتذكر هذا الشعار دائماً، -التنفس أولاً ثم الحركة، ولهذه العبارة أهمية خاصة تستدعي تطبيقها في كل حركاتك العادية والتمارين والنشاطات البدنية، فدع تنفسك يعمل من أجلك.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن التحكم في التنفس أمر إرادي وكل واحد منا يقدر عليه، بأن يضبط عملياته، ويزيد فيه ويجعله أكثر انتظاماً، فإن بذل الجهد الواعي لتعديله من حالة الضحالة - التي يبتلي بها الكثير من الناس - إلى التنفس العميق، يكون ضرورياً ليس فقط لصحة الإنسان وسلامته، بل لسعادته وراحته أيضاً..
إن التنفس يكون ضحلاً، غير عميق بصورة خاصة في أكثر الأحوال الانفعالية المتصلة بالاضطراب العصبي، فهو في حالة الكآبة (يغلي) غلياناً رفيعاً، وهو في حال الخوف قصير منقبض، والكآبة والخوف هما أكبر شرَّين يواجههما كثير من الناس..
هنا إذاً نقع على حلقة وصل واضحة بين ما هو جسمي وما هو ذهني، إن الكآبة لتنزع إلى أن تجعل التنفس ضحلاً، فإذا جعلنا تنفسنا أقل ضحلاً خطونا خطوة بسبيل الخلاص من الكآبة، ويلزم عن ذلك أن الشخص ذا التنفس المليء العميق يكون في العادة أقل عرضة لإصابات الكآبة..
وهكذا فإنه لا يوجد سلوك في الحياة يمنح عائداً وربحاً أكيداً كما يفعل التنفس الكامل، فهو مصدر لصحتك، وصفاء مزاجك، وفتوة إحساسك وطاقتك واسترخائك، والرضيع إذا كان موفور الصحة هو أفضل معلم للتنفس والاسترخاء النموذجي، فراقبه جيداً، لأن الرضيع حديث الولادة يستعين بكل عضلة تساعده في عملية التنفس، من عضلات البطن إلى الخصر إلى الظهر، وقد تعجب من مقدرته على إخراج الأصوات الحادة على الرغم من ضآلة حجمه، وذلك ببساطة لأنه يزيد من فعالية الحجاب الحاجز بتحريك ساقيه، كما يمتاز المولود بأكثر الأجساد استرخاء، وهذا أحد الأسباب التي تدفع الفنانين إلى رسمه كنموذج للسعادة الداخلية..
ღ
كثيراً ما يصيبنا الضجر ونحن نقوم بالأعمال اليدوية الصغيرة، لأننا نحبس أنفاسنا، وهي عادة شائعة جداً عندما نرفع أحمالاً ثقيلة مثلاً، أو عندما ننحني بسبيل إنجاز وظيفة ما، ليس عليك ههنا إلا أن تتنفس بطلاقة وأن تثابر على التنفس، لا تسمح لشيء بأن يعيق عملاً طبيعياً، كالتنفس، وإلا كان عليك أن تتحمل نتائج غير طبيعية.
وكذلك الأمر حينما تقوم بعمل عقلي يتطلب منك التركيز، فالتنفس حينئذٍ يصبح ضحلاً، مما يؤدي إلى الإجهاد الذهني، ومن ثم احتقان الدورة الدموية وعندها يصبر التركيز عسيراً ويصبح العمل مثقلاً بالهم والغم، وهنا لا بد من التوسل بالتنفس إذ كلما تعسرت عليك المشاكل، كلما كان عليك أن تتنفس أعمق فأعمق..
ღ
وإليك فيما يلي بعض القواعد التي تجعل التنفس
وسيلة للترويح عن النفس، كما هو وسيلة للحياة:
أولاً:
تعوَّد على أن تتنفس من منخريك بشكل جيد، وهنا لا بد أن تتأكد من خلوّهما من أي عائق.
ولكي تعرف فيما إذا كان هنالك أي عائق أم لا، قم بالتجربة التالية:
أغلق كلاًّ من منخريك بأن تضغط عليه بالبنان، وانظر ما إذا كنت قادراً على أن تتنفس تنفساً مليئاً عميقاً بطيئاً عن طريق المنخر الآخر، فإذا كان ذلك كذلك فليس عليك أن تهتم لهذا أبداً، أما إذا اعترض أنفاسك سدٌّ في أي من المنخرين فيحسن بك أن تسارع إلى معالجة الأمر.. إن باستطاعتك أن تقطع الأيام بمجرى أنفي نصف مغلق، ولكنك لن تستطيع أن تعيش على هذه الحال سعيداً ناعماً.
ثانياً:
راجع طبيباً ماهراً للنظر في استئصال أي حاجز مادي، إن وجد وإذا كان سبب الانسداد ناتجاً عن الزكام فجرب ما يلي: امزج مقادير متساوية من ملح الطعام وثاني كربونات الصودا والبورق Borax. أضف مقدار ملعقة شاي من هذا المزيج، مرتين أو ثلاثاً في اليوم، إلى مقدار كوب من الماء الحار ثم استنشق المحلول من خلال كل من المنخرين واحداً تلو الآخر.
إن فحص (آلة التنفس) أعني المنخرين ضروريٌ جداً لتحسينه إراديا.
ثالثاً:
قم في كل صباح بتمرين التنفس العميق. وذلك بالطريقة التالية:
قف منتصب القامة أولاً، ثم انحني قليلاً، كحالة الركوع، وأنت تقوم بعملية الزفير، ثم ارفع رأسك وأنت تقوم بعملية الشهيق، في الوقت الذي ترفع كتفيك، ومع كل زفير حاول أن تسترخي جسمك.
ويمكنك أن تبدأ بالتدريب هذا وأنت في حالة المشي أو الجلوس أيضاً..
والمطلوب هنا ليس القيام بتمارين التنفس العميق بطريقة شاقة، ولكن بالأسلوب الطبيعي السلس.
ويعتقد البعض أن التنفس العميق يكون أفضل إذا ما صحبه نشاط جسمي رقيق.. فهو يكون حركة أكثر طبيعية، فدورة الدم وخفقان القلب المتزايدين يقتضيان توسعاً أبعد في الرئتين..
وإليك بعض التمارين الرياضية الرقيقة في هذا المجال:
ضع يديك على وركيك، وقف مجتمع القدمين، ارفع الآن رجلك اليمنى حتى تصير في وضع أفقي تقريباً، وخذ في الوقت نفسه نفساً مليئاً جهد الطاقة، ثم ازفر بطيئاً وأنت تعود برجلك إلى وضعها الأصلي، افعل الشيء نفسه بالرجل اليسرى..
بعد أن تكون قد أعدت هذا التمرين أثني عشرة مرة قف مباعداً ما بين قدميك، واضعاً ذراعيك إلى جانبيك، وفيما أنت تأخذ نفساً مليئاً ارفع ذراعيك حتى تصبحا قائمتين فوق رأسك، ثم اهبط بهما جانباً حتى تشيرا يميناً وشمالاً، ازفر بهدوء ودعها تهبطان شيئا فشيئاً إلى جانبيك، أعد هذا التمرين اثني عشرة مرة كالتمرين السابق.
ولسنا هنا بحاجة إلى التذكير بأن الهواء الذي نستنشقه يجب أن يكون نظيفاً، ويحسن أن تقوم بالتمرين أمام نافذة مفتوحة، إذا لم يكن الجو بارداً جداً.
إن ما وصفته هو طبعاً تنفس عادي عميق، ولكي تربط ما بينه وبين الترويح عن النفس يتعين عليك أن تشعر نفسك بارتخاء يلف الجسم كله عند اللحظة الأخيرة من الزفير، لا تحاول أن تتشدد واسترح قليلاً قبل أن تبدأ التنفس التالي، إن شعوراً بالارتياح سيأخذك في هذه اللحظة الخاصة.
حسبنا هذا في الصباح الباكر، قول الله تعـــالى: (والصبح إذا تنفس) ثم إن عليك أن تنتهز كل فرصة قد تسنح إبان النهار لكي تتنفس تنفساً كاملاً عشر مرات أو اثنتي عشرة مرة، ومن الأمثلة على هذه الفرص السوانح فترة الطعام، وفترة الانتقال من دائرة إلى دائرة في المكتب.
إن مثل هذه التمارين يجب أن تستمر حتى يصبح تنفسك بشكل آلي أعمق مما كان عليه سابقاً.
رابعاً:
لا تجهد نفسك كثيراً، إذا كنت تعد أثناء الشهيق فستجد الرقم يرتفع شيئاً فشيئاً مع الوقت، دونما محاولة إلى الإكراه، كذلك ليس من الخير أن تجهد الصدر ابتغاء الحصول على اتساع أبعد، قف مستقيماً، طبعاً ولكن لتكن وقفتك سهلةً مريحة.
وإن في استطاعتك - وأنت على كرسيك - أن تتمرن كذلك على التنفس الإيقاعي، والأفضل أن تكون جالساً في استقامة، وأن لا يكون التنفس على مثل العمق الذي يتيسر لك وأنت واقف أو متمرن، إن في مكنتك في هذه الحال أن تركز تفكيرك أكثر فأكثر على مسألة ترك الجسم يسترخي عند اللحظة الأخيرة من الزفير، تخيل أنك غارق أو تكاد أن تغرق في الكرسي.
ولن تنقضي بضعة أسابيع حتى تستشعر الفائدة من عادتك المكتسبة هذه، فإذا كنت راغباً في أن تعني بجهاز التنفس في المقام الأول فستجد أن تنفسك الطبيعي الأعمق يساعدك على ذلك.
خامساً:
إذا واجهتك حالة أدّت بك إلى الحصر التنفسي، أو استولى الخوف عليك بأي سبب، فحاول أن تحتفظ بتنفسك عميقاً ومليئاً فمع أي توتر عصبي، يصبح التنفس ضحلاً ومن ثم يزداد حال المرء سوءاً بينما باستطاعتك أن تخفف من وطأة الخوف، أو التوتر، أو الحصر التنفسي، بالتنفس العميق.
وفي الحالات التي تنتظر فيها لقاءاً مهماً، أو مقابلة مصيرية، أو قبل إلقاء خطاب علني، يمكنك أن تخفف من التوتر الناشئ منها، عبر القيام بالتنفس العميق ثلاث مرات.. مع فترة استرخاء بسيطة بعدها..
حقاً، إن التنفس العميق، وسيلة بسيطة، ولكنها مهمة جداً، للترويح عن التنفس، وتخفيف التوتر، وزيادة الشعور بالسعادة، وهي متاحة للجميع، وفي كل الأوقات..
ღ
المصدر.. كتاب: كيف تتمتع بحياتك وتيعش سعيداً؟
دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
لـ هادي المُدرّسي
نسألكم الدعاء
م/ن
ماجى