تشهد الساحة الإسلامية خلافات كثيرة بين الجماعات، لكن يبقى على الساحة أهم فريقين، كل له منهجه وفكره، وهما الإخوان والسلفيون.
والخلاف بين الإخوان والسلفيين خلاف منهجي وفكري واضح، باختلاف توجهاتهم وتفاعلهم مع كل قضية تطفو على السطح، ويتجدد الخلاف مع كل أزمة أو حدث يندلع على الساحة الإقليمية أو العربية أو العالمية، وعقب اندلاع العدوان الصهيوني على غزة؛ كان لافتًا جدًّا تحرك جماعة الإخوان في كل مكان في العالم الإسلامي تدعم المقاومة في غزة، وعُقدت المؤتمرات في كل بلاد العالم، وخرجت المظاهرات، ومعظمها كان وراءه جماعة الإخوان معرِّضين أنفسهم للقبض والاعتقال، وهو جهد لا يُنكر، ويُحسب لهم في هذا الموقف العصيب.
وأيضًا كان السلفيون في المعركة يُدعِّمون المقاومة في كل مكان بقوة منقطعة النظير، سواء بالفتوى أو الخطب أو الدروس أو المقالات والبيانات، وبدا من الواضح للجميع أن الموقف لا توجد فيه أية مساحة اختلاف، فقد اتحدوا في خطابهم مع الإخوان، سواء في مواقفهم من تأييد المقاومة وفضح الخونة وتعرية المنافقين والمتخاذلين، أو نقد مواقف الأنظمة التي وضح تواطؤها مع العدو بصور مختلفة، ومواقعهم على الشبكة العنكبوتية تثبت ذلك.
ولا يقدح في ذلك بعض من يحاولون خطف يافطة السلفية زورًا وكانت لهم مواقف مخزية؛ فهم ليسوا منهم وليسوا سواء، فكثير منهم أشبه بمنظمة "بلاك ووتر" المرتزقة، الذين يعملون لحساب اتجاهات كثيرة، ولا قيمة لهم ولا وزن في المجموع العام؛ فلم يكن أبدًا من منهج السلف الصالح النفاق والإرجاف وتأييد المتخاذلين أو الخونة.
وحديثنا هنا عن الصادقين الذي جمعهم توافق فرضه الإلتزام الشرعي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يمنع أنه يوجد بين الطرفين بعض الملاحظات الهامة أو النقد والخلافات، منها:
أولًا: البعض من السلفيين يقول: أننا ندعم كل المسلمين بلا فرق، لكن جماعة الإخوان لولا وجود حماس في غزة؛ ما تحركت مثل هذه التحركات الهائلة العظيمة، فهي لم تتحرك بهذه القوة مع العراق وأفغانستان والصومال.
والحقيقة أن هذه المقولة تحتاج إلى تدقيق وتمحيص، فقضية فلسطين قضية هامة عند جماعة الإخوان منذ عام 1948م، فقد شهدت أرض فلسطين كتائب الإخوان وتعطرت أرضها بدماء شهدائهم، وظلت القضية محورية ومركزية في خطاب الإخوان من وقتها حتى الآن لم تتغير، وهم يؤمنون أن الجهاد لتحرير فلسطين فرض عين.
أما بالنسبة لمواقف الإخوان المختلفة في قضية المقاومة للمحتل في أفغانستان والعراق والصومال وأنهم لم يتفاعلوا معها، كما حدث في العدوان على غزة مثلًا، هذا صحيح ومنظور لكن لا أظن أن الجماعة في غير أماكن الصراع تختلف على حق المقاومة في كل تلك البلاد، وإن كان موقف الإخوان في أماكن الصراع كالعراق مثلًا سيء، فالحزب الإسلامي في العراق موقفه مخزي جدًّا.
وفي هذه النقطة لا يفوتني الإشارة إلى أن قضية فلسطين بالنسبة للمسلمين عامة هي قضية هامة، وهي الأهم؛ لوجود المقدسات الإسلامية المحتلة فيها، كالمسجد الأقصى المبارك.
ثانيًا: البعض من الإخوان ينتقد عدم تفاعل السلفية في المظاهرات وفي العمل العام مطلقًا وأنهم متقوقعون، بداية هذا غير صحيح على الإطلاق، صحيح أن البعض في التيار السلفي يعاني من جمود في التعامل مع الآليات المستحدثة في المعارضة، وأيضًا عنده تحفظات وتخوفات من المشاركة في العمل العام لفساد المناخ العام، لكن في التيار السلفي من يتفاعل مع كثير من آليات المعارضة، ويشارك على قدر جهده في العمل العام، ويختلف ذلك من بلد إلى بلد.
ففي مصر مثلًا يوجد تيار سلفي متفتح وواعي، وإن كان لا يمثل حالة لكنه موجود، وفي بعض البلاد له وجود قوي بل ينافس الإخوان بقوة؛ كالكويت مثلًا، أما المظاهرات فهي مسألة اجتهادية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإخوان جماعة واحدة؛ وبالتالي فمواقفها ظاهرة، أما السلفيون فتجمعات متعددة؛ لذا لا تظهر مواقفهم بوضوح.
وعلى سبيل المثال؛ كان للسلفية في الإسكندرية جهد مشكور، حيث قامت المدرسة السلفية بتنظيم مؤتمر ضخم لنصرة غزة حضره الآلاف.
ثالثًا: كان لدخول إيران الشيعية بالخطاب الإعلامي فقط للمزايدة في معركة غزة نقطة خلاف واضحة، ما بين تأييد الإخوان لوجودها والرفض المطلق من السلفيين للدخول الشيعي في قضية فلسطين، وهي من أهم نقاط الخلاف؛ فالإخوان يرون تأييد إيران درب من دروب السياسة، والسلفيون يرون أنه لا مجال للسياسة مع المخالفين في العقيدة والمنهج؛ لأنهم يستغلون التأييد لترويج ضلالهم.
والحقيقة أن ما ذكرته من بعض الملاحظات أو النقد بين الطرفين لا يمنع وجود نقاط أخرى، لكن كل ذلك لا أعتقد مطلقًا أنه يمنع الإلتقاء والوحدة في القضايا المهمة للأمة.
ورغم أن الإخوان والسلفيين كل بلغته وخطابه، اتحدوا في معركة غزة على تأييد المقاومة ووجوب دعمها ونصرتها بكل السبل المتاحة والممكنة، واتفقوا أيضًا على نقد مواقف الأنظمة العربية، وفضح مواقف الخونة من الفلسطينيين والعرب، إلا أنه كان ملفتًا لي أنه لم تقم جماعة الإخوان بدعوة أي من السلفيين لمؤتمراتهم، وكذلك السلفيون لم يقوموا بدعوة أي من الإخوان لمؤتمراتهم.
ويبقى أن كل طرف يعتمد على أدلته في الخلاف، والسلفيون يقولون: متى يعتمد الإخوان على الدليل الشرعي وفقه السلف في عملهم؟ والإخوان يقولون: متى يتوافق السلفيون مع آليات العصر ويتحرروا من جمودهم؟
ولكن السؤال المُلح هو: حتى متى لا يتحد الإخوان والسلفيون في الملمات الهامة التي تعصف بالأمة؟
ممدوح اسماعيل محام وكاتب
مـــ ماجده ـلآك الروح
والخلاف بين الإخوان والسلفيين خلاف منهجي وفكري واضح، باختلاف توجهاتهم وتفاعلهم مع كل قضية تطفو على السطح، ويتجدد الخلاف مع كل أزمة أو حدث يندلع على الساحة الإقليمية أو العربية أو العالمية، وعقب اندلاع العدوان الصهيوني على غزة؛ كان لافتًا جدًّا تحرك جماعة الإخوان في كل مكان في العالم الإسلامي تدعم المقاومة في غزة، وعُقدت المؤتمرات في كل بلاد العالم، وخرجت المظاهرات، ومعظمها كان وراءه جماعة الإخوان معرِّضين أنفسهم للقبض والاعتقال، وهو جهد لا يُنكر، ويُحسب لهم في هذا الموقف العصيب.
وأيضًا كان السلفيون في المعركة يُدعِّمون المقاومة في كل مكان بقوة منقطعة النظير، سواء بالفتوى أو الخطب أو الدروس أو المقالات والبيانات، وبدا من الواضح للجميع أن الموقف لا توجد فيه أية مساحة اختلاف، فقد اتحدوا في خطابهم مع الإخوان، سواء في مواقفهم من تأييد المقاومة وفضح الخونة وتعرية المنافقين والمتخاذلين، أو نقد مواقف الأنظمة التي وضح تواطؤها مع العدو بصور مختلفة، ومواقعهم على الشبكة العنكبوتية تثبت ذلك.
ولا يقدح في ذلك بعض من يحاولون خطف يافطة السلفية زورًا وكانت لهم مواقف مخزية؛ فهم ليسوا منهم وليسوا سواء، فكثير منهم أشبه بمنظمة "بلاك ووتر" المرتزقة، الذين يعملون لحساب اتجاهات كثيرة، ولا قيمة لهم ولا وزن في المجموع العام؛ فلم يكن أبدًا من منهج السلف الصالح النفاق والإرجاف وتأييد المتخاذلين أو الخونة.
وحديثنا هنا عن الصادقين الذي جمعهم توافق فرضه الإلتزام الشرعي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يمنع أنه يوجد بين الطرفين بعض الملاحظات الهامة أو النقد والخلافات، منها:
أولًا: البعض من السلفيين يقول: أننا ندعم كل المسلمين بلا فرق، لكن جماعة الإخوان لولا وجود حماس في غزة؛ ما تحركت مثل هذه التحركات الهائلة العظيمة، فهي لم تتحرك بهذه القوة مع العراق وأفغانستان والصومال.
والحقيقة أن هذه المقولة تحتاج إلى تدقيق وتمحيص، فقضية فلسطين قضية هامة عند جماعة الإخوان منذ عام 1948م، فقد شهدت أرض فلسطين كتائب الإخوان وتعطرت أرضها بدماء شهدائهم، وظلت القضية محورية ومركزية في خطاب الإخوان من وقتها حتى الآن لم تتغير، وهم يؤمنون أن الجهاد لتحرير فلسطين فرض عين.
أما بالنسبة لمواقف الإخوان المختلفة في قضية المقاومة للمحتل في أفغانستان والعراق والصومال وأنهم لم يتفاعلوا معها، كما حدث في العدوان على غزة مثلًا، هذا صحيح ومنظور لكن لا أظن أن الجماعة في غير أماكن الصراع تختلف على حق المقاومة في كل تلك البلاد، وإن كان موقف الإخوان في أماكن الصراع كالعراق مثلًا سيء، فالحزب الإسلامي في العراق موقفه مخزي جدًّا.
وفي هذه النقطة لا يفوتني الإشارة إلى أن قضية فلسطين بالنسبة للمسلمين عامة هي قضية هامة، وهي الأهم؛ لوجود المقدسات الإسلامية المحتلة فيها، كالمسجد الأقصى المبارك.
ثانيًا: البعض من الإخوان ينتقد عدم تفاعل السلفية في المظاهرات وفي العمل العام مطلقًا وأنهم متقوقعون، بداية هذا غير صحيح على الإطلاق، صحيح أن البعض في التيار السلفي يعاني من جمود في التعامل مع الآليات المستحدثة في المعارضة، وأيضًا عنده تحفظات وتخوفات من المشاركة في العمل العام لفساد المناخ العام، لكن في التيار السلفي من يتفاعل مع كثير من آليات المعارضة، ويشارك على قدر جهده في العمل العام، ويختلف ذلك من بلد إلى بلد.
ففي مصر مثلًا يوجد تيار سلفي متفتح وواعي، وإن كان لا يمثل حالة لكنه موجود، وفي بعض البلاد له وجود قوي بل ينافس الإخوان بقوة؛ كالكويت مثلًا، أما المظاهرات فهي مسألة اجتهادية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإخوان جماعة واحدة؛ وبالتالي فمواقفها ظاهرة، أما السلفيون فتجمعات متعددة؛ لذا لا تظهر مواقفهم بوضوح.
وعلى سبيل المثال؛ كان للسلفية في الإسكندرية جهد مشكور، حيث قامت المدرسة السلفية بتنظيم مؤتمر ضخم لنصرة غزة حضره الآلاف.
ثالثًا: كان لدخول إيران الشيعية بالخطاب الإعلامي فقط للمزايدة في معركة غزة نقطة خلاف واضحة، ما بين تأييد الإخوان لوجودها والرفض المطلق من السلفيين للدخول الشيعي في قضية فلسطين، وهي من أهم نقاط الخلاف؛ فالإخوان يرون تأييد إيران درب من دروب السياسة، والسلفيون يرون أنه لا مجال للسياسة مع المخالفين في العقيدة والمنهج؛ لأنهم يستغلون التأييد لترويج ضلالهم.
والحقيقة أن ما ذكرته من بعض الملاحظات أو النقد بين الطرفين لا يمنع وجود نقاط أخرى، لكن كل ذلك لا أعتقد مطلقًا أنه يمنع الإلتقاء والوحدة في القضايا المهمة للأمة.
ورغم أن الإخوان والسلفيين كل بلغته وخطابه، اتحدوا في معركة غزة على تأييد المقاومة ووجوب دعمها ونصرتها بكل السبل المتاحة والممكنة، واتفقوا أيضًا على نقد مواقف الأنظمة العربية، وفضح مواقف الخونة من الفلسطينيين والعرب، إلا أنه كان ملفتًا لي أنه لم تقم جماعة الإخوان بدعوة أي من السلفيين لمؤتمراتهم، وكذلك السلفيون لم يقوموا بدعوة أي من الإخوان لمؤتمراتهم.
ويبقى أن كل طرف يعتمد على أدلته في الخلاف، والسلفيون يقولون: متى يعتمد الإخوان على الدليل الشرعي وفقه السلف في عملهم؟ والإخوان يقولون: متى يتوافق السلفيون مع آليات العصر ويتحرروا من جمودهم؟
ولكن السؤال المُلح هو: حتى متى لا يتحد الإخوان والسلفيون في الملمات الهامة التي تعصف بالأمة؟
ممدوح اسماعيل محام وكاتب
مـــ ماجده ـلآك الروح