ما هو النفاق؟
النفاق نوعان: نفاق العقيدة ونفاق السلوك.
أولا- نفاق العقيدة
وهذا النوع من النفاق يطلق عليه النفاق الأكبر، والمبتلى فيه ان مات عليه دون توبة فهو في الدرك الأسفل من النار خالدا مخلدا، وأهل هذا النوع من النفاق هم الذين يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر في قلوبهم، وهؤلاء أشد خطرا على الاسلام والمسلمين من الكفار والمشركون أنفسهم، فالكافر والمشرك بحكم كفره وشركه نتمكن بسهولة من تجنبّه وأخذ الحيطة والحذر منه، بينما المنافق قد يعيش بيننا دون أن نميّز نفاقه فيخدعنا ويخدع الناس من حولنا ، ومن صفاته القبيحة أنه يظهر لنا المودّة بان والحب ويبطن لنا الكره والبغض فيكون يخدعنا ونحن مطمئنين اليه، نأمن له وهو ينخر بنا كالسوس ، ولأنهم ذات نوايا قبيحة وشرّيره فقد جعل المولى تبارك وتعلى مأواهم في الدرك الأسفل من النار:
انّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم من دون الله نصيرا (النساء 145)
وقوله عزوجل أيضا: وبعذب المنافقين والمنافقات الظانين بالله ظنّ السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم وساءت مصيرا (الفتح 6)
والخطورة في النفاق هو أنه لا يمكننا تمييزهم ، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخدوعا فيهم، وكان صلى الله عليه وسلم يتعامل معه علىأنهم من الصحابة، ولولا أنّ القرآن فضحهم وأظهر حقيقتهم ما عرفهم صلى الله عليه وسلم وما ميّزهم ورحم من وصف المنافق على حقيقته فقال:
يسقيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
فمثلا على سبيل المثال لا الحصر نذكر منهم ما ذكره القرآن الكريم أمثال عبد الله بن أبي سلول و ثعلبة بن حاطب.
أما عبد الله بن أبي بن سلول فقد كان زعيم المنافقين وبشأنه انزل الله تبارك سورة المنافقون وصدر سورة النور. وهو المنافق الذي أشاع الفاحشة على الطاهرة المطهرة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأحبّ نساءه اليه عليه الصلاة والسلام، وقد أنزل الله تبارك وتعالى براءتها من فوق سبع سموات.
أما ثعلبة بن حاطب ولأنه لم تكن تفوته تكبيرة الاحرام خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقد أطلق عليه لقب حمامة المسجد، الا أنّ حبه للدنيا ومن ثم نقضه لعهد الله تبارك وتعالى عندما عاهد الله تعالى لئن آتاه من فضله ليؤدي حق الله في ماله، ولما آتاه الله تعالى من فضله الكريم بخل ولم يوفي بعهده لله، لأجل ذلك فقد ختم الله على قلبه بالنفاق ليموت على النفاق، ومن يحبّ المزيد من القراءة عن ثعلبة بن حاطب فسوف يجد الخمس آيات الكريمة التي نزلت بشأنه في سورة التوبة 75- 79.
ومن أبرز صفات المنافقين هي:
1. اظهار الايمان واخفاء الكفر في بطونهم وما يترتب عن ذلك من اظهار الخير واسرار الشر، فيظهرون لك خلاف من يبطنون.
2. عنادهم على الحق وتكبرهم عليه: ذلك أنهم لم يحبون الفساد فحسب بل يحثون ويؤلبون غيرهم عليه، والفساد في الأرض هو الكفر والعمل بالمعصية، لأنّ من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية فقد أفسد في الأرض، ذلك أنّ صلاح الأرض والسماء يكون بالطاعة وليس بالمعصية، الى هنا والأمر عادي جدا وكثير من مسلمي اليوم يرتكبون ذنوبا كهذه، لكن الذي يجعل هذا النوع من البشر منافقين أنه اذا كشفت له حقيقته بأنه مفسد يعاندك ويتكبر عليك ويقول لك: انا لست مفسدا بل أنا مصلحا وهو يعلم ضمنا أنه مفسدا ولكنّ عناده منعه من الاعتراف بالحقيقة، وهذا النوع من البشر الذي يحسبون أنّ ما يفعلونه اصلاح وهو عكس ذلك، لقوله تعالى: واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون.
3. نقض العهد والميثاق وقطع ما أمر الله أن يوصل من قطع أرحام، وهذا النوع من المنافقين أطلق عليهم الله تعالى وصف الفاسقين وقال: وما يضلّ به الا الفاسقين* الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، اولئك هم الخاسرون، واذا دققنا في الآية الكريمة جيدا لاحظنا كيف أنّ الله تعالى ذكر صفة الفساد في نهاية الآن ليحيطنا علما بأن الفساد رأس كل خطيئة.
4. تكاسلهم عن آداء الصلاة اذا خلوا مع أنفسهم وينشطون بها أمام الناس، وهذا السلوك سلوك مشين ذلك لو أنهم مؤمنون حقا لأيقنوا أنهم يتعاملون من الاله الذي يرقب حركاتهم وسكناتهم، وهذا السلوك يتوافق مع قوله تعالى: واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس بأعمالهم
5. تذبذهم ما بين الحق والباطل، تارة تجدهم مع الحق وتارة أخرى مع الباطل ولا يستروقن على رأي، وكما يقول المثل: يمشون مع التيار، وهذا السلوك يوافق قوله تعالى: مذبذبين ما بين هؤلاء وهؤلاء.
6. استحباب الحياة على الآخرة، وقد نهى الله تعالى عباده عن ذلك في آيات شتى من كتابه الكريم ، ناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذكره سبحانه وتعالى، وعبادته حق العبادة، ذلك أن الله تعالى ما خلقنا كي نأكل ونشرب ونلهو ونمرح ، بل خلقنا أساسا لعبادته الها واحدا لا شريك له، وهذا ما تجلى في قوله تعالى: وما خلقت الجنّ والانس الا ليعبدون.
7. النهي عن الانفاق، وقد أمرنا الله تعالى بالانفاق تقربا اليه تبارك وتعالى والامتثال الى طاعته عزوجل، وكل مفرط في حق الله تعالى سيندم أشد الندم عند الاحتضار، ويسأل الله العودة الى الدنيا من جديد ليعمل صالحا، ولكن هيهات هيهات، وأنى له ذلك، والله تعالى يقول: ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون.
ثانيا- نفاق السلوك
أما النوع الثاني من النفاق فخهو نفاق السلوك، ونفاق السلوك اذا تحقق فيه شروطا أربعة بات من منافقي العقيدة: اذا كان كاذبا في أقواله وحلف بالله كاذبا، واذا نقض العهود والمواثيق مع الله تعالى ومن ثمّ مع العباد، واذا أوكلت اليه أمانة ولم يحافظ عليها، فالأمانة يوم القيامة مسئولة، حتى الشهيد في سبيل الله تعالى يغفر الله تعالى كل ذنب ما عدا الأمانة، والأمانة نوعان: نوع يتعلق بحق الله تعالى وهذا النوع قابل للغفران يوم القيامة برحمة الله تعالى، بينما حقوق العباد لا تغفر بل يجب آداءها يوم القيامة واعطاء كل ذي حق حقه، وهذا هو قمة العدل عند الله تبارك وتعالى ، وهذا ما تجلى بقوله عزوجل: ولا يظلم ربك أحدا.
واذا خاصم أحدا من المسلمين وأدى خصامه به الى الفجور الذي لا يتناسب مع طبيعته كمسلم، وفي هذا المضمار يقول عليه الصلاة والسلام بما معناه: أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا أؤتمن خان، واذا خاصم فجر.
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: آية المنافق ثلاثة: اذا حدّث كذب، واذا وعد أخلف، واذا أؤتمن خان.
هل التوبة تجدي وتنفع المنافق؟
أجل! فباب التوبة مفتوحا مالم يغرغر الانسان، وما لم تشرق الشمس من المغرب، وما لم تظهر الدابة، لقوله تبارك وتعالى في سورة طه:
واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
بقي أن نذكر أنه كلا الحالتين من النفاق سواء كان نفاق العقيدة أو نفاق السلوك قابلتان للتوبة ان كان التائب منهما صادقا لقوله تعالى في سورة النساء 145-146:
ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا* الا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله، فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤتي الله الؤمنين أجرا عظيما.
أي بدلوا الرياء بالاخلاص ، عندها ينفعهم العمل الصالح وان قل، لقوله صلى الله عليه وسلم: أخلص دينك يكفيك القليل من العمل
م/ن
ماجى
ماجى