الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [متفق عليه]، ما أخطر ما يتهاون فيه من ابتُلوا بأن صاروا موضع اتخاذ القرار في وضع تشريعات للأمة تستمر آثارها جيلاً بعد جيل، وتزداد رسوخًا مدة بعد مدة، حتى تأخذ وضع القداسة والشرعية، لا يستطيع أحد أن يفكر مجرد تفكير في تغييرها!
وكم يكون تصفيقهم أو رفع أيديهم بالموافقة على تشريع قد يظنونه في وقت أمرًا يسيرًا في موقف مجاملة للكفار أو المنافقين من أذنابهم إضرارًا هائلاً بالمجتمعات المسلمة وأفرادها وصدًّا عن سبيل الله -عز وجل- يـُدْخِل من فعله وسنـَّه في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ» [رواه مسلم].
وكذلك ما أخطر ما يتهاون فيه من ابتُلوا بأن صاروا موضع تنفيذ القرارات التي قد تصدر دون رجوع إلى شرع الله -سبحانه-، بل دون أن يعلم من الذي اتخذها في النهاية، ويكون من نتيجتها صرف الناس عن دين الله، وفتنتهم عن الدخول فيه حتى في بلاد المسلمين!
لقد ظل المسلمون عبر تاريخهم وفي كل بلادهم يفرحون بدخول أي شخص في دين الإسلام؛ لعلمهم بقول نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: «فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» [متفق عليه]، ويرون في معاونة هذا الداخل الجديد إلى الإسلام وحمايته ونصرته ممن يريد أذاه أو فتنته واجبًا على كل من قدر على شيء من ذلك.
ويعظم الأمر عند المسلمين حين يتعلق الأمر بالمرأة؛ إذ نزل القرآن يخص المؤمنات المهاجرات من عموم صلح الحديبية الذي كان يقضي بِرَدِّ من جاء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين، وبيـَّنت الآيات بيانًا عامًّا إلى يوم القيامة بعدم جواز رد المسلمة إلى الكفار طالما اختارت الإسلام رغبة فيه؛ قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
وقد شدد العلماء من المذاهب كافة في لزوم قبول إسلام من جاءنا يريد الإسلام، وتعليمه كيفية الدخول فيه مباشرة دون تأخير ولو لحظة، بل عدَّ العلماء من يأمر من أراد الإسلام بالانتظار ولو إلى آخر المجلس مرتدًّا.
قال النووي -رحمه الله-:
"قالوا -يعني علماء الحنفية في كتبهم رحمهم الله-: ولو قال كافر لمسلم: اعرض عليّ الإسلام، فقال: حتى أرى، أو: اصبر إلى الغد، أو طلب عرض الإسلام من واعظ فقال: اجلس إلى آخر المجلس؛ كفر. وقد حكينا نظيره عن المتولي -يعني من الشافعية-".اهـ (روضة الطالبين، 10/69).
وذلك لأنه يتضمن الرضا بالكفر، ولو لهذه المدة الوجيزة، ولو من كافر لم يدخل في دين الإسلام بعد، فكيف بمن يقول لمن جاءه يريد الإسلام: "انتظر حتى تبلغ الثامنة عشرة"؟!
فكيف لو نصح مسلمًا دخل في الإسلام بالفعل ونطق الشهادتين بأن الأفضل له أن يبقى على ملته، بل كلام الحنفية ومثلهم الشافعية والحنابلة أغلظ من ذلك بكثير.
قال النووي أيضًا:
"ولو قال معلم الصبيان: اليهود خير من المسلمين بكثير؛ لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم؛ كفر. وقالوا -يعني الحنفية-: ولو قال: النصرانية خير من المجوسية؛ كفر. ولو قال: المجوسية شر من النصرانية؛ لا يكفر"، قال النووي: "قلت الصواب أنه لا يكفر بقوله النصرانية خير من المجوسية، إلا أن يريد أنها دين حق اليوم".
فكم من قائل وداعٍ اليوم في وسائل الإعلام وغيرها بمساواة هذه الملل للإسلام، وأنها حق كما أن الإسلام حق.
قال ابن رجب -رحمه الله- في (جامع العلوم والحكم):
"ومن المعلوم بالضرورة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله بذلك مسلمًا".
وهل يشك في ذلك مسلم، فضلاً عن عالم حتى نحتاج إلى نقل!!، ولكنه زماننا العجيب أهلُه الذي أحوجنا إلى الاستدلال ونقل الإجماع على وجوب قبول الإسلام ممن أتى به؛ إذ ابتدع مشرعو زماننا -مجاملة للغرب في تشريعاتهم- جعل السن الذي يُقبل فيه الإسلام "ثمانية عشر عامًا ميلاديًّا"؛ باعتبار أن ما دون ذلك هو سن الطفولة، يجب تسليم من أسلم دونه إلى أهله، بل إلى كنيسته، بل قل إلى محاكم التفتيش في زماننا؛ تفتنه عن دينه بأبشع أنواع التعذيب، مخالفين بذلك إجماع المسلمين المعلوم بالضرورة من وجوب قبول إسلام البالغ والبالغة، بل النص النبوي الشريف في قبول إسلام المميز من الصبيان والفتيات دون البلوغ.
قال مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله- في (المنتقى) في "باب صحة إسلام المميز":
"وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه عرض الإسلام على ابن صياد -وذكر الحديث المتفق عليه في قصته-، وعن عروة قال: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمان سنين، أخرجه البخاري في تاريخه، وأخرج أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قتل عليٌّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة، قلت: وهذا يبين إسلامه صغيرًا؛ لأنه أسلم في أوائل البعث". اهـ.
وقال البخاري: "وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ".
وقال الحافظ في (تلخيص الحبير، 3/78):
"واحتج البيهقي على صحة إسلام الصبي بحديث أنس: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث، وفيه: أنه مرض، فعرض عليه الإسلام، فأسلم، وأخرجه البخاري، وبحديث ابن عمر أنه عرض الإسلام على ابن صياد وهو لم يبلغ الحلم، متفق عليه، وبحديث: «مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ»".
وفي فتاوى الأزهر الشريف فتوى "309" بعنوان: (إسلام المميز) بتاريخ جمادى الأولى سـ1363ـنة هـ الموافق 9 مايو سـ1944ـنة م لفضيلة الشيخ عبد المجيد سليم:
"سئل عن إسرائيلية ولدت بمصر وجنسيتها إيطالية، وتبلغ من العمر 17 عامًا هجريًّا، اعتنقت الدين الإسلامي وهي في هذا السن، وعملت إشهارًا رسميًّا بذلك، فهل إسلامها صحيح وهي في هذا السن أم لا؟ وهل يشترط في دخول في دخول الكتابية الإسلام سن معينة أم لا؟".
أجاب: "إنما يشترط في صحة الإسلام التمييز، ولا يشترط في صحته سن معينة بعد أن يكون أسلم مميزًا، وقد اختلف في الصبي المميز، فقيل: "هو ما كان ابن سبع سنين فأكثر"، وقيل: "هو الذي يعقل أن الإسلام سبب النجاة، ويميز الخبيث من الطيب، والحلو من المر"، وعلى هذا فإسلام الإسرائيلية المذكورة صحيح".اهـ.
فلا خلاف في صحة ولزوم قبول إسلام من أسلم من البالغين، والخلاف الضعيف في جعل غاية سن البلوغ ثمانية عشر عامًا إنما هو فيمن لم تظهر عليه علامات البلوغ، والذي عليه الجماهير أنه يحكم ببلوغه في سن الخامسة عشر بالأعوام الهجرية، ولا نزاع أنه إذا احتلم الصبي، أو حاضت الجارية، أو حملت؛ فهما بالغان، لا يخالف في ذلك أحد.
فهذا التشريع إذن الذي يرفض قبول إسلام من أسلم من البالغين والبالغات -فضلاً عن المميزين من الصبيان- هو تشريع مخالف للنص والإجماع، فهو باطل قطعًا، ولا يجوز لمسلم أن يرفض إسلام مَن هذه حاله بحكم قانوني، أو يعين على تسليم مسلم أو مسلمة إلى الكفار يفتنونهم عن دينهم في بلاد المسلمين أو غيرها، بل هذا من أفعال الردة -والعياذ بالله-.
فمأساة الفتيات اللاتي يُسلمن -وآخرهن فتاة ملوي "عبير"- ثم يُسلمن إلى الكنيسة بأي حجة هي مأساة عظيمة، بل هي طعنات في قلوب المسلمين جميعًا، وخطرٌ على إسلام مَن يشارك في هذا المنكر الفظيع، ويجب على كل من له قدرة أو سلطان أن يغيث هؤلاء المستضعفين.
وينبغي على خبراء القانون والمحامين المسلمين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة للطعن في دستورية هذا القانون الباطل شرعًا؛ لمخالفته أحكام الشريعة المجمع عليها، وعلى الأقل في قضية قبول الإسلام مع كونه يخالفها في اعتبار سائر الجرائم التي يرتكبها من دون الثامنة عشرة جنايات صبيان غير بالغين، لكن على الأقل مخالفةُ هذا التشريع في قضية رفض الإسلام للشريعة الإسلامية معلومةٌ من الدين بالضرورة كما ذكره ابن رجب -رحمه الله-؛ حتى لا ينخدع أحد بأنه مضطر لتطبيق القانون!! مع أنه لا عذر لأحد في تطبيق قانون يخالف شرع الله -عز وجل- كائنًا من كان.
وحتى يستطيع المسلمون إنقاذ هؤلاء المستضعفين والمستضعفات الذين يُفتنون عن دينهم في دولة الكنيسة التي أصبحت تنازع سلطان الدولة دون مراعاة لشيء، بل تستعلي بدول الكفر وأقباط المجهر؛ لفرض كفرهم وباطلهم، وراحت أصنام العجوة من حقوق الإنسان والحريات أدراج الرياح، بل جاء الوقت الذي نطلب فيه حقوق الأكثرية على الأقلية.
اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين والمسلمات في كل مكان، وفرج كربهم، وفك أسرهم، ونجِّهم من القوم الظالمين.
ياسر برهامى
مآآآآآجى
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [متفق عليه]، ما أخطر ما يتهاون فيه من ابتُلوا بأن صاروا موضع اتخاذ القرار في وضع تشريعات للأمة تستمر آثارها جيلاً بعد جيل، وتزداد رسوخًا مدة بعد مدة، حتى تأخذ وضع القداسة والشرعية، لا يستطيع أحد أن يفكر مجرد تفكير في تغييرها!
وكم يكون تصفيقهم أو رفع أيديهم بالموافقة على تشريع قد يظنونه في وقت أمرًا يسيرًا في موقف مجاملة للكفار أو المنافقين من أذنابهم إضرارًا هائلاً بالمجتمعات المسلمة وأفرادها وصدًّا عن سبيل الله -عز وجل- يـُدْخِل من فعله وسنـَّه في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ» [رواه مسلم].
وكذلك ما أخطر ما يتهاون فيه من ابتُلوا بأن صاروا موضع تنفيذ القرارات التي قد تصدر دون رجوع إلى شرع الله -سبحانه-، بل دون أن يعلم من الذي اتخذها في النهاية، ويكون من نتيجتها صرف الناس عن دين الله، وفتنتهم عن الدخول فيه حتى في بلاد المسلمين!
لقد ظل المسلمون عبر تاريخهم وفي كل بلادهم يفرحون بدخول أي شخص في دين الإسلام؛ لعلمهم بقول نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: «فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» [متفق عليه]، ويرون في معاونة هذا الداخل الجديد إلى الإسلام وحمايته ونصرته ممن يريد أذاه أو فتنته واجبًا على كل من قدر على شيء من ذلك.
ويعظم الأمر عند المسلمين حين يتعلق الأمر بالمرأة؛ إذ نزل القرآن يخص المؤمنات المهاجرات من عموم صلح الحديبية الذي كان يقضي بِرَدِّ من جاء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين، وبيـَّنت الآيات بيانًا عامًّا إلى يوم القيامة بعدم جواز رد المسلمة إلى الكفار طالما اختارت الإسلام رغبة فيه؛ قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
وقد شدد العلماء من المذاهب كافة في لزوم قبول إسلام من جاءنا يريد الإسلام، وتعليمه كيفية الدخول فيه مباشرة دون تأخير ولو لحظة، بل عدَّ العلماء من يأمر من أراد الإسلام بالانتظار ولو إلى آخر المجلس مرتدًّا.
قال النووي -رحمه الله-:
"قالوا -يعني علماء الحنفية في كتبهم رحمهم الله-: ولو قال كافر لمسلم: اعرض عليّ الإسلام، فقال: حتى أرى، أو: اصبر إلى الغد، أو طلب عرض الإسلام من واعظ فقال: اجلس إلى آخر المجلس؛ كفر. وقد حكينا نظيره عن المتولي -يعني من الشافعية-".اهـ (روضة الطالبين، 10/69).
وذلك لأنه يتضمن الرضا بالكفر، ولو لهذه المدة الوجيزة، ولو من كافر لم يدخل في دين الإسلام بعد، فكيف بمن يقول لمن جاءه يريد الإسلام: "انتظر حتى تبلغ الثامنة عشرة"؟!
فكيف لو نصح مسلمًا دخل في الإسلام بالفعل ونطق الشهادتين بأن الأفضل له أن يبقى على ملته، بل كلام الحنفية ومثلهم الشافعية والحنابلة أغلظ من ذلك بكثير.
قال النووي أيضًا:
"ولو قال معلم الصبيان: اليهود خير من المسلمين بكثير؛ لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم؛ كفر. وقالوا -يعني الحنفية-: ولو قال: النصرانية خير من المجوسية؛ كفر. ولو قال: المجوسية شر من النصرانية؛ لا يكفر"، قال النووي: "قلت الصواب أنه لا يكفر بقوله النصرانية خير من المجوسية، إلا أن يريد أنها دين حق اليوم".
فكم من قائل وداعٍ اليوم في وسائل الإعلام وغيرها بمساواة هذه الملل للإسلام، وأنها حق كما أن الإسلام حق.
قال ابن رجب -رحمه الله- في (جامع العلوم والحكم):
"ومن المعلوم بالضرورة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله بذلك مسلمًا".
وهل يشك في ذلك مسلم، فضلاً عن عالم حتى نحتاج إلى نقل!!، ولكنه زماننا العجيب أهلُه الذي أحوجنا إلى الاستدلال ونقل الإجماع على وجوب قبول الإسلام ممن أتى به؛ إذ ابتدع مشرعو زماننا -مجاملة للغرب في تشريعاتهم- جعل السن الذي يُقبل فيه الإسلام "ثمانية عشر عامًا ميلاديًّا"؛ باعتبار أن ما دون ذلك هو سن الطفولة، يجب تسليم من أسلم دونه إلى أهله، بل إلى كنيسته، بل قل إلى محاكم التفتيش في زماننا؛ تفتنه عن دينه بأبشع أنواع التعذيب، مخالفين بذلك إجماع المسلمين المعلوم بالضرورة من وجوب قبول إسلام البالغ والبالغة، بل النص النبوي الشريف في قبول إسلام المميز من الصبيان والفتيات دون البلوغ.
قال مجد الدين ابن تيمية -رحمه الله- في (المنتقى) في "باب صحة إسلام المميز":
"وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه عرض الإسلام على ابن صياد -وذكر الحديث المتفق عليه في قصته-، وعن عروة قال: أسلم عليٌّ وهو ابن ثمان سنين، أخرجه البخاري في تاريخه، وأخرج أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قتل عليٌّ وهو ابن ثمان وخمسين سنة، قلت: وهذا يبين إسلامه صغيرًا؛ لأنه أسلم في أوائل البعث". اهـ.
وقال البخاري: "وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ".
وقال الحافظ في (تلخيص الحبير، 3/78):
"واحتج البيهقي على صحة إسلام الصبي بحديث أنس: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث، وفيه: أنه مرض، فعرض عليه الإسلام، فأسلم، وأخرجه البخاري، وبحديث ابن عمر أنه عرض الإسلام على ابن صياد وهو لم يبلغ الحلم، متفق عليه، وبحديث: «مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ»".
وفي فتاوى الأزهر الشريف فتوى "309" بعنوان: (إسلام المميز) بتاريخ جمادى الأولى سـ1363ـنة هـ الموافق 9 مايو سـ1944ـنة م لفضيلة الشيخ عبد المجيد سليم:
"سئل عن إسرائيلية ولدت بمصر وجنسيتها إيطالية، وتبلغ من العمر 17 عامًا هجريًّا، اعتنقت الدين الإسلامي وهي في هذا السن، وعملت إشهارًا رسميًّا بذلك، فهل إسلامها صحيح وهي في هذا السن أم لا؟ وهل يشترط في دخول في دخول الكتابية الإسلام سن معينة أم لا؟".
أجاب: "إنما يشترط في صحة الإسلام التمييز، ولا يشترط في صحته سن معينة بعد أن يكون أسلم مميزًا، وقد اختلف في الصبي المميز، فقيل: "هو ما كان ابن سبع سنين فأكثر"، وقيل: "هو الذي يعقل أن الإسلام سبب النجاة، ويميز الخبيث من الطيب، والحلو من المر"، وعلى هذا فإسلام الإسرائيلية المذكورة صحيح".اهـ.
فلا خلاف في صحة ولزوم قبول إسلام من أسلم من البالغين، والخلاف الضعيف في جعل غاية سن البلوغ ثمانية عشر عامًا إنما هو فيمن لم تظهر عليه علامات البلوغ، والذي عليه الجماهير أنه يحكم ببلوغه في سن الخامسة عشر بالأعوام الهجرية، ولا نزاع أنه إذا احتلم الصبي، أو حاضت الجارية، أو حملت؛ فهما بالغان، لا يخالف في ذلك أحد.
فهذا التشريع إذن الذي يرفض قبول إسلام من أسلم من البالغين والبالغات -فضلاً عن المميزين من الصبيان- هو تشريع مخالف للنص والإجماع، فهو باطل قطعًا، ولا يجوز لمسلم أن يرفض إسلام مَن هذه حاله بحكم قانوني، أو يعين على تسليم مسلم أو مسلمة إلى الكفار يفتنونهم عن دينهم في بلاد المسلمين أو غيرها، بل هذا من أفعال الردة -والعياذ بالله-.
فمأساة الفتيات اللاتي يُسلمن -وآخرهن فتاة ملوي "عبير"- ثم يُسلمن إلى الكنيسة بأي حجة هي مأساة عظيمة، بل هي طعنات في قلوب المسلمين جميعًا، وخطرٌ على إسلام مَن يشارك في هذا المنكر الفظيع، ويجب على كل من له قدرة أو سلطان أن يغيث هؤلاء المستضعفين.
وينبغي على خبراء القانون والمحامين المسلمين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة للطعن في دستورية هذا القانون الباطل شرعًا؛ لمخالفته أحكام الشريعة المجمع عليها، وعلى الأقل في قضية قبول الإسلام مع كونه يخالفها في اعتبار سائر الجرائم التي يرتكبها من دون الثامنة عشرة جنايات صبيان غير بالغين، لكن على الأقل مخالفةُ هذا التشريع في قضية رفض الإسلام للشريعة الإسلامية معلومةٌ من الدين بالضرورة كما ذكره ابن رجب -رحمه الله-؛ حتى لا ينخدع أحد بأنه مضطر لتطبيق القانون!! مع أنه لا عذر لأحد في تطبيق قانون يخالف شرع الله -عز وجل- كائنًا من كان.
وحتى يستطيع المسلمون إنقاذ هؤلاء المستضعفين والمستضعفات الذين يُفتنون عن دينهم في دولة الكنيسة التي أصبحت تنازع سلطان الدولة دون مراعاة لشيء، بل تستعلي بدول الكفر وأقباط المجهر؛ لفرض كفرهم وباطلهم، وراحت أصنام العجوة من حقوق الإنسان والحريات أدراج الرياح، بل جاء الوقت الذي نطلب فيه حقوق الأكثرية على الأقلية.
اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين والمسلمات في كل مكان، وفرج كربهم، وفك أسرهم، ونجِّهم من القوم الظالمين.
ياسر برهامى
مآآآآآجى