بادئ ذي بدء نشكر الإخوة القائمين على إعداد هذا المؤتمر، لما بذلوه من جهد ومعاناة من اجل انعقاده، رغم كثرة العقبات، فجزاهم الله خيرا.
أن ما يجرى ـ اليوم ـ على القوى الوطنية المناهضة للاحتلال الأمريكي في العراق، ولاسيما أهل السنة الذين يشكلون مركز الثقل في هذه القوى ،شيء يجل عن الوصف ،ويندى له جبين الإنسانية ،فثمة تحالف سافر بين قوات الاحتلال ،وقوى سياسية طائفية ذات ميليشيات ،تدعمها بعض دول الجوار،وأخرى عرقية على ممارسة التطهير الطائفي والعرقي بحق هذه القوى .
تتعرض هذه القوى لعمليات إبادة وتشتيت منظمة ،من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات التي تم احتواء معظمها في أجهزة الشرطة والحرس الوطني وتوزعت في شمال العراق ووسطه وجنوبه ،وظل جزؤها الآخر خارج إطار هذه الأجهزة ،ولكن الطرفين يعملان بتنسيق واضح ،وعلى طريقة تبادل الأدوار،في سبيل خدمة التكتلات السياسية التي ينتميان إليها ومصالحها الطائفية والعرقية الضيقة،على حساب مصلحة الشعب العراقي كله ،وأهل السنة خاصة.
وتأخذ هذه العمليات مناحي عديدة ،منها:
أولاً: استهداف المساجد بالحرق والتدمير والاستيلاء ،وقد تم في بغداد استهداف أكثر من مائتي مسجد وجامع ،بينها أربعون أحرقت بالكامل،وهي شاخصة حتى اللحظة تشكو إلى الله جرأة من وصفهم القرآن الكريم بأنهم (أظلم) ،الذين منعوا مساجد الله إن يذكر فيها اسمه وسعوا في خرابها،وهي تنتظر أن يحل فيهم وعيده (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم عذاب عظيم ).
ومايزال استهداف المساجد قائما حتى اليوم من قبل الميليشيات الطائفية ،ويستهدف ـ كل أسبوع ـ كمعدل من مسجد إلى ثلاثة مساجد ،إما حرقا أو هدما ،أو استهدافا بأسلحة الآربي جي أو الأسلحة الرشاشة .
كما لايزال قسم كبير من هذه المساجد مغتصبا ،يمنع أهل الحي من قصدها للصلاة فيها،وبعضها يستغل مكاتب للميليشيات من اجل جمع المعلومات عن الشخصيات الوطنية في الحي الذي يتواجد فيه الجامع بغية تصفيتهم، أو حملهم على الهجرة قسرا.
ثانياً: قتل الأئمة والخطباء وتعذيبهم بطريقة مقصودة في البشاعة لإلقاء الرعب في نفوس الآخرين على نحو يحملهم على ترك مساجدهم،وقد قتل حتى الآن أكثر من 180اماما وخطيبا جلهم أئمة وخطباء ،وفيهم علماء أركان لا يعوضون ،احدهم بمنزلة الأمة في العلم والنشاط في الدعوة ،وقد سحلت جثث بعضهم بالأزقة والطرقات العامة،كما حصل للشيخ الشهيد غازي الزوبعي إمام وخطيب جامع الصبار في حي الحسينية ببغداد وغيره ،ويوجد ضعف هذا العدد في سجون الاحتلال وسجون الحكومة وسجون الميليشيات .
والطريقة التي يعذب فيها هؤلاء العلماء الأجلاء،ربما لا تخطر على بال الشيطان نفسه، مثل غرس المثاقب الكهربائية في الأجساد عامة والرأس خاصة ،أو كي المعتقلين بالمكواة، أو غمسهم في أحواض ماء النار ،أو شد الأكف بمسامير الحديد الى الجدران، أو رضخ الرؤوس بين كتل الحديد،وغير ذلك مما لا يحتمل ذكره،ولا يتوقع حصوله.
ثالثاً: استهداف الكفاءات العلمية العراقية ،فقد قتل أكثر من 300 أستاذ جامعي وباختصاصات نادرة معظمهم من كل المكونات العراقية ،وان كان معظمهم من السنة ،وقتل أكثر من 60 طبيبا وعشرات آخرين أصحاب كفاءات نادرة ،كان من آخرهم أخونا الكبير الشهيد الدكتور عصام الراوي عضو مجلس شورى هيئة علماء المسلمين ،ورئيس رابطة التدريسيين الجامعيين .
رابعاً: الدفع باتجاه إفقار هذا المكون بشكل عام من خلال طردهم من مواقعهم في الأسواق والجامعات و ميادين العمل الأخرى ،وخطف أبنائهم ثم مساومتهم على الإفراج عنهم مقابل مبالغ خيالية يضطر معها ولي المخطوف إلى بيع ممتلكاته واستهلاك أمواله ـ وأحيانا ـ داره التي يسكنها ،ومع ذلك ففي الغالب يستلم ولده بعد أن يدفع المبلغ جثة هامدة عليها آثار تعذيب مروعة ،وقد لا يستلمه أصلا ،وكثير منهم وجدوا أبناءهم قد دفنوا بعلم من الحكومة او تسهيل للمهمة من قبلها في مدن الجنوب مثل كربلاء والنجف مع أنهم ليسو من أهالي هذه المدن، والأسوأ من ذلك أنهم عثروا على أبنائهم هناك مدفونين في مقابر جماعية ،كتب عليها القائمون على الدفن، هؤلاء ضحايا الإرهابيين ،فيا لدناءة التصرف ،ويا لسخرية الأحداث!!
وبأموال الحرام هذه ،وبما يسرق من المال العام ،وبأموال يدفعها المحتل، وأخرى تأتي من الخارج ،تواصل هذه الميليشيات مسلسلها الدموي
ومن هذا القبيل أيضا استهداف تجارهم وطردهم من متاجرهم وإخلاء الأسواق الرئيسية منهم،وقد تم إخلاء كل من سوق الشورجة وسوق جميلة وهما اكبر سوقين في بغداد من هؤلاء التجار
وحتى الأمريكيين يتخذون خطوات تصب في الاتجاه نفسه ،وقد حدثنا بعض التجار انهم اجتمعوا مع مدير في شركة حاسوب IBM في دولة عربية ،وكان لديه عقد للحكومة العراقية بملايين الدولارات،فاشترط أن ألا يكون التاجر أو الوسيط من أهل السنة!!
خامساً: ضرب البنى التحتية لهذا المكون من مدارس ومستشفيات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .
هذا ما يفعله الأمريكيون .
أما الحكومات المتعاقبة في ظل الاحتلال ،ومنها الحكومة الحالية فماضية بتخطيط مدروس في هذا الاتجاه ..
فوزارة الصحة ـ على سبيل المثال ـ التابعة للتيار الصدري لا تقدم في الغالب دعما للمستشفيات في المناطق السنية بحجة عدم وجود الأمن في المنطقة أو أنها مستشفيات تدعم الإرهاب، أما مستشفيات بغداد فمسيطر عليها اليوم من قبل التكتلات والميليشيات الطائفية،والمريض الذي يسوقه قدره إلى إحدى هذه المستشفيات يؤول مصيره إلى ثلاجة الأموات فيها،وحتى الطب العدلي الذي يقوم بتسليم جثث الموتى غدا مصائد لذويهم ،فكل من جاء يتسلم جثث موتاه يجد الميليشيات بانتظاره لتلحقه بمن سبقه،وقد سجلت حادثة مروعة ان احد هم قتلت له الميليشيات ولدا وأخا ،وعلم أن جثتيهما في الطب العدلي ،وكان على علم بما تفعله الميليشيات من قتل من يأتي لتسلم الجثث أيضا فانتدب من عشيرته خمسة وعشرين شخصا ،ليتمكن بهم من استلام جثة كل من ولده وأخيه،وكانت الصدمة له غير متوقعة كادت تذهب بعقله، إذ اختطفت الميليشيات من انتدبهم جميعا ،وحتى الساعة لا يعرف لهم خبرا !! .
إن الواقع الطبي والصحي والخدمي في العراق يمر بمرحلة خطيرة وهي مرحلة الإهمال المتعمد لمناطق معينة دون أخرى ،فمحافظة الأنبار التي تعدل مساحتها ثلث العراق وتزيد نسماتها على مليون ونصف نسمة لا يوجد في مركز محافظتها سوى مستشفى واحد ،وقد تعرض للدمار منذ ثلاث سنوات نتيجة لاجتياحات قوات الاحتلال وهجمات الحرس الوطني والشرطة ،ومدينة الفلوجة والقرى التابعة لها ذات الكثافة السكانية العالية لا تمتلك سوى مستشفى قديم تعرض للدمار مرتين خلال الهجوم العسكري الأمريكي في نيسان وتشرين الثاني من سنة 2004.
وهذه حال مستشفيات أخرى دمرت عن عمد في مناطق معينة مثل القائم وحديثة وعانة وهيت وغيرها،وكذلك في محافظات أخرى مثل ديالى وصلاح الدين والموصل ،ومناطق أخرى.
إن التقارير التي تأتي عن واقع المستشفيات مخيف ،فهل يعقل أن عمليات الولادة تجري في العراء أو في خيم نصبت لتعويض صالات الولادة التي سويت بالأرض نتيجة القصف كما هو الحال في مستشفى القائم مثلا،وهل يعقل أن أحد الخطباء ،يقسم على منبر الجمعة انه بسبب هذا الحصار الظالم ،والاضطهاد اضطره ليمارس دور الطبيبة في توليد زوجته..
وهل يعقل أن الجرحى المدنيين يموتون نزفاً إما بسبب كثرة الأعداد التي لا يمكن استيعابها كما هو الحال في مستشفى الفلوجة أو لعدم وجود أكياس لنقل الدم كما هو الحال في مستشفى سامراء .
وهل يعقل أن مستشفى في وسط بغداد وهي مستشفى النعمان في الأعظمية ليس فيها مغذيات أو جهاز لسحب السوائل ،والمرضى يموتون أمام أعين الأطباء ولا يستطيعون أن يفعلوا لهم شيئا،في الوقت الذي تنعم فيه مستشفيات أخرى بكل المستلزمات .
إن التأثير الطائفي البغيض الذي تمارسه السلطة الحاكمة في البلد لم يقتصر على السياسة في الحكم وتوزيع الكراسي والمناصب بل تجاوز ذلك ليشمل الخدمات الصحية والاجتماعية والخدمية الأخرى ،ولو كان بمقدرهم أن يحجبوا الهواء عن الآخرين لفعلوا.
سادساً: التهجير المنظم لهذا المكون من مناطق في جنوب العراق ،والتركيز على تهجيرهم من بغداد فثمة عشرات آلاف العوائل فيها نزحت من مواقعها،وثمة وثائق الأمم المتحدة تتحدث ـ اليوم ـ عن مئات الآلاف من العوائل المهجرة ،والمسلسل يمضي بسرعة تفوق التوقعات،وقد لاحظنا أن الحكومة كلما أعلنت عن مبادرة للمصالحة ،سمحت للميليشيات بالقيام بعمليات تهجير ضخمة ،آخرها ما حدث من تهجير أكثر من 150 عائلة في يوم واحد في منطقة الحرية ببغداد ،فقد تزامن ذلك مع مبادرة أطلقها رئيس الوزراء الحالي للمصالحة في سعي واضح لإشغال الرأي العام عما تفعله هذه الميليشيات من جرائم ضد الإنسانية والتغطية عليها، وقد اعترف رئيس البرلمان أن الحكومة كانت على علم بكل ما جرى ،ولكنها لم تحرك ساكنا،مما يؤكد تورطها بالمشروع
وكما أن هناك تهجيرا طائفيا ،ثمة تهجير عرقي يجري هو الآخر على قدم وساق في مناطق مثل كركوك والموصل وضواحيهما.
سابعاً: نشر الثقافة الطائفية من خلال فضائيات عديدة وعشرات الصحف ومواقع الانترنت ،وكذلك نشر الثقافة العرقية من قبل جهات أخرى ،والتفاصيل في ذلك طويلة وهي ذات شجون لكن ما أريد التنبيه عليه أن هذه الأطراف تستغل الوجود الأمريكي المحتل إلى جانبها ،وتعمل ضد مكون واحد ،وتظن أن الاحتلال باق إلى الأبد .
ثامناً: مهاجمة الأحياء ذات الأغلبية السنية من قبل الميليشيات وإرسال أوراق التهديد لهم أو ارتكاب فضائع بحقهم تدفع ضعفاءهم إلى الهجرة ،مثل قتل كل من اسمه عمر أو كل من دلت هويته على انه من مواليد الأنبار أو من عشيرة كذا وكذا ،وأحيانا يقدمون على جرائم تقشعر منها الأبدان ،وعلى سبيل المثال قامت بعض ميليشياتهم بشي طفل لا يتجاوز عمره 7سنوات في فرن في منطقة حي الأمين الثانية ببغداد وسلمته إلى أهله مشويا وقد وضعت فوق جسده حلقات من الطماطم !!،وقامت هذه الميليشيات أيضا بحرق سبعة من أهالي مدينة الحرية وهم أحياء.
وهذا كله القصد منه معروف ،وهو إلقاء الرعب في قلوب الآخرين ليستجيبوا لما يطلب منهم من التهجير ،وترك منازلهم .
والأحياء التي تدافع عن نفسها تقوم القوات الأمريكية ـ بتنسيق مع هذه الميليشيات او بتحريض منها ـ بمداهمتها ،وفي بعض الأحيان بتطويقها ،وإجراء عمليات تفتيش واسعة لتجريدها من السلاح تماما ،وبعد أن يتم ذلك تعاود الميليشيات هجماتها على هذه الأحياء لتلحق بها مزيدا من الأذى والخسائر في الأرواح والممتلكات .
وقد رصدنا حالات كثيرة تتواطأ فيها قوات الحرس الوطني ،وقوات الشرطة مع الميليشيات في ارتكاب هذه الجرائم ،كما رصدنا تواطأ من قبل قوات الاحتلال في الاتجاه نفسه أيضا.
تاسعاً: استهداف القادة العسكريين والطيارين ورجال السياسة الذين يمكن أن يكون لهم دور ايجابي في مستقبل العراق من قبل جهات عديدة ،في مقدمتها منظمات إرهابية معروفة طائفية التوجه دخلت بعد الاحتلال، من بعض دول الجوار ،وقد بدأ ت هذه الميليشيات تصفيات جسدية في وقت مبكر،ومازالت ،وهي تمتلك قاعدة معلوماتية كبيرة بسبب الدعم اللوجستي الذي تتلقاه من قبل أجهزة مخابرات لدول جارة ذات خبرة في مثل هذه المهام .
عاشراً: استهداف كل القوى الوطنية التي ترفض احتلال العراق ،أو الهيمنة عليه من قبل دول الجوار، وقد عملت هذه الميليشيات على استهداف العشائر العربية في الجنوب من الشيعة أيضا على مستوى الشيوخ والشخصيات البارزة فيها ,ممن لا يكنّون ولاء لهذه الميليشيات ولا لمن يقف وراءها ،وبالتالي فان هذه الميليشيات بدأت تمارس إضافة إلى التطهير الطائفي التطهير العرقي فتأمل !!
حادي عشر: توريط جهات سياسية سنية بالعملية السياسية لإضفاء الشرعية على مجمل العملية ،دون منحهم أي دور مهم في إدارة شؤون البلاد .
وقد بدأ استهداف هذه الجهات باغتيال أقربائهم وذويهم بغية إضعافهم ،وجعلهم يستسلمون لأي أجندة تفرض عليهم ،فضلا عن حرمانهم من أي مواقع سيادية.
أيها الأخوة
هذه هي الحقيقة المرة ..
إن العراقيين اليوم يخضعون لمؤامرة لم يشهد التاريخ لها مثيلا ،فقد اجتمعت عليه قوى العدوان من الشرق والغرب تحت مسمى ( العدو المشترك)
فالكل يعمل في العراق بمشارطه ،والكل يسعى الى تمزيق نسيجه وجسده،والكل يستهدف خيراته وثرواته.
فأين المسلمون البررة ؟!
ولماذا كفوا أيديهم عن مناصرة العراق وهو يخوض هذه المعركة المقدسة في سبيل حريته واستقلاله ،والحفاظ على وحدته أرضا وشعبا .
ماذا ينتظرون وهم يرون أبناء جلدتهم يذبحون كالخراف ،ويعذبون بأبشع وسائل التعذيب ،حتى الموت ؟! .
أن بغداد إذا لم تصمد، وتمكن منها أعداؤها ،فان أحدا من أبناء هذه الأمة لن يكون بمنأى عن أن يصيبه ما أصاب بغداد ،ولو كان في أطراف الدنيا.
إن أبناء العراق الغيارى إذ يقاتلون عن دينهم وأعراضهم إنما يقاتلون في الوقت ذاته دفاعا عن حياض الأمة ،فلماذا تتردد الأمة في نصرتهم ، وواجب دعمهم وإسنادهم .
هذه الأسئلة متروكة لكم أيها الإخوة ،لتجيبوا عليها ،عسى المولى عز وجل أن يهديكم عبر هذا اللقاء المبارك،لتلمس السبل الكفيلة بتدارك الوضع قبل فوات الأوان ،وإسقاط المسؤولية عنكم أمام الله عز وجل أولا ،ثم من بعد ذلك أجيالكم القادمة والتاريخ.
وإذا كان لي من كلمة أخيرة أقولها، فما نرجوه أن تنصب جهودكم للسعي في دعم جهودنا للحفاظ على وحدة بلدنا من شماله إلى جنوبه،واستئصال ما زرعه الاحتلال في جسد هذا البلد الطيب من سرطان التقسيمات العرقية والطائفية والدينية .
شكرا لكم ..سدد الله خطاكم ..وبارك فيكم
23/11/1427 هـ
د. محمد بشار الفيضي
عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق والمتحدث الرسمي باسمها.
مآآآآآجى
أن ما يجرى ـ اليوم ـ على القوى الوطنية المناهضة للاحتلال الأمريكي في العراق، ولاسيما أهل السنة الذين يشكلون مركز الثقل في هذه القوى ،شيء يجل عن الوصف ،ويندى له جبين الإنسانية ،فثمة تحالف سافر بين قوات الاحتلال ،وقوى سياسية طائفية ذات ميليشيات ،تدعمها بعض دول الجوار،وأخرى عرقية على ممارسة التطهير الطائفي والعرقي بحق هذه القوى .
تتعرض هذه القوى لعمليات إبادة وتشتيت منظمة ،من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات التي تم احتواء معظمها في أجهزة الشرطة والحرس الوطني وتوزعت في شمال العراق ووسطه وجنوبه ،وظل جزؤها الآخر خارج إطار هذه الأجهزة ،ولكن الطرفين يعملان بتنسيق واضح ،وعلى طريقة تبادل الأدوار،في سبيل خدمة التكتلات السياسية التي ينتميان إليها ومصالحها الطائفية والعرقية الضيقة،على حساب مصلحة الشعب العراقي كله ،وأهل السنة خاصة.
وتأخذ هذه العمليات مناحي عديدة ،منها:
أولاً: استهداف المساجد بالحرق والتدمير والاستيلاء ،وقد تم في بغداد استهداف أكثر من مائتي مسجد وجامع ،بينها أربعون أحرقت بالكامل،وهي شاخصة حتى اللحظة تشكو إلى الله جرأة من وصفهم القرآن الكريم بأنهم (أظلم) ،الذين منعوا مساجد الله إن يذكر فيها اسمه وسعوا في خرابها،وهي تنتظر أن يحل فيهم وعيده (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم عذاب عظيم ).
ومايزال استهداف المساجد قائما حتى اليوم من قبل الميليشيات الطائفية ،ويستهدف ـ كل أسبوع ـ كمعدل من مسجد إلى ثلاثة مساجد ،إما حرقا أو هدما ،أو استهدافا بأسلحة الآربي جي أو الأسلحة الرشاشة .
كما لايزال قسم كبير من هذه المساجد مغتصبا ،يمنع أهل الحي من قصدها للصلاة فيها،وبعضها يستغل مكاتب للميليشيات من اجل جمع المعلومات عن الشخصيات الوطنية في الحي الذي يتواجد فيه الجامع بغية تصفيتهم، أو حملهم على الهجرة قسرا.
ثانياً: قتل الأئمة والخطباء وتعذيبهم بطريقة مقصودة في البشاعة لإلقاء الرعب في نفوس الآخرين على نحو يحملهم على ترك مساجدهم،وقد قتل حتى الآن أكثر من 180اماما وخطيبا جلهم أئمة وخطباء ،وفيهم علماء أركان لا يعوضون ،احدهم بمنزلة الأمة في العلم والنشاط في الدعوة ،وقد سحلت جثث بعضهم بالأزقة والطرقات العامة،كما حصل للشيخ الشهيد غازي الزوبعي إمام وخطيب جامع الصبار في حي الحسينية ببغداد وغيره ،ويوجد ضعف هذا العدد في سجون الاحتلال وسجون الحكومة وسجون الميليشيات .
والطريقة التي يعذب فيها هؤلاء العلماء الأجلاء،ربما لا تخطر على بال الشيطان نفسه، مثل غرس المثاقب الكهربائية في الأجساد عامة والرأس خاصة ،أو كي المعتقلين بالمكواة، أو غمسهم في أحواض ماء النار ،أو شد الأكف بمسامير الحديد الى الجدران، أو رضخ الرؤوس بين كتل الحديد،وغير ذلك مما لا يحتمل ذكره،ولا يتوقع حصوله.
ثالثاً: استهداف الكفاءات العلمية العراقية ،فقد قتل أكثر من 300 أستاذ جامعي وباختصاصات نادرة معظمهم من كل المكونات العراقية ،وان كان معظمهم من السنة ،وقتل أكثر من 60 طبيبا وعشرات آخرين أصحاب كفاءات نادرة ،كان من آخرهم أخونا الكبير الشهيد الدكتور عصام الراوي عضو مجلس شورى هيئة علماء المسلمين ،ورئيس رابطة التدريسيين الجامعيين .
رابعاً: الدفع باتجاه إفقار هذا المكون بشكل عام من خلال طردهم من مواقعهم في الأسواق والجامعات و ميادين العمل الأخرى ،وخطف أبنائهم ثم مساومتهم على الإفراج عنهم مقابل مبالغ خيالية يضطر معها ولي المخطوف إلى بيع ممتلكاته واستهلاك أمواله ـ وأحيانا ـ داره التي يسكنها ،ومع ذلك ففي الغالب يستلم ولده بعد أن يدفع المبلغ جثة هامدة عليها آثار تعذيب مروعة ،وقد لا يستلمه أصلا ،وكثير منهم وجدوا أبناءهم قد دفنوا بعلم من الحكومة او تسهيل للمهمة من قبلها في مدن الجنوب مثل كربلاء والنجف مع أنهم ليسو من أهالي هذه المدن، والأسوأ من ذلك أنهم عثروا على أبنائهم هناك مدفونين في مقابر جماعية ،كتب عليها القائمون على الدفن، هؤلاء ضحايا الإرهابيين ،فيا لدناءة التصرف ،ويا لسخرية الأحداث!!
وبأموال الحرام هذه ،وبما يسرق من المال العام ،وبأموال يدفعها المحتل، وأخرى تأتي من الخارج ،تواصل هذه الميليشيات مسلسلها الدموي
ومن هذا القبيل أيضا استهداف تجارهم وطردهم من متاجرهم وإخلاء الأسواق الرئيسية منهم،وقد تم إخلاء كل من سوق الشورجة وسوق جميلة وهما اكبر سوقين في بغداد من هؤلاء التجار
وحتى الأمريكيين يتخذون خطوات تصب في الاتجاه نفسه ،وقد حدثنا بعض التجار انهم اجتمعوا مع مدير في شركة حاسوب IBM في دولة عربية ،وكان لديه عقد للحكومة العراقية بملايين الدولارات،فاشترط أن ألا يكون التاجر أو الوسيط من أهل السنة!!
خامساً: ضرب البنى التحتية لهذا المكون من مدارس ومستشفيات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .
هذا ما يفعله الأمريكيون .
أما الحكومات المتعاقبة في ظل الاحتلال ،ومنها الحكومة الحالية فماضية بتخطيط مدروس في هذا الاتجاه ..
فوزارة الصحة ـ على سبيل المثال ـ التابعة للتيار الصدري لا تقدم في الغالب دعما للمستشفيات في المناطق السنية بحجة عدم وجود الأمن في المنطقة أو أنها مستشفيات تدعم الإرهاب، أما مستشفيات بغداد فمسيطر عليها اليوم من قبل التكتلات والميليشيات الطائفية،والمريض الذي يسوقه قدره إلى إحدى هذه المستشفيات يؤول مصيره إلى ثلاجة الأموات فيها،وحتى الطب العدلي الذي يقوم بتسليم جثث الموتى غدا مصائد لذويهم ،فكل من جاء يتسلم جثث موتاه يجد الميليشيات بانتظاره لتلحقه بمن سبقه،وقد سجلت حادثة مروعة ان احد هم قتلت له الميليشيات ولدا وأخا ،وعلم أن جثتيهما في الطب العدلي ،وكان على علم بما تفعله الميليشيات من قتل من يأتي لتسلم الجثث أيضا فانتدب من عشيرته خمسة وعشرين شخصا ،ليتمكن بهم من استلام جثة كل من ولده وأخيه،وكانت الصدمة له غير متوقعة كادت تذهب بعقله، إذ اختطفت الميليشيات من انتدبهم جميعا ،وحتى الساعة لا يعرف لهم خبرا !! .
إن الواقع الطبي والصحي والخدمي في العراق يمر بمرحلة خطيرة وهي مرحلة الإهمال المتعمد لمناطق معينة دون أخرى ،فمحافظة الأنبار التي تعدل مساحتها ثلث العراق وتزيد نسماتها على مليون ونصف نسمة لا يوجد في مركز محافظتها سوى مستشفى واحد ،وقد تعرض للدمار منذ ثلاث سنوات نتيجة لاجتياحات قوات الاحتلال وهجمات الحرس الوطني والشرطة ،ومدينة الفلوجة والقرى التابعة لها ذات الكثافة السكانية العالية لا تمتلك سوى مستشفى قديم تعرض للدمار مرتين خلال الهجوم العسكري الأمريكي في نيسان وتشرين الثاني من سنة 2004.
وهذه حال مستشفيات أخرى دمرت عن عمد في مناطق معينة مثل القائم وحديثة وعانة وهيت وغيرها،وكذلك في محافظات أخرى مثل ديالى وصلاح الدين والموصل ،ومناطق أخرى.
إن التقارير التي تأتي عن واقع المستشفيات مخيف ،فهل يعقل أن عمليات الولادة تجري في العراء أو في خيم نصبت لتعويض صالات الولادة التي سويت بالأرض نتيجة القصف كما هو الحال في مستشفى القائم مثلا،وهل يعقل أن أحد الخطباء ،يقسم على منبر الجمعة انه بسبب هذا الحصار الظالم ،والاضطهاد اضطره ليمارس دور الطبيبة في توليد زوجته..
وهل يعقل أن الجرحى المدنيين يموتون نزفاً إما بسبب كثرة الأعداد التي لا يمكن استيعابها كما هو الحال في مستشفى الفلوجة أو لعدم وجود أكياس لنقل الدم كما هو الحال في مستشفى سامراء .
وهل يعقل أن مستشفى في وسط بغداد وهي مستشفى النعمان في الأعظمية ليس فيها مغذيات أو جهاز لسحب السوائل ،والمرضى يموتون أمام أعين الأطباء ولا يستطيعون أن يفعلوا لهم شيئا،في الوقت الذي تنعم فيه مستشفيات أخرى بكل المستلزمات .
إن التأثير الطائفي البغيض الذي تمارسه السلطة الحاكمة في البلد لم يقتصر على السياسة في الحكم وتوزيع الكراسي والمناصب بل تجاوز ذلك ليشمل الخدمات الصحية والاجتماعية والخدمية الأخرى ،ولو كان بمقدرهم أن يحجبوا الهواء عن الآخرين لفعلوا.
سادساً: التهجير المنظم لهذا المكون من مناطق في جنوب العراق ،والتركيز على تهجيرهم من بغداد فثمة عشرات آلاف العوائل فيها نزحت من مواقعها،وثمة وثائق الأمم المتحدة تتحدث ـ اليوم ـ عن مئات الآلاف من العوائل المهجرة ،والمسلسل يمضي بسرعة تفوق التوقعات،وقد لاحظنا أن الحكومة كلما أعلنت عن مبادرة للمصالحة ،سمحت للميليشيات بالقيام بعمليات تهجير ضخمة ،آخرها ما حدث من تهجير أكثر من 150 عائلة في يوم واحد في منطقة الحرية ببغداد ،فقد تزامن ذلك مع مبادرة أطلقها رئيس الوزراء الحالي للمصالحة في سعي واضح لإشغال الرأي العام عما تفعله هذه الميليشيات من جرائم ضد الإنسانية والتغطية عليها، وقد اعترف رئيس البرلمان أن الحكومة كانت على علم بكل ما جرى ،ولكنها لم تحرك ساكنا،مما يؤكد تورطها بالمشروع
وكما أن هناك تهجيرا طائفيا ،ثمة تهجير عرقي يجري هو الآخر على قدم وساق في مناطق مثل كركوك والموصل وضواحيهما.
سابعاً: نشر الثقافة الطائفية من خلال فضائيات عديدة وعشرات الصحف ومواقع الانترنت ،وكذلك نشر الثقافة العرقية من قبل جهات أخرى ،والتفاصيل في ذلك طويلة وهي ذات شجون لكن ما أريد التنبيه عليه أن هذه الأطراف تستغل الوجود الأمريكي المحتل إلى جانبها ،وتعمل ضد مكون واحد ،وتظن أن الاحتلال باق إلى الأبد .
ثامناً: مهاجمة الأحياء ذات الأغلبية السنية من قبل الميليشيات وإرسال أوراق التهديد لهم أو ارتكاب فضائع بحقهم تدفع ضعفاءهم إلى الهجرة ،مثل قتل كل من اسمه عمر أو كل من دلت هويته على انه من مواليد الأنبار أو من عشيرة كذا وكذا ،وأحيانا يقدمون على جرائم تقشعر منها الأبدان ،وعلى سبيل المثال قامت بعض ميليشياتهم بشي طفل لا يتجاوز عمره 7سنوات في فرن في منطقة حي الأمين الثانية ببغداد وسلمته إلى أهله مشويا وقد وضعت فوق جسده حلقات من الطماطم !!،وقامت هذه الميليشيات أيضا بحرق سبعة من أهالي مدينة الحرية وهم أحياء.
وهذا كله القصد منه معروف ،وهو إلقاء الرعب في قلوب الآخرين ليستجيبوا لما يطلب منهم من التهجير ،وترك منازلهم .
والأحياء التي تدافع عن نفسها تقوم القوات الأمريكية ـ بتنسيق مع هذه الميليشيات او بتحريض منها ـ بمداهمتها ،وفي بعض الأحيان بتطويقها ،وإجراء عمليات تفتيش واسعة لتجريدها من السلاح تماما ،وبعد أن يتم ذلك تعاود الميليشيات هجماتها على هذه الأحياء لتلحق بها مزيدا من الأذى والخسائر في الأرواح والممتلكات .
وقد رصدنا حالات كثيرة تتواطأ فيها قوات الحرس الوطني ،وقوات الشرطة مع الميليشيات في ارتكاب هذه الجرائم ،كما رصدنا تواطأ من قبل قوات الاحتلال في الاتجاه نفسه أيضا.
تاسعاً: استهداف القادة العسكريين والطيارين ورجال السياسة الذين يمكن أن يكون لهم دور ايجابي في مستقبل العراق من قبل جهات عديدة ،في مقدمتها منظمات إرهابية معروفة طائفية التوجه دخلت بعد الاحتلال، من بعض دول الجوار ،وقد بدأ ت هذه الميليشيات تصفيات جسدية في وقت مبكر،ومازالت ،وهي تمتلك قاعدة معلوماتية كبيرة بسبب الدعم اللوجستي الذي تتلقاه من قبل أجهزة مخابرات لدول جارة ذات خبرة في مثل هذه المهام .
عاشراً: استهداف كل القوى الوطنية التي ترفض احتلال العراق ،أو الهيمنة عليه من قبل دول الجوار، وقد عملت هذه الميليشيات على استهداف العشائر العربية في الجنوب من الشيعة أيضا على مستوى الشيوخ والشخصيات البارزة فيها ,ممن لا يكنّون ولاء لهذه الميليشيات ولا لمن يقف وراءها ،وبالتالي فان هذه الميليشيات بدأت تمارس إضافة إلى التطهير الطائفي التطهير العرقي فتأمل !!
حادي عشر: توريط جهات سياسية سنية بالعملية السياسية لإضفاء الشرعية على مجمل العملية ،دون منحهم أي دور مهم في إدارة شؤون البلاد .
وقد بدأ استهداف هذه الجهات باغتيال أقربائهم وذويهم بغية إضعافهم ،وجعلهم يستسلمون لأي أجندة تفرض عليهم ،فضلا عن حرمانهم من أي مواقع سيادية.
أيها الأخوة
هذه هي الحقيقة المرة ..
إن العراقيين اليوم يخضعون لمؤامرة لم يشهد التاريخ لها مثيلا ،فقد اجتمعت عليه قوى العدوان من الشرق والغرب تحت مسمى ( العدو المشترك)
فالكل يعمل في العراق بمشارطه ،والكل يسعى الى تمزيق نسيجه وجسده،والكل يستهدف خيراته وثرواته.
فأين المسلمون البررة ؟!
ولماذا كفوا أيديهم عن مناصرة العراق وهو يخوض هذه المعركة المقدسة في سبيل حريته واستقلاله ،والحفاظ على وحدته أرضا وشعبا .
ماذا ينتظرون وهم يرون أبناء جلدتهم يذبحون كالخراف ،ويعذبون بأبشع وسائل التعذيب ،حتى الموت ؟! .
أن بغداد إذا لم تصمد، وتمكن منها أعداؤها ،فان أحدا من أبناء هذه الأمة لن يكون بمنأى عن أن يصيبه ما أصاب بغداد ،ولو كان في أطراف الدنيا.
إن أبناء العراق الغيارى إذ يقاتلون عن دينهم وأعراضهم إنما يقاتلون في الوقت ذاته دفاعا عن حياض الأمة ،فلماذا تتردد الأمة في نصرتهم ، وواجب دعمهم وإسنادهم .
هذه الأسئلة متروكة لكم أيها الإخوة ،لتجيبوا عليها ،عسى المولى عز وجل أن يهديكم عبر هذا اللقاء المبارك،لتلمس السبل الكفيلة بتدارك الوضع قبل فوات الأوان ،وإسقاط المسؤولية عنكم أمام الله عز وجل أولا ،ثم من بعد ذلك أجيالكم القادمة والتاريخ.
وإذا كان لي من كلمة أخيرة أقولها، فما نرجوه أن تنصب جهودكم للسعي في دعم جهودنا للحفاظ على وحدة بلدنا من شماله إلى جنوبه،واستئصال ما زرعه الاحتلال في جسد هذا البلد الطيب من سرطان التقسيمات العرقية والطائفية والدينية .
شكرا لكم ..سدد الله خطاكم ..وبارك فيكم
23/11/1427 هـ
د. محمد بشار الفيضي
عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق والمتحدث الرسمي باسمها.
مآآآآآجى