الحمدُ لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاةُ والسلام على سيدنا
محمد، سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
محمد، سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قال الله - عز وجل -:
{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ
عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا
كَرِيمًا} [النساء: 31]، وقال الله - جل وعلا
-:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقَى} [الشورى: 37].
فما الكبائرُ؟ وما حكمُ من
يرتكبها؟
إن الكبائر جمع كبيرة، والكبيرة في اللغة
تعني: الشيء العظيم،وتقول: أَكْبَرْت الشيءَ أي استعظمته،
والتكبير: التعظيم،ومنه قوله تعالى:{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف:
31]، أي: أعظمنه، على قول أكثر المفسرين[b][1]؛ فالمقصود بالكبائر إذًا: الذنوب
العظام.
وقد اتفق جمهور الناس على
انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ثم اختلفوا في الكبائر بعد ذلك: هل لها عدد يحصرها
أم لا، على قولين[2]:
[/b]
{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ
عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا
كَرِيمًا} [النساء: 31]، وقال الله - جل وعلا
-:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقَى} [الشورى: 37].
فما الكبائرُ؟ وما حكمُ من
يرتكبها؟
إن الكبائر جمع كبيرة، والكبيرة في اللغة
تعني: الشيء العظيم،وتقول: أَكْبَرْت الشيءَ أي استعظمته،
والتكبير: التعظيم،ومنه قوله تعالى:{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف:
31]، أي: أعظمنه، على قول أكثر المفسرين[b][1]؛ فالمقصود بالكبائر إذًا: الذنوب
العظام.
وقد اتفق جمهور الناس على
انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ثم اختلفوا في الكبائر بعد ذلك: هل لها عدد يحصرها
أم لا، على قولين[2]:
[/b]
الأول: قول الذين ذهبوا
إلى القول بحصرها في عدد محدد، وهؤلاء اختلفوا في عددها:
إلى القول بحصرها في عدد محدد، وهؤلاء اختلفوا في عددها:
فقيل: هي أربعة[b][3]، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: هي إحدى
عشرة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "هي إلى
السبعين أقرب منها إلى السبع[4]، وقيل: هي سبعمائة[5]، وقيل غير ذلك،
والصحيح أنه لا دليل من الكتاب والسنة يفيد
الحصر.
الثاني: قول الذين لم يحصروها
بعدد معين، وهؤلاء اختلفوا في حدِّها، وفي الضابط الذي يفرقون به بين الكبيرة
والصغيرة على أقوال منها: [/b]
عشرة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "هي إلى
السبعين أقرب منها إلى السبع[4]، وقيل: هي سبعمائة[5]، وقيل غير ذلك،
والصحيح أنه لا دليل من الكتاب والسنة يفيد
الحصر.
الثاني: قول الذين لم يحصروها
بعدد معين، وهؤلاء اختلفوا في حدِّها، وفي الضابط الذي يفرقون به بين الكبيرة
والصغيرة على أقوال منها: [/b]
أولاً: أن الكبائر
هي كل ما اتفقت جميعُ الشرائع على تحريمه، وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو
صغيرة[b][6]،
وهذا يَرِد عليه أن التزوج ببعض المحارم، أو المحرمات بالرضاعة
ليس من الكبائر، إذ لم تتفق على تحريمه كل الشرائع، كما أن "الفرق بين ما اتفقت
عليه الشرائع واختلفت لا يُعلم إن لم يمكن وجودُ عالم بتلك الشرائع على وجهها، وهذا
غير معلوم لنا"[7].
ثانيًا: أن كل ما عصي الله به فهو من الكبائر، وهذا القول
مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما[8]؛ قال البيهقي: "يحتمل أن
يكون هذا في تعظيم حرمات الله، والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرقُ بين الصغائر
والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء به الكتاب والسنة"[9].
[/b]
هي كل ما اتفقت جميعُ الشرائع على تحريمه، وما كان تحريمه في شريعة دون شريعة فهو
صغيرة[b][6]،
وهذا يَرِد عليه أن التزوج ببعض المحارم، أو المحرمات بالرضاعة
ليس من الكبائر، إذ لم تتفق على تحريمه كل الشرائع، كما أن "الفرق بين ما اتفقت
عليه الشرائع واختلفت لا يُعلم إن لم يمكن وجودُ عالم بتلك الشرائع على وجهها، وهذا
غير معلوم لنا"[7].
ثانيًا: أن كل ما عصي الله به فهو من الكبائر، وهذا القول
مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما[8]؛ قال البيهقي: "يحتمل أن
يكون هذا في تعظيم حرمات الله، والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرقُ بين الصغائر
والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء به الكتاب والسنة"[9].
[/b]
ثالثًا: أن الذنوب
كلها بالنسبة إلى الجراءة على الله والتوثّب على حقه والاستهانة به تعدّ من
الكبائر[b][10]،
وهذا يقتضي أن الذنوب لا تنقسم في نفسها إلى صغائر وكبائر، وهو
فاسد؛ لأنه خلاف النصوص، كما أن هذا الحدّ لا يمكن من خلاله التفريقُ بين الكبائر
والصغائر.
رابعًا: أن الكبائر
ذنوب العَمْد، والصغائر هي: الخطأ، والنسيان، وما أكره عليه، وحديث النفس؛
قال ابن القيم: "هذا من أضعف الأقوال طردًا وعكسًا؛ فإن الخطأ
والنسيان والإكراه لا يدخل تحت جنس المعاصي حتى يكون أحد قسميها، والعمد نوعان: نوع
كبائر، ونوع صغائر"[11].
خامسًا: الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب
المستغفرين مثل ذنب آدم، وهذا القول ضعيف أيضًا؛ لأن "المستحل
ذنبُه دائر بين الكفر والتأويل، فإنه إن كان عالمًا بالتحريم فكافر، وإن لم يكن
عالمًا به فمتأول أو مقلد، وأما المستغفر فإن استغفاره الكامل يمحو كبائره وصغائره،
فلا كبيرة مع استغفار"[12].
سادسًا: أن الكبائر الشرك وما يؤدي إليه، والصغائر ما عدا
الشرك من ذنوب أهل التوحيد، واحتج أصحاب هذه المقالة بقوله
تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وبقوله -
صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل -: ((ومن لَقِيَني بقُراب الأرض
خطيئةً لا يشرك بي شيئًا، لَقِيتُه بمثلها مغفرةً))[13]، ولا حجة لهم في الآية؛
لأن غايتها التفريق بين الشرك وغيره، إذ إن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة منه، وأما ما
دون الشرك فهو موكول إلى المشيئة، ولكنها لا تدل على أن كل ما دون الشرك فهو صغيرة
في نفسه.
وأما الحديثُ فلا حجة لهم فيه أيضًا، فهو يدل على
أن من لم يشرك بالله شيئًا فذنوبُه مغفورة كائنةً ما كانت، ولكنه لا يدل على أن ما
عدا الشرك كله صغائر[14].
سابعًا: أن الكبائر هي كل ما يترتب عليه حدٌّ في الدنيا أو
وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن[15]، وهذا القول هو أمثل
الأقوال في هذه المسألة؛ لأنه سلم من القوادح الواردة على غيره، وهو المأثور عن
السلف.
قال ابن تيمية: "إن هذا الضابط أولى من سائر تلك
الضوابط المذكورة لوجوه:[/b]
كلها بالنسبة إلى الجراءة على الله والتوثّب على حقه والاستهانة به تعدّ من
الكبائر[b][10]،
وهذا يقتضي أن الذنوب لا تنقسم في نفسها إلى صغائر وكبائر، وهو
فاسد؛ لأنه خلاف النصوص، كما أن هذا الحدّ لا يمكن من خلاله التفريقُ بين الكبائر
والصغائر.
رابعًا: أن الكبائر
ذنوب العَمْد، والصغائر هي: الخطأ، والنسيان، وما أكره عليه، وحديث النفس؛
قال ابن القيم: "هذا من أضعف الأقوال طردًا وعكسًا؛ فإن الخطأ
والنسيان والإكراه لا يدخل تحت جنس المعاصي حتى يكون أحد قسميها، والعمد نوعان: نوع
كبائر، ونوع صغائر"[11].
خامسًا: الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب
المستغفرين مثل ذنب آدم، وهذا القول ضعيف أيضًا؛ لأن "المستحل
ذنبُه دائر بين الكفر والتأويل، فإنه إن كان عالمًا بالتحريم فكافر، وإن لم يكن
عالمًا به فمتأول أو مقلد، وأما المستغفر فإن استغفاره الكامل يمحو كبائره وصغائره،
فلا كبيرة مع استغفار"[12].
سادسًا: أن الكبائر الشرك وما يؤدي إليه، والصغائر ما عدا
الشرك من ذنوب أهل التوحيد، واحتج أصحاب هذه المقالة بقوله
تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وبقوله -
صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل -: ((ومن لَقِيَني بقُراب الأرض
خطيئةً لا يشرك بي شيئًا، لَقِيتُه بمثلها مغفرةً))[13]، ولا حجة لهم في الآية؛
لأن غايتها التفريق بين الشرك وغيره، إذ إن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة منه، وأما ما
دون الشرك فهو موكول إلى المشيئة، ولكنها لا تدل على أن كل ما دون الشرك فهو صغيرة
في نفسه.
وأما الحديثُ فلا حجة لهم فيه أيضًا، فهو يدل على
أن من لم يشرك بالله شيئًا فذنوبُه مغفورة كائنةً ما كانت، ولكنه لا يدل على أن ما
عدا الشرك كله صغائر[14].
سابعًا: أن الكبائر هي كل ما يترتب عليه حدٌّ في الدنيا أو
وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن[15]، وهذا القول هو أمثل
الأقوال في هذه المسألة؛ لأنه سلم من القوادح الواردة على غيره، وهو المأثور عن
السلف.
قال ابن تيمية: "إن هذا الضابط أولى من سائر تلك
الضوابط المذكورة لوجوه:[/b]
أحدها: أنه المأثور عن
السلف..
الثاني: أن الله قال:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ
عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا
كَرِيمًا} [النساء: 31]، فقد وعد مجتنب الكبائر بتكفير
السيئات واستحقاق الوعد الكريم، وكل من وعد بغضب الله أو لعنته أو نار أو حرمان جنة
أو ما يقتضي ذلك فإنه خارج عن هذا الوعد، فلا يكون من مجتنبي الكبائر، وكذلك من
استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر، إذ لو كان كذلك
لم يكن له ذنب يستحق أن يعاقب عليه، والمستحق أن يقام عليه الحد له ذنب يستحق
العقوبة عليه.
الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم في الذنوب، فهو حد يتلقى من خطاب الشارع، وما سوى ذلك
ليس متلقى من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو قول رأي القائل وذوقه من
غير دليل شرعي، والرأي والذوق بدون دليل شرعي لا يجوز.
الرابع:
أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر [b][16].
يتبع
[/b]
السلف..
الثاني: أن الله قال:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ
عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا
كَرِيمًا} [النساء: 31]، فقد وعد مجتنب الكبائر بتكفير
السيئات واستحقاق الوعد الكريم، وكل من وعد بغضب الله أو لعنته أو نار أو حرمان جنة
أو ما يقتضي ذلك فإنه خارج عن هذا الوعد، فلا يكون من مجتنبي الكبائر، وكذلك من
استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر، إذ لو كان كذلك
لم يكن له ذنب يستحق أن يعاقب عليه، والمستحق أن يقام عليه الحد له ذنب يستحق
العقوبة عليه.
الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم في الذنوب، فهو حد يتلقى من خطاب الشارع، وما سوى ذلك
ليس متلقى من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو قول رأي القائل وذوقه من
غير دليل شرعي، والرأي والذوق بدون دليل شرعي لا يجوز.
الرابع:
أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر [b][16].
يتبع
[/b]