الحمدُ لله على كلِّ حالٍ وفي كل حال، حمدًا يليق بذي العَظَمة والجلال، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله شريف الخصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
عباد الله:
ما أن يتوقف أعداء الإسلام عن حرْبهم ومواجهتهم للمسلمين بالقنابل والصَّواريخ والطائرات، حتى تبدأ معاناتنا مع حرب أخرى، هي أشد وطأً وألَمًا من الحرب الأولى، فيا ترى ما معالِم هذه الحرب الحديثة؟ وما أهدافها؟ ومَن يقف وراءها؟
أيُّها المسلمون:
إن استهدافَ ثوابت الدِّين، والسخرية والاستهزاء بالإسلام والمسلمين، وانتقاص حَمَلَة الدين من العلماء والمصلحين، هي الحربُ الجديدة، التي تطلُّ علينا بين الفينة والأخرى، عبر الكتب والرِّوايات، أو عبر الجرائد والمجلات وشاشات الفضائيَّات.
عباد الله:
لقد بدأتِ المرحلةُ الأولى من هذه الحرب من قِبَل عدوِّنا الظاهر من اليهود والنَّصارى وغيرهم؛ حيثُ انتقصوا كتابَ ربِّنا، ورموا به في المراحيض، وتحت الأرجل، وسخروا من نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلم - وشوَّهوا صورته عبر الصُّوَر والرُّسومات، ثم بدأت المرحلة الثانية من هذه الحرب بالسُّخرية والاستهزاء بِحَمَلَةِ الوَحْيَيْنِ، وورثة الأنبياء والمرسلين، من قبل عدوٍّ لنا غير ظاهر يَتَزَيَّا وللأسف بزيِّنا، ويتكلم بلغتنا، ويعيش بين أظهرنا؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
أيُّها المسلمون:
إنَّ علماء الأمة هم ورثة الأنبياء، وقُرَّة عين الأولياء، رفعهم الله بالعلم، وزينهم بالحِلْم، بهم يُعرف الحلالُ من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، هم أركان الشَّريعة وحُماة العقيدة، ينفون عن دين الله تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الضَّالين، فكم من طالبِ علمٍ علموه، وتائهٍ عن صراط الرُّشد أرشدوه، وحائرٍ عن سبيل الله بصَّروه ودلّوه، يكفيهم شرفًا وفضلاً اقترانُهم باسم المولى - سبحانه - واسم ملائكته في قوله: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
قال القرطبي - رحمه الله -: هذه الآية دليلٌ على فَضْل العِلْم وشرف العُلماء، فإنَّه لو كان أحدٌ أشرف منَ العلماء، لقرنهم الله باسمه، واسم ملائكته.
عبادَ الله:
لقد رفع الله - تعالى - شأْنَ العلم وأهله، فشرفهم وكرمهم، ورفع منزلتهم، فقال - سبحانه وتعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
قال ابن القَيِّم:
"قد أخبر سبحانه في كتابه بِرَفْع الدَّرجات في أربعة مواضع، ثم قال بعد أن عددها: فعادت رفعة الدَّرجات كلها إلى العلم والجهاد اللَّذَين بهما قِوامُ الدين"، وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طُرُق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنَّ العالِمَ ليستغفر له مَن في السَّموات ومَن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه، أخذ بحظٍّ وافر))؛ رواه أبو داود.
أيُّها المسلمون:
لقد تعارف النَّاس في هذه البلاد - بحمد الله - على توقير العُلماء والاعتراف بفضلهم ومنزلتهم، فسمعتهم الطيبة على الألسن مذكورة، وهيبتهم في صُدُور الناس محفوظة، ولكن مع مرور الأعوام وتتابع الليالي والأيام، سوَّل الشيطان لبعض أبناء المسلمين النَّيل من علماء الشَّريعة، وزعزعة مكانتهم ومنزلتهم لدى النَّاس، ثم تَجرَّؤوا على انتقاصهم، وتجريحهم بما لا يليقُ أن يوصفَ به عامَّةُ الناس فضلاً عن العلماء.
عباد الله:
إنَّ أولئك الناقمين والمستهزئين، الذين تتناوَشُ ألسنتُهم وأقلامُهم في الصُّحف والفضائيَّات أعراضَ العلماء، إنَّهم لا يستهدفون بذلك كله العلماءَ بذواتِهم فحسب، وإنَّما يغلفون وقيعتهم في الدِّين بالوقيعة في علمائه وحملته؛ لأنَّهم يعلمون أن الطعن في العلماء وتشويه سمعتهم بحقٍّ أو بغير حق، يُورث الشك والارتياب فيهم، وإذا تطرق الشكُّ إلى أهْل العلم، فُقِدَت الثقةُ في بيانهم لكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلم - وفقدت الثِّقة في أقوالهم وأرائهم في المسائل المعاصرة والنَّوازل الحاضرة، التي تجدُّ في أحوال المسلمين، وإذا نزعت الثِّقة من العلماء تسلَّط الجُهَّال، فأَفْتَوا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا.
أيها المسلمون:
إنَّ النيل منَ العلماء وإسقاط حقهم وكرامتهم، يُحَقِّقُ ما يسعى إليه أعداءُ المسلمين، وعلى رأسهم اليهودُ، الذين جعلوا طمس هُويَّة العلماء، ومسخ مكانتهم من أهمِّ أهدافهم، التي يَسْعَون إلى تحقيقها؛ إذ إنَّهم يعلمون أن في تشويه صورة العلماء سبيلاً لتحقيق مآربهم، والوصول إلى أهدافهم، وإذا استخفَّ الناسُ بعلمائهم، فحَدِّث عن الفوضى ولا حرج، وحدِّث عن فساد الأخلاق ولا حرج، وحدِّث عن نشوء المنكرات والمخالفات ولا حرج؛ جاء في (البروتوكول) السابع عشر من (البرتوكولات) المنسوبة إلى يهودٍ ما مفاده: "وقد عُنينا عنايةً عظيمة بالحطِّ من كرامة رجال الدين في أعْيُن الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم، التي كان يُمكن أن تكون عَقَبَةً كؤودًا في طريقنا، وإنَّ نفوذَ رجال الدِّين على الناس ليتضاءل يومًا بعد يوم".
أيُّها المسلمون:
إنَّ هذه الأفعال من مُنافقي هذا الزَّمان، هي سلسلة مُتصلة بأفعال المشركين والمنافقين في زمن النُّبوة، الذين تجنَّبوا الطعن في الإسلام أوَّلاً، ووجَّهوا سِهامَهم بادئ ذي بَدْءٍ إلى شخص رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليشوهوا صورته الشريفة في أذهان الناس، فلا يُقبل ما يقوله من الحقِّ، فلمَّا باؤوا بالخسران، اتَّجهوا بالطعن إلى أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - حملة سنته ورواة هديه، فقالوا عنهم: ما رأينا مِثْلَ قُرَّائِنَا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللِّقاء، ثم وصل الكيد والمكر إلى بعض أذنابهم، الذين جَبُنوا في زماننا هذا عن السُّخرية بالدِّين، فسخروا بعُلمائه، واستثقلوا التنقُّص من الدين فتنقَّصوا من دُعاته، وقد صَحَّ فيهم حديثُ الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث قال: ((إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكم بَعدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عليم اللِّسَان)).
عبادَ الله:
ما كُنَّا نظنُّ - والله - أنَّنا سنرى في هذه البلاد التي قامتْ على المنهج السَّلفي، واستمدتْ شرعيتها السياسيَّة والتاريخيَّة منه مِصداقَ ما أخبر به النبيُّ حين قال: ((سيأتي على الناسِ سنواتٌ خدَّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكذَّبُ فيها الصادقُ، ويُؤتمنُ فيها الخائنُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ))، قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: ((الرجلُ التافهُ يتكلمُ في أمرِ العامَّةِ))، وقد رأينا - للأسف - في هذا الزَّمان تخوينَ العُلماء الصَّادقين، وائتمانَ الخَوَنَة لدينِهم ووطنهم وولاة أمرهم، الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا طابورًا خامسًا، وأبواقًا مأجورةً لأعداء هذه البلاد ودينِها.
أيها المسلمون:
والله لا خيرَ في بلاد يُخوَّن ويُطعَن في كبار علمائها الصَّادقين، ويقودها أراذلُها المارقون، يا للعجب! أيستغفرُ مَن في الأرض حتَّى الحيتان في البحر للعلماء، ثُمَّ نبصرهم في بلاد المسلمين يُسَبون ويُسفَّهُونَ؟! أيرفع الله قَدْرَهم درجات، ثم نرى مَن يسعى إلى أن يُوضَعوا ويُؤخَّروا؟! أيُفني العلماء حياتهَم وشبابَهم من أجل العلم والتعليم والدِّفاع عن دينِنا وعقيدتِنا، حتَّى إذا شابتْ لحاهُم، وتقوَّستْ ظهورُهم، أسلمنَاهم لنابتةِ السوءِ ودعاةِ الضلالةِ، يُسفِّهونَهمْ ويحتقرونهم مِلْءَ أَبصارِنا وأسماعِنا، ونحنُ ساكتونَ؟! فإلى الله وحدَه المُشتكى، ولا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
إنَّ جهادَ أولئك الناقمين على الدِّين والمستهزئين بالعُلماء والمصلحين، لهو من أفضلِ الجهادِ؛ لأنه دفاعٌ عن حَوْزةِ العقيدةِ والدينِ، فمطالب هؤلاءِ لنْ تقفَ عندَ حدٍّ حتى ننسلخَ من ديننا، ونغوصَ فِي أوحالِ الفكر الغربِي العَفنِ، الذي يحلمونَ أن يَرَوْه سائدًا في بلادنَا، ولنعلم - عبادَ الله - أنَّ الجهادَ بالحجةِ والبيانِ هو جهادُ وَرَثةِ الأنبياءِ، وهو أعظمُ منفعة منَ الجهادِ باليدِ والسنانِ؛ لشدةِ مؤنتِهِ وكثرةِ العَدوِّ فيهِ معَ قلةِ النَّاصرِ؛ يقولُ العلامةُ ابنُ القيمِ - رحمه الله -: "ولهذا كان الجهادُ نوعينِ: "جهادٌ باليدِ والسنانِ، وهذا المشاركُ فيه كثيرٌ"، والثَّاني: "الجهادُ بالحجةِ والبيانِ، وهذا جهادُ الخاصَّةِ من أتباعِ الرُّسلِ، وهو جهادُ الأئمةِ، وهو أفضلُ الجهادَيْنِ"؛ لعِظَمِ منفعتِه، وشدةِ مؤنتِهِ، وكثرةِ أعدائِه؛ قالَ تعالى في سورةِ الفرقانِ - وهي مكيَّةٌ -: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 51 - 52]، فهذا جهادٌ لهم بالقرآنِ، وهو أكبرُ الجهادَيْنِ، وهو جهادُ المنافقينَ أيضًا؛ فإنَّ المنافقينَ لم يكونوا يقاتلونَ المسلمينَ، بل كانوا معهم في الظَّاهرِ، ورُبَّما كانوا يقاتلونَ عدوَّهم معهم، ومع هذا فقدْ قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التوبة: 73]، ومعلومٌ أنَّ جهادَ المنافقينَ بالحُجَّةِ والقرآنِ" ا. هـ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي سيد المرسلين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلَّى الله عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وعلى جميع أصحابه، ومَنِ اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
فيا عباد الله:
إنَّ الله - تعالى - فَرَضَ لأهل العِلم الراسخين والأئمة المرضيِّين حقوقًا واجبة، وفروضًا لازمة؛ من أهمِّها طاعتُهم فيما يأمرون منَ الدين، فإنَّ الله - تعالى - قد أمر بطاعتهم في محكم التنزيل؛ يقول - جلَّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]؛ قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "أولو الأمر صنفان: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صَلَحَ النَّاس، وإذا فسدوا فسد الناس" ا.هـ.
عباد الله:
إنَّ احترام أهل العلم وتوقيرهم وإجلالهم من إجلال الله - تعالى - وتوقيره؛ أخرج الإمام أحمد والحاكم، عن عبادة بن الصَّامت - رضي الله عنه - أن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس منَّا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويَرْحَمْ صغيرنا، ويَعْرِفْ لعالمنا حقَّه))؛ أخرجه أحمد وغيره، وحسَّن المنذريُّ إسنادَ أحمد، وقال الألبانـي: حسـن.
أيُّها المسلمون:
إنَّ أدنى الكمال الذي يَجبُ على الأُمَّة تقديمه لعلماء الشَّريعة الذبُّ عن أعراضهم، وعدم الطعن فيهم؛ لأن الطَّعن في العلماء العاملين والأئمة المهديِّين طعنٌ في شريعة الدِّين، وإيذاءٌ لأولياء الله الصَّالحين، ومَجلبةٌ لغضب الله ربِّ العالمين، الذي قال في الحديث القدسي: ((مَن عَادَى لي وَلِيًّا، فقد آذنته بالحرب))؛ رواه البخاري، وروى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله - أنَّهما قالا: "إنْ لم تكن الفقهاءُ أولياءَ الله، فليس لله ولي".
أيها المسلمون:
مع كُلِّ الفضل الذي أهلُ العلم به جديرون، وبتسطيره حقيقون، مع ذلك كلِّه، فإنَّهم غير معصومين، تبدو منهم الزَّلَّة، وتقع منهم العَثْرة، فالعصمة غير مضمونة لأيِّ عالِم، ولو جمع شروطَ الاجتهاد كلها، ومقاييس الصلاح جميعها، لكن المضمون لهم - إن شاء الله - الأجر على اجتهادهم أصابوا أو أخطؤوا، بشرط حُسْنِ النيَّة، ومعرفة المسألة المُجْتَهَد فيها، وبذل الجُهْد؛ قال ابن القيم - رحمه الله -: "مَن له عِلْمٌ بالشَّرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل، الذي له في الإسلام قدمٌ صالحة، وآثار حسنة وهو منَ الإسلام بمكان، قد تكون منه الهفْوة والزَّلة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهادِه، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدَر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين. ا.هـ .
[size=21]الشيخ أحمد الفقيهي
مـــ مآجده ـلآك الروح[/size]
عباد الله:
ما أن يتوقف أعداء الإسلام عن حرْبهم ومواجهتهم للمسلمين بالقنابل والصَّواريخ والطائرات، حتى تبدأ معاناتنا مع حرب أخرى، هي أشد وطأً وألَمًا من الحرب الأولى، فيا ترى ما معالِم هذه الحرب الحديثة؟ وما أهدافها؟ ومَن يقف وراءها؟
أيُّها المسلمون:
إن استهدافَ ثوابت الدِّين، والسخرية والاستهزاء بالإسلام والمسلمين، وانتقاص حَمَلَة الدين من العلماء والمصلحين، هي الحربُ الجديدة، التي تطلُّ علينا بين الفينة والأخرى، عبر الكتب والرِّوايات، أو عبر الجرائد والمجلات وشاشات الفضائيَّات.
عباد الله:
لقد بدأتِ المرحلةُ الأولى من هذه الحرب من قِبَل عدوِّنا الظاهر من اليهود والنَّصارى وغيرهم؛ حيثُ انتقصوا كتابَ ربِّنا، ورموا به في المراحيض، وتحت الأرجل، وسخروا من نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلم - وشوَّهوا صورته عبر الصُّوَر والرُّسومات، ثم بدأت المرحلة الثانية من هذه الحرب بالسُّخرية والاستهزاء بِحَمَلَةِ الوَحْيَيْنِ، وورثة الأنبياء والمرسلين، من قبل عدوٍّ لنا غير ظاهر يَتَزَيَّا وللأسف بزيِّنا، ويتكلم بلغتنا، ويعيش بين أظهرنا؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
أيُّها المسلمون:
إنَّ علماء الأمة هم ورثة الأنبياء، وقُرَّة عين الأولياء، رفعهم الله بالعلم، وزينهم بالحِلْم، بهم يُعرف الحلالُ من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، هم أركان الشَّريعة وحُماة العقيدة، ينفون عن دين الله تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الضَّالين، فكم من طالبِ علمٍ علموه، وتائهٍ عن صراط الرُّشد أرشدوه، وحائرٍ عن سبيل الله بصَّروه ودلّوه، يكفيهم شرفًا وفضلاً اقترانُهم باسم المولى - سبحانه - واسم ملائكته في قوله: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
قال القرطبي - رحمه الله -: هذه الآية دليلٌ على فَضْل العِلْم وشرف العُلماء، فإنَّه لو كان أحدٌ أشرف منَ العلماء، لقرنهم الله باسمه، واسم ملائكته.
عبادَ الله:
لقد رفع الله - تعالى - شأْنَ العلم وأهله، فشرفهم وكرمهم، ورفع منزلتهم، فقال - سبحانه وتعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
قال ابن القَيِّم:
"قد أخبر سبحانه في كتابه بِرَفْع الدَّرجات في أربعة مواضع، ثم قال بعد أن عددها: فعادت رفعة الدَّرجات كلها إلى العلم والجهاد اللَّذَين بهما قِوامُ الدين"، وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طُرُق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنَّ العالِمَ ليستغفر له مَن في السَّموات ومَن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه، أخذ بحظٍّ وافر))؛ رواه أبو داود.
مَا الْفَخْرُ إِلاَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
أيُّها المسلمون:
لقد تعارف النَّاس في هذه البلاد - بحمد الله - على توقير العُلماء والاعتراف بفضلهم ومنزلتهم، فسمعتهم الطيبة على الألسن مذكورة، وهيبتهم في صُدُور الناس محفوظة، ولكن مع مرور الأعوام وتتابع الليالي والأيام، سوَّل الشيطان لبعض أبناء المسلمين النَّيل من علماء الشَّريعة، وزعزعة مكانتهم ومنزلتهم لدى النَّاس، ثم تَجرَّؤوا على انتقاصهم، وتجريحهم بما لا يليقُ أن يوصفَ به عامَّةُ الناس فضلاً عن العلماء.
عباد الله:
إنَّ أولئك الناقمين والمستهزئين، الذين تتناوَشُ ألسنتُهم وأقلامُهم في الصُّحف والفضائيَّات أعراضَ العلماء، إنَّهم لا يستهدفون بذلك كله العلماءَ بذواتِهم فحسب، وإنَّما يغلفون وقيعتهم في الدِّين بالوقيعة في علمائه وحملته؛ لأنَّهم يعلمون أن الطعن في العلماء وتشويه سمعتهم بحقٍّ أو بغير حق، يُورث الشك والارتياب فيهم، وإذا تطرق الشكُّ إلى أهْل العلم، فُقِدَت الثقةُ في بيانهم لكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلم - وفقدت الثِّقة في أقوالهم وأرائهم في المسائل المعاصرة والنَّوازل الحاضرة، التي تجدُّ في أحوال المسلمين، وإذا نزعت الثِّقة من العلماء تسلَّط الجُهَّال، فأَفْتَوا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا.
أيها المسلمون:
إنَّ النيل منَ العلماء وإسقاط حقهم وكرامتهم، يُحَقِّقُ ما يسعى إليه أعداءُ المسلمين، وعلى رأسهم اليهودُ، الذين جعلوا طمس هُويَّة العلماء، ومسخ مكانتهم من أهمِّ أهدافهم، التي يَسْعَون إلى تحقيقها؛ إذ إنَّهم يعلمون أن في تشويه صورة العلماء سبيلاً لتحقيق مآربهم، والوصول إلى أهدافهم، وإذا استخفَّ الناسُ بعلمائهم، فحَدِّث عن الفوضى ولا حرج، وحدِّث عن فساد الأخلاق ولا حرج، وحدِّث عن نشوء المنكرات والمخالفات ولا حرج؛ جاء في (البروتوكول) السابع عشر من (البرتوكولات) المنسوبة إلى يهودٍ ما مفاده: "وقد عُنينا عنايةً عظيمة بالحطِّ من كرامة رجال الدين في أعْيُن الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم، التي كان يُمكن أن تكون عَقَبَةً كؤودًا في طريقنا، وإنَّ نفوذَ رجال الدِّين على الناس ليتضاءل يومًا بعد يوم".
أيُّها المسلمون:
إنَّ هذه الأفعال من مُنافقي هذا الزَّمان، هي سلسلة مُتصلة بأفعال المشركين والمنافقين في زمن النُّبوة، الذين تجنَّبوا الطعن في الإسلام أوَّلاً، ووجَّهوا سِهامَهم بادئ ذي بَدْءٍ إلى شخص رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليشوهوا صورته الشريفة في أذهان الناس، فلا يُقبل ما يقوله من الحقِّ، فلمَّا باؤوا بالخسران، اتَّجهوا بالطعن إلى أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - حملة سنته ورواة هديه، فقالوا عنهم: ما رأينا مِثْلَ قُرَّائِنَا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللِّقاء، ثم وصل الكيد والمكر إلى بعض أذنابهم، الذين جَبُنوا في زماننا هذا عن السُّخرية بالدِّين، فسخروا بعُلمائه، واستثقلوا التنقُّص من الدين فتنقَّصوا من دُعاته، وقد صَحَّ فيهم حديثُ الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث قال: ((إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكم بَعدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عليم اللِّسَان)).
عبادَ الله:
ما كُنَّا نظنُّ - والله - أنَّنا سنرى في هذه البلاد التي قامتْ على المنهج السَّلفي، واستمدتْ شرعيتها السياسيَّة والتاريخيَّة منه مِصداقَ ما أخبر به النبيُّ حين قال: ((سيأتي على الناسِ سنواتٌ خدَّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكذَّبُ فيها الصادقُ، ويُؤتمنُ فيها الخائنُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ))، قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: ((الرجلُ التافهُ يتكلمُ في أمرِ العامَّةِ))، وقد رأينا - للأسف - في هذا الزَّمان تخوينَ العُلماء الصَّادقين، وائتمانَ الخَوَنَة لدينِهم ووطنهم وولاة أمرهم، الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا طابورًا خامسًا، وأبواقًا مأجورةً لأعداء هذه البلاد ودينِها.
أيها المسلمون:
والله لا خيرَ في بلاد يُخوَّن ويُطعَن في كبار علمائها الصَّادقين، ويقودها أراذلُها المارقون، يا للعجب! أيستغفرُ مَن في الأرض حتَّى الحيتان في البحر للعلماء، ثُمَّ نبصرهم في بلاد المسلمين يُسَبون ويُسفَّهُونَ؟! أيرفع الله قَدْرَهم درجات، ثم نرى مَن يسعى إلى أن يُوضَعوا ويُؤخَّروا؟! أيُفني العلماء حياتهَم وشبابَهم من أجل العلم والتعليم والدِّفاع عن دينِنا وعقيدتِنا، حتَّى إذا شابتْ لحاهُم، وتقوَّستْ ظهورُهم، أسلمنَاهم لنابتةِ السوءِ ودعاةِ الضلالةِ، يُسفِّهونَهمْ ويحتقرونهم مِلْءَ أَبصارِنا وأسماعِنا، ونحنُ ساكتونَ؟! فإلى الله وحدَه المُشتكى، ولا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
وَلاَ خَيْرَ فِي قَوْمٍ يَذِلُّ كِرَامُهُمْ وَيَعْظُمُ فِيهِمْ نَذْلُهُمْ وَيَسُودُ
عبادَ الله:إنَّ جهادَ أولئك الناقمين على الدِّين والمستهزئين بالعُلماء والمصلحين، لهو من أفضلِ الجهادِ؛ لأنه دفاعٌ عن حَوْزةِ العقيدةِ والدينِ، فمطالب هؤلاءِ لنْ تقفَ عندَ حدٍّ حتى ننسلخَ من ديننا، ونغوصَ فِي أوحالِ الفكر الغربِي العَفنِ، الذي يحلمونَ أن يَرَوْه سائدًا في بلادنَا، ولنعلم - عبادَ الله - أنَّ الجهادَ بالحجةِ والبيانِ هو جهادُ وَرَثةِ الأنبياءِ، وهو أعظمُ منفعة منَ الجهادِ باليدِ والسنانِ؛ لشدةِ مؤنتِهِ وكثرةِ العَدوِّ فيهِ معَ قلةِ النَّاصرِ؛ يقولُ العلامةُ ابنُ القيمِ - رحمه الله -: "ولهذا كان الجهادُ نوعينِ: "جهادٌ باليدِ والسنانِ، وهذا المشاركُ فيه كثيرٌ"، والثَّاني: "الجهادُ بالحجةِ والبيانِ، وهذا جهادُ الخاصَّةِ من أتباعِ الرُّسلِ، وهو جهادُ الأئمةِ، وهو أفضلُ الجهادَيْنِ"؛ لعِظَمِ منفعتِه، وشدةِ مؤنتِهِ، وكثرةِ أعدائِه؛ قالَ تعالى في سورةِ الفرقانِ - وهي مكيَّةٌ -: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 51 - 52]، فهذا جهادٌ لهم بالقرآنِ، وهو أكبرُ الجهادَيْنِ، وهو جهادُ المنافقينَ أيضًا؛ فإنَّ المنافقينَ لم يكونوا يقاتلونَ المسلمينَ، بل كانوا معهم في الظَّاهرِ، ورُبَّما كانوا يقاتلونَ عدوَّهم معهم، ومع هذا فقدْ قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [التوبة: 73]، ومعلومٌ أنَّ جهادَ المنافقينَ بالحُجَّةِ والقرآنِ" ا. هـ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي سيد المرسلين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلَّى الله عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وعلى جميع أصحابه، ومَنِ اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
فيا عباد الله:
إنَّ الله - تعالى - فَرَضَ لأهل العِلم الراسخين والأئمة المرضيِّين حقوقًا واجبة، وفروضًا لازمة؛ من أهمِّها طاعتُهم فيما يأمرون منَ الدين، فإنَّ الله - تعالى - قد أمر بطاعتهم في محكم التنزيل؛ يقول - جلَّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]؛ قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "أولو الأمر صنفان: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صَلَحَ النَّاس، وإذا فسدوا فسد الناس" ا.هـ.
عباد الله:
إنَّ احترام أهل العلم وتوقيرهم وإجلالهم من إجلال الله - تعالى - وتوقيره؛ أخرج الإمام أحمد والحاكم، عن عبادة بن الصَّامت - رضي الله عنه - أن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ليس منَّا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويَرْحَمْ صغيرنا، ويَعْرِفْ لعالمنا حقَّه))؛ أخرجه أحمد وغيره، وحسَّن المنذريُّ إسنادَ أحمد، وقال الألبانـي: حسـن.
أيُّها المسلمون:
إنَّ أدنى الكمال الذي يَجبُ على الأُمَّة تقديمه لعلماء الشَّريعة الذبُّ عن أعراضهم، وعدم الطعن فيهم؛ لأن الطَّعن في العلماء العاملين والأئمة المهديِّين طعنٌ في شريعة الدِّين، وإيذاءٌ لأولياء الله الصَّالحين، ومَجلبةٌ لغضب الله ربِّ العالمين، الذي قال في الحديث القدسي: ((مَن عَادَى لي وَلِيًّا، فقد آذنته بالحرب))؛ رواه البخاري، وروى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله - أنَّهما قالا: "إنْ لم تكن الفقهاءُ أولياءَ الله، فليس لله ولي".
أيها المسلمون:
مع كُلِّ الفضل الذي أهلُ العلم به جديرون، وبتسطيره حقيقون، مع ذلك كلِّه، فإنَّهم غير معصومين، تبدو منهم الزَّلَّة، وتقع منهم العَثْرة، فالعصمة غير مضمونة لأيِّ عالِم، ولو جمع شروطَ الاجتهاد كلها، ومقاييس الصلاح جميعها، لكن المضمون لهم - إن شاء الله - الأجر على اجتهادهم أصابوا أو أخطؤوا، بشرط حُسْنِ النيَّة، ومعرفة المسألة المُجْتَهَد فيها، وبذل الجُهْد؛ قال ابن القيم - رحمه الله -: "مَن له عِلْمٌ بالشَّرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل، الذي له في الإسلام قدمٌ صالحة، وآثار حسنة وهو منَ الإسلام بمكان، قد تكون منه الهفْوة والزَّلة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهادِه، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدَر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين. ا.هـ .
[size=21]الشيخ أحمد الفقيهي
مـــ مآجده ـلآك الروح[/size]