زبيد: إحدى المدن اليمنية العظيمة بسهل تهامة، تقع في الجنوب الغربي لمدينة الحديدة، وتبعُد عنها بحوالي مائة كيلو متر، وهي مدينة دائرية الشكل، تتوسط وادي زبيد، لها أربعة أبواب؛ هي: باب الشباريق من جهة الشرق، نسبة إلى قرية الشباريق الواقعة إلى الشرق منها، ثم باب سهام الواقع إلى جهة القبلة، نسبة إلى وادي سهام الواقع شمال زبيد، ثم باب النخل المعروف بباب غليفقة سابقًا، نسبة إلى نخل وادي زبيد، وميناء غليفقة ميناء زبيد القديم، وإلى الجنوب منها وجد الباب الرابع المعروف بباب القرتب، نسبة إلى قرية القرتب الواقعة جنوب وادي زبيد، وتعداد سكانها حوالي خمسة وعشرين ألف نسمة، كانت تسمَّى بمدينة الحُصيب، نسبة إلى الحُصيب بن عبدشمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان[1]، حاضرة قبيلة الأشاعر.
أسلم أهلها في السنة الثامنة للهجرة، وأصبحتْ ولاية إسلامية من ذلك الحين، كان أوَّلَ والٍ لها أبو موسى الأشعري، الذي أعلن إسلامَه قبل ذلك التاريخ، وهي أحد مخاليف اليمن، دعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ثلاث مرات عند استقباله لوفد الأشاعر، كما دعا لوادي رمع مرة واحدة.
بُني بها أول مسجد سنة (8هـ) في منطقة الوسط منها، وهو مسجد (الأشاعر)، بُني وسطَها سوقُها الكبير، وإلى الغرب من مبانيها السكنية يوجد الجامع الكبير، الذي أُسِّس في عهد بني زياد.
بلغ عدد مساجدها ومدارسها حوالي مائتين وثلاثةٍ وثلاثين في القرن الثامن الهجري[2]، ويبلغ الآن تعدادُ مساجدها ومدارسها الإسلامية حوالي ستة وثمانين مسجدًا ومدرسة إسلامية، وبها ثلاثة أربطة لطلاب العلم؛ هي: رباط البطاح، ورباط السيد يحيى بن عمر الأهدل، ورباط علي يوسف الهندي.
كان لها سور دائري، تتخلَّله الكثير من الحصون، لم يتبقَّ منها سوى حصن نوبة الكتف، الواقع إلى الشمال الشرقي من باب الشباريق، ونوبة الجربة الواقعة إلى الشمال الغربي من باب النخل، ونوبة الصديقية الواقعة إلى الشمال الشرقي من باب القرتب، وهي ذات ماضٍ تاريخي وسياسي عريق، ومن أهم معالمها التاريخية والأثرية: قلعة زبيد (دار الإمارة سابقًا)، وما تبقى من حصونها وأبوابها الأربعة، ومساجدها ومدارسها، ذات الطراز المعماري الفريد، تمتاز منازلُها بالاتِّساع، وجمالِ التخطيط، والزخرفةِ المستوحاة من الطبيعة.
يمر الوادي من جنوبها، كانت تحيط بها حُلَّة خضراء سندسية من أشجار النخيل ومختلف الفواكه، وهي قصبة تهامة، ومدينة العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، بلغتْ ذروة المجد علمًا وأدبًا وثقافة، فعُرفت بالمدينة الثقافية[3]، وضعت في لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 1992م.
تقسم زبيد إلى أربعة أرباع؛ وهي: الربع الأعلى، وربع الجامع، وربع الجزء، وربع المجنبذ، وبها اليوم مدرستان ثانويتان للذكور، ومدرسة ثانوية للإناث، ومعهد ديني، وقسم داخلي للذكور، والكثير من المدارس الأساسية، وكلية التربية، ويُقبِل جميع أبنائها على التعليم ذكورًا وإناثًا، وما زال يفد إليها طلابُ العلم، فينهلون العلوم الشرعية واللغوية ممن تبقى من علمائها، ويجمع بعضهم بين دراسة العلوم الشرعية والأدبية والعلوم الحديثة، وبها الاكتفاء الذاتي من المعلمين والمعلمات في مختلف المراحل التعليمية، ومن أبنائها تجد الأطباءَ، والمهندسين، والزراعيين، والحرفيين... إلخ.
تتوفر في زبيد الكثيرُ من المقومات السياحية السابق ذِكرُها، ولا ينقصها سوى الكيفية التي يمكن أن يوظِّف فيها المستثمر رأسَ ماله؛ ليقوم باستغلاله وتنميته في مشروعات خدمية، تعود عليه بالفائدة الوفيرة، وترحِّب زبيد بمختلف المستثمرين في مختلف المجالات.
وبعد هذه العجالة، يسعدني أن أقدِّم إليكم هذه الدراسةَ التاريخية والأثرية عن أهم المباني الحربية والعسكرية، ألا وهي دار الإمارة (قلعة زبيد التاريخية).
وقد مثلت دار الإمارة بزبيد مدينة ملكية؛ إذ اتخذت مقرًّا للحكم والإدارة، فأُدخلت إليها المياه الكافية لحاجتها، عن طريق السراديب الأرضية التي مدَّتْ إلى داخل المدينة وضواحيها، من الأعين الواقعة في رأس الوادي في زبيد، كما مدت إليها المياه من البئر اليمانية التابعة للمدرسة الأشرفية (الكمالية)، بالإضافة إلى بئرين آخرين؛ الأولى في الجانب الشمالي منها أمام السجن، والثانية في الجانب اليماني الغربي، وقد جُرَّت المياه إلى دار الإمارة بطُرُق فنية راقية؛ إذ تم الكشف عن ذلك في أثناء أعمال التنقيب، التي قامتْ بها البعثة الأثرية الكندية في الأعوام الماضية، ولقد انفصل وضع دار الإمارة عن (مسجد الأشاعر) وعن الجامع الكبير في وصول المياه إليها.
وأحيطت دار الإمارة بخندق من الشرق، وارتبط مبناها بسور المدينة، ووجدت بها أسوار عالية، وتحصينات دفاعية، على امتداد أسوارها الشرقية وتحصيناتها، وكذلك الشمالية الغربية واليمانية، وأحيطت برحاب واسعة، وامتدَّت من خلال موقعها شوارعُ رئيسةٌ إلى جميع أبواب زبيد الأربعة، ومسجد الأشاعر، والجامع الكبير، ومن ميدانه الكبير يمتد شارع إلى الشمال الشرقي باتِّجاه باب الشباريق، الباب الشرقي للمدينة، ومنها أيضًا يمتد شارع إلى الشمال حتى باب سهام، دون أن يكون هنالك أيُّ تعرُّج، وشارع فرعي آخر يتجه إلى الشمال حتى مسجد الأشاعر وسوق زبيد الكبير، وشارع آخر من الغرب يمتد إلى باب القرتب، وهنالك ثلاثة شوارع فرعية، تمتد إلى الغرب والشمال الغربي والجنوب الغربي للمدينة، وشارع فرعي في الجنوب الشرقي منها، يؤدي إلى باب القرتب عبر سور المدينة، وكلها تصب في قلعة زبيد أو دار الإمارة، التي هي نقطة إشعاع كبرى، تنطلق منها مختلف المجاميع البشرية؛ لتهفو إليها مرة أخرى.
ويُذكر أن تأسيسها كان في عهد بني زياد[7]، وأعتقد أن ما حدث في عهدهم هو إعادة تنظيمها وبنائها بالآجُرِّ؛ إذ وُجدت بها القصورُ والثكنات العسكرية، ومختلف النقاط الخاصة بمراكز الحراسة، وأن تسميتها استمرَّت بهذا الاسم حتى النصف الثاني من القرن العاشر الهجري[8]، وتعاقَبَ عليها ملوك بني نجاح من سنة 412هـ حتى سنة 465هـ، واحتلها الصليحيون سنة 473هـ إبان تغلبهم على ملوك بني نجاح[9]، واستعادها النجاحيون سنة 483هـ، حتى نهاية دولتهم سنة 554هـ، وكانت دارًا للإمارة في عهد بني مهدي عام 555هـ، بنَوا في جانبها الشرقي جامعَ المشهد سنة 560هـ، واستمروا إلى سنة 569هـ، وكانت دارًا للسلطنة في بداية عهد الدولة الأيوبية، وبنَى المعزُّ بن طغتكين الأيوبي في جانبها الشمالي الشرقي المدرسةَ المعزية سنة 594هـ، واستمروا حتى سنة 626هـ؛ إذ كانت زبيد عاصمة شتوية لهم، والتي كانت عاصمتها الصيفية مدينة تعز، واتخذت مقرًّا لولاة الدولة الرسولية من سنة 630هـ، وهُدمتْ في عهدهم كلُّ الدور القديمة التي تعود للعهد الزيادي، وبُني بها الكثير من الدور والقصور؛ منها: دار النصر، ودار التشفيع، ودار الذهب، والدار الكبيرة الناصرية التي كانت على هيئة سفينة بحرية، واستمرَّت حتى 858هـ، وبعدها صارت مقرًّا للسلاطين وملوك الدولة الطاهرية من 858هـ، وأبدعوا في ترميمها، وأنفقوا في ذلك الكثيرَ من الأموال، وابتداءً من سنة 923هـ أصبحت مقرًّا للأمراء الجراكسة، ثم لأمراء وولاة الأتراك حتى 1250هـ[10]، وقد صغر حجم دار الإمارة في عهدهم، ورُدمت الدور الأولى من حصونه، لتوضع مكانها - أو على الأصح بداخلها - الأتربة، وفي أعلاها وضعت المدافع التركية[11]، كما تغيَّر اسمها من دار الإمارة، إلى اسم قلعة زبيد، فغلب عليها هذا الاسمُ، الذي استمرت عليه إلى يومنا هذا.
وفي العهد الإمامي صارت قلعة زبيد مقرًّا لوالي الإمام، الذي عُرف باسم (العامل)، وهُدمت في العهد الإمامي دارُ الناصري الكبيرة، وبُني مكانها دارُ الحكومة الحالية، وعليها من جهة الغرب دار الضيافة، وذلك في عام 1342هـ، وفي عهد الثورة والجمهورية أيضًا كانت دار الحكومة وبقية قلعة زبيد، مقرًّا للعامل وحاكم الشريعة؛ حيث كانت - وما زالت - دار الزكاة (مكتب الواجبات)، وبها مكتب الآثار، ومتحف قلعة زبيد، ومقر البعثة الأثرية الكندية من 1406هـ الموافق 1985م، حتى يومنا هذا.
وقد مرَّت قلعة زبيد أو دار الإمارة، بالكثير من التطورات المعمارية، سواء من ناحية البناء والتشييد، أو من حيث إجراء التحصينات اللازمة لها، وبالرغم من أننا لم نجد أيَّ شواهدَ أثريةٍ عن الإنشاءات المعمارية التي تمَّت بها منذ القرن الأول الهجري حتى القرن الثالث الهجري؛ إلا أنه في العهد الأيوبي هُدم جامع ابن مهدي، المعروف بالمشهد[12]؛ إذ اعتُبر من جوامع الضرار، واتخذ مقره إصطبلاً للخيول، وسمي الجانب الشرقي من موقعه باسم (المناخ)؛ أي: المكان الذي كانت تنيخ فيه الجمال السلطانية، كما عُرف باسم معقاب عاتكة، وكان هدمُه انتصارًا لجامع زبيد الكبير، الذي عطِّلت الصلاة فيه في عهد بني المهدي، وأعيدت به في القرن السادس الهجري.
والملاحظة أن مختلف التطورات المعمارية كانت في عهد الدولة الرسولية[13]، وتخلَّل سورَها وحصونها الكثيرُ من الفتحات والمزاغل[14] الدفاعية؛ لحمايتها من أي هجوم خارجي، ففي الضلع الشرقي سورٌ تتخلله ثلاثة حصون، وكذلك في الضلع الشمالي واليماني، كما وجدت الكثير من الثكنات العسكرية، وفي العهد التركي تغيَّرت حصونها وأبراجها، شأنها في ذلك شأن سور زبيد وأبراجه، وتغيرت الفتحات والمزاغل بتغيُّر الأسلحة، فنصبوا المدافع على حصونها، وعملت الفتحات والمزاغل مناسبة لدخول فوهة ماسورة البندقية؛ لتحريكها بسهولة ويسر، وحُفِر في فنائها الكثيرُ من مواقف القلال[15]، وحوِّلت بعض ثكناتها إلى مخازنَ للغلال، وذلك في جزء من الجناح الشمالي، والجناح الغربي، والجنوبي الغربي، وتعرَّضت لضربات كثيرة في عهد تركي بيلماز، في أثناء صراعه مع عبدالله دريب[16].
ولنَعُد إلى مكونات قلعة زبيد حاليًّا، إذ ذَكرت المصادر التاريخية وجودَ أربعة أبواب لها: اثنان في الجناح الشمالي، وباب ثالث في الضلع الشرقي، وباب رابع في الضلع اليماني، ولم يتبقَّ اليوم إلا المدخلُ الرئيس، وهو غرة مبنى القلعة وواجهتها، ويتكون من البوابة الشمالية، التي تقع وسط الضلع القبلي، وهو مبنى ضخم، عرض مدخله 50.3 مترًا، وارتفاعه كذلك، وله بابان خشبيان، معمولان من خشب الطنب المصفح بالحديد، يعلوه عقد نصف دائري، يمتد من أرضية عتبته بارتفاع قامة رجل، ويغطي واجهةَ العقد بناءٌ محزم بالآجر؛ ليتيح الفرصة للمدافعين للقيام بالدفاع عن البوابة بسهولة ويسر، أما عتبة البوابة، ففيها فتحات مربعة، تساعد على إلقاء حمم النيران الملتهبة على الداخلين إليها، إذا ما تسنى لهم ذلك، ويتقدم البوابةَ حصنانِ دفاعيان، يتكون كلٌّ منهما من دورين دفاعيين، وفي كل دور الكثير من الفتحات التي تساعد الجندَ على رمي سهامهم على العدو، أو ضربه بطلقات البندقية إذا ما حاول التقدم إلى البوابة، ويعلو كلَّ برجٍ جدارٌ دائري بارتفاع قامة رجل، يسمح له بالدفاع عن المدخل من خلال الشرفات التي تم عملها، ويؤدِّي إلى البرج الأول - وهو الشرقي - طريقٌ يقع مدخلُه في الضلع الشرقي من المدخل الرئيس (البوابة)، ومنه مدخل بعقد يؤدي بدرج إلى الدور الثاني، الذي يضم مجموعة من غرف الحراسة الخاصة بإقامة حاميتها؛ إلا أنها قد سُدَّت ومُلئت أرضيتُها بالأتربة في العهد التركي، وأصبحت هذه الأتربة الآن تشكل خطرًا على هذه الأبراج؛ بسبب الملوحة، وعدم التهوية التي يجب أن يتعرَّض لها مثل هذا المبنى؛ فهي بحاجة إلى المسارعة في إخراجها.
أما البرج الغربي، فيتكون من دورين - كما أشرنا - يؤدي إلى الدور الأول منه ممرٌّ من غرفة الحراسة، وقد سُدَّ واستعيض عنه بمدخل آخرَ يؤدي إلى الدور الثاني، وهو يقع في الجانب اليماني الغربي من غرفة الحراسة، واستعيض عنه بمدخل آخر من مبنى الحكومة الحالي، حيث ضُمَّ إليها، ويمكن فتح المدخل المسدود واستخدامه متى دعَتِ الضرورة إليه، ويعلوه جدار مرتفع بقامة رجل، تؤطره الكثير من الشرفات التي يحتمي الجند خلفها؛ للقيام بواجب الدفاع عن المدخل الرئيس متى ما دعت الحاجة إلى ذلك.
أما المدخل الصغير من مبنى الحكومة (دار المديرية)، فيقع غرب البرج أو الحصن الشمالي، وهو خاص بعائلة أمير المدينة أو العامل، أو كما يسمى الآن مدير المديرية، وهو يؤدي إلى ساحة شمالية شرقية من المبنى، كما يؤدي إلى البرج الشمالي الغربي، ومن ثم إلى الدور الثاني، ويستخدم حتى الآن.
ويوجد مدخل آخر يقع ما بين مبنى الحكومة ودار الضيافة، تمَّ فتحُه في بداية الثورة وبعد قيامها؛ وذلك لغرض تخفيف الضغط على المدخل الواقع إلى الشرق من المدخل الصغير، إلا أن وضعه كان خطأ؛ لذلك أُغلق بعد تجارِبَ كثيرةٍ، اتَّضح منها خطأ وجوده.
أما المدخل الجنوبي الشرقي، المعروف بباب النصر، نسبة إلى دار النصر الذي كان يعلوه، وكل منهما يعلوه عقدٌ على هيئة حذوة الفرس، يؤديان إلى غرفة الحراسة، التي كان لها باب ضخم من خشب الطنب مصفح بالحديد، تم نقله إلى داخل متحف قلعة زبيد، وهو من المداخل الخاصة بحراسة القلعة من ناحية، وبالأدوات العسكرية إذا ما احتيج إلى إدخالها بصورة سرِّية، وكذلك خروجها؛ لتأديب الخارجين عن طاعة السلطان أو الوالي، وإذا ما تمت الثورة على السلطان أو الوالي، فيتم خروجه من هذا المدخل؛ ليستنجد بالقبائل المحيطة بالمدينة، حتى يتم استعادة الأمن والطمأنينة، أو ليفر إلى غير رجعة، بدليل أنه لم يتم وضع أبواب له ألبتة؛ بمعنى: أنه يتم فتحه وسده في وقت واحد عند الحاجة، ويعلو هذا المدخلَ الكثيرُ من الفتحات والمزاغل الدفاعية، وكذلك السقاطات؛ لرمي الحمم والقذائف الملتهبة، وهو معمول بطريقة حربية بحتة، كما تلعوه غرفة مستطيلة الشكل، ترتكز في ضلعها الشرقي تلك المزاغلُ والسقاطات السابق ذكرها، ويعلو السقفَ الثاني سورٌ مستطيل الشكل، به الكثير من الفتحات والمزاغل؛ لحماية باب النصر المشار إليه، وقد تمَّ ترميمُه من قِبل البعثة الأثرية الكندية، وترميم المبنى الذي يعلوه؛ ليكون جزءًا من سكن البعثة الكندية ومقرها، وهو الجزء الجنوبي من قلعة زبيد، سنة 1407هـ الموافق 1985م، وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف[17].
ونخلص مما سبق إلى أن القلعة اليوم تتكوَّن من الجناح الشرقي، وبه ثلاثة حصون، وإصطبل للخيول، ومخزن للأعلاف، وإلى أن ارتفاع جدران سوره ما بين ثمانية أمتار، وسمكه حوالي 50 سم، وتمت صيانته وترميمه من الداخل والخارج.
أما الجناح الشمالي، فيتكون من أربع مجموعات معمارية في مدرسة الميلين (الإسكندرية) كما تسمى اليوم، ثم السجن الكبير، وثلاثة حصون شمالية ترتبط به، ثم البوابة الرئيسة المشار إليها سابقًا، ومبنى الحكومة، ودار الضيافة سابقًا، وهو الآن مقر مؤقت للمحكمة الجزائية الابتدائية بزبيد والنيابة العامة.
أما الجناح الغربي، فيتكون من ثلاث ثكنات خاصة بالجند كلها تفتح في ضلعها الشرقي بأبواب ونوافذ، كلها الآن بحالة سيئة؛ سقطت معظم أسقفها، ورمم سقف الثكنة الجنوبية الغربية منها على نفقة الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف، ويلاصق تلك الثكناتِ الثلاثَ سورٌ غربي، يرتفع حوالي 21 مترًا، تمَّت إعادة بنائه بعد سقوطه في سنة 1991م، وإلى تلك الثكنات من الجهة اليمانية يوجد الحصن الجنوبي الغربي، الذي يتكون من دورين، سقط فحله الداعم[18]، فأعيد بناؤه على نفقة الهيئة العامة للآثار سنة 1993م.
أما الجناح اليماني، فيتكوَّن من الثكنة الجنوبية الغربية، ومخزن الغلال الذي يتكون من خمس قاعات مستطيلة، وعُرف باسم الأنبار، وهو اليوم متحف زبيد، وتعلوه غرفة حراسة صغيرة، ثم الدباية[19] الخاصة بالسلاح، والتي بُنيت على أنقاض مبانٍ سابقة في العهد التركي، وتتكون من مبنى شمالي، سقفه الأول جملوني، وهو الغربي، ويلاصقه من الشرق غرفة يُفتح في ضلعها الشرقي بابٌ يؤدِّي إلى الغرفة المستطيلة ذات السقف الجملوني، ويقابلها غرفة أخرى من جهة الجنوب، سقفها أيضًا جملوني، كان بها الكثير من قذائف المدفعية، التي تعود إلى العهد التركي، وذخيرتها حية، تم التخلص منها، وترميم مختلف مبانيها، على نفقة البعثة الكندية في الثمانينيات حوالي سنة 1987م.
يتبع
أسلم أهلها في السنة الثامنة للهجرة، وأصبحتْ ولاية إسلامية من ذلك الحين، كان أوَّلَ والٍ لها أبو موسى الأشعري، الذي أعلن إسلامَه قبل ذلك التاريخ، وهي أحد مخاليف اليمن، دعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ثلاث مرات عند استقباله لوفد الأشاعر، كما دعا لوادي رمع مرة واحدة.
بُني بها أول مسجد سنة (8هـ) في منطقة الوسط منها، وهو مسجد (الأشاعر)، بُني وسطَها سوقُها الكبير، وإلى الغرب من مبانيها السكنية يوجد الجامع الكبير، الذي أُسِّس في عهد بني زياد.
بلغ عدد مساجدها ومدارسها حوالي مائتين وثلاثةٍ وثلاثين في القرن الثامن الهجري[2]، ويبلغ الآن تعدادُ مساجدها ومدارسها الإسلامية حوالي ستة وثمانين مسجدًا ومدرسة إسلامية، وبها ثلاثة أربطة لطلاب العلم؛ هي: رباط البطاح، ورباط السيد يحيى بن عمر الأهدل، ورباط علي يوسف الهندي.
كان لها سور دائري، تتخلَّله الكثير من الحصون، لم يتبقَّ منها سوى حصن نوبة الكتف، الواقع إلى الشمال الشرقي من باب الشباريق، ونوبة الجربة الواقعة إلى الشمال الغربي من باب النخل، ونوبة الصديقية الواقعة إلى الشمال الشرقي من باب القرتب، وهي ذات ماضٍ تاريخي وسياسي عريق، ومن أهم معالمها التاريخية والأثرية: قلعة زبيد (دار الإمارة سابقًا)، وما تبقى من حصونها وأبوابها الأربعة، ومساجدها ومدارسها، ذات الطراز المعماري الفريد، تمتاز منازلُها بالاتِّساع، وجمالِ التخطيط، والزخرفةِ المستوحاة من الطبيعة.
يمر الوادي من جنوبها، كانت تحيط بها حُلَّة خضراء سندسية من أشجار النخيل ومختلف الفواكه، وهي قصبة تهامة، ومدينة العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، بلغتْ ذروة المجد علمًا وأدبًا وثقافة، فعُرفت بالمدينة الثقافية[3]، وضعت في لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 1992م.
تقسم زبيد إلى أربعة أرباع؛ وهي: الربع الأعلى، وربع الجامع، وربع الجزء، وربع المجنبذ، وبها اليوم مدرستان ثانويتان للذكور، ومدرسة ثانوية للإناث، ومعهد ديني، وقسم داخلي للذكور، والكثير من المدارس الأساسية، وكلية التربية، ويُقبِل جميع أبنائها على التعليم ذكورًا وإناثًا، وما زال يفد إليها طلابُ العلم، فينهلون العلوم الشرعية واللغوية ممن تبقى من علمائها، ويجمع بعضهم بين دراسة العلوم الشرعية والأدبية والعلوم الحديثة، وبها الاكتفاء الذاتي من المعلمين والمعلمات في مختلف المراحل التعليمية، ومن أبنائها تجد الأطباءَ، والمهندسين، والزراعيين، والحرفيين... إلخ.
تتوفر في زبيد الكثيرُ من المقومات السياحية السابق ذِكرُها، ولا ينقصها سوى الكيفية التي يمكن أن يوظِّف فيها المستثمر رأسَ ماله؛ ليقوم باستغلاله وتنميته في مشروعات خدمية، تعود عليه بالفائدة الوفيرة، وترحِّب زبيد بمختلف المستثمرين في مختلف المجالات.
وبعد هذه العجالة، يسعدني أن أقدِّم إليكم هذه الدراسةَ التاريخية والأثرية عن أهم المباني الحربية والعسكرية، ألا وهي دار الإمارة (قلعة زبيد التاريخية).
دار الإمارة (قلعة زبيد)
تُعرف اليوم باسم قلعة زبيد، والقلعة تعني الحصن المتين، وعُرفت في العهود السابقة باسم دار الإمارة، ودار السلطنة، والدار السلطانية، كما عُرفت باسم دار الملك[4]، وجاء تخطيطها في الجزء الجنوبي الشرقي من باب الشباريق، وقد بُنيت على تل ترابي عُرف بالقوز، وكانت مساحتها أكبر مما هي عليه اليوم[5]، ومن المؤكَّد أن أول مَن أسسها أبو موسى الأشعري، الذي كان أول والٍ لتهامة الساحلي، حيث كانت ولايته من نجران حتى عدن، وكان مقر ولايته زبيد، وذلك بعد تأسيسه لمسجد الأشاعر، بدليل أن أبا موسى الأشعري عندما انتدبه الخليفة الثاني عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - واليًا على البصرة كان أول عملٍ قام به هو قيامه بتأسيس المسجد الجامع، وبناء دار الإمارة باللبن[6]، ثم قام بتسويره، وهذا ما عمله في زبيد، وهذا يعني أن أبا موسى قد نقل هذه التقنيةَ من خبراته السابقة بمدن الجنوب، وهي الحواضر اليمنية السابقة؛ كزبيد وصنعاء، أو مأرب التي كانت ولايتُه الثانية بها.وقد مثلت دار الإمارة بزبيد مدينة ملكية؛ إذ اتخذت مقرًّا للحكم والإدارة، فأُدخلت إليها المياه الكافية لحاجتها، عن طريق السراديب الأرضية التي مدَّتْ إلى داخل المدينة وضواحيها، من الأعين الواقعة في رأس الوادي في زبيد، كما مدت إليها المياه من البئر اليمانية التابعة للمدرسة الأشرفية (الكمالية)، بالإضافة إلى بئرين آخرين؛ الأولى في الجانب الشمالي منها أمام السجن، والثانية في الجانب اليماني الغربي، وقد جُرَّت المياه إلى دار الإمارة بطُرُق فنية راقية؛ إذ تم الكشف عن ذلك في أثناء أعمال التنقيب، التي قامتْ بها البعثة الأثرية الكندية في الأعوام الماضية، ولقد انفصل وضع دار الإمارة عن (مسجد الأشاعر) وعن الجامع الكبير في وصول المياه إليها.
وأحيطت دار الإمارة بخندق من الشرق، وارتبط مبناها بسور المدينة، ووجدت بها أسوار عالية، وتحصينات دفاعية، على امتداد أسوارها الشرقية وتحصيناتها، وكذلك الشمالية الغربية واليمانية، وأحيطت برحاب واسعة، وامتدَّت من خلال موقعها شوارعُ رئيسةٌ إلى جميع أبواب زبيد الأربعة، ومسجد الأشاعر، والجامع الكبير، ومن ميدانه الكبير يمتد شارع إلى الشمال الشرقي باتِّجاه باب الشباريق، الباب الشرقي للمدينة، ومنها أيضًا يمتد شارع إلى الشمال حتى باب سهام، دون أن يكون هنالك أيُّ تعرُّج، وشارع فرعي آخر يتجه إلى الشمال حتى مسجد الأشاعر وسوق زبيد الكبير، وشارع آخر من الغرب يمتد إلى باب القرتب، وهنالك ثلاثة شوارع فرعية، تمتد إلى الغرب والشمال الغربي والجنوب الغربي للمدينة، وشارع فرعي في الجنوب الشرقي منها، يؤدي إلى باب القرتب عبر سور المدينة، وكلها تصب في قلعة زبيد أو دار الإمارة، التي هي نقطة إشعاع كبرى، تنطلق منها مختلف المجاميع البشرية؛ لتهفو إليها مرة أخرى.
ويُذكر أن تأسيسها كان في عهد بني زياد[7]، وأعتقد أن ما حدث في عهدهم هو إعادة تنظيمها وبنائها بالآجُرِّ؛ إذ وُجدت بها القصورُ والثكنات العسكرية، ومختلف النقاط الخاصة بمراكز الحراسة، وأن تسميتها استمرَّت بهذا الاسم حتى النصف الثاني من القرن العاشر الهجري[8]، وتعاقَبَ عليها ملوك بني نجاح من سنة 412هـ حتى سنة 465هـ، واحتلها الصليحيون سنة 473هـ إبان تغلبهم على ملوك بني نجاح[9]، واستعادها النجاحيون سنة 483هـ، حتى نهاية دولتهم سنة 554هـ، وكانت دارًا للإمارة في عهد بني مهدي عام 555هـ، بنَوا في جانبها الشرقي جامعَ المشهد سنة 560هـ، واستمروا إلى سنة 569هـ، وكانت دارًا للسلطنة في بداية عهد الدولة الأيوبية، وبنَى المعزُّ بن طغتكين الأيوبي في جانبها الشمالي الشرقي المدرسةَ المعزية سنة 594هـ، واستمروا حتى سنة 626هـ؛ إذ كانت زبيد عاصمة شتوية لهم، والتي كانت عاصمتها الصيفية مدينة تعز، واتخذت مقرًّا لولاة الدولة الرسولية من سنة 630هـ، وهُدمتْ في عهدهم كلُّ الدور القديمة التي تعود للعهد الزيادي، وبُني بها الكثير من الدور والقصور؛ منها: دار النصر، ودار التشفيع، ودار الذهب، والدار الكبيرة الناصرية التي كانت على هيئة سفينة بحرية، واستمرَّت حتى 858هـ، وبعدها صارت مقرًّا للسلاطين وملوك الدولة الطاهرية من 858هـ، وأبدعوا في ترميمها، وأنفقوا في ذلك الكثيرَ من الأموال، وابتداءً من سنة 923هـ أصبحت مقرًّا للأمراء الجراكسة، ثم لأمراء وولاة الأتراك حتى 1250هـ[10]، وقد صغر حجم دار الإمارة في عهدهم، ورُدمت الدور الأولى من حصونه، لتوضع مكانها - أو على الأصح بداخلها - الأتربة، وفي أعلاها وضعت المدافع التركية[11]، كما تغيَّر اسمها من دار الإمارة، إلى اسم قلعة زبيد، فغلب عليها هذا الاسمُ، الذي استمرت عليه إلى يومنا هذا.
وفي العهد الإمامي صارت قلعة زبيد مقرًّا لوالي الإمام، الذي عُرف باسم (العامل)، وهُدمت في العهد الإمامي دارُ الناصري الكبيرة، وبُني مكانها دارُ الحكومة الحالية، وعليها من جهة الغرب دار الضيافة، وذلك في عام 1342هـ، وفي عهد الثورة والجمهورية أيضًا كانت دار الحكومة وبقية قلعة زبيد، مقرًّا للعامل وحاكم الشريعة؛ حيث كانت - وما زالت - دار الزكاة (مكتب الواجبات)، وبها مكتب الآثار، ومتحف قلعة زبيد، ومقر البعثة الأثرية الكندية من 1406هـ الموافق 1985م، حتى يومنا هذا.
وقد مرَّت قلعة زبيد أو دار الإمارة، بالكثير من التطورات المعمارية، سواء من ناحية البناء والتشييد، أو من حيث إجراء التحصينات اللازمة لها، وبالرغم من أننا لم نجد أيَّ شواهدَ أثريةٍ عن الإنشاءات المعمارية التي تمَّت بها منذ القرن الأول الهجري حتى القرن الثالث الهجري؛ إلا أنه في العهد الأيوبي هُدم جامع ابن مهدي، المعروف بالمشهد[12]؛ إذ اعتُبر من جوامع الضرار، واتخذ مقره إصطبلاً للخيول، وسمي الجانب الشرقي من موقعه باسم (المناخ)؛ أي: المكان الذي كانت تنيخ فيه الجمال السلطانية، كما عُرف باسم معقاب عاتكة، وكان هدمُه انتصارًا لجامع زبيد الكبير، الذي عطِّلت الصلاة فيه في عهد بني المهدي، وأعيدت به في القرن السادس الهجري.
والملاحظة أن مختلف التطورات المعمارية كانت في عهد الدولة الرسولية[13]، وتخلَّل سورَها وحصونها الكثيرُ من الفتحات والمزاغل[14] الدفاعية؛ لحمايتها من أي هجوم خارجي، ففي الضلع الشرقي سورٌ تتخلله ثلاثة حصون، وكذلك في الضلع الشمالي واليماني، كما وجدت الكثير من الثكنات العسكرية، وفي العهد التركي تغيَّرت حصونها وأبراجها، شأنها في ذلك شأن سور زبيد وأبراجه، وتغيرت الفتحات والمزاغل بتغيُّر الأسلحة، فنصبوا المدافع على حصونها، وعملت الفتحات والمزاغل مناسبة لدخول فوهة ماسورة البندقية؛ لتحريكها بسهولة ويسر، وحُفِر في فنائها الكثيرُ من مواقف القلال[15]، وحوِّلت بعض ثكناتها إلى مخازنَ للغلال، وذلك في جزء من الجناح الشمالي، والجناح الغربي، والجنوبي الغربي، وتعرَّضت لضربات كثيرة في عهد تركي بيلماز، في أثناء صراعه مع عبدالله دريب[16].
ولنَعُد إلى مكونات قلعة زبيد حاليًّا، إذ ذَكرت المصادر التاريخية وجودَ أربعة أبواب لها: اثنان في الجناح الشمالي، وباب ثالث في الضلع الشرقي، وباب رابع في الضلع اليماني، ولم يتبقَّ اليوم إلا المدخلُ الرئيس، وهو غرة مبنى القلعة وواجهتها، ويتكون من البوابة الشمالية، التي تقع وسط الضلع القبلي، وهو مبنى ضخم، عرض مدخله 50.3 مترًا، وارتفاعه كذلك، وله بابان خشبيان، معمولان من خشب الطنب المصفح بالحديد، يعلوه عقد نصف دائري، يمتد من أرضية عتبته بارتفاع قامة رجل، ويغطي واجهةَ العقد بناءٌ محزم بالآجر؛ ليتيح الفرصة للمدافعين للقيام بالدفاع عن البوابة بسهولة ويسر، أما عتبة البوابة، ففيها فتحات مربعة، تساعد على إلقاء حمم النيران الملتهبة على الداخلين إليها، إذا ما تسنى لهم ذلك، ويتقدم البوابةَ حصنانِ دفاعيان، يتكون كلٌّ منهما من دورين دفاعيين، وفي كل دور الكثير من الفتحات التي تساعد الجندَ على رمي سهامهم على العدو، أو ضربه بطلقات البندقية إذا ما حاول التقدم إلى البوابة، ويعلو كلَّ برجٍ جدارٌ دائري بارتفاع قامة رجل، يسمح له بالدفاع عن المدخل من خلال الشرفات التي تم عملها، ويؤدِّي إلى البرج الأول - وهو الشرقي - طريقٌ يقع مدخلُه في الضلع الشرقي من المدخل الرئيس (البوابة)، ومنه مدخل بعقد يؤدي بدرج إلى الدور الثاني، الذي يضم مجموعة من غرف الحراسة الخاصة بإقامة حاميتها؛ إلا أنها قد سُدَّت ومُلئت أرضيتُها بالأتربة في العهد التركي، وأصبحت هذه الأتربة الآن تشكل خطرًا على هذه الأبراج؛ بسبب الملوحة، وعدم التهوية التي يجب أن يتعرَّض لها مثل هذا المبنى؛ فهي بحاجة إلى المسارعة في إخراجها.
أما البرج الغربي، فيتكون من دورين - كما أشرنا - يؤدي إلى الدور الأول منه ممرٌّ من غرفة الحراسة، وقد سُدَّ واستعيض عنه بمدخل آخرَ يؤدي إلى الدور الثاني، وهو يقع في الجانب اليماني الغربي من غرفة الحراسة، واستعيض عنه بمدخل آخر من مبنى الحكومة الحالي، حيث ضُمَّ إليها، ويمكن فتح المدخل المسدود واستخدامه متى دعَتِ الضرورة إليه، ويعلوه جدار مرتفع بقامة رجل، تؤطره الكثير من الشرفات التي يحتمي الجند خلفها؛ للقيام بواجب الدفاع عن المدخل الرئيس متى ما دعت الحاجة إلى ذلك.
أما المدخل الصغير من مبنى الحكومة (دار المديرية)، فيقع غرب البرج أو الحصن الشمالي، وهو خاص بعائلة أمير المدينة أو العامل، أو كما يسمى الآن مدير المديرية، وهو يؤدي إلى ساحة شمالية شرقية من المبنى، كما يؤدي إلى البرج الشمالي الغربي، ومن ثم إلى الدور الثاني، ويستخدم حتى الآن.
ويوجد مدخل آخر يقع ما بين مبنى الحكومة ودار الضيافة، تمَّ فتحُه في بداية الثورة وبعد قيامها؛ وذلك لغرض تخفيف الضغط على المدخل الواقع إلى الشرق من المدخل الصغير، إلا أن وضعه كان خطأ؛ لذلك أُغلق بعد تجارِبَ كثيرةٍ، اتَّضح منها خطأ وجوده.
أما المدخل الجنوبي الشرقي، المعروف بباب النصر، نسبة إلى دار النصر الذي كان يعلوه، وكل منهما يعلوه عقدٌ على هيئة حذوة الفرس، يؤديان إلى غرفة الحراسة، التي كان لها باب ضخم من خشب الطنب مصفح بالحديد، تم نقله إلى داخل متحف قلعة زبيد، وهو من المداخل الخاصة بحراسة القلعة من ناحية، وبالأدوات العسكرية إذا ما احتيج إلى إدخالها بصورة سرِّية، وكذلك خروجها؛ لتأديب الخارجين عن طاعة السلطان أو الوالي، وإذا ما تمت الثورة على السلطان أو الوالي، فيتم خروجه من هذا المدخل؛ ليستنجد بالقبائل المحيطة بالمدينة، حتى يتم استعادة الأمن والطمأنينة، أو ليفر إلى غير رجعة، بدليل أنه لم يتم وضع أبواب له ألبتة؛ بمعنى: أنه يتم فتحه وسده في وقت واحد عند الحاجة، ويعلو هذا المدخلَ الكثيرُ من الفتحات والمزاغل الدفاعية، وكذلك السقاطات؛ لرمي الحمم والقذائف الملتهبة، وهو معمول بطريقة حربية بحتة، كما تلعوه غرفة مستطيلة الشكل، ترتكز في ضلعها الشرقي تلك المزاغلُ والسقاطات السابق ذكرها، ويعلو السقفَ الثاني سورٌ مستطيل الشكل، به الكثير من الفتحات والمزاغل؛ لحماية باب النصر المشار إليه، وقد تمَّ ترميمُه من قِبل البعثة الأثرية الكندية، وترميم المبنى الذي يعلوه؛ ليكون جزءًا من سكن البعثة الكندية ومقرها، وهو الجزء الجنوبي من قلعة زبيد، سنة 1407هـ الموافق 1985م، وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف[17].
ونخلص مما سبق إلى أن القلعة اليوم تتكوَّن من الجناح الشرقي، وبه ثلاثة حصون، وإصطبل للخيول، ومخزن للأعلاف، وإلى أن ارتفاع جدران سوره ما بين ثمانية أمتار، وسمكه حوالي 50 سم، وتمت صيانته وترميمه من الداخل والخارج.
أما الجناح الشمالي، فيتكون من أربع مجموعات معمارية في مدرسة الميلين (الإسكندرية) كما تسمى اليوم، ثم السجن الكبير، وثلاثة حصون شمالية ترتبط به، ثم البوابة الرئيسة المشار إليها سابقًا، ومبنى الحكومة، ودار الضيافة سابقًا، وهو الآن مقر مؤقت للمحكمة الجزائية الابتدائية بزبيد والنيابة العامة.
أما الجناح الغربي، فيتكون من ثلاث ثكنات خاصة بالجند كلها تفتح في ضلعها الشرقي بأبواب ونوافذ، كلها الآن بحالة سيئة؛ سقطت معظم أسقفها، ورمم سقف الثكنة الجنوبية الغربية منها على نفقة الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف، ويلاصق تلك الثكناتِ الثلاثَ سورٌ غربي، يرتفع حوالي 21 مترًا، تمَّت إعادة بنائه بعد سقوطه في سنة 1991م، وإلى تلك الثكنات من الجهة اليمانية يوجد الحصن الجنوبي الغربي، الذي يتكون من دورين، سقط فحله الداعم[18]، فأعيد بناؤه على نفقة الهيئة العامة للآثار سنة 1993م.
أما الجناح اليماني، فيتكوَّن من الثكنة الجنوبية الغربية، ومخزن الغلال الذي يتكون من خمس قاعات مستطيلة، وعُرف باسم الأنبار، وهو اليوم متحف زبيد، وتعلوه غرفة حراسة صغيرة، ثم الدباية[19] الخاصة بالسلاح، والتي بُنيت على أنقاض مبانٍ سابقة في العهد التركي، وتتكون من مبنى شمالي، سقفه الأول جملوني، وهو الغربي، ويلاصقه من الشرق غرفة يُفتح في ضلعها الشرقي بابٌ يؤدِّي إلى الغرفة المستطيلة ذات السقف الجملوني، ويقابلها غرفة أخرى من جهة الجنوب، سقفها أيضًا جملوني، كان بها الكثير من قذائف المدفعية، التي تعود إلى العهد التركي، وذخيرتها حية، تم التخلص منها، وترميم مختلف مبانيها، على نفقة البعثة الكندية في الثمانينيات حوالي سنة 1987م.
يتبع