آداب العيدين
إن يوم العيد قد جعله الله تعالى بهجة للمسلمين ، وفرحة لهم يتقابلون فيه ويتزاورون ويتواصلون . وللمسلمين في السنة عيدان : عيد الفطر ، ويكون بعد الفراغ من صوم رمضان . وعيد الأضحى ويكون بعد الوقوف بعرفة . وقد أثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم آداب تتعلق بالعيد ، ووردت عنه سنن في ذلك ، أشير إلى ما أمكن منها بعون الله تعالى مستمداً من التوفيق . فمنها :
الأدب الأول : النية الحسنة :
وذلك بناء على أنه ينبغي إحسان النية في كل أمر ، فيجب على المسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ينوي في لباسه الجديد الاقتداء بأمره صلى الله عليه وسلم ، وإظهار الفرحة بالعيد الذي شرعه الله تعالى للمسلمين ، وينوي بزيارته لأقاربه صلة الرحم ، وإدخال البهجة عليهم ، وهكذا .
الأدب الثاني : الاغتسال :
وذلك حتى يكون المسلم في وسط جمع المصلين ، نظيفاً طيب الرائحة لتكون رائحته طيبة ، فكذلك يغتسل للعيد ، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما : (( يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدوا للمصلى )) .
الأدب الثالث : التطيب :
وذلك من كمال النظافة ، وطيب الرائحة ، ولما سبق الكلام عنه من أهمية كون المسلم على هيئة طيبة ، وريح طيبة يوم العيد .
الأدب الرابع : لبس الثياب الجديدة :
فإذا كان المرء مستطيعاً فيسن له أن يلبس ثياباً جديدة ، ففيها إظهار لنعمة الله تعالى على عبده ، وفيها إظهار للفرح بالعيد ، والله جميل يحب الجمال . وقد اشترى عمر جبة من إستبرق للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يتجمل بها في العيدين ، ورفضها صلى الله عليه وسلم لكونها من حرير ، وإن كان قد أقره على أصلى التجمل . وكان ابن عمر : (( يلبس أحسن ثيابه في العيدين )) .
الأدب الخامس : إخراج زكاة الفطر قبل الغدو للصلاة :
وذلك لإدخال الفرحة على قلوب الفقراء والمحتاجين في ذلك اليوم ولأمره صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم : (( أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )) ، وقد أجاز بعض العلماء إخراجها قبل العيد بيومين أو يوم للمصلحة ، وحتى لا يتأخر الإنسان في إخراجها .
الأدب السادس : أكل تمرات قبل الخروج من البيت يوم الفطر :
وهو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام : (( كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات )) ، وأيضاً فإنه صلى الله عليه وسلم : (( كان لا يغدو يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته )) .
الأدب السابع : عدم الأكل قبل الذبح يوم النحر :
فإنه صلى الله عليه وسلم : (( ... كان لا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته )) أي على العكس من يوم الفطر . والسنة أن يأكل يوم الأضحى ذبيحته .
الأدب الثامن : التبكير إلى العيد :
وذلك من السنة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلى ، ثم نرجع لننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ، ليس من النسك في شيء )) ، وقد بوب البخاري لهذا الحديث في صحيحه فقال : (( باب التبكير إلى العيد )) قال ابن حجر في الفتح : (( وهو دال على أنه ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ، ومن لازمه ألا يفعل قبلها شيء غيرها ، فاقتضى ذلك التبكير إليها )) .
الأدب التاسع : إخراج النساء للمصلى :
حتى من كانت حائضاً ، وذلك حتى يشهدن الخير ، ويجدن بهجة العيد ، ويشاركن الناس فرحتهم ، غير أن الحيض يعتزلن المصلى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أمر بإخراج العواتق وذوات الخدود والحيض ، وأما الحيض فيشهدن الخير ، ودعوة المؤمنين ، ويعتزلن المصلى )) .
الأدب العاشر : إخراج الصبيان للصلاة كذلك :
وذلك حتى يشعروا ببهجة العيد ، ويفرحوا به إذا لبسوا الجديد ، وخرجوا إلى المصلى فشهدوا جمع المسلمين ، حتى من كان منهم لا يصلي لصغره ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : (( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ، فصلى ، ثم خطب ، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن ، وأمرهن بالصدقة )) ففيه دليل على خروج الصغار إلى مصلى العيد . ولما سئل ابن عباس : أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : (( نعم ! ولولا مكاني من الصغر ما شهدته )) ففيه تصريح بشهود الصلاة للصبيان ، وكذلك حتى البنات الصغار ، إذ أن خروج الرجال والنساء والصبيان للصلاة ينبىء بذلك . وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان يأمر بناته ونساءه أن يخرجن في العيدين )) .
الأدب الحادي عشر : الخروج للصلاة ماشياً :
فإن هذا من السنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم : (( كان يخرج إلى العيدين ماشياً ، ويصلي بغير أذان ولا إقامة ، ثم يرجع ماشياً في طريق آخر )) ، وهذا مستحب مالم يتعذر على المصلي المشي بسبب بعد المصلى جداً ، أو شدة حر ، أو شدة برد ، أو وحل ، أو مطر ، أو نحو ذلك .
الأدب الثاني عشر : التهليل والتكبير بصوت مرتفع حتى المصلى :
أي من حين خروج المرء من بيته وحتى بلوغه المصلى ، فإن في هذا إظهاراً لشعائر الإسلام ، وللفرحة بالعيد ، وإشعاراً للناس بأن اليوم يوم مختلف عما قبله وعما بعده . وكذلك فإن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم : (( كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى )) ، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم : (( كان يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير )) .
الأدب الثالث عشر : عدم الصلاة قبل العيد :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان لا يصلي قبل العيد شيئاً ، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين )) فمن السنة إذا وصلى إلى المصلى أن يجلس ولا يصلي ، بل ينشغل بالذكر والتهليل والتكبير ، وليس من السنة الاجتماع على تكبيرة واحدة ، بحيث يكبر شخص واحد والناس وراءه ، لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الأدب الرابع عشر : عدم الأذان والإقامة للعيد :
فإن هذا من السنة ، وقد ثبت في حديث ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أنه : (( لم يكن يؤذن يوم الفطر ، ولا يوم الأضحى )) . فلا يجوز الأذان قبل صلاة العيد ، ولا الإقامة للصلاة بالصيغة المعروفة ، لأن ذلك خلاف السنة .
الأدب الخامس عشر : تقديم الصلاة قبل الخطبة :
وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تؤكد أن هذا كان هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : (( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر وعثمان ، رضي الله عنهم ، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة )) . وتأتي أحاديث أخرى تدل كذلك على أن السنة البدء بصلاة العيدين قبل الخطبة .
الأدب السادس عشر : استقبال الإمام الناس عند الخطبة :
فينبغي أن يستقبل الإمام الناس بوجهه ، بحيث يكون ظهره إلى القبلة ، ووجهه إلى الناس أثناء الخطبة ، ويدل على ذلك ما أخبر به أبو سعيد الخدري رضي الله عنه حين قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس – والناس جلوس على صفوفهم – فيعظهم ، ويوصيهم ، ويأمرهم ، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ، ثم ينصرف )) . قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المؤمنين – في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت ، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه ، فجبذني ، فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له ، غيرتم والله . فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم ، فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم . فقال : إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة ، فجعلتها قبل الصلاة .
الأدب السابع عشر : عدم اتخاذ منبر لخطبة العيد :
فليس من السنة أن يخطب الإمام يوم العيد على المنبر ، ويدل على ذلك حديث أبي سعيد المتقدم في الأدب السادس عشر . فإن أبا سعيد فوجيء بالمنبر الذي بناه كثير بن الصلت ، فدل ذلك على أنه لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن تكون خطبة العيد على منبر ، ولهذا فقد بوب البخاري رحمه الله لهذا الحديث في صحيحه فقال : (( باب الخروج إلى المصلى بغير منبر )) .
الأدب الثامن عشر : تخصيص الإمام النساء بالموعظة :
يعني بعد فراغه من الخطبة ، فيسن له أن يأتي النساء في مصلاهن فيعظهن ويذكرهن ، ومما يدل على مشروعية تخصيص النساء بالموعظة حديث جابر : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ، ثم خطب الناس بعد ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال ، و بلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء صدقة )) . قال ابن جريح : (( قلت لعطاء : أترى حقاً على الإمام الآن أن يأتي النساء فيذكرهن حين يفرغ ؟ قال : إن ذلك لحق عليهم ، وما لهم ألا يفعلوا؟ )) . وقد دل على ذلك أحاديث أخرى غير ما ذكر . فينبغي لخطباء العيدين أن ينبهوا لمثل هذا الأمر ، وألا يستحوا من تطبيق هذه السنة .
الأدب التاسع عشر : عدم ذبح الأضحية إلا بعد صلاة العيد :
وذلك في عيد الأضحى ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ، ثم نرجع لننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك ، فإنما هو لحم قدمه لأهله ، ليس من النسك في شيء )) .
فدل الحديث دلالة واضحة على أن السنة عدم ذبح الأضاحي إلا بعد الفراغ من صلاة العيد .
الأدب العشرون : أن يكون ذبح الأضاحي في مكان المصلى :
يعني بعد الفراغ من الصلاة والخطبة ، فإن من السنة الذبح بالمصلى بعد الصلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان ينحر – أو يذبح – بالمصلى )) . ولو ذبح الأضحية في مكان آخر لجاز ، ولا يلزم أن يذبح الآلاف من الناس في مكان المصلى ، لأنه قد يضيق بهم .
الأدب الحادي والعشرون : المصافحة لإخوانه المصلين وتبادل التهنئة:
وذلك مما يدخل البهجة على النفوس ، ويشعرها بفرحة العيد ، ولعموم الأحاديث التي فيها ترغيب في المصافحة . وليس هناك صيغة معينة للتهنئة ثابتة يجب المصير إليها ، لكن يدعوا لإخوانه ويسلم عليهم ويهنئهم ، ويمكن أن يقول لإخوانه : (( تقبل الله منا ومنكم )) .
الأدب الثاني والعشرون : الرجوع من طريق آخر :
أي الرجوع إلى البيت من طريق غير الذي ذهب من خلاله إلى المصلى ، وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه : (( كان إذا كان يوم عيد خالف الطريق )) ، ولأنه صلى الله عليه وسلم : (( كان يخرج إلى العيد ماشياً في طريق آخر )) . وفي هذا مضاعفة لآثار العبد ، حتى تشهد الأرض لمن مشى عليها للصلاة أو رجع ، وكذلك إظهار لفرحة العيد لأكبر عدد من الناس . والتسليم عليهم ، وتهنئتهم ، وغير ذلك .
الأدب الثالث والعشرون : صلة الأرحام :
وهي واجبة في كل وقت ، وتتأكد في مثل هذا اليوم ، حتى يدخل السرور على أقاربه ، ويشعرهم ببهجة العيد ، خصوصاً لو كانت هناك هدايا للصغار ، والنساء ، ونحو ذلك .
الأدب الرابع والعشرون : الاجتهاد في طاعة الله وترك المعاصي :
سواء كانوا من الجيران ، أو من غيرهم ، وإهداء الطعام إليهم ، وزيارتهم ، واصطحاب الأطفال لزيارة أطفال المحتاجين ، وإشعارهم ببهجة العيد . وكذلك إهداء الثياب الجديدة لهم ، والمال ، ونحو ذلك . فكل هذا سرور يدخله المسلم على قلوب إخوانه المسلمين المحتاجين ، وفي ذلك من الثواب ما فيه .
الأدب الخامس والعشرون : الاجتهاد في طاعة الله وترك المعاصي :
فينبغي إدخال السرور في قلوب الصغار في العيد ، ليشعروا بالفرحة ، وبهجة العيد . سواء باصطحابهم إلى أماكن لهو ولعب مباح ، ليس فيها محرمات ، ليستعملوا الألعاب المختلفة ، أو إخراجهم إلى الحدائق للعب والتنزه ، أو شراء ألعاب جديدة لهم ، بحيث يشعرون أن يوم العيد مختلف عن غيره من الأيام .
الأدب السادس والعشرون : الاجتهاد في طاعة الله وترك المعاصي :
وذلك لأن كثيراً من الناس يركبون المعاصي أيام العيد ، بزعم الترويح عن النفس والترفيه ، فتتبرج النساء ، ويتخنث الشباب ، وتضيع الأوقات في ارتياد دور السينما ، ومشاهدة الأفلام ، واستماع الأغاني ، والمرح في الطرقات ، ونحو ذلك مما يغضب الله تعالى . بل إن وسائل الإعلام في أكثر بلاد المسلمين قد جعلت من يوم العيد يوم فجور ومجون ، فصارت مشحونة بالأفلام الهابطة ، والمسلسلات الخليعة ، والأغاني التي تثير الغرائز ، وصور النساء المتبرجات ، والإعلانات المشحونة بصور الساقطات ، والإعلان عن دور السينما وما يقدم فيها . ولا تكاد تتوقف عن كل صور الإفساد هذه طوال أيام العيد .
فكم من حرمات تنتهك ! وكم من معاصي ترتكب ! وكم من سيئات يهجر بها ! كل ذلك لأنه يوم عيد . بدلاً من أن يكون يوم بر وخير ، وصلة ، وإدخال سرور على قلوب الفقراء والمحتاجين ، وإظهار لمدى التزام المسلم بدينه حتى في يوم العيد والفرح ، وهذا كله من الصد عن سبيل الله ، والجناية على الدين الحنيف ، وصرف الناس عما ينفعهم في الدنيا والآخرة إلى ما يضرهم . فينبغي لكل مسلم عاقل أن يحذر من هذه الأمور ، وأن يحذر معصية الله تعالى في العيد .
والواجب البعد عن ذلك ، وعدم إظهار الفرحة بمعصية الله تعالى ، ولا بأس باللهو المباح في حدود ما شرع الله تعالى ، كبعض الإنشاد ي البيوت للنساء ، إذا لم يكن بحضرة رجال من غير المحارم ، ولا مصحوباً بموسيقى ، ولا فيه خلاعة أو مجون . وكذلك تزاور الأقارب والأصدقاء ، ولبس الجديد ، ولهو الصغار ، ونحو ذلك .
وإذا كان المسلم متأدباً بآداب الإسلام يوم العيد ، كان مطيعاً لله تعالى في حالة السراء ، عارفاً بحقه ، كما يطيعه ويعرف حقه في حالة الضراء ، فيكون عابداً لله على كل حال .
فهذا آخر ما يسر الله به من الآداب والسنن المتعلقة بالعيد ، وعدتها ستة وعشرون أدباً ، والحمد لله رب العالمين