أمس رأيتُ مشْهدًا قارب أن يكونَ مألوفًا في حياتنا اليومية:
شابان يجلسان على طاولة في مطعم، ويمرُّ بجانبهما ثالث، فيسلِّم عليهما، فيسأل أحدُهما الآخر عن هذا الشخص: هل تعرفه؟ وكان الجواب: لا، فينتهي المشهد بنظْرة اسْتِغْراب مع ابتسامة ساخرة تظهر على شفاههما.
وأغلب ظني أنَّ صاحبَينا هذين لم يسمعا حديثَ نبيِّ السلام - عليه الصلاة والسلام -: ((أطْعموا الطعام، واقْرَؤوا السلام، وصلُّوا بالليل والناس نِيام، تدْخلوا جنة ربِّكم بسلام)).
وأقول هنا:
لا أدري! هل نحن - الآباء والمربِّين - المسؤولون عن هذا الجهْل الكبير بأيْسر الآداب العامة، التي تعدُّ مِن أساسيات التهذيب الاجْتماعي الإسلامي؟
أو أن ثقافة التغْريب، التي اجتاحتْ مجتمعاتنا كريحٍ هوجاء عصفت بخُلُق إفشاء السلام، فيما عصفتْ به من قِيمنا الإسلامية؟
أو إنه الغَرَق في مَوْجة عدم المُبالاة الخطيرة التي ركبها شبابُنا في عصر الإنترنت، فأصبح القول السائد بينهم هو: ما لي وللناس، لا أتدخل في شؤونهم ولا يتدخلون في شؤوني، فعزل نفسَه عزْلاً كامِلاً عن الناس، ونسي قول رسولنا الكريم: ((مَثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمَثَل الجَسَد الواحد، إذا اشْتكى منه عُضْوٌ تداعَى له سائرُ الجَسَد بالسَّهَر والحمَّى))؟
أو هي الخُصُوصيَّة الجوْفاء التي أصبحتْ حجّة الجميع في هذا العصر، فأصبح كلُّ شخصٍ يريد أن يكون صاحبَ مجالٍ خاص لا يسمح لأَحَدٍ باخْتراقه - ولا حتى أقرب الناس إليه - حتى أصبح الوالد أو الوالدة ليسا بصاحبي حقٍّ للتَّدَخُّل في حياة أولادهما للاطْمئنان، وإذا ما أرادا ذلك، ردَّ عليهما الشاب أو الشابة بكل رفض وإباء: عذرًا، فهذا تدخُّل "سافرٌ" في خصوصياتي؟
وآهٍ من هذه الخصوصية الدخيلة علينا، التي جلبتْ على البعض الوَيْلات والبلايا!
إن تَرْك سُنَّة إفشاء السلام بيننا أشاع القطيعة المقصودة وغير المقصودة، وأبْعَدَنا عن إحياء سنة عظيمة من سُنَن المصطفى - عليه أفْضل الصلاة والسلام - فعن أبي عمارة البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: أَمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعَوْن المظلوم، وإفْشِاء السلام، وإبراء المقسم"؛ متفق عليه.
ولإفشاء السلام فوائد وثمرات، نذْكُر منها:
- أن فيه امتثالاً لسنَّة النبي - عليه الصلاة والسلام.
- أنه من علامات الإسْلام.
- وهو من حُقُوق المسلمين على بعضهم بعضًا.
- من أسباب حصول المحبَّة.
- من أسباب دخول الجنَّة.
- من خصائص أمة الإسلام.
- أوْلَى الناس بالله من بدأهم بالسلام.
- من أسباب مضاعفة الأجر.
- من أسباب حصول البركة.
- من أسباب حصول السلامة.
- السلام اسم من أسما ء الله الحسنى.
- صدقة على الناس.
- من موجبات مغْفِرة الله.
ومن آداب السلام:
- إذا لقيتَ أخاك المسْلم فبادر بالسلام.
- أن تسلِّم على من عَرَفْت ومَن لَم تعْرِف.
- إذا سلم عليك المسلمُ فردَّ التحية بمثلها أو بأحسن منها، ولْيكن منك ذلك وأنت متبسِّم، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحْقرن منَ المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجْه طلْقٍ))؛ رواه مسلم.
- لا تقل أبدًا: "عليك السلام"، فإنها تحية الموتى.
- الراكبُ يسلِّم على الماشي، والماشي يسلم على القاعد، والصغير يسلم على الكبير، والقليل يسلم على الكثير.
وللمُصافَحة فضْل عظيمٌ، فهي من الآداب الإسلامية التي وعد الله بالأجر العظيم، والعطاء الجزيل عليها.
فبالمُصافَحة يغفر الله الذنوب والخطايا؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحة، تناثرتْ خطاياهما كما يتناثَر ورقُ الشجر"؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، 526.
وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يفْترقا))؛ رواه الإمام أحمد.
فهل آن لنا نحن - أمةَ السلام - أن نحيي سنة السلام، وإفشاء السلام بيننا؟
محمد رائد العطائي
مـــ مآجده ـلآك الروح