السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مريض بداء الشك، وستنهار حياتي الزوجية بسببه، فعلى الرَّغم من ثقتي بتقوى زوجتي وحبها؛ إلا أنني أشك في سلوكها (تناقضات ولكنَّها حقيقة)، فأنا أحاول أن أقاوم الوساوس ولكن دون جدوى، فهل من علاج؟ وإذا كان، فهل يشفي منه نهائيًّا؟ وما هي أقصى مدة للعِلاج وأقل مدة يشفى فيها الإنسان؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مرحبًا بك في الألوكة، وأعتذر لتأخُّري في الرَّدِّ؛ وذلك لظروف خارجة عن قدرتي.
أخي الفاضل، أحبُّ أن أقول لك: إنَّك بدأت أوَّل خطوة من خطوات العلاج، وهي الاعتراف بوجود مشكلة، والرَّغبة في علاجها وتصحيحها.
ما تُعاني منه يطلق عليه اسم "الغيرة الوهامية" Delusional Jealousy، ويسمى أحيانًا "وهام الخيانة الزوجيَّة"، هذا الاضطراب يَجعل الشَّخص يشك فجأة في سلوك زوجته، وتبدأ فكرة تسلُّطية بالسيطرة عليه، مفادها الشَّك في زوجتِه، وأنَّ زوجته تَخونه، مع عِلْمه بعدم صحَّة هذه الفكرة، ولأنَّه يعرف أنَّها غير صحيحة، فإنَّه لا يستطيع التخلُّص منها، إلاَّ بتفتيش حاجيات زوجته، ومراقبتها وتَتَبُّعها كأفعال قهريَّة؛ ليتأكَّد من شكوكه، أو يرتاح منها بالتأكُّد من عدم صحتها؛ لكنَّها تعاوده مرَّة أخرى، مشكِّلة ما يشبه الدائِرة، حيث تعود الفِكْرة التسلُّطية، ويتبعها الفعل القهري، وهكذا.
وهذا ما جعل العديد من الأطبَّاء يُدْرِج "الغيرة الوهاميَّة" تحت نطاق الوسواس القهْري، وحتَّى الآن ما زال سبب "الغيرة الوهامية" مَجْهولاً عند الأطبَّاء النفسيِّين.
سيدي الفاضل، أنت تُحاول أن تقاوم الوساوس، وهذا أمر جيِّد جدًّا، وتريد الذَّهاب إلى الطبيب، وهذا أمر رائع ومهمٌّ جدًّا؛ لأنَّه سيساهِم في إنقاذ حياتك الزوجيَّة التي قد تنهار بسبب هذه الغيرة، وهو أمر مؤسف جدًّا أن ينتهي زواجك من امرأة تحبُّها، وتثِق بصلاحِها وتقْواها بسبب أمور لا أساس لها من الصحَّة، وتستطيع أن تعالِجَها وتحلَّها.
فعندما تحس الزَّوجة بأنَّ زوْجَها لا يثِق بها، ويشك فيها، يختنق الحب الموجود بينهما، ويتحوَّل بسبب الغيرة إلى قيود تكبّل الحركة وتشلّها؛ لأنَّ الزَّوجة وقْتَها تصبح مطالبة بتقديم مبرِّر لكل فعل تفْعله أو أمر تقوم به، ومن المؤسِف أن يتصوَّر البعض أنَّ الغيرة دليل على الحبِّ القوي الصَّادق، فالحب إن لم يكن قويًّا راسخًا لن يستطيع الصمود في وجه الغيرة أبدًا؛ لأنَّها مزيج من القلق والخوف والتوتُّر والضيق، وليس الحب القوي الجامح!
وصلَّى الله على رسولِنا الكريم، الَّذي نهى أن يأتي الرَّجُل لبيته ليلاً بعد طول غياب، ودون سابق إعلام؛ حيث روى البخاري ومسلم: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قدم أحدُكم ليلاً فلا يأتينَّ أهله طروقًا، حتَّى تَستحِدَّ المغيبة، وتمتشط الشعثة))، وذلك لئلاَّ يخوّنهم أو يطلب عثراتِهم؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من الغَيرة غَيرة يبغضُها الله - عزَّ وجل - وهي غَيرة الرَّجل على أهله من غير رِيبة))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن حبَّان.
حيث إنَّ شدَّة الغيرة تجلِب المذمَّة للمرْأة، حيث سيقول النَّاس: ما صار زوجُها هكذا إلاَّ لعلمه بأنَّها غير شريفة أو بأمر فعلته، والإمام علي - رضي الله عنه - يقول: "لا تُكثِر الغَيرة على أهلك، فتُرْمَى بالسوء من أجلك".
وقد سألت في استشارتِك إن كان هناك علاج لحالتك، وأُطَمئنك بـ نعم، يوجد علاج لحالتك، هذا العلاج يحدِّدُه الطَّبيب النَّفسي الذي عليك أن تذهب إليه في أسرع وقت ممكن، وربَّما كان الشَّائع لمثل هذه الحالات هو العلاج المعرفي السلوكي، الَّذي أدَّى إلى نجاح علاج الكثير من هذه الحالات؛ لأنَّه يساعد المريض على التعرُّف على أفكاره الوسواسية بدقَّة، وتعلُّم طرق مقاومتها ومنع الاستجابة لها، وقد يرى الطبيب أنَّك تحتاج إلى علاج بالعقاقير، وكل ذلك يعتمد على حالتك ومدى تقدُّمها وتشخيص الطَّبيب لك.
وشفاء الإنسان نهائيًّا هو أمر بيد الله - سبحانه - ولكن في 20% إلى 30% من الحالات كان التحسُّن ملحوظًا مع مرور الوقْت، خاصَّة إن كان المريض يرْغَبُ في العلاج ويشعر بأهميَّته.
أمَّا أقْصى مدَّة للعلاج، فهو أمر لا أستطيع تَحديدَه؛ لأنَّ الطَّبيب المعالج هو الَّذي يحدِّدُه، حيث تعتمد مدَّة الشفاء طولاً وقِصرًا على الشَّخص نفسه، ووضعه ومدى حالته.
، إنَّ أيَّ سلوك نريد تغْييره أو اكتِسابه يحتاج منَّا إلى وقت وجهد وصبر، وهذا ما عليْك أن تتحلَّى به أثناء علاجك.
وفَّقك الله ويسَّر أمورك، وننتظر رسالة تبشِّرنا فيها بنتائج العلاج.
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا مريض بداء الشك، وستنهار حياتي الزوجية بسببه، فعلى الرَّغم من ثقتي بتقوى زوجتي وحبها؛ إلا أنني أشك في سلوكها (تناقضات ولكنَّها حقيقة)، فأنا أحاول أن أقاوم الوساوس ولكن دون جدوى، فهل من علاج؟ وإذا كان، فهل يشفي منه نهائيًّا؟ وما هي أقصى مدة للعِلاج وأقل مدة يشفى فيها الإنسان؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مرحبًا بك في الألوكة، وأعتذر لتأخُّري في الرَّدِّ؛ وذلك لظروف خارجة عن قدرتي.
أخي الفاضل، أحبُّ أن أقول لك: إنَّك بدأت أوَّل خطوة من خطوات العلاج، وهي الاعتراف بوجود مشكلة، والرَّغبة في علاجها وتصحيحها.
ما تُعاني منه يطلق عليه اسم "الغيرة الوهامية" Delusional Jealousy، ويسمى أحيانًا "وهام الخيانة الزوجيَّة"، هذا الاضطراب يَجعل الشَّخص يشك فجأة في سلوك زوجته، وتبدأ فكرة تسلُّطية بالسيطرة عليه، مفادها الشَّك في زوجتِه، وأنَّ زوجته تَخونه، مع عِلْمه بعدم صحَّة هذه الفكرة، ولأنَّه يعرف أنَّها غير صحيحة، فإنَّه لا يستطيع التخلُّص منها، إلاَّ بتفتيش حاجيات زوجته، ومراقبتها وتَتَبُّعها كأفعال قهريَّة؛ ليتأكَّد من شكوكه، أو يرتاح منها بالتأكُّد من عدم صحتها؛ لكنَّها تعاوده مرَّة أخرى، مشكِّلة ما يشبه الدائِرة، حيث تعود الفِكْرة التسلُّطية، ويتبعها الفعل القهري، وهكذا.
وهذا ما جعل العديد من الأطبَّاء يُدْرِج "الغيرة الوهاميَّة" تحت نطاق الوسواس القهْري، وحتَّى الآن ما زال سبب "الغيرة الوهامية" مَجْهولاً عند الأطبَّاء النفسيِّين.
سيدي الفاضل، أنت تُحاول أن تقاوم الوساوس، وهذا أمر جيِّد جدًّا، وتريد الذَّهاب إلى الطبيب، وهذا أمر رائع ومهمٌّ جدًّا؛ لأنَّه سيساهِم في إنقاذ حياتك الزوجيَّة التي قد تنهار بسبب هذه الغيرة، وهو أمر مؤسف جدًّا أن ينتهي زواجك من امرأة تحبُّها، وتثِق بصلاحِها وتقْواها بسبب أمور لا أساس لها من الصحَّة، وتستطيع أن تعالِجَها وتحلَّها.
فعندما تحس الزَّوجة بأنَّ زوْجَها لا يثِق بها، ويشك فيها، يختنق الحب الموجود بينهما، ويتحوَّل بسبب الغيرة إلى قيود تكبّل الحركة وتشلّها؛ لأنَّ الزَّوجة وقْتَها تصبح مطالبة بتقديم مبرِّر لكل فعل تفْعله أو أمر تقوم به، ومن المؤسِف أن يتصوَّر البعض أنَّ الغيرة دليل على الحبِّ القوي الصَّادق، فالحب إن لم يكن قويًّا راسخًا لن يستطيع الصمود في وجه الغيرة أبدًا؛ لأنَّها مزيج من القلق والخوف والتوتُّر والضيق، وليس الحب القوي الجامح!
وصلَّى الله على رسولِنا الكريم، الَّذي نهى أن يأتي الرَّجُل لبيته ليلاً بعد طول غياب، ودون سابق إعلام؛ حيث روى البخاري ومسلم: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قدم أحدُكم ليلاً فلا يأتينَّ أهله طروقًا، حتَّى تَستحِدَّ المغيبة، وتمتشط الشعثة))، وذلك لئلاَّ يخوّنهم أو يطلب عثراتِهم؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من الغَيرة غَيرة يبغضُها الله - عزَّ وجل - وهي غَيرة الرَّجل على أهله من غير رِيبة))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن حبَّان.
حيث إنَّ شدَّة الغيرة تجلِب المذمَّة للمرْأة، حيث سيقول النَّاس: ما صار زوجُها هكذا إلاَّ لعلمه بأنَّها غير شريفة أو بأمر فعلته، والإمام علي - رضي الله عنه - يقول: "لا تُكثِر الغَيرة على أهلك، فتُرْمَى بالسوء من أجلك".
وقد سألت في استشارتِك إن كان هناك علاج لحالتك، وأُطَمئنك بـ نعم، يوجد علاج لحالتك، هذا العلاج يحدِّدُه الطَّبيب النَّفسي الذي عليك أن تذهب إليه في أسرع وقت ممكن، وربَّما كان الشَّائع لمثل هذه الحالات هو العلاج المعرفي السلوكي، الَّذي أدَّى إلى نجاح علاج الكثير من هذه الحالات؛ لأنَّه يساعد المريض على التعرُّف على أفكاره الوسواسية بدقَّة، وتعلُّم طرق مقاومتها ومنع الاستجابة لها، وقد يرى الطبيب أنَّك تحتاج إلى علاج بالعقاقير، وكل ذلك يعتمد على حالتك ومدى تقدُّمها وتشخيص الطَّبيب لك.
وشفاء الإنسان نهائيًّا هو أمر بيد الله - سبحانه - ولكن في 20% إلى 30% من الحالات كان التحسُّن ملحوظًا مع مرور الوقْت، خاصَّة إن كان المريض يرْغَبُ في العلاج ويشعر بأهميَّته.
أمَّا أقْصى مدَّة للعلاج، فهو أمر لا أستطيع تَحديدَه؛ لأنَّ الطَّبيب المعالج هو الَّذي يحدِّدُه، حيث تعتمد مدَّة الشفاء طولاً وقِصرًا على الشَّخص نفسه، ووضعه ومدى حالته.
، إنَّ أيَّ سلوك نريد تغْييره أو اكتِسابه يحتاج منَّا إلى وقت وجهد وصبر، وهذا ما عليْك أن تتحلَّى به أثناء علاجك.
وفَّقك الله ويسَّر أمورك، وننتظر رسالة تبشِّرنا فيها بنتائج العلاج.
أ.شريف السديرى
مآآآجده
مآآآجده