باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
6- حديث طلحة بن عُبَيدالله قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أهل نجد، ثائر الرَّأس، يُسمع دويُّ صوتِه، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يَسألُ عن الإسلام، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خمسُ صلواتٍ في اليوم واللَّيلة))، فقال هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وصيام رمضان))، قال هل عليَّ غيرُه؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال: وذَكَر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - الزكاة، قال هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تَطوَّع))، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَفْلحَ إنْ صَدَق))؛ أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام.
في هذا الحديث نجدُ أنَّ أحد رجال نجد ممَّن أسلم، ووفد على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة يسأل عن الإسلام، فنجد جوابَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُبيِّن أنَّ الإسلام هو:
1- خمس صلوات في اليوم والليلة.
2- صيام رمضان.
3- الزكاة.
وذَكَر له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن جِنس كلِّ عبادة من هذه العبادات تطوُّعًا، فذكر من جنس الصلاة نوافلَ وتطوُّعًا، ومن جنس الصيام صيامَ النفل، ومن جنس الزكاة الصدقةَ التي يتطوَّع بها المسلم.
فأدْبَر الرَّجل وهو يقول: "والله، لا أزيد على ذلك ولا أنقص"، فأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه ((أفلح إن صدق)).
ونتناول في شرح هذا الحديث ما يلي:
أولاً: الصلوات الخمس، وما يلحق بها من التطوع.
ثانيًا: صيام رمضان، وما يلحق به من صوم التطوع.
ثالثًا: الزكاة وما يلحق بها من صدقة التطوع.
أولاً: الصلوات الخمس، وما يلحق بها من التطوع:الصلوات التي فَرَضها الله على المسلم هي خمس صلوات في اليوم واللَّيلة، وقد فُرِضت ليلةَ الإسراء على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خمسين صلاة، ثم خُفِّضت حتى وصَلَ عددُها إلى خمس صلوات فقط في اليوم واللَّيلة؛ ففي حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الإسراء والمعراج الذي رواه مالك بن صعصعة، قال: ((ثم فُرِضت عليَّ الصلاة خمسين صلاة كلَّ يوم، فرجعت فمررتُ على موسى، فقال: بِمَ أُمِرتَ؟ قلت: أمرتُ بخمسين صلاةً كلَّ يوم، قال: إنَّ أُمَّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلَّ يوم، وإنِّي والله قد جرَّبت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمَّتك، فرجعتُ، فوَضَع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضَعَ عنِّي عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فأُمِرت بعشر صلوات كلَّ يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأُمرت بخمس صلوات كلَّ يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بِمَ أمرت؟ قلت: أمرتُ بخمس صلوات كلَّ يوم، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمسَ صلوات كلَّ يوم، وإنِّي قد جربت الناس قبلَك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمَّتك، قلت: سألتُ ربي حتى استحييتُ، ولكن أرضى وأُسلِّم، فلمَّا جاوزت نادَى منادٍ: أمضيت فريضتي، وخففتُ عن عبادي))؛ رواه البخاري.
وعن عُبادة بن الصامت، قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد، مَن أتى بهنَّ لم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقهنَّ، كان له عند الله - تبارك وتعالى - عهد أن يُدخلَه الجنة، ومَن لم يأتِ بهن، فليس له عندَ الله عهد، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
وهذه الصلوات الخمس هي: صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء.
وقد كانت الصلاة قبلَ فرضها خمسًا صلاتَين اثنتين: ركعتان بالغداة، وركعتان بالعشي، وذلك في مكَّة قبلَ حادثة الإسراء والمعراج.
وقد ذكر الحقُّ - جلَّ وعلا - مواقيتَها في كتابه مجملة في آيتين؛ قال – تعالى -: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال – تعالى -: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ* وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17- 18].
وأما التطوُّع الذي سنَّه لنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من النوافل من جِنس هذه الفريضة العظيمة - الصلاة - فينقسم إلى تطوُّع مطلق، وتطوُّع مقيَّد:
والتطوع المطلق يُقتصر فيه على نية الصلاة؛ قال الإمام النووي: "فإذا شَرَع في تطوُّع، ولم ينوِ عددًا، فله أن يُسلِّم من ركعة، وله أن يَزيد فيَجعلها ركعتين أو ثلاثًا، وغير ذلك، وإن صلَّى عددًا لا يعلمه ثم سلم، صحَّ بلا خلاف"[1].
والتطوع المقيَّد ينقسم إلى:
ما شُرِع تبعًا للفرائض، ويُسمَّى السنن الراتبة، ويشمل سُنَّةَ كلٍّ من الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء:
1- سنة الفجر: وهي ركعتان قبلَ صلاة الفجر، وقد ورد في فضلها أحاديثُ؛ منها:
- ((رَكعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))؛ رواه أحمد ومسلم.
- ((لم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على شيءٍ من النوافل أشدَّ معاهدةً من الركعتين قبلَ الصبح))؛ رواه الشيخان.
2- سُنَّة الظهر: ورد أنَّها أربع ركعات، أو ستٌّ أو ثمان.
فعن ابن عمر قال: "حفظت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشرَ ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبلَ صلاة الصبح"؛ رواه البخاري.
وعن عبدالله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت: "كان يُصلِّي قبلَ الظهر أربعًا واثنتين بعدها"؛ رواه أحمد ومسلم.
وعن أمِّ حبيبة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعدها، حرَّم الله لحمَه على النار)؛ رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصحَّحه الترمذي.
فمِن هذه الأحاديث يتضح أنَّ السُّنة وردت بوجوه ثلاثة في نوافل الظهر:
الوجه الأول:أربع ركعات: ركعتان قبلها، وركعتان بعدها.
الوجه الثاني: أربع ركعات قبلها، واثنتان بعدها.
الوجه الثالث: أربع ركعات قبلها، وأربع بعدها.
3- سُنَّة العصر: وهي أربع ركعات قبل صلاة العصر، ولكنَّها غير مؤكَّدة كبقية النوافل التي ذكرت، وممَّا يدل على مشروعيتها حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَحِم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه.
4- سنة المغرب: وهي ركعتان بعد المغرب، وقد ورد فيها قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى لله في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة، بني له بيت في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبلَ صلاة الفجر))؛ رواه مسلم، والترمذي.
5- سنة العشاء: وهي ركعتان بعد العشاء؛ وذلك لِمَا تقدَّم من الأحاديث، ولحديث المغيرة بن سليمان قال: سمعت ابن عمر يقول: ((كانت صلاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - ألاَّ يدع ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح))؛ رواه أحمد بسند جيِّد.
ومن التطوع أيضًا: ركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء، ولكنَّهما ليستا مؤكدتَين مثل الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء.
روى البخاري عن عبدالله بن مُغفَّل - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صلُّوا قبلَ المغرب، صلُّوا قبلَ المغرب، صلُّوا قبلَ المغرب، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء))؛ رواه البخاري.
وروى الجماعة من حديث عبدالله بن مغفَّل - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بينَ كلِّ أذانَين صلاة، بين كلِّ أذانَين صلاة، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء))؛ رواه الجماعة.
والأذانان هما: الأذان والإقامة.
ومن التطوع أيضًا - ولكنَّه غير مرتبط بالصلوات المفروضة -: الوتر وقيام الليل.
أمَّا الوتر، فهو سُنَّة مؤكَّدة حثَّ عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورغَّب فيه؛ فعن علي -رضي الله عنه - قال: إنَّ الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة؛ ولكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوتر، ثم قال: ((يا أهلَ القرآن، أوتروا فإنَّ الله وترٌ يُحبُّ الوتر))؛ رواه أحمد، وأصحاب السنن، وحسَّنه الترمذي.
وأمَّا قيام الليل، فقد أمر الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم- بقيام اللَّيل بقوله - تعالى -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
ومدَح القائمين القانتين؛ فقال - جلَّ وعلا -: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
وقد كان قيام اللَّيل فرضًا في أوَّل البَعْثة؛ لقوله - تعالى - لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم –: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1- 4].
وظلَّ المسلمون مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامًا كاملاً في مكَّة يُقيمون اللَّيل حتى نُسخت الفرضية، وأصبح قيام الليل والتهجُّد سُنَّة من سنن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد حافظ عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك، فكان لا يتركه إلاَّ مِن عذر.
ومن التطوُّع أيضًا: صلاة الضحى، وقيام رمضان، وصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، وغير ذلك ممَّا سنتعرض له في مواضعه - إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: صيام رمضان وما يلحق به من صيام التطوع:
وجوبُ صيام رمضان من المعلوم من الدِّين بالضرورة، وقد سَبَق أن تحدَّثْنا عن فرضية صيام رمضان في حديث جبريل المشهور.
والصيام قسمان: فرض، وتطوع.
والفرض ينقسم إلى:
1- صيام رمضان.
2- صيام الكفارات.
3- صيام النذر.
أمَّا صيام التطوع، فقد رغَّب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صيام الأيَّام التالية:
1- صيام ستة أيَّام من شوال:
عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((مَن صام رمضانَ ثم أتبعه ستًّا من شوال، فكأنَّما صام الدَّهر))؛ رواه الجماعة، إلاَّ البخاري والنسائي.
2-صيام عشر ذي الحجة:
عن حفصةَ - رضي الله عنها - قالت: "أربع لم يكنْ يدعهن رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: صِيام عاشوراء، والعشر - أي: من ذي الحجة - وثلاثة أيَّام من كل شهر، وركعتين قبلَ الغداة"؛ رواه أحمد، والنسائي.
3- صيام يوم عرفة لغير الحاج:
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صومُ يوم عرفة يُكفِّر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يُكفِّر سَنةً ماضية))؛ رواه الجماعة، إلاَّ البخاري والترمذي.
4- صيام يوم عاشوراء:
عن معاويةَ بنِ أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ هذا يوم عاشوراء، ولم يُكتب عليكم صيامُه، وأنا صائم، فمَن شاء صام، ومن شاء فليفطر))؛ رواه البخاري، ومسلم.
5- صيام المحرم:عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: ((الصلاة في جَوْف اللَّيل))، قيل: ثم أيُّ الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: ((شهر الله الذي تدعونه المحرَّم))؛ رواه أحمد، ومسلم.
6- صيام أكثر شعبان:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلاَّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثرَ منه صيامًا من شعبان))؛ رواه الشيخان.
7- صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع:عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أكثر ما يصوم يوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: ((إنَّ الأعمال تُعرَض كلَّ اثنين وخميس، فيغفر الله لكلِّ مسلم أو لكلِّ مؤمن، إلاَّ المتهاجرَين فيقول: أَخِّرهما))؛ رواه أحمد بسند صحيح.
8- صيام ثلاثة أيام من كل شهر:قال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نصومَ من الشَّهر ثلاثةَ أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: ((هي كصوم الدهر))؛ رواه النسائي، وصحَّحه ابن حبان.
9- صوم يوم وفطر يوم:
عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال له: ((إنَّ بحسبك أن تصوم من كلِّ شهر ثلاثةَ أيَّام))، قال: فشددتُ فشدد عليَّ قال: فقلت: يا رسول الله، إني أجد قوَّة قال: ((فصمْ مِن كلِّ جمعة ثلاثة أيام))، قال: فشددت فشدد عليَّ، قال: فقلت: يا رسول الله، إني أجد قوَّة، قال: ((صم صومَ نبيِّ الله داود ولا تَزدْ عليه))، قلت: يا رسول الله، وما كان صيام داود - عليه السلام؟ قال: ((كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا))؛ رواه أحمد وغيره.
ثالثًا: الزكاة وما يلحق بها من صدقة التطوع:
وَرَد في شرح الحديث السابق حديثٌ مقتضب عن الزَّكاة باعتبارها أحدَ أركان الإسلام الخمس، وهي كفريضةٍ لها مِن جنسها تطوع؛ كما أخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((إلاَّ أن تطوَّع))، وهو ما يُطلق عليه صدقة التطوُّع؛ تمييزًا عن الزَّكاة المعلومةِ المقدارُ في كلِّ مال نامٍ من زروع وثمار، وإبل وبقر وغنم، ومن تجارة، ومن غيرها من الأموال كالنقدَين: الذَّهب والفِضَّة.
فالزكاة هي المقدارُ المعلوم الذي يخرج عن كلِّ مال نامٍ حال عليه الحول، أو كان غيرَ حوليٍّ وبلغ نصابًا.
أمَّا الصَّدقة فهي مقدارٌ غير معلوم، وإنَّما هو بحسب ما يتَّسع له عطاء المتصدق.
وقد ذكرت الزَّكاة في قوله – تعالى -: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24- 25].
وقد ذُكِرت صدقة التطوع في قوله – تعالى -: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
ولذا ورد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ في المال حقًّا سوى الزَّكاة))؛ أخرجه الترمذي، والدارمي، وضعَّفه الألباني.
الزكاة يُطلق عليها الصدقة مطلقًا، أمَّا التطوُّع، فيسمِّيه العلماء صدقةَ التطوُّع؛ تمييزًا له عن الصَّدقة المعلومة وهي الزَّكاة، وقد أوجب الحقُّ - جلَّ وعلا - التكافل بين المسلمين بكلٍّ من الزكاة وصدقة التطوُّع، وحضَّ على الإنفاق مطلقًا، وقال عن أصحاب الميمنة: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 11- 17].
وقد جَعَل بعضُ العلماء هذا التطوُّع من المال حقوقًا تجب فيه، وذكروا مِن هذه الحقوق[2]:
1- حق الزرع عند الحصاد: وهو غير الزكاة المفروضة فيه، بل هو صدقة تخرج مع أوَّل حصاد الزرع: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
2- حق الأنعام والخيل: بإعارتها وهبة منيحتها، كمنيحة العنز.
3- حق الضيف: فقد وردتِ الأحاديث الدالة على أنَّ للضيف حقًّا في مال أخيه المسلم الذي أضافه.
4- حق الماعون: وقد ذكره الله - تعالى - في كتابه بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4- 7].
ومعنى هذا: أنَّ إعارة الدَّلو والقِدر، والأشياء الصغيرة التي يحتاج إليها الجيرانُ بعضُهم من بعض من الحقوق في المال، روي عن ابن مسعود قال: "كنَّا نعدُّ الماعون على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عاريةَ الدَّلو والقِدر"؛ رواه أبو داود.
والتطوُّعُ من الصلاة والصيام والزَّكاة يَجبُر القصورَ الذي يحصل في الفرائض دونَ قصْد من الإنسان، فالنوافل سُورٌ يحمي الفرائض؛ ولذا وجب على المسلم الحق أن يَستزيد من هذه النوافل ما أمكن، حتى يكون ممَّن يُحبُّهم الله - جل وعلا - ورد في الحديث القدسي: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه))؛ رواه البخاري.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] فقه السنة: (1/154).
[2] انظر: فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، (ص: 968 – 979).
طاهر العتباني
مآآآآجده
في هذا الحديث نجدُ أنَّ أحد رجال نجد ممَّن أسلم، ووفد على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة يسأل عن الإسلام، فنجد جوابَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُبيِّن أنَّ الإسلام هو:
1- خمس صلوات في اليوم والليلة.
2- صيام رمضان.
3- الزكاة.
وذَكَر له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن جِنس كلِّ عبادة من هذه العبادات تطوُّعًا، فذكر من جنس الصلاة نوافلَ وتطوُّعًا، ومن جنس الصيام صيامَ النفل، ومن جنس الزكاة الصدقةَ التي يتطوَّع بها المسلم.
فأدْبَر الرَّجل وهو يقول: "والله، لا أزيد على ذلك ولا أنقص"، فأخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه ((أفلح إن صدق)).
ونتناول في شرح هذا الحديث ما يلي:
أولاً: الصلوات الخمس، وما يلحق بها من التطوع.
ثانيًا: صيام رمضان، وما يلحق به من صوم التطوع.
ثالثًا: الزكاة وما يلحق بها من صدقة التطوع.
أولاً: الصلوات الخمس، وما يلحق بها من التطوع:الصلوات التي فَرَضها الله على المسلم هي خمس صلوات في اليوم واللَّيلة، وقد فُرِضت ليلةَ الإسراء على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خمسين صلاة، ثم خُفِّضت حتى وصَلَ عددُها إلى خمس صلوات فقط في اليوم واللَّيلة؛ ففي حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الإسراء والمعراج الذي رواه مالك بن صعصعة، قال: ((ثم فُرِضت عليَّ الصلاة خمسين صلاة كلَّ يوم، فرجعت فمررتُ على موسى، فقال: بِمَ أُمِرتَ؟ قلت: أمرتُ بخمسين صلاةً كلَّ يوم، قال: إنَّ أُمَّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلَّ يوم، وإنِّي والله قد جرَّبت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجعْ إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمَّتك، فرجعتُ، فوَضَع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضَعَ عنِّي عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فأُمِرت بعشر صلوات كلَّ يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأُمرت بخمس صلوات كلَّ يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بِمَ أمرت؟ قلت: أمرتُ بخمس صلوات كلَّ يوم، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمسَ صلوات كلَّ يوم، وإنِّي قد جربت الناس قبلَك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمَّتك، قلت: سألتُ ربي حتى استحييتُ، ولكن أرضى وأُسلِّم، فلمَّا جاوزت نادَى منادٍ: أمضيت فريضتي، وخففتُ عن عبادي))؛ رواه البخاري.
وعن عُبادة بن الصامت، قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد، مَن أتى بهنَّ لم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقهنَّ، كان له عند الله - تبارك وتعالى - عهد أن يُدخلَه الجنة، ومَن لم يأتِ بهن، فليس له عندَ الله عهد، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
وهذه الصلوات الخمس هي: صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء.
وقد كانت الصلاة قبلَ فرضها خمسًا صلاتَين اثنتين: ركعتان بالغداة، وركعتان بالعشي، وذلك في مكَّة قبلَ حادثة الإسراء والمعراج.
وقد ذكر الحقُّ - جلَّ وعلا - مواقيتَها في كتابه مجملة في آيتين؛ قال – تعالى -: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال – تعالى -: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ* وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17- 18].
وأما التطوُّع الذي سنَّه لنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من النوافل من جِنس هذه الفريضة العظيمة - الصلاة - فينقسم إلى تطوُّع مطلق، وتطوُّع مقيَّد:
والتطوع المطلق يُقتصر فيه على نية الصلاة؛ قال الإمام النووي: "فإذا شَرَع في تطوُّع، ولم ينوِ عددًا، فله أن يُسلِّم من ركعة، وله أن يَزيد فيَجعلها ركعتين أو ثلاثًا، وغير ذلك، وإن صلَّى عددًا لا يعلمه ثم سلم، صحَّ بلا خلاف"[1].
والتطوع المقيَّد ينقسم إلى:
ما شُرِع تبعًا للفرائض، ويُسمَّى السنن الراتبة، ويشمل سُنَّةَ كلٍّ من الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء:
1- سنة الفجر: وهي ركعتان قبلَ صلاة الفجر، وقد ورد في فضلها أحاديثُ؛ منها:
- ((رَكعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))؛ رواه أحمد ومسلم.
- ((لم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على شيءٍ من النوافل أشدَّ معاهدةً من الركعتين قبلَ الصبح))؛ رواه الشيخان.
2- سُنَّة الظهر: ورد أنَّها أربع ركعات، أو ستٌّ أو ثمان.
فعن ابن عمر قال: "حفظت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشرَ ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبلَ صلاة الصبح"؛ رواه البخاري.
وعن عبدالله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت: "كان يُصلِّي قبلَ الظهر أربعًا واثنتين بعدها"؛ رواه أحمد ومسلم.
وعن أمِّ حبيبة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعدها، حرَّم الله لحمَه على النار)؛ رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصحَّحه الترمذي.
فمِن هذه الأحاديث يتضح أنَّ السُّنة وردت بوجوه ثلاثة في نوافل الظهر:
الوجه الأول:أربع ركعات: ركعتان قبلها، وركعتان بعدها.
الوجه الثاني: أربع ركعات قبلها، واثنتان بعدها.
الوجه الثالث: أربع ركعات قبلها، وأربع بعدها.
3- سُنَّة العصر: وهي أربع ركعات قبل صلاة العصر، ولكنَّها غير مؤكَّدة كبقية النوافل التي ذكرت، وممَّا يدل على مشروعيتها حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَحِم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصحَّحه.
4- سنة المغرب: وهي ركعتان بعد المغرب، وقد ورد فيها قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى لله في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة، بني له بيت في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبلَ صلاة الفجر))؛ رواه مسلم، والترمذي.
5- سنة العشاء: وهي ركعتان بعد العشاء؛ وذلك لِمَا تقدَّم من الأحاديث، ولحديث المغيرة بن سليمان قال: سمعت ابن عمر يقول: ((كانت صلاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - ألاَّ يدع ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح))؛ رواه أحمد بسند جيِّد.
ومن التطوع أيضًا: ركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء، ولكنَّهما ليستا مؤكدتَين مثل الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء.
روى البخاري عن عبدالله بن مُغفَّل - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صلُّوا قبلَ المغرب، صلُّوا قبلَ المغرب، صلُّوا قبلَ المغرب، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء))؛ رواه البخاري.
وروى الجماعة من حديث عبدالله بن مغفَّل - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بينَ كلِّ أذانَين صلاة، بين كلِّ أذانَين صلاة، ثم قال في الثالثة: لِمَن شاء))؛ رواه الجماعة.
والأذانان هما: الأذان والإقامة.
ومن التطوع أيضًا - ولكنَّه غير مرتبط بالصلوات المفروضة -: الوتر وقيام الليل.
أمَّا الوتر، فهو سُنَّة مؤكَّدة حثَّ عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورغَّب فيه؛ فعن علي -رضي الله عنه - قال: إنَّ الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة؛ ولكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوتر، ثم قال: ((يا أهلَ القرآن، أوتروا فإنَّ الله وترٌ يُحبُّ الوتر))؛ رواه أحمد، وأصحاب السنن، وحسَّنه الترمذي.
وأمَّا قيام الليل، فقد أمر الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم- بقيام اللَّيل بقوله - تعالى -: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
ومدَح القائمين القانتين؛ فقال - جلَّ وعلا -: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
وقد كان قيام اللَّيل فرضًا في أوَّل البَعْثة؛ لقوله - تعالى - لنبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم –: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 1- 4].
وظلَّ المسلمون مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامًا كاملاً في مكَّة يُقيمون اللَّيل حتى نُسخت الفرضية، وأصبح قيام الليل والتهجُّد سُنَّة من سنن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد حافظ عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك، فكان لا يتركه إلاَّ مِن عذر.
ومن التطوُّع أيضًا: صلاة الضحى، وقيام رمضان، وصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، وغير ذلك ممَّا سنتعرض له في مواضعه - إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: صيام رمضان وما يلحق به من صيام التطوع:
وجوبُ صيام رمضان من المعلوم من الدِّين بالضرورة، وقد سَبَق أن تحدَّثْنا عن فرضية صيام رمضان في حديث جبريل المشهور.
والصيام قسمان: فرض، وتطوع.
والفرض ينقسم إلى:
1- صيام رمضان.
2- صيام الكفارات.
3- صيام النذر.
أمَّا صيام التطوع، فقد رغَّب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صيام الأيَّام التالية:
1- صيام ستة أيَّام من شوال:
عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((مَن صام رمضانَ ثم أتبعه ستًّا من شوال، فكأنَّما صام الدَّهر))؛ رواه الجماعة، إلاَّ البخاري والنسائي.
2-صيام عشر ذي الحجة:
عن حفصةَ - رضي الله عنها - قالت: "أربع لم يكنْ يدعهن رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: صِيام عاشوراء، والعشر - أي: من ذي الحجة - وثلاثة أيَّام من كل شهر، وركعتين قبلَ الغداة"؛ رواه أحمد، والنسائي.
3- صيام يوم عرفة لغير الحاج:
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صومُ يوم عرفة يُكفِّر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يُكفِّر سَنةً ماضية))؛ رواه الجماعة، إلاَّ البخاري والترمذي.
4- صيام يوم عاشوراء:
عن معاويةَ بنِ أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ هذا يوم عاشوراء، ولم يُكتب عليكم صيامُه، وأنا صائم، فمَن شاء صام، ومن شاء فليفطر))؛ رواه البخاري، ومسلم.
5- صيام المحرم:عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: ((الصلاة في جَوْف اللَّيل))، قيل: ثم أيُّ الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: ((شهر الله الذي تدعونه المحرَّم))؛ رواه أحمد، ومسلم.
6- صيام أكثر شعبان:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلاَّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثرَ منه صيامًا من شعبان))؛ رواه الشيخان.
7- صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع:عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أكثر ما يصوم يوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: ((إنَّ الأعمال تُعرَض كلَّ اثنين وخميس، فيغفر الله لكلِّ مسلم أو لكلِّ مؤمن، إلاَّ المتهاجرَين فيقول: أَخِّرهما))؛ رواه أحمد بسند صحيح.
8- صيام ثلاثة أيام من كل شهر:قال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -: أمرنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نصومَ من الشَّهر ثلاثةَ أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: ((هي كصوم الدهر))؛ رواه النسائي، وصحَّحه ابن حبان.
9- صوم يوم وفطر يوم:
عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال له: ((إنَّ بحسبك أن تصوم من كلِّ شهر ثلاثةَ أيَّام))، قال: فشددتُ فشدد عليَّ قال: فقلت: يا رسول الله، إني أجد قوَّة قال: ((فصمْ مِن كلِّ جمعة ثلاثة أيام))، قال: فشددت فشدد عليَّ، قال: فقلت: يا رسول الله، إني أجد قوَّة، قال: ((صم صومَ نبيِّ الله داود ولا تَزدْ عليه))، قلت: يا رسول الله، وما كان صيام داود - عليه السلام؟ قال: ((كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا))؛ رواه أحمد وغيره.
ثالثًا: الزكاة وما يلحق بها من صدقة التطوع:
وَرَد في شرح الحديث السابق حديثٌ مقتضب عن الزَّكاة باعتبارها أحدَ أركان الإسلام الخمس، وهي كفريضةٍ لها مِن جنسها تطوع؛ كما أخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((إلاَّ أن تطوَّع))، وهو ما يُطلق عليه صدقة التطوُّع؛ تمييزًا عن الزَّكاة المعلومةِ المقدارُ في كلِّ مال نامٍ من زروع وثمار، وإبل وبقر وغنم، ومن تجارة، ومن غيرها من الأموال كالنقدَين: الذَّهب والفِضَّة.
فالزكاة هي المقدارُ المعلوم الذي يخرج عن كلِّ مال نامٍ حال عليه الحول، أو كان غيرَ حوليٍّ وبلغ نصابًا.
أمَّا الصَّدقة فهي مقدارٌ غير معلوم، وإنَّما هو بحسب ما يتَّسع له عطاء المتصدق.
وقد ذكرت الزَّكاة في قوله – تعالى -: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24- 25].
وقد ذُكِرت صدقة التطوع في قوله – تعالى -: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
ولذا ورد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ في المال حقًّا سوى الزَّكاة))؛ أخرجه الترمذي، والدارمي، وضعَّفه الألباني.
الزكاة يُطلق عليها الصدقة مطلقًا، أمَّا التطوُّع، فيسمِّيه العلماء صدقةَ التطوُّع؛ تمييزًا له عن الصَّدقة المعلومة وهي الزَّكاة، وقد أوجب الحقُّ - جلَّ وعلا - التكافل بين المسلمين بكلٍّ من الزكاة وصدقة التطوُّع، وحضَّ على الإنفاق مطلقًا، وقال عن أصحاب الميمنة: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 11- 17].
وقد جَعَل بعضُ العلماء هذا التطوُّع من المال حقوقًا تجب فيه، وذكروا مِن هذه الحقوق[2]:
1- حق الزرع عند الحصاد: وهو غير الزكاة المفروضة فيه، بل هو صدقة تخرج مع أوَّل حصاد الزرع: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
2- حق الأنعام والخيل: بإعارتها وهبة منيحتها، كمنيحة العنز.
3- حق الضيف: فقد وردتِ الأحاديث الدالة على أنَّ للضيف حقًّا في مال أخيه المسلم الذي أضافه.
4- حق الماعون: وقد ذكره الله - تعالى - في كتابه بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4- 7].
ومعنى هذا: أنَّ إعارة الدَّلو والقِدر، والأشياء الصغيرة التي يحتاج إليها الجيرانُ بعضُهم من بعض من الحقوق في المال، روي عن ابن مسعود قال: "كنَّا نعدُّ الماعون على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عاريةَ الدَّلو والقِدر"؛ رواه أبو داود.
والتطوُّعُ من الصلاة والصيام والزَّكاة يَجبُر القصورَ الذي يحصل في الفرائض دونَ قصْد من الإنسان، فالنوافل سُورٌ يحمي الفرائض؛ ولذا وجب على المسلم الحق أن يَستزيد من هذه النوافل ما أمكن، حتى يكون ممَّن يُحبُّهم الله - جل وعلا - ورد في الحديث القدسي: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه))؛ رواه البخاري.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] فقه السنة: (1/154).
[2] انظر: فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، (ص: 968 – 979).
طاهر العتباني
مآآآآجده