هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    سياحة في مفهوم الإيمان

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال سياحة في مفهوم الإيمان

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح السبت 18 يوليو - 14:47

    أنا وأنت - أخي الداعيةَ - كلانا يتشوَّف لمعرفة حقيقة الإيمان، الذي به يَطهُر القلبُ، وتزكو النفسُ، ويَرشُد العقلُ، وتستقيم الجوارحُ.

    كلانا يحب أن يضفي الإيمانُ على حياته نوعًا من السكينة، والطمأنينةِ، وسعادةِ النفس، وراحةِ البال والضمير.

    كلانا يبحث عن صلاح قلبه، وانشراح صدره، وقَبول دعوته، في زمن أصبح الناس فيه يتسارعون وراء المنفعة والمادة لاهثين.

    فلتسمح لي أن آخذك - أخي الداعية - في جولة سريعة، أطوِّف بك وأسعى مع كلام رب العالمين، وأحاديثِ الصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - وأخبارِ الصحابة والتابعين، وأقوالِ العلماء الربانيين؛ لأقف أنا وأنت على معنى هذا الإيمان، الذي غرسه نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - في قلوب أصحابه، فعمرتْ بالتقوى، وحقَّقوا التوازن في حياتهم بصورة لا نظير لها، مجتهدين أن نتمثَّله في حياتنا وسلوكنا.

    الإيمان قول وعمل ونية:
    يعرِّف علماءُ السُّنة الإيمانَ، فيقولون: هو تصديق بالجَنَان[1]، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

    وهذه هي حقيقة الإيمان؛ إذ لا بد من اجتماع هذه الركائز الثلاث (التصديق، والقول، والعمل) ليتحقق الإيمان، فلو سقط أحدها بطَل الإيمان من أصله، وقد حكى إجماعَ الصحابة والتابعين على ذلك الإمامُ الشافعي حين صرح فقال:
    "وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين مِن بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر"[2].

    وقال ابن أبي العز الحنفي: "ذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وسائر أهل الحديث وأهل المدينة - رحمهم الله - وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين، إلى أنه تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"[3].

    وقال ابن القيم في نونيته:

    وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنَّ إِيمَانَ الوَرَى قَوْلٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ عَقْدُ جَنَانِ


    واعلم أيها الداعية المربِّي أن معنى قولهم: (تصديق بالجنان): إقرار القلب واعترافه بأن كلَّ ما أخبر به الله - عز وجل - أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما كان، وما هو كائن، وما سيكون - حقٌّ لاشك فيه ولا ريب، وأن تقوم بما أوجبه الله عليك من أعمال القلوب، كحبِّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وحبِّ أصحابه، وبُغضِ الكفر وأهله، والخوفِ من الله ورجائه، والتوكُّلِ عليه، والاستعانة به، وغير ذلك مما يدخل في أعمال القلوب، فهو داخل في مسمى الإيمان.

    و(قول اللسان): هو الإقرار بالشهادتين، ليس مجرد النطق بهما؛ بل التصديق بمعانيهما، والإقرار بهما ظاهرا وباطنًا، فهذه الشهادة هي التي تنفع صاحبَها عند الله - عز وجل.

    وأما (عمل الجوارح)، فالمراد به فعل أوامر الله، وترك نواهيه.

    وأدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان أكثر من أن تُحصى، فنذكر بعض ما يحصل به المقصود:
    فمن ذلك قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]، فقد وصَفَهم الله بصدق الإيمان؛ لإتيانهم بالأعمال الصالحة، التي هي لازِمُ عمل القلب وثمرتُه.

    ومنه أيضًا قوله - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4]، فتأمل كيف وصفهم الله بأنهم المؤمنون حقًّا لما أتوا بالأعمال الصالحة، فدلَّ على دخولها في الإيمان، وأنها جزء منه.

    وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((آمُرُكُمْ بِالإيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الْخُمُسَ))[4]، فقد فسَّر - صلى الله عليه وسلم - الإيمانَ في الحديث بالعمل الصالح.

    إشكال وجواب حول معنى الإيمان:
    ولكن يشكل على هذا المعنى حديثُ جبريلَ المشهورُ في الصحيح، عن عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثِّياب، شديدُ سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتَيْه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيْه على فَخِذَيْه، وقال: يا محمدُ، أخبرْني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقيمَ الصلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً))، قال: صدقتَ، قال: فعجبنا له؛ يسأله ويصدِّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمنَ بالقدر خيره وشره))، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ((ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل))، قال: فأخبرني عن أَمَارتِها؟ قال: ((أن تلد الأمَةُ ربَّتَها، وأن تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالةَ رِعاءَ الشاءِ، يتطاولون في البنيان))، قال: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال لي: ((يا عمرُ، أتدري من السائل؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه جبريلُ، أتاكم يعلِّمكم دينَكم))[5] .

    فموطنُ الإشكال في هذا الحديث: هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسَّر الإيمان بالأعمال الباطنة فقط، وفسَّر الإسلام بالأعمال الظاهرة، مع أن مذهب أهل السنة، وإجماع الصحابة والتابعين - كما تقدم - والذي تؤيده النصوصُ الشرعية الأخرى، أن الإيمان قول وعمل ونية؛ أي: إنه شامل للأعمال الباطنة والظاهرة، فكيف يُحلُّ هذا الإشكالُ؟

    قبل الإجابة، ينبغي أن يُعلَم أثرُ هذا الإشكال، فقد بُني عليه مسألةٌ عند أهل العلم، وهي: هل الإسلام والإيمان شيء واحد؟ أو هما شيئان مختلفان؟ خلاف بين أهل العلم.

    وليس من غاية مقالنا هذا الخوضُ في هذا الخلاف وتفاصيله؛ بل نكتفي بذِكر الراجح الذي تؤيده الأدلة من الكتاب والسنة، والذي عليه جماهير أهل العلم.

    فحلُّ الإشكال:
    التفصيل في المسألة، وهو أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وشيئان مختلفان في ذات الوقت؛ بمعنى: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا جاء ذِكرُهما في موطن مشترك، وسياق واحد، انصرَفَ معنى الإسلام إلى الأعمال الظاهرة، وانصرف معنى الإيمان إلى الأعمال الباطنة؛ كما في حديث جبريل، أما إذا ورد ذكر أحدهما دون الآخر، فُسِّر بالمعنيين جميعًا، ولا فرق بينهما حينئذٍ.

    وقد أبان عن هذه القاعدةِ ابنُ تيمية في "مجموع الفتاوى"، حين قال: "لكن التحقيق ابتداء هو ما بيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سُئل عن الإسلام والإيمان، ففسَّر الإسلامَ بالأعمال الظاهرة، والإيمانَ بالأصول الخمسة، فليس لنا إذا جمعنا بين الإسلام والإيمان أن نجيب بغير ما أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمَّا إذا أُفرد اسمُ الإيمان، فإنه يتضمن الإسلام، وإذا أفرد الإسلام، فقد يكون مع الإسلام مؤمنًا بلا نزاع، وهذا هو الواجب"[6].

    وزيادةً في التوضيح والبيان:
    "إن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسمَّيات متعددةٍ عند إفراده وإطلاقه، فإذا قُرن ذلك الاسمُ بغيره، صار دالاًّ على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دالٌّ على باقيها، وهذا كاسم الفقير والمسكين، فإذا أُفرد أحدهما دخل فيه كلُّ مَن هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دلَّ أحدُ الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات، والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودلَّ بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإذا قورن بينهما دلَّ أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده، ودل الآخر على الباقي"[7].

    القلب أولاً:
    والقلب تلك المضغة الصغيرة التي أودعها الله في ذلك الجسد الإنساني، لها أهمية كبرى في العملية التربوية الإيمانية؛ فهي أساس الإيمان ومادته، جعلها الله محلاًّ لعبوديته، وموقع نظر الحقِّ إليها؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللهَ لا ينظُرُ إلى صُورِكُم وأموالِكُم، ولكن ينظُرُ إلى قُلُوبِكُم وأعمالِكُم))[8]، "فلا عبرةَ بحُسن الظاهر، وزُخرف اللسان، مع خُبث الجَنَان"[9].

    ولما كان القلب محلَّ الإيمان، والعبودية، ونظرِ الربِّ إليه، لم يكن ادِّعاء رسوخ الإيمان فيه سهلاً؛ بل لا بد من المجاهدة، وتعاهده بالتزكية والتربية الروحية؛ حتى يستقرَّ فيه الإيمان ويرسخ، ولذلك بيَّن الله - سبحانه وتعالى - في كتابِه انتفاءَ رسوخ الإيمان في قلوب الأعراب، الذين ادَّعَوا مقام الإيمان لما دَخلوا في الإسلام، فردَّ الله عليهم بكونه لم يدخل في قلوبهم بعدُ، وأثبت لهم المشاركة في أعمال الإسلام الظاهرة، مع نوع إيمان يصحح لهم العمل[10]؛ قال - تعالى -: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].

    وليس المعنى أن هؤلاء الأعراب كانوا منافقين، فنفى الله عنهم الإيمان؛ بل كانوا مسلمين لم يستحكم الإيمانُ في قلوبهم، ولم يصلوا إلى حقيقته بعدُ، فأنكر الله عليهم؛ لادِّعائهم لأنفسهم مقامًا أعلى مما وصلوا إليه.

    وكان الأولى بهم أن يجاهدوا في طاعة ربِّهم، حتى يتمكَّنَ الإيمان من قلوبهم؛ لأن الإيمان أخصُّ من الإسلام، ويدلُّ على ذلك حديثُ جبريلَ السابقُ ذِكرُه حين سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقَّى من الأعمِّ إلى الأخص، ثم للأخص منه[11].

    فكان لزامًا عليك - أيها الداعيةُ - أن تولي قلبَك اهتمامًا كبيرًا بالتربية والتزكية له؛ فالله - عز وجل - قد جعله مَلِكًا على بقية الجوارح، فما من حركةٍ إرادية يقوم بها عضوٌ من الأعضاء إلا وتأتي استجابةً طبيعية لإرادة القلب وأوامره، فبصلاحه صلاحُ الجسد والأعمال، وبفساده فسادُ الجسد والأعمال؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلْبُ))[12].

    وتأمّل قوله - تعالى -: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، فلما كانت محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته - مبدؤها من القلب، جعله الله موطنَ الإيمان ومحلَّه، فقال: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}.

    ويعلِّق السعدي على هذه الآية، فيقول: "وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان؛ أي: رسمه وثبَّته، وغرسه غرسًا، لا يتزلزل، ولا تؤثِّر فيه الشُّبهُ والشكوك، وهم الذين قوَّاهم الله بروحٍ منه؛ أي: بوحيه ومعرفته ومدده الإلهي، وإحسانه الرباني، وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جنات النعيم في دار القرار، التي فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتَلذُّ الأعين وتختار، ولهم أفضل النعيم وأكبره، وهو أن الله يُحِلُّ عليهم رضوانَه فلا يسخط عليهم أبدًا، ويرضون عن ربِّهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات، ووافرِ المثوبات، وجزيلِ الهبات، ورفيعِ الدرجات، بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية، ولا وراءه نهاية"[13].

    وجاء في سورة النحل قوله - تعالى -: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

    وهذه الآية نزلت في عمار بن ياسر - رضي الله عنه - وقصةُ نزولها رواها ابنُه محمدٌ، فقال: أخذ المشركون عمَّارَ بنَ ياسرٍ فلم يترُكوه حتى سبَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتَهم بخيرٍ، ثم تركوه، فلما أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما وراءك؟))، قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تُرِكتُ حتى نلتُ منك، وذكرتُ آلهتَهم بخيرٍ، قال: ((كيف تجد قلبك؟))، قال: مطمئنّ بالإيمان، قال: ((إن عادُوا فعُدْ))[14].

    فلما كان قلب عمار يفيض بالإيمان، مطمئنًّا به، لم يضرَّه ما تلفَّظ به من كلمة الكفر، وسبِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حالَ الإكراه؛ لأن القلب أساس الإيمان، فإذا كان أساس البنيان راسخًا صلبًا، ذا قواعد متينة، لم تؤثِّر فيه العوارضُ والحوادث الطارئة؛ ولهذا فإن أول ما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قلبه، ولم يسأله عن قوله، فلما أجاب عمار إجابةَ المؤمنِ المطمئن بإيمانه، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن عادوا فعد))؛ أي: لا يضرك ما تقول حال الإكراه، ولو كانت كلمة الكفر، ما دام أن قلبك يفيض إيمانًا وحبًّا لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.

    نعم أيها الداعية المربي، سؤال يجب أن تكون صريحًا في الإجابة عليه: كيف تجد قلبك تجاه ربِّك ونبيِّك؟

    كيف تجد قلبك؟ هل يمتلئ حبًّا لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وينبض شوقًا لهما؟ هل حبك لهما مقدَّم على حبِّ من سواهما؟ إن من لوازم تقديم حبِّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على كل شيء: طاعتَهما فيما أمرا، واجتناب ما عنه نهيا، ولو خالف ذلك هواك، فهل أنت تفعل ذلك في أمرك كلِّه؟ ثِقْ تمامًا أنك لن تجد حلاوةَ الإيمان في قلبك حتى يكون اللهُ ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما.

    اسأل نفسك: ما هو مقدار توكُّلِك على ربك، واستعانتِك به، ورجائِك فيه، وخوفِك منه، ومحبَّتِك له، وإنابتِك إليه، وتفويضِ جميع أمورك إليه؟

    إذ ليس الإيمان بالتحلِّي ولا بالتمنِّي، ولكن بما وقر في قلبِك، وهذا ما يفسر لنا سبْقَ أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "ما سبقَكُم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكن بشيءٍ وقر في صدره"[15]، وقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لو وُزن إيمانُ أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض، لرجح بهم"[16].

    وقد أفاض حُجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحيائه" الكلام عن أهمية القلب، وتربيته وتزكيته بعلوم الآخرة، وأن الصحابة الذين تخرَّجوا في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ممَّن لا يُدرَك في الدِّين شأوُهم، ولا يُشقُّ غبارُهم، لم يَسبقوا الناس، ولم يفضلوا عليهم بالفقه والكلام؛ وإنما بعلم الآخرة وسلوك طريقها، فأذكر قبسًا من ذلك:
    قال - رحمه الله -: "لا تَغفُل عن الصحابة وعلوِّ منصبهم، فقد أجمع الذين عرضت بذكرهم على تقدُّمهم، وأنهم لا يدرك في الدين شأوهم، ولا يشق غبارهم، ولم يكن تقدمهم بالكلام والفقه؛ بل بعلم الآخرة وسلوك طريقها، وما فضل أبو بكر - رضي الله عنه - الناسَ بكثرة صيام ولا صلاة، ولا بكثرة رواية ولا فتوى ولا كلام؛ ولكن بشيء وقر في صدره.

    فليكن حرصك في طلب ذلك السر؛ فهو الجوهر النفيس، والدر المكنون، ودع عنك ما تطابق أكثرُ الناس عليه، وعلى تفخيمه وتعظيمه لأسباب ودواعٍ يطول تفصيلها، فلقد قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آلاف من الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم علماء بالله، أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فيهم أحد يحسن صنعة الكلام، ولا نصب نفسه للفتيا منهم أحد إلا بضعة عشر رجلاً، ولقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - منهم، وكان إذا سئل عن الفتيا يقول للسائل: اذهب إلى فلان الأمير الذي تقلد أمور الناس، وضعها في عنقه، إشارة إلى أن الفتيا في القضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة.

    ولما مات عمر - رضي الله عنه - قال ابن مسعود: مات تسعة أعشار العلم، فقيل له: أتقول ذلك وفينا جلة الصحابة؟ فقال: لم أُرِدْ علم الفتيا والأحكام؛ إنما أريد العلم بالله - تعالى.

    أفترى أنه أراد صنعة الكلام والجدل؟! فما بالك لا تحرص على معرفة ذلك العلم الذي مات بموت عمر تسعةُ أعشاره؟! وهو الذي سد باب الكلام والجدل، وضرب صبيعًا بالدرّة لما أورد عليه سؤالاً في تعارض آيتين في كتاب الله وهجره، وأمر الناس بهجره.

    واعلم أن ما يُنال به الفضل عند الله شيءٌ، وما ينال به الشهرة عند الناس شيء آخر، فلقد كان شهرة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بالخلافة، وكان فضله بالسر الذي وقر في قلبه، وكان شهرة عمر - رضي الله عنه - بالسياسة، وكان فضله بالعلم بالله الذي مات تسعة أعشاره بموته، وبقصده التقرب إلى الله - عز وجل - في ولايته، وعدله وشفقته على خلقه، وهو أمر باطن في سره"[17].
    .
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: سياحة في مفهوم الإيمان

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح السبت 18 يوليو - 14:49

    وما أحلى ما وصف به أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الإيمانَ حين قال: "إن الإيمان يبدو لُمْظَةً[18] بيضاءَ في القلب، فكلما ازداد الإيمان عِظمًا، ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان، ابيضَّ القلبُ كله، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد النفاق عظمًا، ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق، اسودَّ القلب كله، وايم الله لو شققتم عن قلب مؤمن، لوجدتموه أبيضَ، ولو شققتم عن قلب منافق، لوجدتموه أسودَ.

    قال: واللمظة هي الذوقة، وهو أن يَلمُظَ الإنسانُ بلسانه شيئًا يسيرًا؛ أي: يتذوقه، فكذلك القلب، يدخل فيه من الإيمان شيءٌ يسير، ثم يتسع فيه فيكثر"[19].

    إن أكثرنا يشعر بوحشةٍ، وبُعدٍ، وانقطاعٍ في علاقته مع ربه، سببُ تلك الوحشة ذلك الران الذي عشعش في قلوب الكثيرين، وأحاط بها من كل جهاتها؛ يقول - تعالى -: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

    الران الذي بسببه قستِ القلوب، فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، فما عادت تتأثر لكلام الله.

    الران الذي بسببه جفَّتِ العيون، فما عادت تدمع من خشية الله.

    الران الذي بسببه ضعف تأثير كلامنا في الناس، حتى غدا كلامًا منمقًا لا روح فيه.

    الران الذي بسببه تداعتْ علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.

    الران الذي بسببه ضعف إيماننا، وتخبطنا في دعوتنا، فما عاد بعضنا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا.

    وعدِّدْ ما شئتَ من آثار بُعدِنا عن ربِّنا، وفتِّشْ جيدًا عن نتائج جفوة قلوبنا عن خالقنا، أجزم أنك سترى أمورًا كثيرة خسرناها، ولكن إلى الله المشتكى.

    فيا أيها الداعية:
    يا من ارتضيتَ سلوك طريق الأنبياء والرسل، يجب عليك ألا تغفل قلبك؛ لأن من ضيَّع إيمان القلب، فلا إيمان له، فينبغي أن تتعاهده بالتزكية والتربية، والتخلية والتحلية[20]، حتى يصير قلبًا حيًّا يقظًا، يتأثر بالطاعات والعبادات، وعند سماع المواعظ والآيات؛ قال - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

    فلما كان المنافقون لا يدخل قلوبَهم شيءٌ من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكَّلون، ولا يصلُّون إذا غابوا، ولا يؤدُّون زكاة أموالهم، أخبر الله - تعالى - أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف الله المؤمنين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فأدَّوا فرائضه، {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}؛ أي: زادتهم تصديقًا، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}؛ أي: لا يرجون غيره[21].

    وهذه صفة المؤمن كامل الإيمان، مجرد أن يُذكَّر بالله ووعيده، يفزع قلبُه ويخاف، ويقوم بما أوجبه الله عليه على أكمل وجه، وأحسن حال، فإذا ما تُليت عليه آيات الله، تأثَّر بها، وزادتْه إيمانًا إلى إيمانه؛ لأن قلبه حيٌّ، فهو دائم اليقظة والانتباه، وذلك بخلاف صاحب القلب الميت الذي إذا ذكِّر لا يتذكَّر، وإذا تليت عليه الآيات لا يتأثر؛ بل ربما يصعب عليه أن يمسك بالمصحف ليقرأ شيئًا من كتاب الله، أو يقوم بين يديه مصليًا، فهو ضعيف في ذاته، معلِّقٌ قلبَه بغير ربه، نعوذ بالله أن نكون من أصحاب القلوب الميتة، ونسأله أن يجعلنا ممن أحيا قلوبَهم بمعرفته، وتعلقت به، وملأها بفيض الإيمان به، وجميل التوكل عليه.

    تلازم العلاقة بين القلب واللسان والجوارح:
    ثم اعلم أن العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح، علاقةٌ تلازميَّة، بمعنى أنه لا يمكن أن يدَّعي عبدٌ الإيمانَ بقلبه، ثم يظلُّ معرضًا، لا يعمل صالحًا، ولا ينتهي عن منكر، فإن هذه الدعوى مع كونها غيرَ نافعة شرعًا، إلا أنها كذلك غير موجودة واقعًا؛ ذلك أن مَن وقَرَ الإيمانُ في قلبه، انطلقتْ جوارحُه بالعمل، ولسانُه بالشهادة.

    قال الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي؛ ولكن شيء وقر في القلب، وصدَّقه العمل"[22].

    فبالله، كيف يستقيم إيمان رجل صلَّى الفرائض الخمس في الصف الأول جماعةً في المسجد، وقلبُه لاهٍ في أمور دنياه، ومعرِض عن ربه ومولاه؟!

    أم كيف يستجاب دعاء مسلمٍ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه جرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام؟!

    بل كيف تُقبل حسنات العبد، وقد ضرَبَ هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، ولو كانت حسناته أمثالَ جبال تهامة؟!

    فلا بد أن تعلم أن للإيمان حقيقةً لا بد أن يجدها الإنسان في نفسه، وأنه ليس ادِّعاءً فقط، ولا كلماتٍ يتلفظ بها اللسان فحسب، ولا هو أمنية يتمناها المرء ويحلم بها.

    بل إن المؤمن الحقَّ من اجتمع فيه صدقُ توجُّه قلبه إلى الله، وسلامتُه من الآثام، وترطيبُ لسانه بذِكر الله، وعفَّتُه عن الحرام قولاً، ومطعمًا، ومشربًا، مع عمل الصالحات، والتقرُّب إلى الله بأنواع القربات، وسلامة جوارحه من الخطايا والزلات.

    زيادة الإيمان ونقصانه:
    ولقد اعتنى أئمةُ الحديث أيَّما اعتناء بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمانُ بضعٌ وسبعُون - أو بضعٌ وستون - شُعبةً، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان))[23]، وعدوه أصلاً لإدخال الطاعات في الإيمان، وعدوها من شُعَبِه.

    وفيه بيان أن الإيمان أصلٌ له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيمانًا، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الصوم والحج والزكاة، والأعمال الباطنة، كالحياء، والتوكل، والاستعانة، والخوف، والرجاء، والمحبة، وغيرها.

    وهذه الشُعَبُ منها ما يزول الإيمانُ بزوالها، كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها، كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتًا عظيمًا، منها ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقربَ، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى، ويكون إليها أقربَ.

    وعلى هذا؛ فإن إيمان العبد يزيد بمقدار تحقُّق شعب الإيمان من نفسه، ويقلُّ بقدر انتفاء بعضها عنه، فمَن صلى - زيادة على الفرائض - الرواتب من السنن، وأجهد نفسه في قيام الليل، وأكثَرَ من نوافل الصلاة، لا يمكن أن يستويَ إيمانُه بمن اقتصر على الفرائض الخمس، وكذا إيمان من صام رمضان، وإيمان من زاد عليه عاشوراء، ويوم عرفة، والست من شوال، وأيام البيض، والاثنين والخميس، لا شك أنهما لا يستويان، وفرقٌ كبير بين من ينفق في سبيل الله، وفي قلبه ثقةٌ ويقين صادق بأن الله سيخلفه في ماله، وبين من ينفق ليجرب على الله، وقسْ على ذلك أمورَ حياتك وعباداتك كلها.

    آخر الكلام:
    وختامًا: نقول لك أخي الداعية: إن بداية الإصلاح إنما تكون بربط القلوب بالله وغرس الإيمان فيها، وبداية التغيير تبدأ من النفس؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

    والمعنيون بالتربية، والعاملون في حقل الدعوة، هم أولى الناس بإدراك هذه المعاني؛ لأن الضعف في إيمان القلب، أو التقصير في عمل الجوارح، يؤثِّر كلٌّ منهما على الآخر، وبالتالي ينسحب هذا الضعف على دعوتهم وتأثيرهم في الناس.

    ومما يؤسَف له أشد الأسف أن ترى الضعفَ الإيماني، قد بدأ يشق طريقَه إلى قلوب هذه الفئة من الناس، الذين يُفترَض فيهم أن يكونوا دعاةَ خيرٍ وصلاح، فبدأتِ المعاني الإيمانية التي حرَصوا على تحصيلها منذ التحاقهم بركب الدعوة، تتسرَّب من قلوبهم يومًا فيومًا، حتى قستِ القلوبُ، وذبلتْ فيها شجرةُ الإيمان، بعد أن كان صاحبها مضربَ المثل في السباق إلى الله، والجَلَد في طاعته، والصبر عن معصيته.

    بالطبع لا نعمم الحكم على جميع الدعاة، ففي إخواننا من هم أهلٌ لتنَزُّل الكرامات عليهم، واستجابة الله لدعائهم، وما ذاك - وربي - إلا لقوة إيمانهم، وكثرة أعمالهم، وعفتهم وطهارتهم وتقواهم؛ لكن في الغالب - والله المستعان - غدتْ هذه الظاهرة ملاحظةً في كل مكان.

    وهي من الظواهر الخطيرة في مجتمع الدعاة والمربِّين العاملين لخدمة الإسلام والمسلمين؛ لأنك إن تأملتَ أحوالهم، وخالطتَ أشخاصهم، وحدَّقتَ في وجوهم، رأيتَ هزال الإيمان في القلوب، وذبولَ الناحية العبادية، وضعْفَ الصلة بالله - عز وجل.

    تذكَّرْ جيدًا أننا لا نتحدث عن عوام الناس، إنما نتحدث عن أناس فيهم خير كبير، عن رجال يعملون للإسلام!

    فإذا رأيتَ صلاتَهم، وجدتَ ضعف الخشوع، والتأخُّر عنها، وفواتَ بعضها، هي السمة البارزة فيهم، وإذا التفتَّ إلى حالهم مع كتاب ربِّهم، ألفيتَ انقطاعهم عن قراءته، وهجر العمل بكثير من أحكامه، وعدم التأثُّر والتفاعل عند سماع حِكَمه وعِظاته، وإذا فاتتْه طاعةٌ، لم يؤنِّبْه ضميرُه ولو ساعة.

    فكان من نتيجة ذلك أنْ قستْ قلوبُهم، فقحطتْ أعينُهم، وضعُف شعورُهم وتأثُّرُهم بكل ما يتصل بالآخرة قولاً وعملاً، فصار إطلاق الداعية عليهم اسمًا من غير مسمى.

    إن مَن هذا حاله مع مولاه، كيف يتأتَّى له التوفيق والسداد في دعوته وحركته؟! فهو يريد إصلاح قلوب الناس وما أصلَحَ قلبَه! ويتمنَّى إسعاد الآخرين وما أسعد روحَه! كيف له ذلك وفاقد الشيء لا يعطيه؟!

    فتأمَّل أخي الداعية في حالك وإيمانك، وقفْ على مكانِ الجرح وموضعِ الخلل من نفسك؛ ليخف الألم أو يزول، فإن الله ما أنزل من داءٍ إلا أنزل له دواءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جهله، فأسأل الله - عز وجل - أن يعلِّمَنا ما جهلنا، وأن يلهمنا الصواب في أعمالنا وأقوالنا، وأن يوفِّقنا دائمًا للنهوض بأمَّتنا؛ لتكون في مصافِّ الأمم جميعًا، وما ذلك على الله بعزيز.

    مراجع المقال:
    1- إحياء علوم الدين، محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد، دار المعرفة - بيروت.
    2- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار الهداية، تحقيق: مجموعة من المحققين.
    3- تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، أبو الفداء، دار الفكر - بيروت، 1401هـ.
    4- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1421هـ - 2000م، تحقيق: ابن عثيمين.
    5- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، زين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين البغدادي، دار ابن الجوزي - الرياض، 1423هـ، الطبعة الرابعة، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد.
    6- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني، دار الراية، السعودية - الرياض، 1419هـ - 1999م، الطبعة الثانية، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي.
    7- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم، دار طيبة - الرياض - 1402، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان.
    8- شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي - بيروت - 1391، الطبعة الرابعة.
    9- شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار الكتب العلمية - بيروت - 1410، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول.
    10- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل، أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار ابن كثير , اليمامة - بيروت - 1407 - 1987، الطبعة الثالثة، تحقيق: د.مصطفى ديب البغا.
    11- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي.
    12- غريب الحديث، القاسم بن سلام الهروي، أبو عبيد، دار الكتاب العربي - بيروت - 1396، الطبعة الأولى، تحقيق: د. محمد عبدالمعيد خان.
    13- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المكتب الإسلامي - بيروت - 1407هـ، الطبعة الثالثة، تحقيق: عبدالرحمن يحيى المعلمي.
    14- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق - بيروت - 1402هـ، الطبعة العاشرة.
    15- فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبدالرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى - مصر - 1356هـ، الطبعة الأولى.
    16- كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد عبدالحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.
    17- المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية - بيروت - 1411هـ - 1990م، الطبعة الأولى، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا.
    18- مسند إسحاق بن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، مكتبة الإيمان - المدينة المنورة - 1412 - 1991، الطبعة الأولى، تحقيق: د. عبدالغفور بن عبدالحق البلوشي.
    19- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت.
    20- المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب، أبو القاسم الطبراني، مكتبة الزهراء - الموصل - 1404 - 1983، الطبعة الثانية، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي.
    21- نوادر الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - محمد بن علي بن الحسن، أبو عبدالله الحكيم الترمذي، دار الجيل - بيروت - 1992م، تحقيق: عبدالرحمن عميرة.

    ــــــــــــــــــــ
    [1] الجَنَان: القلب، سمي به؛ لاستتاره في الصدر، أو لوعيه الأشياء وضمِّه لها، انظر: "تاج العروس" (34/365).
    [2] كما في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، اللالكائي (5/886، 887).
    [3] "شرح العقيدة الطحاوية"، ابن أبي العز الحنفي (ص 373).
    [4] متفق عليه، أخرجه البخاري (1/45) ومسلم (1/47/17) من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنه.
    [5] أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/36/8).
    [6] "مجموع الفتاوى" (7/259، 260).
    [7] "جامع العلوم والحكم"، ابن رجب الحنبلي (ص 60).
    [8] أخرجه مسلم في "صحيحه" (2564) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
    [9] "فيض القدير"، للمناوي (5/50).
    [10] ينظر: "جامع العلوم والحكم"، ابن رجب الحنبلي (ص 65).
    [11] ينظر: "تفسير القرآن العظيم"، لابن كثير (4/220).
    [12] متفق عليه، أخرجه البخاري (1/28) ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه.
    [13] "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، عبدالرحمن السعدي (ص 848).
    [14] أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/389) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
    [15] أخرجه الترمذي الحكيم في "النوادر" (3/55) من قول أبي بكر بن عبدالله المزني، قال أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/23): "ولم أجده مرفوعًا".
    [16] أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (3/671، 672)، وروي مرفوعًا أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند ضعيف، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص335) وصحَّح وقفه، وضعَّف رفعه.
    [17] "إحياء علوم الدين"، لأبي حامد الغزالي (1/23).
    [18] قال الأصمعي: اللمظة هي مثل النكتة ونحوها من البياض؛ "غريب الحديث"، لابن سلام (3/460).
    [19] أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (1/70).
    [20] التخلية: تكون بتخليص القلب من الآثام والسيئات والأمراض القلبية، ومداواة ذلك بالاستغفار.
    والتحلية: تكون بالحسنات والتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، من ذكر وصلاة، ودعاء وقراءة قرآن، وغيرها.
    [21] ينظر: "تفسير القرآن العظيم"، لابن كثير (2/286).
    [22] أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/163).
    [23] أخرجه البخاري (1/12) ومسلم (1/63/35) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

    بدر جزاء الدوسري
    مآآآآآجده
    شمس النصر
    شمس النصر
    درع التميز
    درع التميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 776
    العمر : 35
    نقاط التميز : 6405
    السٌّمعَة : 15

    سؤال رد: سياحة في مفهوم الإيمان

    مُساهمة من طرف شمس النصر الأحد 19 يوليو - 10:28

    سياحة في مفهوم الإيمان %20الله%20خيرا
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: سياحة في مفهوم الإيمان

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح الأحد 19 يوليو - 12:47

    اسعدنى تواجدك الطيب
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: سياحة في مفهوم الإيمان

    مُساهمة من طرف مدير عام الثلاثاء 11 أغسطس - 6:26


    بارك الله فيك ماجده

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 10:33