كان يَقِف بين أصحابه حينما رآها مِن بعيد؛ امرأة عجوز تخطَّى عمرها الثمانين عامًا، تسير بخُطوات وئيدة، وصوتُها يكاد لا يُسمَع، رآها وقد خطَّ الزمانُ خطوطًا على وجهها، أمَّا ظهرها فقدِ انحنى؛ لأنَّه ما عاد يَقوَى على أثقال الزمان، وقَدَمَاها ما عادتْ تقوى على السَّير، فاتَّخذتْ ساقًا ثالثة، ولكنَّها من فروع الأشجار، وكان كلُّ شيء حولَها لا يشعر بوجودها، حتى دوابُّ الأرض ما عادتْ تَفِرُّ من أمامها، ولكنَّها ما زالت رغمَ عمرها المديد تتمتَّع بذاكرة برَّاقة، تَذكُر بها كلَّ جميل في هذه الحياة.
تَرَك أصحابَه وذهبَ إليها، ومدَّ لها عباءتَه وأجلسها، وظلاَّ يتحدثانِ فترةً من الزمن، وكأنَّه اختلس هذه اللحظاتِ؛ ليستعيدَ معها ذِكرياتٍ ما زالتْ تداعبه وتؤانِسُه.
وحينما عاد إلى أصحابِه سألوه: مَن هذه يا رسولَ الله؟ قال: هذه كانتْ تأتينا أيَّام خديجةَ.
يالله! ما زالَ يَذكُر خديجة، ويذكُر مَن كانت تجلس مع خديجة، رغمَ ما لديه من مسؤوليات جِسام، ورغمَ مَن معه مِن زوجات.
جلس معها ليتذاكرَا أيَّام خديجة، يذكرها عندما استمأنتْه على تجارتِها، وحينما طلبتِ الزواج منه، يذكرها عندما زمَّلتْه بحنانها، وأنفقتْ عليه من مالها، ويذكر تثبيتَها له "كلاَّ والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنَّك لتَحملُ الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتُكسِب المعدوم، وتُعين على نوائب الحقِّ"، يذكر تصديقَها إيَّاه أنَّه رسول الله إلى الناس كافَّة، يذكرها وكأنَّه يرسم من حروف كلماتِها وجهَ خديجة، وصوتَ خديجة، ورائحةَ خديجة.
يشعر وكأنَّه يحتاج إلى دفء الحياة، فلا يجده إلاَّ بذِكْر هذه الحبيبة التي تزوجتْه شابًّا، ورعتْه نبيًّا، وكانت له حرمًا آمنًا من مشقَّاتِ الطريق، وظُلمِ القريب والبعيد.
ما زال يذكرها، يا له مِن وفاء يَندرُ وجودُه في ظلِّ المادية الطاحنة!
إنَّ الرجل فينا إذا أراد الهروبَ من منغصَّات له مع أهله، جاء بأخرى، فيُصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار، فبدلاً من أن يُمهِّد الطريق لحياة زوجيَّة هانئة، نجده يزيد في وعورة الطريق، وينسى ما قدمتْه له من حياتها.
ولكن رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا ينسى، ما زالَ يذكر زوجتَه الأولى، ولِمَ لا، وهو رمزٌ للوفاء إذا ضنَّ الزمان بأزواج أوفياء؟!
ناصر فرج خطاب
مآآآآآجى
تَرَك أصحابَه وذهبَ إليها، ومدَّ لها عباءتَه وأجلسها، وظلاَّ يتحدثانِ فترةً من الزمن، وكأنَّه اختلس هذه اللحظاتِ؛ ليستعيدَ معها ذِكرياتٍ ما زالتْ تداعبه وتؤانِسُه.
وحينما عاد إلى أصحابِه سألوه: مَن هذه يا رسولَ الله؟ قال: هذه كانتْ تأتينا أيَّام خديجةَ.
يالله! ما زالَ يَذكُر خديجة، ويذكُر مَن كانت تجلس مع خديجة، رغمَ ما لديه من مسؤوليات جِسام، ورغمَ مَن معه مِن زوجات.
جلس معها ليتذاكرَا أيَّام خديجة، يذكرها عندما استمأنتْه على تجارتِها، وحينما طلبتِ الزواج منه، يذكرها عندما زمَّلتْه بحنانها، وأنفقتْ عليه من مالها، ويذكر تثبيتَها له "كلاَّ والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنَّك لتَحملُ الكَلَّ، وتَقري الضيف، وتُكسِب المعدوم، وتُعين على نوائب الحقِّ"، يذكر تصديقَها إيَّاه أنَّه رسول الله إلى الناس كافَّة، يذكرها وكأنَّه يرسم من حروف كلماتِها وجهَ خديجة، وصوتَ خديجة، ورائحةَ خديجة.
يشعر وكأنَّه يحتاج إلى دفء الحياة، فلا يجده إلاَّ بذِكْر هذه الحبيبة التي تزوجتْه شابًّا، ورعتْه نبيًّا، وكانت له حرمًا آمنًا من مشقَّاتِ الطريق، وظُلمِ القريب والبعيد.
ما زال يذكرها، يا له مِن وفاء يَندرُ وجودُه في ظلِّ المادية الطاحنة!
إنَّ الرجل فينا إذا أراد الهروبَ من منغصَّات له مع أهله، جاء بأخرى، فيُصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار، فبدلاً من أن يُمهِّد الطريق لحياة زوجيَّة هانئة، نجده يزيد في وعورة الطريق، وينسى ما قدمتْه له من حياتها.
ولكن رسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا ينسى، ما زالَ يذكر زوجتَه الأولى، ولِمَ لا، وهو رمزٌ للوفاء إذا ضنَّ الزمان بأزواج أوفياء؟!
ناصر فرج خطاب
مآآآآآجى