كثيرٌ مما يحدُث في حياتنا يأخذ نظامًا قريبًا من المتوالية الحسابيَّة، فإذا حَدَث عُطلٌ في السيارة - مثلاً – وأُهمِل، تطوَّر إلى عطل أكبر، فإذا استمرَّ إهمالُه، تطوَّر إلى أكبرَ منه، وكلَّما تأخَّر العلاجُ كلَّما زادتِ المشكلة.
يُلاحِظُ الناس عملَ المتوالية في الماديات؛ لكنَّهم لا يَنتبهون له في غيرها، مع أنَّه قد يكون أهمَّ وأعمقَ أثرًا.
في السُّلوك - مثلاً - يجرُّ الانحرافُ اليسير إلى أكبرَ منه، ويتطوَّر تدريجيًّا إلى ما يُشبه كُرةَ الثلج التي تبدأ صغيرةً؛ لتصبحَ ضخمةً فيما بعدُ.
والخطوة الأولى في الاتِّجاه الخاطئ تجعلُ مَن قام بها مستعِدًّا لخُطوة أكبرَ في ذات الاتِّجاه، تقريبًا كدرجات السُّلم؛ كلُّ درجة فيه تُمَهِّد لِمَا فوقها، حتى يجدَ الفرد نفسَه في موقعٍ لم يَدُرْ بِخَلَدِه أن يكون فيه.
وفي مقابل هذا التقدُّم المتدرِّج في طريق الخطأ، يكون هناك انسحابٌ متدرِّجٌ من طريق الصواب؛ فلا يتوقَّع من شخص - مثلاً - أن يزدادَ انغماسًا في الفِكر الإلحاديِّ، ويبقى على درجة إيمانه بالله - تعالى.
في الجانب الآخَرِ نجدُ أيضًا أنَّ كثيرًا من التحوُّلات الإيجابيَّة تأخذ الشكل التدريجيَّ نفسَه، انسحابٌ متدرِّج من الطريق الخطأ، يتزامن معه تقدُّم متدرِّج في طريق الصواب.
ويندر - إن لم ينعدم - أن تجدَ مَن يترقَّى في الطريقين معًا؛ إذ الدولاب لا يسيرُ في اتجاهين في وقت واحد.
أيُّ مؤثِّر نواجهه في حياتنا لا يخرج - غالبًا - عن أحد تيَّارَين: إمَّا تيارٌ راقٍ يشدُّ للأعلى، وإمَّا منحطٌّ يدفع للقاع.
وفي حين أنَّ ملاقاة الأوَّل تُمثِّل فرصةً للرُّقي، سواء على مستوى الرُّوح أو العقل، أو الخُلُق، أو حتى على مستوى اللَّفْظ، فإنَّ ملاقاةَ الآخَرِ تُمثِّل خطرَ الانحطاط معه، فهو مهمَا كان مبهرجًا إلاَّ أنَّه في النهاية يأخذ إلى الهاوية.
والمشكلة أنَّ النوعَ الثاني أسرعُ، وأكثرُ تأثيرًا من النوع الأول، وما يُفسِده تيَّار الانحطاط في يومٍ قد لا يُصلِحه تيَّار الرُّقي في سَنَة.
لذلك؛ يَستغِلُّ العاقل فرصةَ تعرُّضه للأوَّل ليرقَى، ويتجنَّب الآخَرُ - قدرَ استطاعته - ليَسْلَمَ، فإنِ ابتُليَ به كان حتمًا عليه مقاومتُه؛ لأنَّ بقاءَه ساكنًا تُجاهَه يعني انجرافَه دون أن يَشعر.
والأمثلة لكلٍّ من التيَّارَين كثيرةٌ، لكنَّ إشارةً إلى جانب من صُور التيار الراقي تكفي لتقريبه إلى الذِّهن، وبمعرفته يُعرَف نظيرُه.
فمِن ذلك: علومُ الدِّين، وعلوم الدنيا، والآداب في شتَّى مجالاتها؛ ما لم تتصادمْ مع الدِّين؛ وصولاً إلى الترفيه الذي لا يُضادُّ شيئًا ممَّا قبله.
إذا اتفقْنا على ذلك، فإنَّ كثيرًا من صور التيارين تعمل بطريقة المتوالية السابقة، فإمَّا أن تكونَ متواليةً صاعدة، أو متواليةً هابطة، والعقل يَقضي بالالْتِصاق بالأُولى ودَعْمها، ومنابذة الثانية والوقوف ضدَّها، ولا حِيادَ في ذلك؛ لأنَّ سماحنا لإحداهما بالنموِّ يعني مساهمتَنا في زوال نظيرتها؛ إذ لا تتوسَّع إحداهما إلاَّ على حساب الأخرى.
فإمَّا أن نقاومَ الخطأ، ونصنع متواليةً صاعدة، وإمَّا أن نغرق تدريجيًّا في متواليات من الأخطاء، نَعجِزُ فيما بعدُ عن مجرَّد انتقادها.
عبداللطيف الثبيتي
مجووووووده