* محمّد حسين فضل الله
إنّ ذنوب العباد ومعاصيهم قد تحول بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، لأنّ هناك- كما نقرأ في دعاء كميل "اللّهمّ اغفِرْ لي الذنوب التي تحبس الدعاء"- ذنوباً تحبس الدعاء وتمنعهُ من أن ينفتح على الله سبحانه وتعالى، لأنّ هذا المذنب قد ابتعد عن الله، وعن مواقع رحمته من خلال هذه الذنوب.
وإذا وضع الله حجاباً بينه وبين أحدٍ من خلقه، فإنّ أحداً لا يستطيع أن يهتكَ هذا الحجاب، أي لا يستطيع أن يخترقه، ولا يستطيع أن يزيله، لأنّ ما وضعه الله لا يستطيع أيّ مخلوقٍ أن يرفعه.
ومن هنا، لا بدّ للإنسان إذا شعر أنّ هناك حجاباً بينه وبين الله يمنعه من أن ينفتح عليه، لا بدّ من أنْ يتوسّل إلى الله، وأنْ يتعرّف السّبل التي تزيل هذا الحجاب عن قلبه، وقد ورد في بعض الآيات القرآنية (بلْ رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين:14] أي انّ ذنوبهم تحوّلت إلى ما يشبه الرّين وهو الغشاء الذي يحجب القلب عن الإنفتاح على الله سبحانه وتعالى.
وهناك بعض الأحاديث تقول: إنّ الإنسان إذا أذنب ذنباً نبتت في قلبه- من خلال الذنب- نقطة سوداء فإذا تاب، زالت، وإذا امتدّ بذنوبه، توسّعت حتى يسودّ القلب وينتكس فيصير أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، فيصير القلب مغلقاً، وعندما يكون القلب مغلقاً فإنه يحتجب عن رحمة الله.
كذلك إذا كان لسان الإنسان مستودعاً للقذارات الكلامية، وكان لسان الفُحش والبذاء والسباب والشتائم، فإنّ دعاء الإنسان لا يرتفع إلى الله إذا دعى ربّه بمثل هذا اللِّسان، لأنّ هذه الكلمات تصير حجاباَ بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى.
فيجب على الإنسان دائماً أن ينظِّف لسانه من الكلمات التي يُبغضها الله، أن ينظِّف قلبه من المعاني التي لا يرضاها الله، حتى لا يكون هناك حجابٌ على القلب يحجبُ القلب عن ربّه، وحتى لا يكون هناك مانعٌ في اللِّسان يَمنعٌ الدعاء من أن ينطلق.
وقضيّة القرب إلى الله والبُعد عنه ليست هي قضيّة المسافات؛ فالله ليس في مكان، إنما هو "بَعُدَ فلا يُرى وَقَرُبَ فَشَهِدَ النّجْوى" فقربنا من الله هو أن تكون عقولنا، وقلوبنا، وأرواحنا، قريبة إلى الله من خلال أعمالنا، وأفكارنا، ومشاعرنا، فالبعد عن الله والقرب منه إنّما هما من خلال ما يحمله القلب من مشاعر وأحاسيس، وما يحمله العقل من أفكار، وما تحمله الحياة من أعمال، فذلك هو الذي يقرِّب الإنسان إلى الله، أو يبعده عن الله.
"أَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلاَ يُغْلَقُ بابُهُ".
هذه هي النقطة الثانية، اننّا إذا أردنا أن ننطلق إلى الله في كلِّ وقت بحيث لا تكون هناك حواجز نفسية ولا حجاب، فالله ليس عنده دوام رسمي. كلّ الناس الذين نقصدهم، سواءٌ كانوا علماء أو وجهاء أو أغنياء أو زعماء، لهم وقت معيّن للمقابلة، فإذا جئت خارج الوقت المعيّن، فمن الصّعب أن تقابله باعتبار أنّ طبيعة تنظيم ألأوقات تفرض ذلك، ولكنِّ الله لا يُغلق بابه في أيِّ وقت، فبإمكانك أنْ تدعو الله في أيِّ وقت، سواء كان الناّس نائمين أو يقظين، وفي أيِّ وضع تكون، فالله لا يُغلقُ بابهُ في أيِّ وقت.
وقد ورد في بعض الأدعية: "بابهُ مفتوح لداعيه، وحجابه مرفوعٌ لراجيه" فأبواب الله سبحانه وتعالى لا تُغلق دون أحد، وفي كل وقت تستطيع أن تدعو، حتى في دعاء الصباح تستطيع أن تُبدِّل بعض الكلمات وتقرأه في المساءن ودعاه المساء كذلك، وحتى دعاء السحر تستطيع أن تقرأه في النهار.
فأنت تستطيع أن تدعو الله سبحانه وتعالى في كلِّ وقتٍ، وأنت واثقٌ بأنّ باب الله مفتوح لك، وليس عليك إلاّ أن تفتح قلبك لله، وأن تحرِّك لسانك في الدعاء إلى الله، وأن تنطلق برجائك إلى الله لترى أنّ باب الله مفتوحٌ وواسعٌ سعة رحمته: (ورحمتي وسِعَت كلَّ شيء) [الأعراف:156].
ومن هنا، فإنّ الإنسان لن يشعر في أيّ وقت- عندما تحلُّ به المشاكل والمصائب والبلايا وتشتدّ عليه الضغوط- أنّ أبواب الله مغلقة دونه. فأبواب الله مفّتحة، ولكن أنت تغلقها على نفسك من خلال ذنوبك، وأنت تفتحها لنفسك من خلال أعمالك وطاعتك. ونحن نلاحظ في الخطبة المعروفة عن النبيّ (ص) "أيّها الناس، إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم" نحن نغلقها على أنفسنا، لأنّ الإنسان يحصد دائماً نتيجة أعماله، (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناّس) [الروم: 41] (ذلك بأنّ الله لم يكُ مغيِّراً نعمةِّ أنعمها على قومٍ حتى يُغيرِّوا ما بأنفسهم) [الأنفال: 53].
"وَلاَ يُرَدُّ سِائِلُهُ".
الله سبحانه وتعالى لا يردُّ سائلاً عن بابه، عندما تكون المصلحة في استجابة الدعاء، لأنّ الإنسان كالطفل، قد يطلب بعض أطفالنا أشياء منّا مما لا صلاح لهم فيه، وقد يطلب الإنسان من ربهِّ ما لا صلاح له فيه، لكنَّ الله من حيث المبدأ لا يردُّ سائلاً لأنّه سأل، وإنّما يردُّه لأنّه قد يسأل ما لا مصلحة له فيه، أو قد يسأل ما فيه مضرّةٌ للعباد؛ فلو أن شخصاً- مثلاً- يدعو على الناس في الليل والنهار، فالله لا يستجيب دعاءه حسب مزاجه وحسب عقده النفسية، لأنّ رحمِة الله تقتضي أن لا يؤذي أحداً لمجرّد سؤال أحد مع عدم استحقاقه لذلك.
"وَلاَيُخَيَّبُ آمِلُهُ".
الله، سبحانه وتعالى، عند رجاء كلِّ راجٍ، وعند أملٍ كلِّ آمِل، فالله فتح للنّاس باب الأمل لرحمته وباب الرّجاء لعطائِه، ولذلك فإنّ على الإنسان أنْ يدعو الله، وهو يثق بأنّ حاجته مقضيّة، بمعنى أن تكون عنده ثقة بالله على نحوٍ لو لم تكن هناك موانع لاستجابة دعائهِ ولتحقيق مأمولِه، لكانت المسألة الطبيعية أنّ حاجته مقضيّة. أن نثق بالله سبحانه وتعالى، والله عند ظَنِّ من أحسنَ بهِ ظنّاً.
المصدر: كتاب في رحاب الدُعاء
مآآآآآجده
إنّ ذنوب العباد ومعاصيهم قد تحول بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، لأنّ هناك- كما نقرأ في دعاء كميل "اللّهمّ اغفِرْ لي الذنوب التي تحبس الدعاء"- ذنوباً تحبس الدعاء وتمنعهُ من أن ينفتح على الله سبحانه وتعالى، لأنّ هذا المذنب قد ابتعد عن الله، وعن مواقع رحمته من خلال هذه الذنوب.
وإذا وضع الله حجاباً بينه وبين أحدٍ من خلقه، فإنّ أحداً لا يستطيع أن يهتكَ هذا الحجاب، أي لا يستطيع أن يخترقه، ولا يستطيع أن يزيله، لأنّ ما وضعه الله لا يستطيع أيّ مخلوقٍ أن يرفعه.
ومن هنا، لا بدّ للإنسان إذا شعر أنّ هناك حجاباً بينه وبين الله يمنعه من أن ينفتح عليه، لا بدّ من أنْ يتوسّل إلى الله، وأنْ يتعرّف السّبل التي تزيل هذا الحجاب عن قلبه، وقد ورد في بعض الآيات القرآنية (بلْ رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [المطففين:14] أي انّ ذنوبهم تحوّلت إلى ما يشبه الرّين وهو الغشاء الذي يحجب القلب عن الإنفتاح على الله سبحانه وتعالى.
وهناك بعض الأحاديث تقول: إنّ الإنسان إذا أذنب ذنباً نبتت في قلبه- من خلال الذنب- نقطة سوداء فإذا تاب، زالت، وإذا امتدّ بذنوبه، توسّعت حتى يسودّ القلب وينتكس فيصير أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، فيصير القلب مغلقاً، وعندما يكون القلب مغلقاً فإنه يحتجب عن رحمة الله.
كذلك إذا كان لسان الإنسان مستودعاً للقذارات الكلامية، وكان لسان الفُحش والبذاء والسباب والشتائم، فإنّ دعاء الإنسان لا يرتفع إلى الله إذا دعى ربّه بمثل هذا اللِّسان، لأنّ هذه الكلمات تصير حجاباَ بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى.
فيجب على الإنسان دائماً أن ينظِّف لسانه من الكلمات التي يُبغضها الله، أن ينظِّف قلبه من المعاني التي لا يرضاها الله، حتى لا يكون هناك حجابٌ على القلب يحجبُ القلب عن ربّه، وحتى لا يكون هناك مانعٌ في اللِّسان يَمنعٌ الدعاء من أن ينطلق.
وقضيّة القرب إلى الله والبُعد عنه ليست هي قضيّة المسافات؛ فالله ليس في مكان، إنما هو "بَعُدَ فلا يُرى وَقَرُبَ فَشَهِدَ النّجْوى" فقربنا من الله هو أن تكون عقولنا، وقلوبنا، وأرواحنا، قريبة إلى الله من خلال أعمالنا، وأفكارنا، ومشاعرنا، فالبعد عن الله والقرب منه إنّما هما من خلال ما يحمله القلب من مشاعر وأحاسيس، وما يحمله العقل من أفكار، وما تحمله الحياة من أعمال، فذلك هو الذي يقرِّب الإنسان إلى الله، أو يبعده عن الله.
"أَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلاَ يُغْلَقُ بابُهُ".
هذه هي النقطة الثانية، اننّا إذا أردنا أن ننطلق إلى الله في كلِّ وقت بحيث لا تكون هناك حواجز نفسية ولا حجاب، فالله ليس عنده دوام رسمي. كلّ الناس الذين نقصدهم، سواءٌ كانوا علماء أو وجهاء أو أغنياء أو زعماء، لهم وقت معيّن للمقابلة، فإذا جئت خارج الوقت المعيّن، فمن الصّعب أن تقابله باعتبار أنّ طبيعة تنظيم ألأوقات تفرض ذلك، ولكنِّ الله لا يُغلق بابه في أيِّ وقت، فبإمكانك أنْ تدعو الله في أيِّ وقت، سواء كان الناّس نائمين أو يقظين، وفي أيِّ وضع تكون، فالله لا يُغلقُ بابهُ في أيِّ وقت.
وقد ورد في بعض الأدعية: "بابهُ مفتوح لداعيه، وحجابه مرفوعٌ لراجيه" فأبواب الله سبحانه وتعالى لا تُغلق دون أحد، وفي كل وقت تستطيع أن تدعو، حتى في دعاء الصباح تستطيع أن تُبدِّل بعض الكلمات وتقرأه في المساءن ودعاه المساء كذلك، وحتى دعاء السحر تستطيع أن تقرأه في النهار.
فأنت تستطيع أن تدعو الله سبحانه وتعالى في كلِّ وقتٍ، وأنت واثقٌ بأنّ باب الله مفتوح لك، وليس عليك إلاّ أن تفتح قلبك لله، وأن تحرِّك لسانك في الدعاء إلى الله، وأن تنطلق برجائك إلى الله لترى أنّ باب الله مفتوحٌ وواسعٌ سعة رحمته: (ورحمتي وسِعَت كلَّ شيء) [الأعراف:156].
ومن هنا، فإنّ الإنسان لن يشعر في أيّ وقت- عندما تحلُّ به المشاكل والمصائب والبلايا وتشتدّ عليه الضغوط- أنّ أبواب الله مغلقة دونه. فأبواب الله مفّتحة، ولكن أنت تغلقها على نفسك من خلال ذنوبك، وأنت تفتحها لنفسك من خلال أعمالك وطاعتك. ونحن نلاحظ في الخطبة المعروفة عن النبيّ (ص) "أيّها الناس، إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة، فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم" نحن نغلقها على أنفسنا، لأنّ الإنسان يحصد دائماً نتيجة أعماله، (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناّس) [الروم: 41] (ذلك بأنّ الله لم يكُ مغيِّراً نعمةِّ أنعمها على قومٍ حتى يُغيرِّوا ما بأنفسهم) [الأنفال: 53].
"وَلاَ يُرَدُّ سِائِلُهُ".
الله سبحانه وتعالى لا يردُّ سائلاً عن بابه، عندما تكون المصلحة في استجابة الدعاء، لأنّ الإنسان كالطفل، قد يطلب بعض أطفالنا أشياء منّا مما لا صلاح لهم فيه، وقد يطلب الإنسان من ربهِّ ما لا صلاح له فيه، لكنَّ الله من حيث المبدأ لا يردُّ سائلاً لأنّه سأل، وإنّما يردُّه لأنّه قد يسأل ما لا مصلحة له فيه، أو قد يسأل ما فيه مضرّةٌ للعباد؛ فلو أن شخصاً- مثلاً- يدعو على الناس في الليل والنهار، فالله لا يستجيب دعاءه حسب مزاجه وحسب عقده النفسية، لأنّ رحمِة الله تقتضي أن لا يؤذي أحداً لمجرّد سؤال أحد مع عدم استحقاقه لذلك.
"وَلاَيُخَيَّبُ آمِلُهُ".
الله، سبحانه وتعالى، عند رجاء كلِّ راجٍ، وعند أملٍ كلِّ آمِل، فالله فتح للنّاس باب الأمل لرحمته وباب الرّجاء لعطائِه، ولذلك فإنّ على الإنسان أنْ يدعو الله، وهو يثق بأنّ حاجته مقضيّة، بمعنى أن تكون عنده ثقة بالله على نحوٍ لو لم تكن هناك موانع لاستجابة دعائهِ ولتحقيق مأمولِه، لكانت المسألة الطبيعية أنّ حاجته مقضيّة. أن نثق بالله سبحانه وتعالى، والله عند ظَنِّ من أحسنَ بهِ ظنّاً.
المصدر: كتاب في رحاب الدُعاء
مآآآآآجده