الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى، وقسم أحوال عباده غنًى وفقْرا، وأنزل الماء وشق أسباب الثرى، أحمده سبحانه فهو الذي أجرى على الطَّائعين أجْرا، وأسدَل على العاصين سترا، وهو سبحانه وحْده الذي يعلم ما في اللَّيل وما تحتَ الثَّرى، ولا يَغيب عن علمِه دبيبُ النَّمل في اللَّيل إذا سرى، سبَّحت له السَّموات وأملاكُها، وسبَّحت له النُّجوم وأفلاكُها، وسبَّحت له الأنهار وأسماكُها، وسبحت له الأرض وسكَّانُها، وسبَّحت له البِحار وحيتانُها، وإن من شيء إلاَّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، روي عن عبدالله بن عباس - رضِي الله عنه - أنَّه قال: "ما من يومٍ إلاَّ وينادي القبرُ على ابن آدَمَ بِخمس كلِمات، يقول له: يا ابن آدمَ، تَمشي اليوم على ظهْري وغدًا ستنام في بطني، ابنَ آدم، تفرح اليوم على ظهْري وغدًا ستحْزن في بطني، ابن آدم، تضْحك اليوم على ظهري وغدًا ستبْكي في بطني، ابنَ آدم، تعْصي الله على ظهْري وغدًا ستعذَّب في بطني، ابنَ آدم، تأكل اليوم على ظهري وغدًا سيأكُلُك الدود في بطني.
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبد الله ورسوله، وخاتَم أنبِيائه فلا نبيَّ بعده؛ يقول في الحديث الصحيح: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له الرَّيَّان، ينادى يوم القيامة: أين الصَّائمون؟ فإذا دخل آخِرُهم أغْلِق ذلك الباب))، اللَّهُمَّ فصلِّ وسلِّم وبارِكْ على هذا النَّبي الكريم، صاحب الخلُق العظيم، وعلى آلِه وأصحابه ومَن سار على نهجه إلى يوم الدِّين.
أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله، فمَن رغب في سنَّة محمَّد وصَلَ، ومن رغِب عن سنَّته غوى وخسِر، وضلَّ وانفَصَل.
أيُّها الأحبَّة:
بعد أيَّام يطالعنا هلال رمضان، ورمضان خمسة أحرف، الراء والميم والضاد والألف والنون؛ الرَّاء من رمضان: رحمة، والميم مغفرة، والضَّاد ضمان للجنَّة، والألف أمان من النَّار، والنُّون نور من الله العزيز الغفَّار، رمضان جامعة الخير كلّه؛ لأنَّنا نكون في ضيافة الرب العفو الغفور.
أيُّها السادة:
أربعة أسئِلة هي محور لقائِنا اليوم، السؤال الأوَّل: كم مرَّةً ذُكر الصيام في القرآن الكريم؟ والثاني: لماذا وضع الله الصيام بين الإيمان والتَّقوى؟ والثَّالث: لماذا وضع الله آية الدُّعاء بين آيات الصيام؟ والرَّابع: كيف نصوم؟
فمع اللقاء الخامس والعشرين نُحاول بحول الله وقوَّته أن نجيب على هذه الأسئلة.
كم مرَّةً ذكر الصيام في القرآن الكريم؟
ذكر الله الصيام في القرآن الكريم أربع عشرة مرَّة، سبْع مرَّات في سورة البقرة وحدها، ومرَّة في سورة النِّساء، ومرَّتين في سورة المائدة، ومرَّة في سورة مريم، ومرَّتين في سورة الأحزاب، ومرَّة في سورة المجَادَلة أو المجَادِلة .
أمَّا السؤال الثَّاني والثَّالث والرَّابع، فنمهد لهم بقول ربِّنا - جل في علاه - في سورة البقرة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 183 - 187].
وبعد ذلك أنتقل إلى السؤال الثاني: لماذا وضع الله الصيام بين الإيمان والتقوى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؟
يا أيها الذين آمنوا، لم يقُل: يا أيُّها الناس، ولم يقل: يا عبادي كتب عليكم الصيام، إنما خاطب المؤمنين بالذات؛ لأنَّ الذي يستجيب لأمر الله هو المؤمن، عندما يسمع الله ينادي عليه يقول: لبَّيك ربي، هأنذا واقف بين يديْك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، الإيمان أوَّلاً، والصيام ثانيًا، والتقوى ثالثًا، فلماذا جاء الصيام بين الإيمان والتقوى؟ ولكي نُجيب عن هذا السؤال لا بدَّ لنا أن نسأل سؤالين اثنين: ما هو الإيمان؟ وما هي التقوى؟ ثم نسأل سؤالاً ثالثًا: ما محلّ الإيمان وما محل التقوى؟
أمَّا الإيمان فهو أن نؤمن بكل ما جاء به نبيُّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلِمة الإيمان هنا معناها التَّصديق، التَّصديق بماذا؟ بكل ما جاء به سيِّد الرسل؛ أن نؤمِن بالله وملائكته وكتُبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذا هو الإيمان؛ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
فما هي التقوى؟ يفسِّرها لنا الإمام علي - كرَّم الله وجْهَه - وهو ربيب بيْت النبوَّة الذي تربَّى في حجر سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفسر لنا الإمام علي التَّقوى بأرْبع كلمات فيقول: "التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وهي كما عرَّفها ابن مسعود - رضِي الله عنه -: "أن يطاع الله فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يكفر".
الإيمان تصديق بالقلب، والتقوى محلُّها القلب، فقد أشار الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى صدره وقال: ((التقوى هاهنها)) الإيمان محلُّه القلب، ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، والتقوى محلها القلب والإيمان في القلب، وكذلك الصيام سر بينك وبين ربِّك لا يعلمه إلاَّ هو.
فإذا كان الإيمان أمرًا سريًّا، وكانت التقوى أمرًا سريًّا، وكان الصيام أمرًا سريًّا، فناسب ذلك أن يأتي الصيام بين الإيمان والتقوى؛ لأنَّ الثلاثة أمورٌ سرّيَّة لا يطَّلع عليها إلا علام الغيوب، ولذلك اسمع إلى قول مولانا في الحديث القدسي يؤكد سرّيَّة الصيام، فيقول: ((كلُّ عمل ابنِ آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فَرِحَ بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه))؛ متَّفق عليه.
أمَّا السؤال الثالث: لماذا وضع الله آية الدعاء بين آيات الصيام؟ لم وضعت الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، الآية التي قبلها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} الآية، والآية التي بعدها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فلماذا جاءت بين الآيتين آية الدعاء؟
ولهذه الآية قصَّة لا بأس من ذكرها، عندما جاء أعرابي إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله: يا محمَّد، أقريبٌ ربُّنا فنُناجيه أم بعيدٌ فنُناديه؟ وقبل أن يُجيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أمين وحي السَّماء يجوب الآفاق بقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ولنا في هذه الآية وقْفة: لماذا اختلفتْ هذه الآية بالذَّات عن جَميع آيات السُّؤال الموجَّهة إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن؟ أيّ سؤال وجِّه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن جاءت الإجابة: قل، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]، أمَّا آية الدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} فلم يقُل: قل لهم إنّي قريب، إنَّما تولَّى الله الإجابةَ بنفسه، وقال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} حتى لا يكون بين العبد وبين الله أيُّ واسطة في الدُّعاء، فإذا سألتَ فقُل: يا الله، وإذا استعنتَ فقل: يا الله، إذا جلستَ على فِراش المرض فقل: يا الله، وإذا جاءك ملك الموْت فقل: يا الله.
فلماذا جاءت آية الدُّعاء بين آيات الصيام، والجواب من فَمِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ للصَّائِم عند فطره دعوةً ما تُرَدّ)).
أمَّا السؤال الرَّابع: ما الصيام وكيف نصوم؟ فسأحاول أن أُجيب على هذا السّؤال بشيء من الاختِصار، فأقول: أحبَّتي في الله:
أوَّلاً: معنى الصيام:
الصيام لغةً: هو الإمساك والكفُّ عن الشيء؛ كما قال تعالى - حكاية عن مريم، عليْها السَّلام -: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26]؛ أي: إمساكًا عن الكلام، وأمَّا شرعًا فهو: الإمساك عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس مع النّيَّة.
ثانيًا: أركان الصيام:
الركن الأوَّل: النيَّة:
وهِي رُكنٌ في جميع العبادات، وهى عمل من أعمالِ القلب؛ لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلم من حديث عمر بن الخطَّاب: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى))؛ متَّفق عليه.
ويرى جمهور الفقهاء تبييت النيَّة ليلاً في صيام الفرْض؛ لما رواه أصحاب السُّنن بسند صحيح عن حفصة - رضِي الله عنها -: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيامَ له)).
وهنا سؤال: هل تكْفي نيَّة واحدة لصيام الشَّهر كلِّه؟
والجواب أنَّ العلماء قدِ اختلفوا في ذلك على قولين:
الأوَّل: للمالكيَّة؛ حيث قالوا بأنَّ نيَّة واحدة في أوَّل الشَّهر تكفي لصيام الشَّهر كله.
أمَّا القول الثاني وهو الرَّاجح - والله تعالى أعلى وأعلم - وهو قول جمهور الفقهاء؛ حيث قالوا: لا بدَّ من تبييت النيَّة لكل يوم.
الرّكن الثاني:الإمساك عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس: لقوله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
والمراد بالخيط الأبيض .. والمراد بالخيط الأسود سوادُ الليل؛ كما ورد في الصَّحيحين عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولا شكَّ أنَّ الركن الثَّالث هو الصَّائم نفسُه، ويشترط أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً قادرًا على الصوم، وهذا بَيِّن للجَميع، بإذن الله
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، روي عن عبدالله بن عباس - رضِي الله عنه - أنَّه قال: "ما من يومٍ إلاَّ وينادي القبرُ على ابن آدَمَ بِخمس كلِمات، يقول له: يا ابن آدمَ، تَمشي اليوم على ظهْري وغدًا ستنام في بطني، ابنَ آدم، تفرح اليوم على ظهْري وغدًا ستحْزن في بطني، ابن آدم، تضْحك اليوم على ظهري وغدًا ستبْكي في بطني، ابنَ آدم، تعْصي الله على ظهْري وغدًا ستعذَّب في بطني، ابنَ آدم، تأكل اليوم على ظهري وغدًا سيأكُلُك الدود في بطني.
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبد الله ورسوله، وخاتَم أنبِيائه فلا نبيَّ بعده؛ يقول في الحديث الصحيح: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له الرَّيَّان، ينادى يوم القيامة: أين الصَّائمون؟ فإذا دخل آخِرُهم أغْلِق ذلك الباب))، اللَّهُمَّ فصلِّ وسلِّم وبارِكْ على هذا النَّبي الكريم، صاحب الخلُق العظيم، وعلى آلِه وأصحابه ومَن سار على نهجه إلى يوم الدِّين.
أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله، فمَن رغب في سنَّة محمَّد وصَلَ، ومن رغِب عن سنَّته غوى وخسِر، وضلَّ وانفَصَل.
أيُّها الأحبَّة:
بعد أيَّام يطالعنا هلال رمضان، ورمضان خمسة أحرف، الراء والميم والضاد والألف والنون؛ الرَّاء من رمضان: رحمة، والميم مغفرة، والضَّاد ضمان للجنَّة، والألف أمان من النَّار، والنُّون نور من الله العزيز الغفَّار، رمضان جامعة الخير كلّه؛ لأنَّنا نكون في ضيافة الرب العفو الغفور.
أَصْبَحْتُ ضَيْفَ اللَّهِ فِي دَارِ الرِّضَا وَعَلَى الكَرِيمِ كَرَامَةُ الضِّيفَانِ تَعْفُو المُلُوكُ عَنِ النَّزِيلِ بِسَاحِهِمْ كَيْفَ النُّزُولُ بِسَاحَةِ الرَّحْمَنِ |
أيُّها السادة:
أربعة أسئِلة هي محور لقائِنا اليوم، السؤال الأوَّل: كم مرَّةً ذُكر الصيام في القرآن الكريم؟ والثاني: لماذا وضع الله الصيام بين الإيمان والتَّقوى؟ والثَّالث: لماذا وضع الله آية الدُّعاء بين آيات الصيام؟ والرَّابع: كيف نصوم؟
فمع اللقاء الخامس والعشرين نُحاول بحول الله وقوَّته أن نجيب على هذه الأسئلة.
كم مرَّةً ذكر الصيام في القرآن الكريم؟
ذكر الله الصيام في القرآن الكريم أربع عشرة مرَّة، سبْع مرَّات في سورة البقرة وحدها، ومرَّة في سورة النِّساء، ومرَّتين في سورة المائدة، ومرَّة في سورة مريم، ومرَّتين في سورة الأحزاب، ومرَّة في سورة المجَادَلة أو المجَادِلة .
أمَّا السؤال الثَّاني والثَّالث والرَّابع، فنمهد لهم بقول ربِّنا - جل في علاه - في سورة البقرة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 183 - 187].
وبعد ذلك أنتقل إلى السؤال الثاني: لماذا وضع الله الصيام بين الإيمان والتقوى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؟
يا أيها الذين آمنوا، لم يقُل: يا أيُّها الناس، ولم يقل: يا عبادي كتب عليكم الصيام، إنما خاطب المؤمنين بالذات؛ لأنَّ الذي يستجيب لأمر الله هو المؤمن، عندما يسمع الله ينادي عليه يقول: لبَّيك ربي، هأنذا واقف بين يديْك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، الإيمان أوَّلاً، والصيام ثانيًا، والتقوى ثالثًا، فلماذا جاء الصيام بين الإيمان والتقوى؟ ولكي نُجيب عن هذا السؤال لا بدَّ لنا أن نسأل سؤالين اثنين: ما هو الإيمان؟ وما هي التقوى؟ ثم نسأل سؤالاً ثالثًا: ما محلّ الإيمان وما محل التقوى؟
أمَّا الإيمان فهو أن نؤمن بكل ما جاء به نبيُّنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكلِمة الإيمان هنا معناها التَّصديق، التَّصديق بماذا؟ بكل ما جاء به سيِّد الرسل؛ أن نؤمِن بالله وملائكته وكتُبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، هذا هو الإيمان؛ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
فما هي التقوى؟ يفسِّرها لنا الإمام علي - كرَّم الله وجْهَه - وهو ربيب بيْت النبوَّة الذي تربَّى في حجر سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفسر لنا الإمام علي التَّقوى بأرْبع كلمات فيقول: "التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وهي كما عرَّفها ابن مسعود - رضِي الله عنه -: "أن يطاع الله فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يكفر".
الإيمان تصديق بالقلب، والتقوى محلُّها القلب، فقد أشار الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى صدره وقال: ((التقوى هاهنها)) الإيمان محلُّه القلب، ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل، والتقوى محلها القلب والإيمان في القلب، وكذلك الصيام سر بينك وبين ربِّك لا يعلمه إلاَّ هو.
فإذا كان الإيمان أمرًا سريًّا، وكانت التقوى أمرًا سريًّا، وكان الصيام أمرًا سريًّا، فناسب ذلك أن يأتي الصيام بين الإيمان والتقوى؛ لأنَّ الثلاثة أمورٌ سرّيَّة لا يطَّلع عليها إلا علام الغيوب، ولذلك اسمع إلى قول مولانا في الحديث القدسي يؤكد سرّيَّة الصيام، فيقول: ((كلُّ عمل ابنِ آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله من ريح المسْك، للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فَرِحَ بفطره، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه))؛ متَّفق عليه.
أمَّا السؤال الثالث: لماذا وضع الله آية الدعاء بين آيات الصيام؟ لم وضعت الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، الآية التي قبلها: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} الآية، والآية التي بعدها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فلماذا جاءت بين الآيتين آية الدعاء؟
ولهذه الآية قصَّة لا بأس من ذكرها، عندما جاء أعرابي إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله: يا محمَّد، أقريبٌ ربُّنا فنُناجيه أم بعيدٌ فنُناديه؟ وقبل أن يُجيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أمين وحي السَّماء يجوب الآفاق بقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ولنا في هذه الآية وقْفة: لماذا اختلفتْ هذه الآية بالذَّات عن جَميع آيات السُّؤال الموجَّهة إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن؟ أيّ سؤال وجِّه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرآن جاءت الإجابة: قل، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]، أمَّا آية الدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} فلم يقُل: قل لهم إنّي قريب، إنَّما تولَّى الله الإجابةَ بنفسه، وقال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} حتى لا يكون بين العبد وبين الله أيُّ واسطة في الدُّعاء، فإذا سألتَ فقُل: يا الله، وإذا استعنتَ فقل: يا الله، إذا جلستَ على فِراش المرض فقل: يا الله، وإذا جاءك ملك الموْت فقل: يا الله.
فلماذا جاءت آية الدُّعاء بين آيات الصيام، والجواب من فَمِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ للصَّائِم عند فطره دعوةً ما تُرَدّ)).
أمَّا السؤال الرَّابع: ما الصيام وكيف نصوم؟ فسأحاول أن أُجيب على هذا السّؤال بشيء من الاختِصار، فأقول: أحبَّتي في الله:
أوَّلاً: معنى الصيام:
الصيام لغةً: هو الإمساك والكفُّ عن الشيء؛ كما قال تعالى - حكاية عن مريم، عليْها السَّلام -: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26]؛ أي: إمساكًا عن الكلام، وأمَّا شرعًا فهو: الإمساك عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس مع النّيَّة.
ثانيًا: أركان الصيام:
الركن الأوَّل: النيَّة:
وهِي رُكنٌ في جميع العبادات، وهى عمل من أعمالِ القلب؛ لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلم من حديث عمر بن الخطَّاب: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى))؛ متَّفق عليه.
ويرى جمهور الفقهاء تبييت النيَّة ليلاً في صيام الفرْض؛ لما رواه أصحاب السُّنن بسند صحيح عن حفصة - رضِي الله عنها -: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيامَ له)).
وهنا سؤال: هل تكْفي نيَّة واحدة لصيام الشَّهر كلِّه؟
والجواب أنَّ العلماء قدِ اختلفوا في ذلك على قولين:
الأوَّل: للمالكيَّة؛ حيث قالوا بأنَّ نيَّة واحدة في أوَّل الشَّهر تكفي لصيام الشَّهر كله.
أمَّا القول الثاني وهو الرَّاجح - والله تعالى أعلى وأعلم - وهو قول جمهور الفقهاء؛ حيث قالوا: لا بدَّ من تبييت النيَّة لكل يوم.
الرّكن الثاني:الإمساك عن جميع المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس: لقوله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
والمراد بالخيط الأبيض .. والمراد بالخيط الأسود سوادُ الليل؛ كما ورد في الصَّحيحين عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولا شكَّ أنَّ الركن الثَّالث هو الصَّائم نفسُه، ويشترط أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً قادرًا على الصوم، وهذا بَيِّن للجَميع، بإذن الله