كان يا ما كان في قديم الزمان، كانت هناك فتاةٌ طيبةُ القلب، تحبُّ اللهو والتنزُّه، خرجتْ ذات مرة لتلهوَ في حديقة منْزلهم، فوقعتْ عيناها على ضفدع مُلطَّخ بالطين والوحل، يقترب منها فابتعدت عنه، فلَحِقها وحاولَ التعلُّقَ بثيابها، فركلتْه بحذائها، فسقط وتضعضع، وأنَّ وتوجَّع، فلمَّا رأتْ دماءه تسيل، أشفقت عليه، وأقبلتْ تمسح عنه الطين والأوحال، ولمَّا همَّتْ بتضميد جراحه.
قال لها - بصوت ضعيف -: دعكِ من هذه الجراح، وضمِّدي جرح قلبي! قالت: وكيف لي ذلك، إن حاولت قتلتك، فنظر لها نظرةً أودعها كلَّ ما يستطيعُ من ضعف واستخذاء، وقال لها - بصوت شديد الضعف -: قبِّليني قُبلةً واحدة أكن مَدينًا لكِ بحياتي، فاشمأزَّت، فقال لها - وقد شرق بدمعه -: أرجوكِ، فحياتي رهنُ استجابتك، ولمَّا أهوتْ بشفتيها تُقبِّلُه، انشقَّ جلدُ الضفدع، وخرج منه أميرٌ وسيم جميل، جثا قرب قدميها، وشكر لها لُطْفَها، فلما سألتْه عن خبره، عرفَتْ أنه ضحية ساحرة شريرة، وأنها أخبرتْه ألاَّ فِكاك له من السحر حتى تقسو عليه فتاة طيبة جميلة، ثم تشفق عليه وتُقبِّله. فذهبت به إلى أهلها وأخبرتهم خبرَه، وطلبَ الأمير من أبيها أن يسمح له بالزواج منها، فتزوجها وعاشا معًا في حبٍّ وسعادة وهناء.
ذاعت القصة وتسامعها القاصي والداني، صحيح أن الجميع لم يعرفوا اسم الفتاة المحظوظة، لكن يكفي تواتر القصة وشيوعها للدلالة على صحتها، أخذت فتيات القرية والقرى المجاورة يتسلَّلْنَ ليلاً للبِرَك والمستنقعات القريبة، يبحثْنَ عن الضفادع، كانت كلُّ واحدة منهنَّ تخرج سرًّا، وتحرص ألاَّ يُكشف أمرُها؛ لئلاَّ تلوكُها ألسنة الناس، ثم اكتشفت كلُّ فتاة أنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، فارتفع الحرج عمَّن كانت تخرج، وتجاسرت على الخروج من كان يصدُّها عنه الحياء من الناس، وبعد مدة قصيرة كان من المألوف رؤية الفتيات مُلطَّخاتٍ بالوحل والطين، لكن لم يحالف الحظ أيَّ واحدة منهن؛ إذ لم يتحولْ أيُّ ضفدع إلى أمير، لكن ذلك لم يَسُؤْ أيًّا منهنَّ فقد تعوَّدْنَ على الحياة في المستنقعات، وأَنِسْنَ بالعيش بين الضفادع.
صار يا ما صار في جديد الأعصار، أن فتاة طيبة القلب - أيضًا - تحبُّ التجوُّل والإبحار بين غرف الدردشة والمنتديات، كانت تحب الخير، وتحرص على الاستفادة مِن كل مَن تقابل فشعارها: "الحكمة ضالَّةُ المؤمن، أنَّى وجَدَها فهو أحقُّ الناس بها"، وفي إحدى المنتديات تعرَّفتْ على فتًى مهذَّبٍ متديِّن مثقَّف، كانت مواضيعه متميزةً، وثقافتُه واسعةً، وأسلوبُه في النقاش يدُلُّ على سعة أُفُقه، وذكاءِ عقله، وفصاحةِ لسانه، وحسنِ خلقه، وصلاحِ باطنه، استأذنتْه في إضافته على "الماسنجر" لتستفيد منه، وليتعاونا على البر والتقوى، فوافق، صارتْ تقابله كلَّ يوم، تنقل له بعض المعلومات المفيدة، ويرسل لها بعض المواد النافعة، كانت تحسُّ بتعلُّقها به شيئًا فشيئًا.
كانت تستبطئ ساعاتِ اليوم الدراسيِّ حتى إذا ما وصلتِ البيت ابتدرتْ حاسبها لتنظر أموجود هو أم لا؟ فهو إما موجود تحادثه حديثًا نافعًا مفيدًا طبعًا، أو غائبٌ تسترجع حديثَه في نفسها، وتحاولُ تحليلَ شخصيته، ومعرفة موقعها من نفسه. "كان في بداية الأمر يخاطبني بـالأخت الفاضلة، ثم صار يقول لي: أختي العزيزة، أما رسائله الأخيرة فكانت تتصدَّرها: أختي الحبيبة، لابد أنه يحبني في الله كما أحبُّه، فلألمح له بذلك"، لقيته على الماسنجر فقالت له: إنها قرأت: أن الحب في الله من أوثق عُرَى الإيمان، فقال لها: نعم، فلنكن متحابِّين في الله، ومنذ ذلك اليوم صارا يتكلمان كلام المتحابين، طلب منها أن يرى صورتها، فقالت له: إن كنت تُحبُّني لنفسي، فها قد ملكْتَها عليَّ وأحرزْتَها من دوني، وإن كنت تحبني لصورتي، فما أصغر نفسك! قال لها: كلاَّ، بل ما طلبت ذلك إلاَّ لأني أُريد أن أتزوَّجَكِ وأهنأُ بصحبتك، وشرعنُا يُبيح للخاطب أن يرى مخطوبته وتراه؛ لأنه أحرى أن يُؤدمَ بينهما، فأرسلت له صورتها، وأرسل لها صورته، فازدادت له حبًّا، وازداد بها هيامًا، ثم خطبها من أبيها، وتزوجا وعاشا في "سبات ونبات"، ورُزِقا بالبنين والبنات.
ذاعت القصة وتسامعها القاصي والداني، صحيح أن الجميع لم يعرفوا اسم الفتاة والفتى الحقيقيين، لكن يكفي تواتر القصة وشيوعها للدلالة على صحتها، وأخذت الفتيات في المدينة يدخلن غرف الدردشة والمنتديات بحثًا عن مثل ذاك الفتى الطيب المهذب المثقف، كانت كلُّ واحدة منهن تدخل تلك الغرف سرًّا وتحرص ألا يُكشف أمرُها؛ لئلاَّ تلوكها ألسنة الناس، ثم اكتشفت كلُّ فتاة أنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، فارتفع الحرج عمن كانت تدخل، وتجاسرت على الدخول من كان يصدُّها عنه الحياء من الناس، لكن الحظ لم يحالف أيًّا منهن في العثور على مثل ذلك الفتى المهذب، فكلُّ من تناولت من أحدهم كأسَ الحب وارتشفت منه رشفةً، عرفَتْ أنه كأسُ المَنُون، وليس فيه إلا السُّمُّ الزعاف، وليس بعد الرشفة إلا الموت الزؤام، وكل من أرسلت صورتها على أمل أن يؤدم بينها وبين فتاها، أُدم بينها وبين الابتزاز أو الفضيحة.
أليس من العجيب أن يتعلق الإنسان بمن لم يره، ولا يعرف عن طباعه وحاله شيئًا، بل لا يعرف أرَجُلٌ هو أم امرأة؟ ولا يدري أصادقٌ هو أم كاذب؟ في العادة يحب المرء زيدًا من الناس؛ إما لحسنه، أو لباقته، أو أدبه، أو ما شابه ذلك، لكن ليس من عادة الأسوياء من الناس حب شخص ما لمجرد تأكدهم من أنه ينتمي لفصيلة البشر، دعينا نفترض أن زيدًا هذا صَدَق فيما قال عن نفسه، وقد بعث لفتاته بصورته الحقيقية، وأسمعها صوته، وعرَّفها بتاريخه، فوجدت فيه فارس أحلامها، فأحبَّتْه، فكيف لها أن تضمن أنه لم ينسخ كلَّ رسائله لها ويرسلها لمائة فتاة غيرها؟!
ثم يدَّعي لكل واحدة منهن أنها وحدها من ملكتْ عليه قلبَه، أسهرتْ عينَه، ويسرق لها من شعر جميل والمجنون، أنَّى لها أن تعرف أنه لا يتخذها مجرد ملهاة يقضي بها وقته؟! بل لو فكرت العاقلة قليلاً ووضعت نفسَها في مكانه لوجدت نفسها غير قادرة على احترام تلك الفتاة الساقطة، أو فلنقل: تلك الفتاة الساذجة التي تتعلَّق بكل من هبَّ ودرج، بل ربما قرَّرتْ أن تحتفظ بعنوانها في جوالها أو قائمة اتصالاتها باسم "حثالة رقم 10" كما فعل أحد العابثين - الذين ضُبِطوا - مع من يراها حثالته العاشرة!
أختي الفاضلة العاقلة:
إذا كانت بعض الزيجات تنتهي في أول الطريق بالفشل والانفصال بسبب الخداع أثناء مدة الخطبة التي يتجمَّل فيها كلُّّ طرف لصاحبه، فيظهر على غير حقيقته، رغم أن الطرفين جادان في الارتباط ببعضهما، ورغم أن كلاًّ منهما قد يعرف شيئًا من صفات الطرف الآخر وينظر إلى تعامله مع غيره ويقيس بناء عليه أخلاقه، فكيف بالخداع والتزوير من وراء الحجب؟!
إن كل من يميل لمثل هذا النوع من العلاقات - رجلاً كان أو امرأة - هو أحد شخصين: إما ساقط عابث، أو مريض يعاني فراغًا عاطفيًّا، أما النوع الأول، فالأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون رميًا للشباك، وتربُّصًا بالصيد، وأما النوع الثاني، فلن تحل مثل هذه العلاقات مشكلته، بل هي سبب في تفاقمها بلا شك، وخير لهم أن يبحثوا عن العلاج عند الناصحين الأطباء النفسيّين، ويستعينوا بالأخصائيين الاجتماعيين، كما يفعل غيرهم من أصحاب الأمراض العضوية والنفسية، أما دعوى الفضول وتمضية الوقت بالدردشة والكلام المعسول، فتلك هي الخطوة الأولى في طريق الغَواية، وإبليس عدوٌّ متربص، ومجرم محترف يبدأ مع ضحيته بالخطوة، وينتهي بها في قعر جهنم؛ يقول الحكيم الخبير - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
والله يحفظنا وإياك.
قال لها - بصوت ضعيف -: دعكِ من هذه الجراح، وضمِّدي جرح قلبي! قالت: وكيف لي ذلك، إن حاولت قتلتك، فنظر لها نظرةً أودعها كلَّ ما يستطيعُ من ضعف واستخذاء، وقال لها - بصوت شديد الضعف -: قبِّليني قُبلةً واحدة أكن مَدينًا لكِ بحياتي، فاشمأزَّت، فقال لها - وقد شرق بدمعه -: أرجوكِ، فحياتي رهنُ استجابتك، ولمَّا أهوتْ بشفتيها تُقبِّلُه، انشقَّ جلدُ الضفدع، وخرج منه أميرٌ وسيم جميل، جثا قرب قدميها، وشكر لها لُطْفَها، فلما سألتْه عن خبره، عرفَتْ أنه ضحية ساحرة شريرة، وأنها أخبرتْه ألاَّ فِكاك له من السحر حتى تقسو عليه فتاة طيبة جميلة، ثم تشفق عليه وتُقبِّله. فذهبت به إلى أهلها وأخبرتهم خبرَه، وطلبَ الأمير من أبيها أن يسمح له بالزواج منها، فتزوجها وعاشا معًا في حبٍّ وسعادة وهناء.
ذاعت القصة وتسامعها القاصي والداني، صحيح أن الجميع لم يعرفوا اسم الفتاة المحظوظة، لكن يكفي تواتر القصة وشيوعها للدلالة على صحتها، أخذت فتيات القرية والقرى المجاورة يتسلَّلْنَ ليلاً للبِرَك والمستنقعات القريبة، يبحثْنَ عن الضفادع، كانت كلُّ واحدة منهنَّ تخرج سرًّا، وتحرص ألاَّ يُكشف أمرُها؛ لئلاَّ تلوكُها ألسنة الناس، ثم اكتشفت كلُّ فتاة أنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، فارتفع الحرج عمَّن كانت تخرج، وتجاسرت على الخروج من كان يصدُّها عنه الحياء من الناس، وبعد مدة قصيرة كان من المألوف رؤية الفتيات مُلطَّخاتٍ بالوحل والطين، لكن لم يحالف الحظ أيَّ واحدة منهن؛ إذ لم يتحولْ أيُّ ضفدع إلى أمير، لكن ذلك لم يَسُؤْ أيًّا منهنَّ فقد تعوَّدْنَ على الحياة في المستنقعات، وأَنِسْنَ بالعيش بين الضفادع.
صار يا ما صار في جديد الأعصار، أن فتاة طيبة القلب - أيضًا - تحبُّ التجوُّل والإبحار بين غرف الدردشة والمنتديات، كانت تحب الخير، وتحرص على الاستفادة مِن كل مَن تقابل فشعارها: "الحكمة ضالَّةُ المؤمن، أنَّى وجَدَها فهو أحقُّ الناس بها"، وفي إحدى المنتديات تعرَّفتْ على فتًى مهذَّبٍ متديِّن مثقَّف، كانت مواضيعه متميزةً، وثقافتُه واسعةً، وأسلوبُه في النقاش يدُلُّ على سعة أُفُقه، وذكاءِ عقله، وفصاحةِ لسانه، وحسنِ خلقه، وصلاحِ باطنه، استأذنتْه في إضافته على "الماسنجر" لتستفيد منه، وليتعاونا على البر والتقوى، فوافق، صارتْ تقابله كلَّ يوم، تنقل له بعض المعلومات المفيدة، ويرسل لها بعض المواد النافعة، كانت تحسُّ بتعلُّقها به شيئًا فشيئًا.
كانت تستبطئ ساعاتِ اليوم الدراسيِّ حتى إذا ما وصلتِ البيت ابتدرتْ حاسبها لتنظر أموجود هو أم لا؟ فهو إما موجود تحادثه حديثًا نافعًا مفيدًا طبعًا، أو غائبٌ تسترجع حديثَه في نفسها، وتحاولُ تحليلَ شخصيته، ومعرفة موقعها من نفسه. "كان في بداية الأمر يخاطبني بـالأخت الفاضلة، ثم صار يقول لي: أختي العزيزة، أما رسائله الأخيرة فكانت تتصدَّرها: أختي الحبيبة، لابد أنه يحبني في الله كما أحبُّه، فلألمح له بذلك"، لقيته على الماسنجر فقالت له: إنها قرأت: أن الحب في الله من أوثق عُرَى الإيمان، فقال لها: نعم، فلنكن متحابِّين في الله، ومنذ ذلك اليوم صارا يتكلمان كلام المتحابين، طلب منها أن يرى صورتها، فقالت له: إن كنت تُحبُّني لنفسي، فها قد ملكْتَها عليَّ وأحرزْتَها من دوني، وإن كنت تحبني لصورتي، فما أصغر نفسك! قال لها: كلاَّ، بل ما طلبت ذلك إلاَّ لأني أُريد أن أتزوَّجَكِ وأهنأُ بصحبتك، وشرعنُا يُبيح للخاطب أن يرى مخطوبته وتراه؛ لأنه أحرى أن يُؤدمَ بينهما، فأرسلت له صورتها، وأرسل لها صورته، فازدادت له حبًّا، وازداد بها هيامًا، ثم خطبها من أبيها، وتزوجا وعاشا في "سبات ونبات"، ورُزِقا بالبنين والبنات.
ذاعت القصة وتسامعها القاصي والداني، صحيح أن الجميع لم يعرفوا اسم الفتاة والفتى الحقيقيين، لكن يكفي تواتر القصة وشيوعها للدلالة على صحتها، وأخذت الفتيات في المدينة يدخلن غرف الدردشة والمنتديات بحثًا عن مثل ذاك الفتى الطيب المهذب المثقف، كانت كلُّ واحدة منهن تدخل تلك الغرف سرًّا وتحرص ألا يُكشف أمرُها؛ لئلاَّ تلوكها ألسنة الناس، ثم اكتشفت كلُّ فتاة أنها ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، فارتفع الحرج عمن كانت تدخل، وتجاسرت على الدخول من كان يصدُّها عنه الحياء من الناس، لكن الحظ لم يحالف أيًّا منهن في العثور على مثل ذلك الفتى المهذب، فكلُّ من تناولت من أحدهم كأسَ الحب وارتشفت منه رشفةً، عرفَتْ أنه كأسُ المَنُون، وليس فيه إلا السُّمُّ الزعاف، وليس بعد الرشفة إلا الموت الزؤام، وكل من أرسلت صورتها على أمل أن يؤدم بينها وبين فتاها، أُدم بينها وبين الابتزاز أو الفضيحة.
أليس من العجيب أن يتعلق الإنسان بمن لم يره، ولا يعرف عن طباعه وحاله شيئًا، بل لا يعرف أرَجُلٌ هو أم امرأة؟ ولا يدري أصادقٌ هو أم كاذب؟ في العادة يحب المرء زيدًا من الناس؛ إما لحسنه، أو لباقته، أو أدبه، أو ما شابه ذلك، لكن ليس من عادة الأسوياء من الناس حب شخص ما لمجرد تأكدهم من أنه ينتمي لفصيلة البشر، دعينا نفترض أن زيدًا هذا صَدَق فيما قال عن نفسه، وقد بعث لفتاته بصورته الحقيقية، وأسمعها صوته، وعرَّفها بتاريخه، فوجدت فيه فارس أحلامها، فأحبَّتْه، فكيف لها أن تضمن أنه لم ينسخ كلَّ رسائله لها ويرسلها لمائة فتاة غيرها؟!
ثم يدَّعي لكل واحدة منهن أنها وحدها من ملكتْ عليه قلبَه، أسهرتْ عينَه، ويسرق لها من شعر جميل والمجنون، أنَّى لها أن تعرف أنه لا يتخذها مجرد ملهاة يقضي بها وقته؟! بل لو فكرت العاقلة قليلاً ووضعت نفسَها في مكانه لوجدت نفسها غير قادرة على احترام تلك الفتاة الساقطة، أو فلنقل: تلك الفتاة الساذجة التي تتعلَّق بكل من هبَّ ودرج، بل ربما قرَّرتْ أن تحتفظ بعنوانها في جوالها أو قائمة اتصالاتها باسم "حثالة رقم 10" كما فعل أحد العابثين - الذين ضُبِطوا - مع من يراها حثالته العاشرة!
أختي الفاضلة العاقلة:
إذا كانت بعض الزيجات تنتهي في أول الطريق بالفشل والانفصال بسبب الخداع أثناء مدة الخطبة التي يتجمَّل فيها كلُّّ طرف لصاحبه، فيظهر على غير حقيقته، رغم أن الطرفين جادان في الارتباط ببعضهما، ورغم أن كلاًّ منهما قد يعرف شيئًا من صفات الطرف الآخر وينظر إلى تعامله مع غيره ويقيس بناء عليه أخلاقه، فكيف بالخداع والتزوير من وراء الحجب؟!
إن كل من يميل لمثل هذا النوع من العلاقات - رجلاً كان أو امرأة - هو أحد شخصين: إما ساقط عابث، أو مريض يعاني فراغًا عاطفيًّا، أما النوع الأول، فالأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون رميًا للشباك، وتربُّصًا بالصيد، وأما النوع الثاني، فلن تحل مثل هذه العلاقات مشكلته، بل هي سبب في تفاقمها بلا شك، وخير لهم أن يبحثوا عن العلاج عند الناصحين الأطباء النفسيّين، ويستعينوا بالأخصائيين الاجتماعيين، كما يفعل غيرهم من أصحاب الأمراض العضوية والنفسية، أما دعوى الفضول وتمضية الوقت بالدردشة والكلام المعسول، فتلك هي الخطوة الأولى في طريق الغَواية، وإبليس عدوٌّ متربص، ومجرم محترف يبدأ مع ضحيته بالخطوة، وينتهي بها في قعر جهنم؛ يقول الحكيم الخبير - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
والله يحفظنا وإياك.
أسماء عبدالرازق
مآآآآآجده
مآآآآآجده