هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى

    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح السبت 24 أكتوبر - 10:55

    يجدُ بعضُ الناس صعوبة في فهم هذه الآية في ضوء الواقع المعاصر، والزمن الماضي حين يقلِّب المرءُ صفحات التاريخ، ابتداءً من محاكم التَّفتيش ومرورًا بالحرب الصليبيَّة، ولقد كنتُ مُنذ مُدَّة طويلة أتأمَّل هذه الآية؛ لعلَّ الله يفتح عليَّ من فهمها، وبعد طول نظر وتأمُّل خرجت بالفهم التالي لها والله أعلم بالصَّواب.

    إنَّ هذه الآية قد سبقتها ثَمانيةُ آياتٍ مُتفرِّقة في السُّورة نفسها، تَتَضمن كلُّها ذمَّ النصارى، والحكمَ بكفرهم، والنَّهيَ عن اتِّخاذهم أولياء، ثُمَّ جاءت بعدها الآية التي نَحنُ بصدد الحديث عنها، والتي تفيد أنَّ النَّصارى أقرب مودة للمسلمين من غيرهم.

    تبيِّن هذه الآية للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلم - أعداءه المُحيطين به، وهم: اليهود، والمشركون، والنصارى، وتكشف له - صلَّى الله عليه وسلم - عن طبائعهم ومواقِفهم؛ ليحسن التَّعامل معهم في ضوء ترتيب الأولويات.

    ذكرت هذه الآية: أنَّ أشدَّ الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود؛ بسبب أحبارهم الذين كتموا الحق، وحرَّفوا التَّوراة، وضلَّلوا العامة، وأوغروا صُدُورهم على المُسلمين، وهذه الأمور وضَّحتْها آيات أخرى، وتشهد لها السيرة النبوية - كما سيأتي – وكذا الأمر بالنسبة إلى المشركين؛ فقد كان صناديد الكفر - أمثالُ أبي جهل، وأبي لهب، وأمية بن خلف - يحولون دون إسلام العامة من مُشركي العرب.

    يُمكن القولُ في ضوء هذا: أنَّ شدَّة عداوة اليهود والمشركين للمسلمين تعودُ لأسباب أبرزُها: موقف الكُبراء فيهم من الإسلام، والعامةُ تبعٌ لهم، يدلُّ على هذا أمور كثيرة لا يتسع المَقام لسردها، نذكر منها حادثة صحيحة مشهورة؛ مفادها: أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - مرَّ برجل يهودي بين يديه ولده وهو يُحْتَضر، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغلام أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه - كأنَّه يستطلع رأيه - فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام، ثم مات، فحمد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الله تعالى أنْ أنقذ به هذا الغلام من النار؛ فقد أسهم انفراد النَّبي بهذا الغلام وبأبيه في إسلام الغلام، فلو قدر حضور أحد أحبار اليهود لاختلف الموقف، ولمَّا هَلَك أبرز زعماء قريش أمثال أبي جهل وأبي لهب كَثُر دخول مُشركي العرب في الإسلام؛ وبهذا يُفْهم: لِمَ خصَّ الله - تعالى - أحبارَ اليهود بالذَّم والوعيد، وقال عن كبراء قريش: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]؟ بسبب أثر هؤلاء وأولئك على عوامِّ قومهم، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة عند الحديث عن النَّصارى.
    ذكرنا في المنارة السابقة السببَ الأهم الذي جعل اليهودَ والذين أشركوا أشدَّ الناس عداوةً للمسلمين، وتتمة لبيان معنى الآية، نبيِّن: لِمَ كان موقف النصارى إيجابيًّا بإزاء موقف غيرهم من الكفار؟


    لقد شهدت الآيةُ للذين قالوا: إنا نصارى، بأنهم أقرب الناس مودة للمسلمين، ونبيِّن السبب مباشرة، فنقول: ذلك لأن بينهم ومنهم رجال دين - من قسيسين ورهبان - أصحاب مواقفَ إيجابيةٍ تجاه الإسلام وأهله، حتى تطور هذا الموقف، وأدى إلى دخول بعضهم في الإسلام؛ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 82، 83].

    يمكن القول في ضوء هذا:
    إنه لم يكن في ذلك الوقت بين النصارى مَن يُوغِر صدورَهم على الإسلام وأهله، أو يهاجم الإسلام ويحثُّ على محاربته، فانعكست هذه المواقف الإيجابية من كبراء النصارى على الرأي العام النصراني آنذاك.

    إن أبرز مثال على هذا نصارى الحبشة، فإن رهبانهم - وعلى رأسهم النجاشي، رحمه الله تعالى - رحَّبوا بهذا الدِّين، وعرفوا أنه حق من ربهم، فتعاطف منهم جماعة، وأسلم مِن الرهبان مَن أسلم، وأشهرهم النجاشي الذي نعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم موته للمسلمين، وصلى عليه صلاةَ الغائب، وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة، لقد كان لمواقف الرهبان الإيجابية أثرٌ طيب على نصارى الحبشة بعامة، حين وجد المسلمون منهم ترحيبًا وقبولاً.

    إن الآية التي نتحدث عنها صريحة في أنها تتحدث عن (نصارى)؛ ولهذا لا يصح أن يقال: إن سبب مودتهم أنهم أسلموا، ويؤيد هذا سياق الآية، فإن فيها: {لِلَّذِينَ آمَنُوا}، وهذا يعني صراحة أن هناك فريقين: نصارى أظهروا مودتهم؛ بسبب وجود قساوسة ورهبان بينهم، لهم مواقف إيجابية، وفريق آخر، وهو المسلمون.

    تصف هذه الآية واقعًا كان موجودًا في بداية الإسلام، وهو واقع قابل للتغيير - فيما يبدو - في ضوء مواقف القساوسة والرهبان النصارى، وهذا يفسر لنا مودة النصارى زمن النجاشي، ومعونة النصارى للمسلمين في معركة القادسية، ولعله من المناسب أن نذكر في هذا المقام حكمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين أوصى الجيوش الإسلامية المتجهة إلى فتوحات الشام، بتجنب التعرض للرهبان في صوامعهم؛ رغبة في إبقائهم على الحياد، وتجنبًا للتحرش بهم؛ حتى لا يؤثروا على عامة النصارى.

    كما يفسر لنا هذا الفهمُ عداوةَ النصارى في العصور المتأخرة؛ بسب وجود قساوسة ورهبان ناصبوا الإسلام العداوة، وأوغروا صدور الحكام والعامة على المسلمين.

    إن مفتاح فهم هذه الآية قوله - تعالى - فيها: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ}، بعد التأمل في سياقها، دونما تجاهل لأي مفردة فيها، أو تغيير دلالتها.

    والله أعلم.
    أ. د. زيد العيص
    مآآآآآجى
    مدير عام
    مدير عام


    الجنس : ذكر

    مشاركات : 6872
    البلد : Morocco
    نقاط التميز : 8187
    السٌّمعَة : 3

    سؤال رد: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى

    مُساهمة من طرف مدير عام الجمعة 20 نوفمبر - 11:51

    جزاك الله خيرا
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    مـــ ماجده ـلاك الروح
    الإداري المتميز
    الإداري المتميز


    الجنس : انثى

    مشاركات : 7979
    البلد : المنصورة مصر
    نقاط التميز : 17074
    السٌّمعَة : 22

    سؤال رد: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى

    مُساهمة من طرف مـــ ماجده ـلاك الروح السبت 21 نوفمبر - 11:16

    بارك الله لك

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 1 نوفمبر - 10:28