وقفت على خبر حاصله رفع الحزب الشيوعي هذه الأيام في بلد إسلامي قضية على أحد المشايخ الأفاضل، حاصلها المطالبة بمحاكمته والتهمة –وياللسخرية- تكفير الشيوعية! فالشيخ يكفر الحزب والفكر عموماً ولم يتعرض لتكفير أعيان منتسبيه.
ولله ما أعجب أمر أعداء الملة والدين، ينادون بحرية الكفر باسم الاعتقاد، وحريةِ الهرطقة باسم التعبير، ثم يضيقون ذرعاً بحرية التكفير!
مع أن التكفير بمجرده نوع من التعبير، قد أفهمُ المنعَ من بعضه وفقاً لما يقرره دعاة الشريعة وحملتها العدول، لكني لا يمكن أن أفهم وجه المنع منه وفقاً لنظرية أدعياء الحُرِّية من المستغربين والمستشرقين!
فالتكفير المجرد ولو وقع على معيَّنٍ دعك من وصف الفِعْل أو تكفير الجماعة لا على التعيين، لا يعدو كونه رأياً للمُكفِّر مخالفاً رأي المُفَكِّرِ الليبرالي أو الماركسي قد أعلنه فلماذا يضيق الشيوعي أو العلماني أياً كان به وهو من يدعو إلى كفالة الحريات؟!
وماذا يضير العلماني ليبرالياً أو شيوعياً أن يُعتقد فيه اعتقاد هو سيء في نظر المُعَبِّر عنه ليس بسيء عنده! فقول المُكَفِّر له: يا كافر، ينبغي أن يساوي عنده يا من تعتقد عدم صلاحية نظام الإسلام للحكم ولا تعترف بأحكامه في ما يتعلق بالاقتصاد والاجتماع ونحوها!
ولفظة كافر ليست مرادفة للفظة كلب ولا بليد بل ليست مرادفة لنحو يا أعور ويا سمين ونحوهما من الألفاظ التي قد يُقدح بها في من لهم نصيب منها، إذ القدح بها عيبٌ عند المتلبس بالوصف وعند من أطلقه، بخلاف الوصف بالكفر فهو عيب في رأي المكفِّر وأما المُكَفَّر –من أمثال هؤلاء- فلا يَعْتَقِد أنه رمي بعيب أصلاً!
فإن قيل هؤلاء إنما يزعجهم ما يترتب على هذا الوصف من أحكام قد تذهب معها رقابهم!
أجيب بأن الإشكال إذاً ليس في الوصف لكن في ما يترتب عليه من الجور لا من الحق، فاعتراضهم يتوجه إلى النظام لا إلى الوصف الذي هم يقرون بل يفتخرون بمعناه! وهذا النظام إما أن يكون موجوداً فيجب عليهم أن يحترموه أو يعارضوه جهرة دون نفاق والتواء وطعناً في الظل، أو يهاجروا إن شاءوا عن أرضه، وإما أن لا يكون موجوداً فلا معنى لاعتراضهم حينها!
وبأي حال لا وجه لا عتراضهم على مُكَفِّرِهم –وفقاً لمبادئهم- ما لم يتجاوز التكفير إلى عمل عدواني غير مخول به ولا موكولاً إليه.
وحتى يتضح المراد لو لقيني نصراني أو يهودي فقال لي بأعلى صوته وعروق رقبته قد قفزت يمنة ويسرة تكاد تخرج عنها، وحَبُّ الرُمَّانِ يتفقأ في كل موضع من وجهه تفقؤ الكستناء (أبو فروة) في القدر المحمي: أنت كافر بالنصرانية أو اليهودية، أو يا كافراً بيهوديتنا!
أقول لو لقيت مثل هذا لانبسطت أسارير وجهي، ولم أملك إلاّ أن أتبسم في وجهه وربما قلت له: برافو عليك.. صدقت! ولا حرج فقد ضحك أسوتنا صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحبر لمّا قال حقاً، ومقتضى الضحك ههنا موجود! وشاهدي في التنزيل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} الآية [الممتحنة: 4]، وفي الحديث: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، فنحن كفارٌ بكل دين سوى دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله، كفار بكل شريعة غير شريعة الله الخاتمة الناسخة لما قبلها من الشرائع السماوية، نعلن ذلك الكفر ونفتخر به!
فلماذا إذاً يضيق هؤلاء من وصفهم بالكفر مع أن المفهوم كفرهم بنظام الإسلام وتشريعاته التي لا يدينون بها حقيقة وهم يعلنون ذلك في كل حين!
ولا أدري هل كان في الوصف بالكفر إشكال عند الجاهليين أم لا! فلست أذكر في القرآن موضعاً اعترضوا فيه على وصفهم بالكفر، أو أنكروا فيه ذلك الاعتقاد على مخالفيهم من المسلمين، بل تجد في التنزيل قول الحق سبحانه: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23-24]، {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 30]، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 76]، فهل يا ترى كان أولئك المشركون أكثر عقلاً وليبرالية واحتراماً لحرية التعبير وصدعاً بالحق من هؤلاء المتأخرين؟!
وأخيراً:
أرجو ألا يفهم قارئ مما سبق دعوتي لإلقاء هذا الوصف جزافاً على أهل الإسلام ومنـتسبيه، بل أنا من الناهين عنه إلاّ حيث يقرره أهل الشريعة وحملته العدول، بيد أني أعتقد أنه لا يحق لليبرالي أو شيوعي أو دعي من أدعياء الحقوق على منهج الغربيين أو الشرقيين أن يعترض على إطلاقه وفقاً لمبادئه، فإن دان بالشريعة ورضي بحكمها فعندها يكون للأخذ والعطاء معه في منع إطلاق هذا الحكم العظيم معنى
ولله ما أعجب أمر أعداء الملة والدين، ينادون بحرية الكفر باسم الاعتقاد، وحريةِ الهرطقة باسم التعبير، ثم يضيقون ذرعاً بحرية التكفير!
مع أن التكفير بمجرده نوع من التعبير، قد أفهمُ المنعَ من بعضه وفقاً لما يقرره دعاة الشريعة وحملتها العدول، لكني لا يمكن أن أفهم وجه المنع منه وفقاً لنظرية أدعياء الحُرِّية من المستغربين والمستشرقين!
فالتكفير المجرد ولو وقع على معيَّنٍ دعك من وصف الفِعْل أو تكفير الجماعة لا على التعيين، لا يعدو كونه رأياً للمُكفِّر مخالفاً رأي المُفَكِّرِ الليبرالي أو الماركسي قد أعلنه فلماذا يضيق الشيوعي أو العلماني أياً كان به وهو من يدعو إلى كفالة الحريات؟!
وماذا يضير العلماني ليبرالياً أو شيوعياً أن يُعتقد فيه اعتقاد هو سيء في نظر المُعَبِّر عنه ليس بسيء عنده! فقول المُكَفِّر له: يا كافر، ينبغي أن يساوي عنده يا من تعتقد عدم صلاحية نظام الإسلام للحكم ولا تعترف بأحكامه في ما يتعلق بالاقتصاد والاجتماع ونحوها!
ولفظة كافر ليست مرادفة للفظة كلب ولا بليد بل ليست مرادفة لنحو يا أعور ويا سمين ونحوهما من الألفاظ التي قد يُقدح بها في من لهم نصيب منها، إذ القدح بها عيبٌ عند المتلبس بالوصف وعند من أطلقه، بخلاف الوصف بالكفر فهو عيب في رأي المكفِّر وأما المُكَفَّر –من أمثال هؤلاء- فلا يَعْتَقِد أنه رمي بعيب أصلاً!
فإن قيل هؤلاء إنما يزعجهم ما يترتب على هذا الوصف من أحكام قد تذهب معها رقابهم!
أجيب بأن الإشكال إذاً ليس في الوصف لكن في ما يترتب عليه من الجور لا من الحق، فاعتراضهم يتوجه إلى النظام لا إلى الوصف الذي هم يقرون بل يفتخرون بمعناه! وهذا النظام إما أن يكون موجوداً فيجب عليهم أن يحترموه أو يعارضوه جهرة دون نفاق والتواء وطعناً في الظل، أو يهاجروا إن شاءوا عن أرضه، وإما أن لا يكون موجوداً فلا معنى لاعتراضهم حينها!
وبأي حال لا وجه لا عتراضهم على مُكَفِّرِهم –وفقاً لمبادئهم- ما لم يتجاوز التكفير إلى عمل عدواني غير مخول به ولا موكولاً إليه.
وحتى يتضح المراد لو لقيني نصراني أو يهودي فقال لي بأعلى صوته وعروق رقبته قد قفزت يمنة ويسرة تكاد تخرج عنها، وحَبُّ الرُمَّانِ يتفقأ في كل موضع من وجهه تفقؤ الكستناء (أبو فروة) في القدر المحمي: أنت كافر بالنصرانية أو اليهودية، أو يا كافراً بيهوديتنا!
أقول لو لقيت مثل هذا لانبسطت أسارير وجهي، ولم أملك إلاّ أن أتبسم في وجهه وربما قلت له: برافو عليك.. صدقت! ولا حرج فقد ضحك أسوتنا صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحبر لمّا قال حقاً، ومقتضى الضحك ههنا موجود! وشاهدي في التنزيل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} الآية [الممتحنة: 4]، وفي الحديث: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، فنحن كفارٌ بكل دين سوى دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله، كفار بكل شريعة غير شريعة الله الخاتمة الناسخة لما قبلها من الشرائع السماوية، نعلن ذلك الكفر ونفتخر به!
فلماذا إذاً يضيق هؤلاء من وصفهم بالكفر مع أن المفهوم كفرهم بنظام الإسلام وتشريعاته التي لا يدينون بها حقيقة وهم يعلنون ذلك في كل حين!
ولا أدري هل كان في الوصف بالكفر إشكال عند الجاهليين أم لا! فلست أذكر في القرآن موضعاً اعترضوا فيه على وصفهم بالكفر، أو أنكروا فيه ذلك الاعتقاد على مخالفيهم من المسلمين، بل تجد في التنزيل قول الحق سبحانه: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23-24]، {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 30]، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 76]، فهل يا ترى كان أولئك المشركون أكثر عقلاً وليبرالية واحتراماً لحرية التعبير وصدعاً بالحق من هؤلاء المتأخرين؟!
وأخيراً:
أرجو ألا يفهم قارئ مما سبق دعوتي لإلقاء هذا الوصف جزافاً على أهل الإسلام ومنـتسبيه، بل أنا من الناهين عنه إلاّ حيث يقرره أهل الشريعة وحملته العدول، بيد أني أعتقد أنه لا يحق لليبرالي أو شيوعي أو دعي من أدعياء الحقوق على منهج الغربيين أو الشرقيين أن يعترض على إطلاقه وفقاً لمبادئه، فإن دان بالشريعة ورضي بحكمها فعندها يكون للأخذ والعطاء معه في منع إطلاق هذا الحكم العظيم معنى
إبراهيم الأزرق
مجووووووده
مجووووووده