دشَّنتِ الأزمة الدبلوماسيَّة الأخيرة بين الحكومتَين السوريَّة والعراقيَّة - فيما يبدو - سباقًا دبلوماسيًّا آخرَ بين القُوى الإقليمية الأكثر نفوذًا في المنطقة، في ظلِّ غياب أيِّ منظومة عربية تجمع الشمل العربي، وتقف في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وتكون أساسَ بناءٍ للعمل العربي المشترك.
فالتفجيرات الإرهابية التي جَرَتْ ببغداد في 19 أغسطس/آب الجاري، والتي راح ضحيتَها أكثرُ من مائة قتيل وألف جريح، فجَّرت خلافًا سياسيًّا بعد مطالبة بغداد دمشق بتسليم اثنين مِن قادة حِزْب البعث العراقي، ورفْضِ الأخيرة ذلك، واتِّهامها بتسهيل مهمَّة منفِّذي العمليات التفجيريَّة.
وبموازاة ذلك، نشطت كلٌّ من الدبلوماسيتَيْن - التركية والإيرانية - لتطويق الخلاف الحاصل بين سوريا والعراق، وبدَا وكأن تسابقًا محمومًا اندلع بين القوتَين الإقليميتَيْن؛ لإخماد نيران التصعيد الذي لوَّحتْ به حكومة بغداد، من خلال رفْع ملَّف الخلاف إلى مجلس الأمن الدولي، والمطالبة بعقْد محكمة دوليَّة، على غِرار محكمة الحريري في لبنان؛ لمحاسبة منفِّذي التفجيرات ومعاقبتهم.
ولكن،لماذا سارعتْ كلٌّ من الدولتين المجاورتين للعراق وسوريا لتطويق الأزمة الراهنة بينهما؟
يرى كثيرٌ من المحلِّلين أنَّ مسارعة (إيران) لحلِّ الأزمة الناشبة بين العراق وسوريا، على خلفية التفجيرات الأخيرة، يعود للحِرْص على تحالُفِها الإستراتيجي مع دمشق والمحافظة عليه، بعدَ انتشار معلومات تُفيد أنَّ إيران هي مَن نفَّذ هذه التفجيرات، ثم دفعت الحكومةُ العراقية لتوجيه الاتِّهامات لدمشق؛ وذلك لإبعاد الأخيرة عن أيِّ تقارب مع الغرب، وإفشال أيِّ تقارب بين سوريا والغَرْب على ضوء ملفَّات الحوار التي فُتِحت أخيرًا بين الطرفين، وقُرْب توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتِّحاد الأوروبي.
إذ يدور في الأرْوِقة الدبلوماسيَّة أنَّ (طهران) هي مَن يحرِّض الحكومة العراقية المقرَّبة منها على إنشاء محكمة دوليَّة على غرار محكمة الحريري؛ لمعرفة المتورِّطين في هذه التفجيرات، وهو ما يعني تعميقَ الهُوة بين سوريا والغرْب الذي يُجري - بالفعل - حواراتٍ معها منذ دخول باراك أوباما البيتَ الأبيض الأمريكي.
والملاحظ أنَّ التحركاتِ الإيرانيةَ لم تبدأ إلاَّ بعد إعلان تركيا عن دخولها على خطِّ الوَساطة بين العراق وسوريا، وهذا يدلُّ على أنَّ طهران إمَّا أن تحاول أن تنفيَ عن نفسها مزاعمَ التورط، أو أنَّ هدف الوقيعة بين سوريا والغرْب الذي أرادته قد تحقَّق فعلاً بعد الزوْبعة الأخيرة، وتبادل سَحْب السفراء بين دمشق وبغداد، فرأتْ أن تُهدِّئ اللعب مع حليفتها (سوريا) تحتَ غطاء هذه الوساطة.
ويرى كثيرٌ من المراقبين أنَّ أكثر ما يُقلِق طهران هو إبعاد دمشق عنها؛ لأنَّها تدعمها بقوَّة كحليف إستراتيجي فاعل ومؤثِّر في أكثرَ من ملفٍّ ساخن في المنطقة، مثل فلسطين ولبنان والعراق، لكن - وبالمقابل - لا يمكن أن ننكر أنَّ مِن مصلحة إيران الحفاظَ على علاقات جيِّدة بين سوريا والعراق، ودعم مشروعٍ بات يتردَّد كثيرًا في الآونة الأخيرة، وهو إنشاء حِلْف سوري عراقي إيراني، وربَّما تركي أيضًا؛ لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
بالمقابل، فإنَّ مستوى العلاقات الممتازة التي تربط تركيا بكلٍّ مِن العراق وسوريا - تؤهِّل أنقرة للوساطة بين العِراق وسوريا؛ بالنظر لعلاقتها القويَّة بهما، ونجاحها في حلِّ هذه الأزمة يُعزِّز من نفوذها وموقعها كدولة رائدة في الإقليم، فتركيا حريصةٌ على عدم تقويض الجهود الرامية لتقريبِ العراق من محيطه العربيِّ من ناحية، وحريصة على تقريب وِجْهات النظر بين دمشق والغرب مِن ناحية أخرى.
وتَعتبر الولاياتُ المتحدة وأوروبا تعاونَ سوريا معهم في تحقيق الاستقرار في العراق شَرْطًا جوهريًّا للحوار معها، وتخفيف القبضة الدوليَّة عليها، وهو ما تَحرِص عليه تركيا؛ لإبعاد سوريا عن حليفتها إيران، كما يُريد الغرْب، وفي إطار مساعي بلاده لحلِّ الأزمة الحالية أجرى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق اتصالَيْن هاتفيَّيْن برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس السوري، وبَحَث معهما التطوراتِ الأخيرة، وطَرَح أفكارًا تركية للخروج من الأزمة.
وتقود تركيا مفاوضاتٍ غيرَ مباشرة بين سوريا وإسرائيل منذ فترة طويلة؛ بغيةَ تحقيق سلام بين الدولتَين، وترى أنقرة أنَّ هذه الخُطوة ستعزِّز من مكانة سوريا، وتُنهي أزماتِها مع الولايات المتحدة والغرْب بشكلٍ عامّ، وهذا الدور التركي يُعزِّز موقعها كدولة رائدة في الإقليم.
الغريب أنَّه فيما تتسابق الدول الإقليميَّة للعب دورٍ في الأزمة الراهنة؛ لتقوية نفوذِها في المنطقة، يبدو العربُ غائبين عن هذه الأزمة بالنظر لحالة التشرذُم التي يعانون منها، فلا مصر ولا السعودية - الدولتان العربيتان الكبيرتان - يمكنهما لعبُ دور الوسيط، بالنظر لعلاقتهما السيِّئة بطرفي الأزمة.
ويبقى السؤال: هل تنجلي الأزمةُ الحالية عن مكاسبَ جديدةٍ لإحدى الدولتين (إيران أو تركيا)؟ وهل ستنجح الجهودُ الدبلوماسيَّة الحالية في تطويق الأزمة بين دمشق وبغداد؟
سؤال يظلُّ مرتبطًا برغبة اللاَّعب الخفي في الكواليس (الولايات المتحدة) في تسهيل هذه المهمَّة، أو تعقيدها، حسبَ ميزان مصالحها الخاصَّة، وسُلَّم أولوياتها في الوقت الراهن.
فالتفجيرات الإرهابية التي جَرَتْ ببغداد في 19 أغسطس/آب الجاري، والتي راح ضحيتَها أكثرُ من مائة قتيل وألف جريح، فجَّرت خلافًا سياسيًّا بعد مطالبة بغداد دمشق بتسليم اثنين مِن قادة حِزْب البعث العراقي، ورفْضِ الأخيرة ذلك، واتِّهامها بتسهيل مهمَّة منفِّذي العمليات التفجيريَّة.
وبموازاة ذلك، نشطت كلٌّ من الدبلوماسيتَيْن - التركية والإيرانية - لتطويق الخلاف الحاصل بين سوريا والعراق، وبدَا وكأن تسابقًا محمومًا اندلع بين القوتَين الإقليميتَيْن؛ لإخماد نيران التصعيد الذي لوَّحتْ به حكومة بغداد، من خلال رفْع ملَّف الخلاف إلى مجلس الأمن الدولي، والمطالبة بعقْد محكمة دوليَّة، على غِرار محكمة الحريري في لبنان؛ لمحاسبة منفِّذي التفجيرات ومعاقبتهم.
ولكن،لماذا سارعتْ كلٌّ من الدولتين المجاورتين للعراق وسوريا لتطويق الأزمة الراهنة بينهما؟
يرى كثيرٌ من المحلِّلين أنَّ مسارعة (إيران) لحلِّ الأزمة الناشبة بين العراق وسوريا، على خلفية التفجيرات الأخيرة، يعود للحِرْص على تحالُفِها الإستراتيجي مع دمشق والمحافظة عليه، بعدَ انتشار معلومات تُفيد أنَّ إيران هي مَن نفَّذ هذه التفجيرات، ثم دفعت الحكومةُ العراقية لتوجيه الاتِّهامات لدمشق؛ وذلك لإبعاد الأخيرة عن أيِّ تقارب مع الغرب، وإفشال أيِّ تقارب بين سوريا والغَرْب على ضوء ملفَّات الحوار التي فُتِحت أخيرًا بين الطرفين، وقُرْب توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتِّحاد الأوروبي.
إذ يدور في الأرْوِقة الدبلوماسيَّة أنَّ (طهران) هي مَن يحرِّض الحكومة العراقية المقرَّبة منها على إنشاء محكمة دوليَّة على غرار محكمة الحريري؛ لمعرفة المتورِّطين في هذه التفجيرات، وهو ما يعني تعميقَ الهُوة بين سوريا والغرْب الذي يُجري - بالفعل - حواراتٍ معها منذ دخول باراك أوباما البيتَ الأبيض الأمريكي.
والملاحظ أنَّ التحركاتِ الإيرانيةَ لم تبدأ إلاَّ بعد إعلان تركيا عن دخولها على خطِّ الوَساطة بين العراق وسوريا، وهذا يدلُّ على أنَّ طهران إمَّا أن تحاول أن تنفيَ عن نفسها مزاعمَ التورط، أو أنَّ هدف الوقيعة بين سوريا والغرْب الذي أرادته قد تحقَّق فعلاً بعد الزوْبعة الأخيرة، وتبادل سَحْب السفراء بين دمشق وبغداد، فرأتْ أن تُهدِّئ اللعب مع حليفتها (سوريا) تحتَ غطاء هذه الوساطة.
ويرى كثيرٌ من المراقبين أنَّ أكثر ما يُقلِق طهران هو إبعاد دمشق عنها؛ لأنَّها تدعمها بقوَّة كحليف إستراتيجي فاعل ومؤثِّر في أكثرَ من ملفٍّ ساخن في المنطقة، مثل فلسطين ولبنان والعراق، لكن - وبالمقابل - لا يمكن أن ننكر أنَّ مِن مصلحة إيران الحفاظَ على علاقات جيِّدة بين سوريا والعراق، ودعم مشروعٍ بات يتردَّد كثيرًا في الآونة الأخيرة، وهو إنشاء حِلْف سوري عراقي إيراني، وربَّما تركي أيضًا؛ لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
بالمقابل، فإنَّ مستوى العلاقات الممتازة التي تربط تركيا بكلٍّ مِن العراق وسوريا - تؤهِّل أنقرة للوساطة بين العِراق وسوريا؛ بالنظر لعلاقتها القويَّة بهما، ونجاحها في حلِّ هذه الأزمة يُعزِّز من نفوذها وموقعها كدولة رائدة في الإقليم، فتركيا حريصةٌ على عدم تقويض الجهود الرامية لتقريبِ العراق من محيطه العربيِّ من ناحية، وحريصة على تقريب وِجْهات النظر بين دمشق والغرب مِن ناحية أخرى.
وتَعتبر الولاياتُ المتحدة وأوروبا تعاونَ سوريا معهم في تحقيق الاستقرار في العراق شَرْطًا جوهريًّا للحوار معها، وتخفيف القبضة الدوليَّة عليها، وهو ما تَحرِص عليه تركيا؛ لإبعاد سوريا عن حليفتها إيران، كما يُريد الغرْب، وفي إطار مساعي بلاده لحلِّ الأزمة الحالية أجرى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق اتصالَيْن هاتفيَّيْن برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس السوري، وبَحَث معهما التطوراتِ الأخيرة، وطَرَح أفكارًا تركية للخروج من الأزمة.
وتقود تركيا مفاوضاتٍ غيرَ مباشرة بين سوريا وإسرائيل منذ فترة طويلة؛ بغيةَ تحقيق سلام بين الدولتَين، وترى أنقرة أنَّ هذه الخُطوة ستعزِّز من مكانة سوريا، وتُنهي أزماتِها مع الولايات المتحدة والغرْب بشكلٍ عامّ، وهذا الدور التركي يُعزِّز موقعها كدولة رائدة في الإقليم.
الغريب أنَّه فيما تتسابق الدول الإقليميَّة للعب دورٍ في الأزمة الراهنة؛ لتقوية نفوذِها في المنطقة، يبدو العربُ غائبين عن هذه الأزمة بالنظر لحالة التشرذُم التي يعانون منها، فلا مصر ولا السعودية - الدولتان العربيتان الكبيرتان - يمكنهما لعبُ دور الوسيط، بالنظر لعلاقتهما السيِّئة بطرفي الأزمة.
ويبقى السؤال: هل تنجلي الأزمةُ الحالية عن مكاسبَ جديدةٍ لإحدى الدولتين (إيران أو تركيا)؟ وهل ستنجح الجهودُ الدبلوماسيَّة الحالية في تطويق الأزمة بين دمشق وبغداد؟
سؤال يظلُّ مرتبطًا برغبة اللاَّعب الخفي في الكواليس (الولايات المتحدة) في تسهيل هذه المهمَّة، أو تعقيدها، حسبَ ميزان مصالحها الخاصَّة، وسُلَّم أولوياتها في الوقت الراهن.
هشام منور