الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
قبل أيام قليلة قام اليهود بتدنيس المسجد الأقصى باقتحامه، وها هم يُعاودون الكَرَّة ثانية، وفي شهر واحد، وما دام أنَّ القادة المجاهدين قد تم تحجيمُهم، والقادة الخائنين قد تم تسليحُهم، فما من مُعترضٍ طريقَهم سوى بعضِ فتية حاسرين وعجائز طاعنين، وحجتهم في هذه الاقتحامات الاحتفالُ ببعض الأعياد أو بعض الطُّقوس الدينية، والقضية ليست هذه، إنَّما هي جسٌّ لنبض الشارع الفلسطيني المسلم، وإبر لتخدير الأُمَّة، فكلما تكررت الاقتحامات باتت أمرًا مُعتادًا لدى الأمة، فلا يَحولون دونها، ولربَّما قالوا: دعوهم، إنَّها مُجرد طقوس دينية ويخرجون، والحقيقة في عمليَّات الجس والتخدير هذه هي تَهويد القدس، فالمرادُ هو تهويد القدس كخطوة أولى، ثم هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه - لا مكَّنهم الله من ذلك - والإعداد لدولة إسرائيل الكُبرى التي يَحلم بها اليهود والأمريكان والذين معهم، ويَجب علينا أنْ نَعِيَ أصل القصة ومُبتغى القوم حتَّى تتضح الرُّؤية والآفاق، فالقومُ يُحاربوننا عن عقيدة، والذي يُحارب عن عقيدة، فإمَّا أنْ يسعى لتحقيقها أو الموت دونها، فكما يُحاربوننا عن عقيدة يَجب علينا أنْ نُحاربهم عن عقيدة، وهذا هو الذي أُمرنا به من الله - تعالى - لا أن نُخرج نطاقَ القضية من حَيِّز العقيدة التي تربطُنا كأمَّة واحدة مع إخواننا المؤمنين في شرق الأرض وغربها، إلى حيِّز الوطنية والقوميَّة التي تَجمعنا مع أعدائنا العلمانيين.
إنَّ اليهودَ كانوا على مر التاريخ أعداءً للنصارى والعكس أيضًا، فالنَّصارى يعتقدون أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح - عليه السَّلام، حسب مُعتقدهم أنه قُتل - واليهود يعدُّون أنفسهم أنَّهم هم شعب الله المختار، وأنَّ النصارى قد اتَّبعوا ابنَ زنا؛ أي: المسيح - عياذًا بالله - ولذلك كانت الحروب بينهم سجالاً، وكثيرة ومنثورة على صفحات التَّاريخ، كقصة أصحاب الأخدود المذكورة في القرآن لذلك اليهودي "ذي نواس"، الذي حَرَقَ آلاف النصارى، وكقصة الصليبيِّين وحرقهم وقتلهم لليهود، وكقصة هتلر وغيرها من القصص التي تدُلُّ على العداوة بينهم؛ قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113]، ولما قامت الحركة الإصلاحيَّة لمارتن لوثر الألماني في القرن السادس عشر الميلادي، التي نادت بمُعاداة الكنيسة والقساوسة لظُلمهم الناس، ولاستئثارهم بالكتب السماوية - العهد القديم والعهد الجديد - ولمخالفاتِهم ومُنكراتهم المتكررة - نادت هذه الحركة إلى عدم جعل القساوسة ورجال الدِّين واسطة بين الفرد وربِّه، إنَّما يَجب على كل امرئٍ أن يقرأ الكتابَ بنفسه ويفهمه، بما فيه العهد القديم.
والعهد القديم عبارة عن التوراة المحرفة، ونادت بأشياء ومبادئ أخرى لا تَهمنا في مَبحثنا هذا، ثم ما لبثت أنِ انتشرت هذه الدَّعوة، خصوصًا وقد لاقى الناس من ظُلم الكنيسة وسطوتها ما لاقوا، فبدأ كثيرٌ منهم بقراءة الكتاب المقدس بما فيه العهد القديم، وفي العهد القديم مكتوب ما معناه: أنَّ الأرض التي بين الفُرات والنيل قد أهداها الله لبني إسرائيل، وأنَّ نسلَ العرب - بني كنعان - ملعونون، وأنَّهم خدم لنسل بني إسحاق - اليهود - فبدأت عقولُ الناس تتشبع بهذه الادعاءات والأباطيل والتزاوير التي زورها اليهود بأيديهم؛ {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} [البقرة: 79].
فبدؤوا يشعرون بأنَّهم ظلموا اليهودَ المساكين، وبدؤوا يتعاطفون معهم، واليهود طبعًا استغلوا ضلال وحماقة النصارى، ولكن الحركة الإصلاحية البروتستانتية ظلَّت بين المطرقة والسندان، وبين سَحر المناوئين لها ونَحر الكنيسة، وطورد أتباعها وقُتِّلوا، فهرع كثير منهم إلى الامتناع بأمريكا، تلك البلاد التي كانت مُكتشَفة للتَوِّ، إضافةً إلى أنَّ الكثيرَ منهم قد تم تهجيره ونفيه إلى هناك، فسَادَ هذا المعتقدُ البُروتستانتي في أنحاء أمريكا وشمالها وجنوبها، إضافةً إلى سواده في ألمانيا وبريطانيا، وكثير من بلاد عُبَّاد الصليب، فآمن الكثيرُ بأحقيَّة اليهود ليس بأرض فلسطين فحسب، بل بالأرض الموعودة - على حد زعمهم وتحريفهم - التي هي مِنَ الفُرات إلى النيل، وعاصمتها أورشاليم - القدس - التي سيبنون عليها هيكلَ سليمان - عليه السَّلام - الذي دمره بُخْتُنَصَّرُ في قديم الزَّمان، فإذا احتووها وبنوا الهيكل، جاء مسيحهم - الدَّجال - ليخلصهم من أعدائهم، وينقلهم إلى الجنة، وهذه العقيدة الفاسدة هي عقيدة زعماء أمريكا كلهم، ومَن راقب الأحداث، وقرأ التاريخ، عرف آثار القوم ومنهجهم وعقيدتهم؛ لذا فإن القوم يسيرون على خطٍّ واحد، وقد أبرموا فيما بينهم، وأعدوا العُدَّة، وتكالبوا علينا عسكريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، حتى إنَّهم يعدون خططًا لتنصير الشُّعوب والدُّول، وقد عقدوا مُؤتمرات بهذا الشأن في كلورادو وسويسرا وغيرها بهدف تنصير الشُّعوب بهذه العقائد البُروتستانتية النَّصرانية؛ ليكون العالم بأيديهم، وهم ينفقون المليارات على هذه الجهود، فوجب الحذر والحَيْطَة واتخاذ اللاَّزم ضد أعداء الإسلام.
أمَّا أصل القضية الفلسطينية باختصار - لأنَّ القضية يصعب احتواؤها في مقالة أو مطوية - فقد بدأت أيضًا من عَداوة الغرب النَّصراني لليهود وعدم تقبُّلهم كشعب بينهم، فإنَّ الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ذهبوا؛ وذلك لشرِّهم وكفرهم وقتلهم أنبياءَ الله - تعالى – قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167]، ولذا وقعت بعضُ المذابح اليهودية في روسيا أيَّام القيصرية الرُّوسية في القرن التاسع عشر الميلادي، إضافةً إلى بعضِ المذابح في شرق وغرب أوروبا، حتى النَّصارى الضُّلاَّل عرفوا مَكْرَ اليهود على مَرِّ الأزمان، ولذا قتلوهم وشَرَّدوهم، ولم يأمن اليهودُ قَطُّ إلاَّ تَحت ظل الدول الإسلامية العادلة، ولكن هيهات للقومِ أن يعترفوا بفضل الإسلام والمسلمين، وخروجًا من هذا العدوان بدأ اليهود يبحثون عن حلولٍ شتَّى، حتى توصل مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل إلى حل "تكوين دولة لليهود".
وبعد عقد المؤتمرات وتحريك القضية، إضافةً إلى تَحريك المعتقد الفاسد بأنَّ الله أعطى دولة فلسطين وما حولها لليهود بين أوساط اليهود المتدينة والمتصوفة، وقعَ الاختيار على دولة فلسطين، وبدأ التهجير إليها يأخذ صورة مَلموسة، مع أنَّه كان من قبل، ولكن كان بسرية تامَّة، ومن بين ما قاموا به من قبل هو "صندوق استكشاف فلسطين"، ودعوى التنقيب عن الآثار؛ ليعطوا الأمر مَسحة علمية.
ولهذا يَجب الحذر من هؤلاء المنقِّبين؛ إذ هدفهم هو التجسُّس ونقل الأخبار ودراسة الأرض والشَّعب، وهذا فعلوه تَكرارًا ومرارًا أيام نابليون وغيره، وأيام الاستعمار وحتى في أيامنا هذه، وبعد هذا التهجير وشراء بعض الأراضي من الخائنين والمغفلين - وهذه سياسة ينتهجها الغرب اليومَ في شراء الأراضي، وبناء البنيان في بلادنا وتَمليكها لأتباعهم الكَفَرة والنَّصارى، ومن سيخرجهم منها إذا صارت تبعًا لهم؟! - قاموا بمحاولات مساومة على أرض فلسطين مع السُّلطان عبدالحميد الثاني - رحمه الله - الذي رفض جميعَ العُروض والإغراءات، ومنع هجرة اليهود إلى هناك.
ولكن ما لَبِثَت أنِ انقلبت الموازين، وقامت الثَّورة البلشفية الشيوعية اليهوديَّة على القيصرية الرُّوسية النصرانية، والحرب العالمية الأولى، وأُعْطِيَ اليهودُ وعدًا من بلفور في 1917 بتمليكهم الأرض المقدسة، مع أنَّ نسبة اليهود في فلسطين آنذاك كانت 7 % تقريبًا مقابل 93 % من العرب، حتى إذا انتهت الحربُ العالمية الأولى تم تقسيمُ التركة، وكانت فلسطين مِن نصيب بريطانيا، فوقعت تحت الاحتلال البريطاني الذي أعان اليهودَ على المكث والتغلغل في البلاد المقدسة، وأشير هنا إلى أمر عجيب، وهو أنَّ كثيرًا من الشعب الفلسطيني رحَّب في بداية الأمر بهذا المحتل البطل! الذي أنقذ البلادَ من شر الأتراك والعثمانيين كما زعموا.
وما أشبهَ اليومَ بالبارحة في بعض الدول العربية! وبعد هذا التمكُّن الجزئي لليهود بَدَأ الناس يتململون ويضيقون ذرعًا، فالتجؤوا إلى الهتافات والمظاهرات حتَّى جاء الشيخ الشهيد عز الدين القسام - رحمه الله - ووجَّه الناس إلى الجهاد وقاده بنفسه، وكان من رموز الجهاد الأبطال أيضًا القائد الشهيد عبدالقادر الحسيني والأمين الحسيني.
.وكانت الحرب سجالاً بين المجاهدين والعصابات اليهودية؛ إذ لم يكن لهم جيش بعد، وإنَّما جيش الدفاع اليهودي كوِّن من هذه العصابات والمنظمات - الهاجانا والأرجون والشتيرن - ومن هؤلاء الأوباش، حتى قامت الحرب العالمية الثانية والتي برزت فيها أمريكا وأثبتت أن لها كلمة على الساحة، فقام اليهود بالتنكر لبريطانيا، ولجؤوا إلى أمريكا الأقوى.
وتم الإعلانُ عن قيام دولة إسرائيل - الكيان الصهيوني - في 14 مايو 1948، وسارع الرئيسُ الأمريكي ترومان إلى الاعتراف بها كدولة بعد دقائق من الإعلان، قبل هذا القيام صدر قرارٌ من الجمعية العامَّة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 يقضي بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، وقضوا لليهود بـ56% من أرض فلسطين، مع أنَّ اليهود آنذاك لم يكونوا يَملكون سوى 5.6% من الأراضي الفلسطينية، ولم يكتفِ اليهودُ بهذه النسبة، فقد تمكنوا من الاستيلاء على 80 % من أرض فلسطين عند نهاية الحرب الصهيونية العربية عام 48، وفي عام 67 اغتصبوا مساحات أكبر وأكبر، ويالَها من حرب بين الصهاينة والجيوش العربية بقيادة الجنرال الإنجليزي كلوب! لقد تم تجريد المجاهدين من أسلحتهم، وتم تصفيد تحركاتِهم؛ زعمًا أنَّ هذه الحربَ يَجب أنْ تقاد من جيوش نظامية عربية.
واستطاعوا أن يحققوا انتصارات على الكيان الصهيوني في مطلع الأمر، وبالطبع كانت انتصارات تمثيلية ومسرحيات ومهزلة - لزوم اللعبة - إذ بعدها قام الكيان بهزيمتهم هزيمة نكراء، وتشريدهم ودَحضهم، واستولى بالقوة على ما قسم له وأكثر، ولم يقفْ هذا الخزي إلى هنا، بل تتابعت الحروب بين الكيان الصِّهيوني وبعض الجيوش العربية، وفي سنة 67، وبعد هذه المسرحية التي قادها الرجل القومي عبدالناصر هُزِمَت مصر، واحتلَّ الكيانُ الصهيوني مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الفلسطينية والعربية، وعاد القوميون بقيادة عبدالناصر يَحملون رؤوسَهم بأيديهم من الذُّل، يَجرون أذيالَ الهزيمة والخزي بين أرجلهم، وبعد هذا العار والشنار توالت الحروب بين الكيان وأبناء فلسطين، ولكنَّها لم تكن حروبًا نظامية إنَّما كانت فوضى وبعض العمليات الفدائية.
وتم تحجيم المجاهدين بأخذ أسلحتهم في كل مرة، وبالإعلان بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي النَّاطق والممثل الرسمي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وغيرها إنَّما هو إرهاب وتطرُّف، أمَّا عن الجماعات والمنظمات المقاتلة التي ظهرت على الساحة كمنظمة التحرير وفصائلها، ومن أبرزها حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الدِّيمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني الشُّيوعي، ومنظمة أبي نضال المنشقة عن فتح، ومنظمة أيلول الأسود وغيرها، فقد كانت ذا طابع عَلْمَاني وشيوعي وماركسي وحزبي وقومي، ولذا تم دحضهم بسهولة وتم تشريدهم، ولم يُؤيَّدوا بنصر الله - تعالى - لأن العَلمانية والشيوعية والماركسية كفرٌ صريح بواح بالله - تعالى - مخرج من الملة.
حتى إنَّ بعضهم بدأ بالتناحُر والاغتيالات فيما بينهم، وبعضهم اتَّجه إلى الأعمال التخريبيَّة وخطف طائرات المدنيين هنا وهناك وتَحطيمها، ووقعت حروب بعدها على المقاومين، راح في تبعاتها بعض المجاهدين، كحرب أيلول الأسود، والحروب التي شنتها أفواج المقاومة اللبنانية الشيعيَّة (أمل)، والقوات المارونيَّة النصرانية، والقوات السورية النَّصريَّة العلوية الشيعية على سلاح المقاومة، وعلى أهل السنة والفلسطينيين المدنيين في لبنان.
وهكذا تم تكبيل المقاومة، وأصبح حلمُ الشَّعب الفلسطيني المهاجر بالرُّجوع إلى وطنه أصعب وأصعب، وأصبح التفاوُض الآن على حدود 67 فقط، وماتت حماسة تخليص الأرض المقدسة من دنس اليهود على عتبات الذُّل والهوان والضَّعف والعُدوان، وتبنت مُنظمة التحرير في عام 88 فكرة الدَّولتين والتعايش إلى جوار اليهود، واعترف ياسرُ عرفات بإسرائيل في عام 93 على أنَّها دولة كبافي الدُّول، وميَّع العَلمانيون وأصحابُهم الجهادَ والمقاومةَ، وقدموا تنازلات كثيرة للكيان الصهيوني، حتى صاروا جزءًا من هذا الكيان المغتصب، ورفعوا السلاح في وجوه إخوانهم المجاهدين إلى أنْ عزلوا غزة وهمَّشوها، وأظهروها على أنها قطاع إرهاب وتطرف.
وها هم اليومَ قد جاءهم الجنرال الأمريكي دايتون لتدريب بعضِهم تدريبًا خاصًّا لملاحقة المجاهدين من حماس وحركة الجهاد في الضَّفة، واغتيال رموزهم، فضلاً عن رفضهم التصويت على قرار جولدستون عن حرب غزة المفاجئ لهم، والذي لا يتناسب ومخططاتِهم، فهذه هي العلمانية وهؤلاء هم العَلمانيون.
ولكنَّ الصَّهاينة لم ينالوا ما يتطلعون إليه بعد؛ لأنَّ الجهادَ في سبيل الله كان لهم بالمرصاد دائمًا، وهو الذي أثبت جدارته بالوقوف في وَجه نار الحرب والصمود بعون الله - تعالى - فإن الله غالبٌ على أمره، والله ينصر من ينصرُه، فأين دَوْر الفصائل العَلمانية والشيوعية التي ذكرناها؟! لا تكاد تسمع لهم كلمة حقٍّ تقال، ولا ترى لهم طلقة يطلقونها في سبيل الأرض، حتى فضلاً عن أنْ تكون في سبيل الله، والكلمة هي للمجاهدين اليومَ، ولله الحمد من قبل ومن بعد، فبعدما كان الجهاد ضربات غير مُنتظمة، أصبح اليومَ قُوَّة صارمة نظامية، لها مُجاهدون وسلطات وهيئات.
ولكن القضية ما انتهت بعد، والصِّراع لا زال على أشُدِّه مع هذا الكيان المغتصب، فها هم يُحاولون مرارًا وتَكرارًا اقتحامَ المسجد الأقصى، وحَفْرهم لا يقف تحت المسجد، والمراد هو هدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم كما بيَّنَّا، فالواجب علينا الرجوع إلى الله والدِّفاع عن المسجد الأقصى وعن أراضي المسلمين، ونُصرة المجاهدين كل على حسب استطاعته، والدَّعوة لهم، وتحريك القضية وتوعية الناس، وتعريفهم بأعدائهم، وتذكيرهم بالله، وبأنَّ الله ينصر من ينصرُه ومن يتبع شرعه، ونهي الناس عن البدع والمنكرات والشركيَّات، فصدقوني العملية ليست بالكم، وإنَّما بالوزن عند الله، كم تزن عند الله يا أخي؟
لقد كان سلفنا الصالح ينتصرون ويفتحون البلادَ وقلوبَ العبادِ بالجهادِ والتوكُّل على الله وقوة الإيمان والعقيدة، لا بالعدد والكم، لقد حارب الصَّحابة يوم مؤتة في واحدةٍ من أروع الغزوات، مائتي ألفٍ من الرُّوم، وقد كان عدد الصحابة - رضي الله عنهم - ثلاثةَ آلاف رجل؛ أي: كل رجل منهم يُبارز ما يقرُب من سبعة وستين رجلاً من الرُّوم، ما حدث في تاريخ البطولات قطُّ مثلُ بطولات الصحابة - رضي الله عنهم - ومع هذا استمرت هذه الغزوة قرابة جمعة وما ضعفوا، ولا وهنوا، بل أثخنوا في الرُّوم ثم انسحبوا - رضي الله عنهم - وفي إحدى المعارك ضِدَّ الفرس كان قائد المسلمين قتيبة بن مسلم يبحث عن محمد بن واسع بين الصُّفوف، وقد كان محمد بن واسع رجلاً نحيلاً، ولكنه كان من عُبَّاد وزُهَّاد السَّلف الصالح، فوجده في المؤخرة رافعًا أصبعه يدعو بها، فقال هذا القائد: إنَّ أصبع محمد بن واسع الأزدي أحبُّ إلَيَّ من ألف سيف شهير يَحملها ألف شاب طرير؛ لأنه عرف قدر محمد بن واسع رحم الله الجميعَ، وانتصر المسلمون في هذه المعركة على الفرس يومها، فكم من محمد بن واسع الجندي المجاهد الزاهد، وقتيبة بن مسلم القائد العابد - بيننا؟
والواجب علينا أيضَّا: هو السَّعي للوحدة والألفة بين المسلمين على المنهج الحقِّ والحجة البيضاء، التي تركنا عليها رَسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.
والواجب علينا أيضًا مُساندة مَن يقوم بنصرة الحق بحق وصدق، لا مَن يدَّعي النصرة بالخطابات الجوفاء والجعجعة الفارغة، ويستغل مشاعر المسلمين، كما تفعله إيران وحزب حسن نصر.
اللهم يا رب نسألك أنْ تَمنع المسجد الأقصى من اليهود بقُوتك وعزتك، وأنْ تنصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وأفغانستان والعراق وفي كل مكان، وأن تعزَّ الإسلام والمسلمين وتذل الشرك والمشركين والمنافقين، اللهم أحنهم الغداة، فإنَّهم لا يعجزونك، وردَّنا إليك ردًّا جميلاً.
وصَلِّ اللهم على سيدنا مُحمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
قبل أيام قليلة قام اليهود بتدنيس المسجد الأقصى باقتحامه، وها هم يُعاودون الكَرَّة ثانية، وفي شهر واحد، وما دام أنَّ القادة المجاهدين قد تم تحجيمُهم، والقادة الخائنين قد تم تسليحُهم، فما من مُعترضٍ طريقَهم سوى بعضِ فتية حاسرين وعجائز طاعنين، وحجتهم في هذه الاقتحامات الاحتفالُ ببعض الأعياد أو بعض الطُّقوس الدينية، والقضية ليست هذه، إنَّما هي جسٌّ لنبض الشارع الفلسطيني المسلم، وإبر لتخدير الأُمَّة، فكلما تكررت الاقتحامات باتت أمرًا مُعتادًا لدى الأمة، فلا يَحولون دونها، ولربَّما قالوا: دعوهم، إنَّها مُجرد طقوس دينية ويخرجون، والحقيقة في عمليَّات الجس والتخدير هذه هي تَهويد القدس، فالمرادُ هو تهويد القدس كخطوة أولى، ثم هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه - لا مكَّنهم الله من ذلك - والإعداد لدولة إسرائيل الكُبرى التي يَحلم بها اليهود والأمريكان والذين معهم، ويَجب علينا أنْ نَعِيَ أصل القصة ومُبتغى القوم حتَّى تتضح الرُّؤية والآفاق، فالقومُ يُحاربوننا عن عقيدة، والذي يُحارب عن عقيدة، فإمَّا أنْ يسعى لتحقيقها أو الموت دونها، فكما يُحاربوننا عن عقيدة يَجب علينا أنْ نُحاربهم عن عقيدة، وهذا هو الذي أُمرنا به من الله - تعالى - لا أن نُخرج نطاقَ القضية من حَيِّز العقيدة التي تربطُنا كأمَّة واحدة مع إخواننا المؤمنين في شرق الأرض وغربها، إلى حيِّز الوطنية والقوميَّة التي تَجمعنا مع أعدائنا العلمانيين.
إنَّ اليهودَ كانوا على مر التاريخ أعداءً للنصارى والعكس أيضًا، فالنَّصارى يعتقدون أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح - عليه السَّلام، حسب مُعتقدهم أنه قُتل - واليهود يعدُّون أنفسهم أنَّهم هم شعب الله المختار، وأنَّ النصارى قد اتَّبعوا ابنَ زنا؛ أي: المسيح - عياذًا بالله - ولذلك كانت الحروب بينهم سجالاً، وكثيرة ومنثورة على صفحات التَّاريخ، كقصة أصحاب الأخدود المذكورة في القرآن لذلك اليهودي "ذي نواس"، الذي حَرَقَ آلاف النصارى، وكقصة الصليبيِّين وحرقهم وقتلهم لليهود، وكقصة هتلر وغيرها من القصص التي تدُلُّ على العداوة بينهم؛ قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113]، ولما قامت الحركة الإصلاحيَّة لمارتن لوثر الألماني في القرن السادس عشر الميلادي، التي نادت بمُعاداة الكنيسة والقساوسة لظُلمهم الناس، ولاستئثارهم بالكتب السماوية - العهد القديم والعهد الجديد - ولمخالفاتِهم ومُنكراتهم المتكررة - نادت هذه الحركة إلى عدم جعل القساوسة ورجال الدِّين واسطة بين الفرد وربِّه، إنَّما يَجب على كل امرئٍ أن يقرأ الكتابَ بنفسه ويفهمه، بما فيه العهد القديم.
والعهد القديم عبارة عن التوراة المحرفة، ونادت بأشياء ومبادئ أخرى لا تَهمنا في مَبحثنا هذا، ثم ما لبثت أنِ انتشرت هذه الدَّعوة، خصوصًا وقد لاقى الناس من ظُلم الكنيسة وسطوتها ما لاقوا، فبدأ كثيرٌ منهم بقراءة الكتاب المقدس بما فيه العهد القديم، وفي العهد القديم مكتوب ما معناه: أنَّ الأرض التي بين الفُرات والنيل قد أهداها الله لبني إسرائيل، وأنَّ نسلَ العرب - بني كنعان - ملعونون، وأنَّهم خدم لنسل بني إسحاق - اليهود - فبدأت عقولُ الناس تتشبع بهذه الادعاءات والأباطيل والتزاوير التي زورها اليهود بأيديهم؛ {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} [البقرة: 79].
فبدؤوا يشعرون بأنَّهم ظلموا اليهودَ المساكين، وبدؤوا يتعاطفون معهم، واليهود طبعًا استغلوا ضلال وحماقة النصارى، ولكن الحركة الإصلاحية البروتستانتية ظلَّت بين المطرقة والسندان، وبين سَحر المناوئين لها ونَحر الكنيسة، وطورد أتباعها وقُتِّلوا، فهرع كثير منهم إلى الامتناع بأمريكا، تلك البلاد التي كانت مُكتشَفة للتَوِّ، إضافةً إلى أنَّ الكثيرَ منهم قد تم تهجيره ونفيه إلى هناك، فسَادَ هذا المعتقدُ البُروتستانتي في أنحاء أمريكا وشمالها وجنوبها، إضافةً إلى سواده في ألمانيا وبريطانيا، وكثير من بلاد عُبَّاد الصليب، فآمن الكثيرُ بأحقيَّة اليهود ليس بأرض فلسطين فحسب، بل بالأرض الموعودة - على حد زعمهم وتحريفهم - التي هي مِنَ الفُرات إلى النيل، وعاصمتها أورشاليم - القدس - التي سيبنون عليها هيكلَ سليمان - عليه السَّلام - الذي دمره بُخْتُنَصَّرُ في قديم الزَّمان، فإذا احتووها وبنوا الهيكل، جاء مسيحهم - الدَّجال - ليخلصهم من أعدائهم، وينقلهم إلى الجنة، وهذه العقيدة الفاسدة هي عقيدة زعماء أمريكا كلهم، ومَن راقب الأحداث، وقرأ التاريخ، عرف آثار القوم ومنهجهم وعقيدتهم؛ لذا فإن القوم يسيرون على خطٍّ واحد، وقد أبرموا فيما بينهم، وأعدوا العُدَّة، وتكالبوا علينا عسكريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، حتى إنَّهم يعدون خططًا لتنصير الشُّعوب والدُّول، وقد عقدوا مُؤتمرات بهذا الشأن في كلورادو وسويسرا وغيرها بهدف تنصير الشُّعوب بهذه العقائد البُروتستانتية النَّصرانية؛ ليكون العالم بأيديهم، وهم ينفقون المليارات على هذه الجهود، فوجب الحذر والحَيْطَة واتخاذ اللاَّزم ضد أعداء الإسلام.
أمَّا أصل القضية الفلسطينية باختصار - لأنَّ القضية يصعب احتواؤها في مقالة أو مطوية - فقد بدأت أيضًا من عَداوة الغرب النَّصراني لليهود وعدم تقبُّلهم كشعب بينهم، فإنَّ الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ذهبوا؛ وذلك لشرِّهم وكفرهم وقتلهم أنبياءَ الله - تعالى – قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167]، ولذا وقعت بعضُ المذابح اليهودية في روسيا أيَّام القيصرية الرُّوسية في القرن التاسع عشر الميلادي، إضافةً إلى بعضِ المذابح في شرق وغرب أوروبا، حتى النَّصارى الضُّلاَّل عرفوا مَكْرَ اليهود على مَرِّ الأزمان، ولذا قتلوهم وشَرَّدوهم، ولم يأمن اليهودُ قَطُّ إلاَّ تَحت ظل الدول الإسلامية العادلة، ولكن هيهات للقومِ أن يعترفوا بفضل الإسلام والمسلمين، وخروجًا من هذا العدوان بدأ اليهود يبحثون عن حلولٍ شتَّى، حتى توصل مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل إلى حل "تكوين دولة لليهود".
وبعد عقد المؤتمرات وتحريك القضية، إضافةً إلى تَحريك المعتقد الفاسد بأنَّ الله أعطى دولة فلسطين وما حولها لليهود بين أوساط اليهود المتدينة والمتصوفة، وقعَ الاختيار على دولة فلسطين، وبدأ التهجير إليها يأخذ صورة مَلموسة، مع أنَّه كان من قبل، ولكن كان بسرية تامَّة، ومن بين ما قاموا به من قبل هو "صندوق استكشاف فلسطين"، ودعوى التنقيب عن الآثار؛ ليعطوا الأمر مَسحة علمية.
ولهذا يَجب الحذر من هؤلاء المنقِّبين؛ إذ هدفهم هو التجسُّس ونقل الأخبار ودراسة الأرض والشَّعب، وهذا فعلوه تَكرارًا ومرارًا أيام نابليون وغيره، وأيام الاستعمار وحتى في أيامنا هذه، وبعد هذا التهجير وشراء بعض الأراضي من الخائنين والمغفلين - وهذه سياسة ينتهجها الغرب اليومَ في شراء الأراضي، وبناء البنيان في بلادنا وتَمليكها لأتباعهم الكَفَرة والنَّصارى، ومن سيخرجهم منها إذا صارت تبعًا لهم؟! - قاموا بمحاولات مساومة على أرض فلسطين مع السُّلطان عبدالحميد الثاني - رحمه الله - الذي رفض جميعَ العُروض والإغراءات، ومنع هجرة اليهود إلى هناك.
ولكن ما لَبِثَت أنِ انقلبت الموازين، وقامت الثَّورة البلشفية الشيوعية اليهوديَّة على القيصرية الرُّوسية النصرانية، والحرب العالمية الأولى، وأُعْطِيَ اليهودُ وعدًا من بلفور في 1917 بتمليكهم الأرض المقدسة، مع أنَّ نسبة اليهود في فلسطين آنذاك كانت 7 % تقريبًا مقابل 93 % من العرب، حتى إذا انتهت الحربُ العالمية الأولى تم تقسيمُ التركة، وكانت فلسطين مِن نصيب بريطانيا، فوقعت تحت الاحتلال البريطاني الذي أعان اليهودَ على المكث والتغلغل في البلاد المقدسة، وأشير هنا إلى أمر عجيب، وهو أنَّ كثيرًا من الشعب الفلسطيني رحَّب في بداية الأمر بهذا المحتل البطل! الذي أنقذ البلادَ من شر الأتراك والعثمانيين كما زعموا.
وما أشبهَ اليومَ بالبارحة في بعض الدول العربية! وبعد هذا التمكُّن الجزئي لليهود بَدَأ الناس يتململون ويضيقون ذرعًا، فالتجؤوا إلى الهتافات والمظاهرات حتَّى جاء الشيخ الشهيد عز الدين القسام - رحمه الله - ووجَّه الناس إلى الجهاد وقاده بنفسه، وكان من رموز الجهاد الأبطال أيضًا القائد الشهيد عبدالقادر الحسيني والأمين الحسيني.
.وكانت الحرب سجالاً بين المجاهدين والعصابات اليهودية؛ إذ لم يكن لهم جيش بعد، وإنَّما جيش الدفاع اليهودي كوِّن من هذه العصابات والمنظمات - الهاجانا والأرجون والشتيرن - ومن هؤلاء الأوباش، حتى قامت الحرب العالمية الثانية والتي برزت فيها أمريكا وأثبتت أن لها كلمة على الساحة، فقام اليهود بالتنكر لبريطانيا، ولجؤوا إلى أمريكا الأقوى.
وتم الإعلانُ عن قيام دولة إسرائيل - الكيان الصهيوني - في 14 مايو 1948، وسارع الرئيسُ الأمريكي ترومان إلى الاعتراف بها كدولة بعد دقائق من الإعلان، قبل هذا القيام صدر قرارٌ من الجمعية العامَّة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 يقضي بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، وقضوا لليهود بـ56% من أرض فلسطين، مع أنَّ اليهود آنذاك لم يكونوا يَملكون سوى 5.6% من الأراضي الفلسطينية، ولم يكتفِ اليهودُ بهذه النسبة، فقد تمكنوا من الاستيلاء على 80 % من أرض فلسطين عند نهاية الحرب الصهيونية العربية عام 48، وفي عام 67 اغتصبوا مساحات أكبر وأكبر، ويالَها من حرب بين الصهاينة والجيوش العربية بقيادة الجنرال الإنجليزي كلوب! لقد تم تجريد المجاهدين من أسلحتهم، وتم تصفيد تحركاتِهم؛ زعمًا أنَّ هذه الحربَ يَجب أنْ تقاد من جيوش نظامية عربية.
واستطاعوا أن يحققوا انتصارات على الكيان الصهيوني في مطلع الأمر، وبالطبع كانت انتصارات تمثيلية ومسرحيات ومهزلة - لزوم اللعبة - إذ بعدها قام الكيان بهزيمتهم هزيمة نكراء، وتشريدهم ودَحضهم، واستولى بالقوة على ما قسم له وأكثر، ولم يقفْ هذا الخزي إلى هنا، بل تتابعت الحروب بين الكيان الصِّهيوني وبعض الجيوش العربية، وفي سنة 67، وبعد هذه المسرحية التي قادها الرجل القومي عبدالناصر هُزِمَت مصر، واحتلَّ الكيانُ الصهيوني مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الفلسطينية والعربية، وعاد القوميون بقيادة عبدالناصر يَحملون رؤوسَهم بأيديهم من الذُّل، يَجرون أذيالَ الهزيمة والخزي بين أرجلهم، وبعد هذا العار والشنار توالت الحروب بين الكيان وأبناء فلسطين، ولكنَّها لم تكن حروبًا نظامية إنَّما كانت فوضى وبعض العمليات الفدائية.
وتم تحجيم المجاهدين بأخذ أسلحتهم في كل مرة، وبالإعلان بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي النَّاطق والممثل الرسمي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وغيرها إنَّما هو إرهاب وتطرُّف، أمَّا عن الجماعات والمنظمات المقاتلة التي ظهرت على الساحة كمنظمة التحرير وفصائلها، ومن أبرزها حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الدِّيمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني الشُّيوعي، ومنظمة أبي نضال المنشقة عن فتح، ومنظمة أيلول الأسود وغيرها، فقد كانت ذا طابع عَلْمَاني وشيوعي وماركسي وحزبي وقومي، ولذا تم دحضهم بسهولة وتم تشريدهم، ولم يُؤيَّدوا بنصر الله - تعالى - لأن العَلمانية والشيوعية والماركسية كفرٌ صريح بواح بالله - تعالى - مخرج من الملة.
حتى إنَّ بعضهم بدأ بالتناحُر والاغتيالات فيما بينهم، وبعضهم اتَّجه إلى الأعمال التخريبيَّة وخطف طائرات المدنيين هنا وهناك وتَحطيمها، ووقعت حروب بعدها على المقاومين، راح في تبعاتها بعض المجاهدين، كحرب أيلول الأسود، والحروب التي شنتها أفواج المقاومة اللبنانية الشيعيَّة (أمل)، والقوات المارونيَّة النصرانية، والقوات السورية النَّصريَّة العلوية الشيعية على سلاح المقاومة، وعلى أهل السنة والفلسطينيين المدنيين في لبنان.
وهكذا تم تكبيل المقاومة، وأصبح حلمُ الشَّعب الفلسطيني المهاجر بالرُّجوع إلى وطنه أصعب وأصعب، وأصبح التفاوُض الآن على حدود 67 فقط، وماتت حماسة تخليص الأرض المقدسة من دنس اليهود على عتبات الذُّل والهوان والضَّعف والعُدوان، وتبنت مُنظمة التحرير في عام 88 فكرة الدَّولتين والتعايش إلى جوار اليهود، واعترف ياسرُ عرفات بإسرائيل في عام 93 على أنَّها دولة كبافي الدُّول، وميَّع العَلمانيون وأصحابُهم الجهادَ والمقاومةَ، وقدموا تنازلات كثيرة للكيان الصهيوني، حتى صاروا جزءًا من هذا الكيان المغتصب، ورفعوا السلاح في وجوه إخوانهم المجاهدين إلى أنْ عزلوا غزة وهمَّشوها، وأظهروها على أنها قطاع إرهاب وتطرف.
وها هم اليومَ قد جاءهم الجنرال الأمريكي دايتون لتدريب بعضِهم تدريبًا خاصًّا لملاحقة المجاهدين من حماس وحركة الجهاد في الضَّفة، واغتيال رموزهم، فضلاً عن رفضهم التصويت على قرار جولدستون عن حرب غزة المفاجئ لهم، والذي لا يتناسب ومخططاتِهم، فهذه هي العلمانية وهؤلاء هم العَلمانيون.
ولكنَّ الصَّهاينة لم ينالوا ما يتطلعون إليه بعد؛ لأنَّ الجهادَ في سبيل الله كان لهم بالمرصاد دائمًا، وهو الذي أثبت جدارته بالوقوف في وَجه نار الحرب والصمود بعون الله - تعالى - فإن الله غالبٌ على أمره، والله ينصر من ينصرُه، فأين دَوْر الفصائل العَلمانية والشيوعية التي ذكرناها؟! لا تكاد تسمع لهم كلمة حقٍّ تقال، ولا ترى لهم طلقة يطلقونها في سبيل الأرض، حتى فضلاً عن أنْ تكون في سبيل الله، والكلمة هي للمجاهدين اليومَ، ولله الحمد من قبل ومن بعد، فبعدما كان الجهاد ضربات غير مُنتظمة، أصبح اليومَ قُوَّة صارمة نظامية، لها مُجاهدون وسلطات وهيئات.
ولكن القضية ما انتهت بعد، والصِّراع لا زال على أشُدِّه مع هذا الكيان المغتصب، فها هم يُحاولون مرارًا وتَكرارًا اقتحامَ المسجد الأقصى، وحَفْرهم لا يقف تحت المسجد، والمراد هو هدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم كما بيَّنَّا، فالواجب علينا الرجوع إلى الله والدِّفاع عن المسجد الأقصى وعن أراضي المسلمين، ونُصرة المجاهدين كل على حسب استطاعته، والدَّعوة لهم، وتحريك القضية وتوعية الناس، وتعريفهم بأعدائهم، وتذكيرهم بالله، وبأنَّ الله ينصر من ينصرُه ومن يتبع شرعه، ونهي الناس عن البدع والمنكرات والشركيَّات، فصدقوني العملية ليست بالكم، وإنَّما بالوزن عند الله، كم تزن عند الله يا أخي؟
لقد كان سلفنا الصالح ينتصرون ويفتحون البلادَ وقلوبَ العبادِ بالجهادِ والتوكُّل على الله وقوة الإيمان والعقيدة، لا بالعدد والكم، لقد حارب الصَّحابة يوم مؤتة في واحدةٍ من أروع الغزوات، مائتي ألفٍ من الرُّوم، وقد كان عدد الصحابة - رضي الله عنهم - ثلاثةَ آلاف رجل؛ أي: كل رجل منهم يُبارز ما يقرُب من سبعة وستين رجلاً من الرُّوم، ما حدث في تاريخ البطولات قطُّ مثلُ بطولات الصحابة - رضي الله عنهم - ومع هذا استمرت هذه الغزوة قرابة جمعة وما ضعفوا، ولا وهنوا، بل أثخنوا في الرُّوم ثم انسحبوا - رضي الله عنهم - وفي إحدى المعارك ضِدَّ الفرس كان قائد المسلمين قتيبة بن مسلم يبحث عن محمد بن واسع بين الصُّفوف، وقد كان محمد بن واسع رجلاً نحيلاً، ولكنه كان من عُبَّاد وزُهَّاد السَّلف الصالح، فوجده في المؤخرة رافعًا أصبعه يدعو بها، فقال هذا القائد: إنَّ أصبع محمد بن واسع الأزدي أحبُّ إلَيَّ من ألف سيف شهير يَحملها ألف شاب طرير؛ لأنه عرف قدر محمد بن واسع رحم الله الجميعَ، وانتصر المسلمون في هذه المعركة على الفرس يومها، فكم من محمد بن واسع الجندي المجاهد الزاهد، وقتيبة بن مسلم القائد العابد - بيننا؟
والواجب علينا أيضَّا: هو السَّعي للوحدة والألفة بين المسلمين على المنهج الحقِّ والحجة البيضاء، التي تركنا عليها رَسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم.
والواجب علينا أيضًا مُساندة مَن يقوم بنصرة الحق بحق وصدق، لا مَن يدَّعي النصرة بالخطابات الجوفاء والجعجعة الفارغة، ويستغل مشاعر المسلمين، كما تفعله إيران وحزب حسن نصر.
اللهم يا رب نسألك أنْ تَمنع المسجد الأقصى من اليهود بقُوتك وعزتك، وأنْ تنصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وأفغانستان والعراق وفي كل مكان، وأن تعزَّ الإسلام والمسلمين وتذل الشرك والمشركين والمنافقين، اللهم أحنهم الغداة، فإنَّهم لا يعجزونك، وردَّنا إليك ردًّا جميلاً.
وصَلِّ اللهم على سيدنا مُحمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فادي نضال عمر
مآآآآآآجى
مآآآآآآجى