هي ووليدُها تعيش في مكَّة، وزوجها يعيش في المدينة، أيَّامٌ عديدة تفصِلها عن زوجها تفوق عشرة الأيام بلياليها، وماذا كانت وسيلة السَّفر؟ لَم تكن سيَّارة ولا قطارًا ولا طائرة؛ بل كانت الإبل سفُن الصحراء، تريد رفقةً تبلغ معها إلى حيث يسكُن زوجُها؛ فقد تبع زوجُها لواء الحقّ، فكان من أوائل المُهاجرين.
ما أحدٌ من أهلها رقَّ لها، أو أحسَّ بِحاجتها إلى السَّفر، أو شعر بمشكلتها؛ فهم على غير دين زوجِها ودينها، جمعتْهم القرابة، وفرَّقتْهم العقيدة، فكانوا أطرافًا في العداء والبغضاء، كانت كلّ يومٍ تتجهَّز للسَّفر خارجة من بيتها في مكَّة تحمل وليدَها، علَّها تصادف ركبًا يريد المدينة فتكون برُفْقته، طال صبرُها وامتدَّ انتظارها، وانتشرت قصَّتها في مكَّة حتَّى صار سفرُها حديث النَّاس، امتعض أهلُها وامتعضت عشيرتُها فساروا إليْها مؤنِّبين زاجرين، سبقهم إليْها كراهية الدين الجديد، فقد قرَّروا أن يعيدوها إلى مكَّة وحرَّموا عليْها اللَّحاق بزوجها، عادت والغصَّة والحرقة تملأ جوْفَها، توجَّهت إلى الكعبة وطافت بالبيت العتيق، ورفعتْ يدَها إلى السَّماء داعيةً في حلِّ مشكلتِها.
سمع أهل الزَّوج بما حلَّ بها، وكيف أنَّ أهلها منعوها من اللحاق بابنهم (زوجِها)، فامتعضوا من ذلك وطلبوا من أهلها وليدَهم، وتنازع أهلُ الزَّوج وأهل الزَّوجة الوليد فخُلِعَت يده، فأضافوا إلى همومها ومصائبها همًّا جديدًا ومصيبة أخرى، فجمعت عليها مصيبة فقْد الولد وإصابته إلى فقْد الزَّوج، فكانت في محنةٍ شديدة وهمٍّ كبير.
وما عساها أن تفعل وقد قلب لها أهلُها ظهْرَ المجنِّ، وانتزع أهلُ الزَّوج وليدَها وفلْذة كبدها، فهي تتطلَّع إلى الزَّوج بعيدًا وحيدًا في المدينة، وإلى الوليد في مكَّة وعلى مقْربة منها؛ لكنَّها لا تستطيعُ أن تحنو عليه أو تراه.
ضجَّت بهمِّها وأضحى عندها من الهمِّ ما لو وزَّعته على أهل الأرض لغمرها الحزن ولفَّها الأسى؛ فالمصائب كبيرة ومتعدِّدة وشديدةٌ على امرأةٍ في مقتبل العمر.
كانت كلَّ يومٍ تخرج إلى منطقةٍ في مكَّة تُدْعَى الأبطح ثمَّ تُجْهِش بالبكاء لساعات وساعات، حتى تسيل على الأرض دموعُها، ثمَّ تعود مكسورة الخاطر إلى بيْت أهلها في مكَّة، انتشرت قصَّتها في مكَّة وعاشت عامًا كاملاً في مِحْنَتها، كلَّ يومٍ تخرج من مكَّة إلى الأبطح فتبكِي وتبكي وليس ينفعُها البُكاء، كادت حجارة مكَّة أن ترقَّ لحالها، وما لانتْ لها قلوبُ أهلها وأهل زوجها، وغدت سيرتُها وسيرة بكائِها على كلِّ لسان، حتَّى أتى أهلَها أحدُ أقربائها وقد رقَّ لحالها مخاطبًا إيَّاهم: أما آنَ لكم أن ترْحموا هذه المسكينة؟!
فعملت هذه الكلماتُ فِعْلَ السحر في نفوس أهلها فقالوا: الْحَقي بزوجِك إن شئت.
وكيف تلحق بزوجها ووليدها وفلْذة كبدها في مكَّة لا تعرف عنه شيئًا؟!
نفسٌ هنا في مكَّة ونفسٌ هناك في المدينة، عاد قريبُها إلى بيته وعادت إلى البُكاء من جديد، وتوجَّهتْ إلى الله بالدُّعاء؛ فإنَّ الفارج الله.
سمِع أهْل الزَّوج ما حلَّ بها، وكيف أنَّ أهلها سمحوا لها باللحاق بابنهِم (زوجها)، فأعادوا لها الغلام لتعود الفرْحة إلى قلبها وليملأ السُّرور كيانها، ولتبدو لها مكَّة كسابق عهدها بها، ذات بهجةٍ وسرور، فقد كانت تراها في الأيَّام والشهور الماضية سوداء قاتمة كئيبة، فلا فرحة تدوم ولا حزن يستمرّ.
عادت إلى الطريق المؤدِّية إلى المدينة كما بدأت تنتظر قافلةً أو رفقةً تتَّجه إلى المدينة، جهَّزت ناقتها وخرجت إلى المكان الذي أمْضت فيه عامًا ترْتاده وهي تُجْهِش بالبكاء صباح مساء، ماذا حدث لها؟ وماذا حلَّ بها؟ ترى أتَجِد مَن يوصلها إلى المدينة فيجتمع شمل الأسرة من جديد؟ ومَن يوصلها إلى المدينة وبينها وبين المدينة مسيرة أيَّامٍ وأيَّام، ثمَّ ما هذه القُلُوب القاسية الَّتي منعتها وجرَّعتْها كأس المعاناة والألم وصاغَتْ لها مأساتها؟!
أيُّ أمرٍ قدِ اعتراها أبْدل عطْفَها وحنانَها صلفًا وشدَّةً وقسوة، توافقتْ مع البيئة المحيطة بها، حرٌّ شديدٌ وقسوةٌ ما بعدها قسوة؟
عزمتِ المرأة على الرَّحيل تحت أيِّ ظرْفٍ من الظروف، فهي تخْشى أهلها وأهل زوْجِها، فربَّما عادوا ومنعوها من السَّفر، وربَّما انتزعوا منها وليدَها، في خضمِّ هذا الهمِّ الَّذي كانت تعيش عاد إلى مكَّة من سفرٍ رجلٌ يدعى: عثمان بن طلحة العبدري، وعليه وعثاء السَّفر، التقى بالمرأة في منطقة التَّنعيم، نظر إليها فعرَفَها، فقال: أيْن تُريدين يا أُخْتاه؟
أُريد اللَّحاق بزوجي في المدينة.
ماذا أجاب؟ أجاب إجابةً لو كُتِبَتْ بِماء الذَّهب ما نال الرَّجُل حقَّه، فماذا أجاب يا تُرى؟ أجاب - ونعم ما أجاب -: والله مالك من مترك.
عبارةٌ جعلت الرَّجُل في عداد الخالدين.
أخذ بِخطام ناقتها وأناخها، وأناخ راحلته، ركبتِ المرأة ووليدها، ومضى يهوِي بهم في طريق المدينة، كان الرَّجُل يسير بهم النَّهار كلَّه ثمَّ يُنيخ الرَّواحل، ثمَّ يبتعد عنهم فيربط النُّوق إلى شجرة فيضطجع على الأرض، وعيونه وحواسُّه في حراسة المرأة ووليدها.
يذكِّر صنيع عثمان بأكثمَ بن صيفي وقد سُئِل عن الجود، فأجاب: ما سدَّ حاجةً.
إنَّ صنيع عثمان جديرٌ أن يُذْكَر، وقصَّته يجب أن تُرْوى ويَحفظها الصِّغار والكبار، فقدِ ارتقى بجُودِه منازل الأخيار من أهل الجود والمُروءة، أيَّامٌ عديدة تربو على العشرة بلياليها والرَّجُل في خدمة المرأة ووليدها، حارسٌ أمين وشهمٌ وفيّ، وينتظِره من الأيَّام مثلها في طريق العودة، يومًا بيومٍ عاش الرَّجُل تجربةً رفعته إلى العلْياء، وسمت به إلى المعالي، رغْم عداوة الدِّين فقد سما وارتقى، فالرجل كان ما يزال على الكفر، وصَل ركْب الجود والمروءة المدينة، وقد أطلَّ الرَّجُل عليها وقد أدَّى ما عليه وزاد، ثمَّ قال: زوجُك يسكُن في هذا الحيِّ من الأنصار.
ثمَّ قفل راجعًا لا يحتسب ولا ينتظِر مالاً من أحد، ولا منَّةً من زوج ولا من غيرِه، عاد بمثل البدء والعوْد أحمد، عاد إلى سفره وحيدًا تنتظِره أيَّام وأيَّام حتَّى يعود إلى مدينتِه مكة.
مَن كانت المرأة ومَن كان زوجُها؟
كانت المرْأةُ أمَّنا أمَّ المؤمنين أمّ سلمة، وزوجها هو أبو سلمة، وكان يسكُن في قباء، وصفت أمّنا أمّ المؤمنين أمّ سلمة عثمان بن طلحة العبْدري قائلةً: "ما رأيتُ رجُلاً من العرَب قطّ أكرم منْه".
للقصَّة بقيَّة، فهل يعقل أن يَحيد صاحب المروءة عن جادَّة الحقّ؟ لا، لا يكون ذلك؛ فقد مضت أعوام وأسْلم الرَّجُل، أسلم عثمان بن طلحة ومات أبو سلمة، وخلَفه على أمِّ سلمة خيرُ الخلْق محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - والْتقى النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الفتح العظيم يوم فتح مكَّة بعثمان ورهْطِه، ولوَّح لهم بمفاتيح الكعبة، وظنَّ عثمان بن طلحة العبدريُّ ورهطُه أنَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سينتزِع منهم مفاتيح البيت العَتيق، مفاتيح أوَّل بيتٍ وضع للناس الَّذي ببكَّة مباركًا، ويعطيها إلى سواهم، وبهذه العبارات التي نطق بها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانت نهاية القصَّة، وهو يلقي بالمفاتيح إلى عثمان وجماعته: ((خذوها خالدةً تالدةً، لا يأخذها منكم إلاَّ ظالم)).
رضي الله عن أبي سلمة وعن أمِّ سلمة، وعن عثمان بن طلحة العبْدري وعن سائر الصَّحابة أجمعين.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحْبِه وسلَّم.
ما أحدٌ من أهلها رقَّ لها، أو أحسَّ بِحاجتها إلى السَّفر، أو شعر بمشكلتها؛ فهم على غير دين زوجِها ودينها، جمعتْهم القرابة، وفرَّقتْهم العقيدة، فكانوا أطرافًا في العداء والبغضاء، كانت كلّ يومٍ تتجهَّز للسَّفر خارجة من بيتها في مكَّة تحمل وليدَها، علَّها تصادف ركبًا يريد المدينة فتكون برُفْقته، طال صبرُها وامتدَّ انتظارها، وانتشرت قصَّتها في مكَّة حتَّى صار سفرُها حديث النَّاس، امتعض أهلُها وامتعضت عشيرتُها فساروا إليْها مؤنِّبين زاجرين، سبقهم إليْها كراهية الدين الجديد، فقد قرَّروا أن يعيدوها إلى مكَّة وحرَّموا عليْها اللَّحاق بزوجها، عادت والغصَّة والحرقة تملأ جوْفَها، توجَّهت إلى الكعبة وطافت بالبيت العتيق، ورفعتْ يدَها إلى السَّماء داعيةً في حلِّ مشكلتِها.
سمع أهل الزَّوج بما حلَّ بها، وكيف أنَّ أهلها منعوها من اللحاق بابنهم (زوجِها)، فامتعضوا من ذلك وطلبوا من أهلها وليدَهم، وتنازع أهلُ الزَّوج وأهل الزَّوجة الوليد فخُلِعَت يده، فأضافوا إلى همومها ومصائبها همًّا جديدًا ومصيبة أخرى، فجمعت عليها مصيبة فقْد الولد وإصابته إلى فقْد الزَّوج، فكانت في محنةٍ شديدة وهمٍّ كبير.
وما عساها أن تفعل وقد قلب لها أهلُها ظهْرَ المجنِّ، وانتزع أهلُ الزَّوج وليدَها وفلْذة كبدها، فهي تتطلَّع إلى الزَّوج بعيدًا وحيدًا في المدينة، وإلى الوليد في مكَّة وعلى مقْربة منها؛ لكنَّها لا تستطيعُ أن تحنو عليه أو تراه.
ضجَّت بهمِّها وأضحى عندها من الهمِّ ما لو وزَّعته على أهل الأرض لغمرها الحزن ولفَّها الأسى؛ فالمصائب كبيرة ومتعدِّدة وشديدةٌ على امرأةٍ في مقتبل العمر.
كانت كلَّ يومٍ تخرج إلى منطقةٍ في مكَّة تُدْعَى الأبطح ثمَّ تُجْهِش بالبكاء لساعات وساعات، حتى تسيل على الأرض دموعُها، ثمَّ تعود مكسورة الخاطر إلى بيْت أهلها في مكَّة، انتشرت قصَّتها في مكَّة وعاشت عامًا كاملاً في مِحْنَتها، كلَّ يومٍ تخرج من مكَّة إلى الأبطح فتبكِي وتبكي وليس ينفعُها البُكاء، كادت حجارة مكَّة أن ترقَّ لحالها، وما لانتْ لها قلوبُ أهلها وأهل زوجها، وغدت سيرتُها وسيرة بكائِها على كلِّ لسان، حتَّى أتى أهلَها أحدُ أقربائها وقد رقَّ لحالها مخاطبًا إيَّاهم: أما آنَ لكم أن ترْحموا هذه المسكينة؟!
فعملت هذه الكلماتُ فِعْلَ السحر في نفوس أهلها فقالوا: الْحَقي بزوجِك إن شئت.
وكيف تلحق بزوجها ووليدها وفلْذة كبدها في مكَّة لا تعرف عنه شيئًا؟!
نفسٌ هنا في مكَّة ونفسٌ هناك في المدينة، عاد قريبُها إلى بيته وعادت إلى البُكاء من جديد، وتوجَّهتْ إلى الله بالدُّعاء؛ فإنَّ الفارج الله.
سمِع أهْل الزَّوج ما حلَّ بها، وكيف أنَّ أهلها سمحوا لها باللحاق بابنهِم (زوجها)، فأعادوا لها الغلام لتعود الفرْحة إلى قلبها وليملأ السُّرور كيانها، ولتبدو لها مكَّة كسابق عهدها بها، ذات بهجةٍ وسرور، فقد كانت تراها في الأيَّام والشهور الماضية سوداء قاتمة كئيبة، فلا فرحة تدوم ولا حزن يستمرّ.
عادت إلى الطريق المؤدِّية إلى المدينة كما بدأت تنتظر قافلةً أو رفقةً تتَّجه إلى المدينة، جهَّزت ناقتها وخرجت إلى المكان الذي أمْضت فيه عامًا ترْتاده وهي تُجْهِش بالبكاء صباح مساء، ماذا حدث لها؟ وماذا حلَّ بها؟ ترى أتَجِد مَن يوصلها إلى المدينة فيجتمع شمل الأسرة من جديد؟ ومَن يوصلها إلى المدينة وبينها وبين المدينة مسيرة أيَّامٍ وأيَّام، ثمَّ ما هذه القُلُوب القاسية الَّتي منعتها وجرَّعتْها كأس المعاناة والألم وصاغَتْ لها مأساتها؟!
أيُّ أمرٍ قدِ اعتراها أبْدل عطْفَها وحنانَها صلفًا وشدَّةً وقسوة، توافقتْ مع البيئة المحيطة بها، حرٌّ شديدٌ وقسوةٌ ما بعدها قسوة؟
عزمتِ المرأة على الرَّحيل تحت أيِّ ظرْفٍ من الظروف، فهي تخْشى أهلها وأهل زوْجِها، فربَّما عادوا ومنعوها من السَّفر، وربَّما انتزعوا منها وليدَها، في خضمِّ هذا الهمِّ الَّذي كانت تعيش عاد إلى مكَّة من سفرٍ رجلٌ يدعى: عثمان بن طلحة العبدري، وعليه وعثاء السَّفر، التقى بالمرأة في منطقة التَّنعيم، نظر إليها فعرَفَها، فقال: أيْن تُريدين يا أُخْتاه؟
أُريد اللَّحاق بزوجي في المدينة.
ماذا أجاب؟ أجاب إجابةً لو كُتِبَتْ بِماء الذَّهب ما نال الرَّجُل حقَّه، فماذا أجاب يا تُرى؟ أجاب - ونعم ما أجاب -: والله مالك من مترك.
عبارةٌ جعلت الرَّجُل في عداد الخالدين.
أخذ بِخطام ناقتها وأناخها، وأناخ راحلته، ركبتِ المرأة ووليدها، ومضى يهوِي بهم في طريق المدينة، كان الرَّجُل يسير بهم النَّهار كلَّه ثمَّ يُنيخ الرَّواحل، ثمَّ يبتعد عنهم فيربط النُّوق إلى شجرة فيضطجع على الأرض، وعيونه وحواسُّه في حراسة المرأة ووليدها.
يذكِّر صنيع عثمان بأكثمَ بن صيفي وقد سُئِل عن الجود، فأجاب: ما سدَّ حاجةً.
إنَّ صنيع عثمان جديرٌ أن يُذْكَر، وقصَّته يجب أن تُرْوى ويَحفظها الصِّغار والكبار، فقدِ ارتقى بجُودِه منازل الأخيار من أهل الجود والمُروءة، أيَّامٌ عديدة تربو على العشرة بلياليها والرَّجُل في خدمة المرأة ووليدها، حارسٌ أمين وشهمٌ وفيّ، وينتظِره من الأيَّام مثلها في طريق العودة، يومًا بيومٍ عاش الرَّجُل تجربةً رفعته إلى العلْياء، وسمت به إلى المعالي، رغْم عداوة الدِّين فقد سما وارتقى، فالرجل كان ما يزال على الكفر، وصَل ركْب الجود والمروءة المدينة، وقد أطلَّ الرَّجُل عليها وقد أدَّى ما عليه وزاد، ثمَّ قال: زوجُك يسكُن في هذا الحيِّ من الأنصار.
ثمَّ قفل راجعًا لا يحتسب ولا ينتظِر مالاً من أحد، ولا منَّةً من زوج ولا من غيرِه، عاد بمثل البدء والعوْد أحمد، عاد إلى سفره وحيدًا تنتظِره أيَّام وأيَّام حتَّى يعود إلى مدينتِه مكة.
مَن كانت المرأة ومَن كان زوجُها؟
كانت المرْأةُ أمَّنا أمَّ المؤمنين أمّ سلمة، وزوجها هو أبو سلمة، وكان يسكُن في قباء، وصفت أمّنا أمّ المؤمنين أمّ سلمة عثمان بن طلحة العبْدري قائلةً: "ما رأيتُ رجُلاً من العرَب قطّ أكرم منْه".
للقصَّة بقيَّة، فهل يعقل أن يَحيد صاحب المروءة عن جادَّة الحقّ؟ لا، لا يكون ذلك؛ فقد مضت أعوام وأسْلم الرَّجُل، أسلم عثمان بن طلحة ومات أبو سلمة، وخلَفه على أمِّ سلمة خيرُ الخلْق محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - والْتقى النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الفتح العظيم يوم فتح مكَّة بعثمان ورهْطِه، ولوَّح لهم بمفاتيح الكعبة، وظنَّ عثمان بن طلحة العبدريُّ ورهطُه أنَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سينتزِع منهم مفاتيح البيت العَتيق، مفاتيح أوَّل بيتٍ وضع للناس الَّذي ببكَّة مباركًا، ويعطيها إلى سواهم، وبهذه العبارات التي نطق بها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانت نهاية القصَّة، وهو يلقي بالمفاتيح إلى عثمان وجماعته: ((خذوها خالدةً تالدةً، لا يأخذها منكم إلاَّ ظالم)).
رضي الله عن أبي سلمة وعن أمِّ سلمة، وعن عثمان بن طلحة العبْدري وعن سائر الصَّحابة أجمعين.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحْبِه وسلَّم.
مصطفى شيخ مصطفى
مجووووووده
مجووووووده