السؤال:
ارتبطتُ بشخْصٍ لمدَّة ثلاثِ سنوات، اخترته لثِقَتي - الَّتي لَم تكُن في مكانِها - بدينِه وأخلاقه، وتحدَّيتُ نفْسي وأهْلي الَّذين لم يكونوا راضِينَ تَمامًا عنْه، وتحدَّيتُ مَن حولي من أجْل الارْتِباط به، ولكنَّه خذلَني وأساءَ مُعاملتي وَكَسَر خاطِري، حتَّى كانت النتيجة أنِ انفصلْنا من قريب، وهذا تقْدير الله - سبحانه وتعالى - وأنا راضيةٌ به، فلقدِ استخرتُه كثيرًا وكانت نتيجة الخيرة أن صرَفَني عنْه وصرفَه عنِّي.
{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
لجأتُ وما زلتُ ألجأ إلى الله تعالى؛ ليُعينَني ويقوِّيني، ويعوِّضني ويثبِّتني، ثمَّ لجأتُ وما زلتُ ألجأُ إلى أهْلي، الَّذين كانوا خيرَ سندٍ لي في هذه المِحْنة، ولكنِّي مع ذلك أشعُر أنَّ الحُزْن ما زال يغلِّف قلْبي ويعصرُه عصرًا، وينغِّص عليَّ ما تبقَّى من حياتي، وما زلتُ إلى الآنَ أُعاني نوعًا من الصَّدمة والذُّهول، ليس على الفراق؛ وإنَّما على قلَّة الوفاء وعدم حِفْظ العهد وإيفاء الوعد، وينتابُني إحساس أنَّ البدْء من جديد أمرٌ صعْبٌ، خصوصًا وأنَّني لم أعُد في مقتبل العمر.
لا أدري إن كنت أفضفِض فقط، أم أنِّي أبحث عن حلٍّ لمشكلة، أو نصيحة في الله، أو دعْوة صالحة منكم.
الجواب:
أختي العزيزة، مسلمة، حيَّاكِ الله.
آلَمني أنَّكِ تتألَّمين في مثْل هذه الأيَّام الَّتي كتب الله لنا أن نفْرح فيها؛ كونَها أيَّامَ عيد، فكلَّ عام وأنتِ بخير، أعادَه الله عليكِ وعلى أهل لبنان وأنتُم جميعًا بألْف خير.
قصَّتكِ تتكرَّر كثيرًا: امرأة مُخْلصة ورجُل خوَّان، أو رجُل وفيٌّ وامرأة لعوب، النِّهاية واحدة والألم واحد.
هو سوءُ اختِيار في العادة، لكن يبقى دائمًا وأبدًا: {قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 38].
ويبقى فراقًا وليْس طلاقًا، أليس كذلك؟! فأيهُما أشدُّ مضاضةً على قلْب المرأة: ألَم الفراق أمْ ألم الطَّلاق؟
إذًا؛ الحمْد لله الَّذي قدَّر هذا الفِراق المؤلِم من دون أن يكون له مسمَّى مؤلم، تلك نافِذة مشْرقة، افتَحيها يا عزيزتي وتنسَّمي.
كوْن الانفِصال من قريبٍ فمِن الطبيعي أن تتألَّمي وتشعُري بكلِّ هذا القدْر من الحزن؛ لكِنْ ثِقي تمامًا أنَّه حزنٌ مرْحلي، لا يلْبث أن ينتَهي يومًا ما وينجلي، كموجةٍ عاتية مخيفة علَتْ وارتفعتْ، ثمَّ ما لبثتْ أن تكسَّرت فوق صخرة صغيرة أو حبَّة رمل متناهية الصِّغَر.
ليس بيدكِ الآنَ سوى التَّسليم لقضاء الله وقدَره، والصبر على الألَم، والدُّعاء بأن يثبِّت الله قلبكِ لتتجاوزي هذه المرْحلة المؤْلِمة بقوَّة وشجاعة، من دون أن تفقِدي الأمل في الله وفي قُدْرَته على أن يَجزِيك الجزاء الأوْفى في الدُّنيا والآخرة.
لا تبقَيْ أسيرةَ الحزن والذِّكْريات الموجعة، اشغلي وقتَكِ بكل ما هو بعيد عن ذكْرياته، التَحِقي بدورة تدريبيَّة أو عملٍ تَصْرِفين فيه طاقاتِك ووقتَك بما يعود عليكِ بالفائدة، واستَثْمِري هذه الأيَّام بصيام السِّتِّ من شوَّال؛ فالصوْم جنَّة وراحة، واتِّصال بالله من خلال الدُّعاء والذِّكْر وتلاوة القرآن.
وإيَّاكِ أن تندمي لحظةً واحدة على فِراق هذا الرَّجُل، الَّذي لم يكن ليستحقَّ قلبَكِ لحظةً واحدة، ولا ليستحقَّ عَبرةً واحدة من عبراتكِ، وحذارِ أن يَخذُلكِ قلبُكِ فتعودي إليْه بعد كلِّ هذا الخذلان وتلك الجراح، بل كوني كما قال البهاء زهير:
وقبل ذلك قولي: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهُمَّ أجُرْني في مصيبتي واخلُفْ لي خيرًا منْها؛ فقد قالتْها أمّ سلمة - رضِي الله عنْها - بعد وفاة أبي سلمة - رضِي الله عنْه - فأبدَلَها الله - تعالى - بِمن هو خيرٌ من أبي سلمة: نبيِّه المصطفى محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم.
فعن أمِّ سلمة أنَّها قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ما من مسلمٍ تُصيبه مصيبة فيقول ما أمَرَه الله: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهُمَّ، أجُرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منْها - إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها))، قالتْ: فلمَّا مات أبو سلمة قلتُ: أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟! أوَّل بيت هاجَر إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثمَّ إنِّي قلتُها، فأخلفَ الله لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالتْ: أرْسل إليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حاطبَ بن أبي بلْتعة يَخطُبني له، فقلتُ: إنَّ لي بنتًا وأنا غيور، فقال: ((أمَّا ابنتُها فندعو الله أن يُغْنيها عنْها، وأدْعو الله أن يذهب بالغيرة))؛ رواه مسلم.
ولا تقولي: "لم أعد في مقتبل العمر"؛ فأمّ سلمة حين أبدلَها الله بِمَن هو خيرٌ من أبِي سلمة كانتْ قد تجاوزتْ عمرَك الآن بِمراحل عديدة، ثمَّ إنَّ عمرَ الزَّواج اليوم قد تغيَّر، حتَّى الشَّباب تأخَّروا في الزَّواج وأصبح من المُتاح جدًّا أن تَجِدي مَن هو في سنِّكِ أو أكبر منكِ بقليل وذو خلق ودين، فلا تيْأسي ولا تسْتَسْلمي لأحاديثِ النَّاس؛ لأنَّهم إن تزوَّجْتِ تساءلوا فيما بيْنهم: متَى تحمل فلانة؟ وإن حملتِ بأُنثى قالوا: متَى تنجب الذَّكَر؟ وإن أنجبتِ الذَّكَر قالوا: متى تترفَّق به وتأتي له بأخ يسليه؟!
فاتركي النَّاس ورِضاهم لأنَّهم لن يَرْضَوا عنكِ، بل فكِّري بما هو أعْلى وأكبر من ذلك: رضا الله تعالى، والرِّضا بما قسم؛ عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ عظمَ الجزاء مع عظمِ البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط))؛ حسَّنه الترمذي.
والحمدُ لله الَّذي رزقك بأهْلٍ ذوي قلوب كبيرة وعقول راشدة، تمكَّنوا من احتوائِك رغْم معارضتِهم لاختيارك منذ البداية، تلك - والله - نعمةٌ تستحقُّ منكِ الشكر.
ثقِي يا عزيزتي، بأنَّ الله سيعوِّضكِ - إن شاء الله - برجُل صالح، أمَّا إن قدّر لكِ غير ذلك - وأرجو ألا يكون كذلك - فاعلَمي أنَّ ذلك قد كُتِب عليْكِ لحكمة خفيَّة وليس لعيْبٍ فيكِ، وربَّما اطَّلع الله على قلوب الرجال فلم يجِد أحدًا منهم يستحقُّ أن تكوني له زوجةً تقرُّ بها عينُه،
وساعتئذٍ لا تنسَي دعوة امرأة فرعون: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].
كلُّ رجُل ظالم ظنَّ أنَّ الدُّنيا خُلِقَتْ له وحْده، لئيمٌ يُهين نساء المسلِمين، قاسٍ يكسِر أفئدة القوارير - هو فرعونُ آخر، وهذا عمله، وتلك دعوة امرأتِه أو من كادتْ أن تكون له امرأة.
ختامًا: يقول ابن الجوْزي في "صيد الخاطر": "ما العيْشُ إلاَّ في الجنَّة، حيث يقَع اليقينُ بالرِّضا، والمعاشرة لِمَن لا يخون ولا يؤذِي، فأمَّا الدنيا، فما هي دار ذاك".
رزقَكِ الله بزوْجٍ صالح تقيٍّ غنيٍّ، يحبُّكِ ويكرمكِ ويصون كرامتكِ، ويَحفظ مشاعركِ من الانكسار، آمين.
دمتِ بألفِ خير، ولا تنسَيني من صالح دعائكِ.
ارتبطتُ بشخْصٍ لمدَّة ثلاثِ سنوات، اخترته لثِقَتي - الَّتي لَم تكُن في مكانِها - بدينِه وأخلاقه، وتحدَّيتُ نفْسي وأهْلي الَّذين لم يكونوا راضِينَ تَمامًا عنْه، وتحدَّيتُ مَن حولي من أجْل الارْتِباط به، ولكنَّه خذلَني وأساءَ مُعاملتي وَكَسَر خاطِري، حتَّى كانت النتيجة أنِ انفصلْنا من قريب، وهذا تقْدير الله - سبحانه وتعالى - وأنا راضيةٌ به، فلقدِ استخرتُه كثيرًا وكانت نتيجة الخيرة أن صرَفَني عنْه وصرفَه عنِّي.
{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
لجأتُ وما زلتُ ألجأ إلى الله تعالى؛ ليُعينَني ويقوِّيني، ويعوِّضني ويثبِّتني، ثمَّ لجأتُ وما زلتُ ألجأُ إلى أهْلي، الَّذين كانوا خيرَ سندٍ لي في هذه المِحْنة، ولكنِّي مع ذلك أشعُر أنَّ الحُزْن ما زال يغلِّف قلْبي ويعصرُه عصرًا، وينغِّص عليَّ ما تبقَّى من حياتي، وما زلتُ إلى الآنَ أُعاني نوعًا من الصَّدمة والذُّهول، ليس على الفراق؛ وإنَّما على قلَّة الوفاء وعدم حِفْظ العهد وإيفاء الوعد، وينتابُني إحساس أنَّ البدْء من جديد أمرٌ صعْبٌ، خصوصًا وأنَّني لم أعُد في مقتبل العمر.
لا أدري إن كنت أفضفِض فقط، أم أنِّي أبحث عن حلٍّ لمشكلة، أو نصيحة في الله، أو دعْوة صالحة منكم.
الجواب:
أختي العزيزة، مسلمة، حيَّاكِ الله.
آلَمني أنَّكِ تتألَّمين في مثْل هذه الأيَّام الَّتي كتب الله لنا أن نفْرح فيها؛ كونَها أيَّامَ عيد، فكلَّ عام وأنتِ بخير، أعادَه الله عليكِ وعلى أهل لبنان وأنتُم جميعًا بألْف خير.
قصَّتكِ تتكرَّر كثيرًا: امرأة مُخْلصة ورجُل خوَّان، أو رجُل وفيٌّ وامرأة لعوب، النِّهاية واحدة والألم واحد.
لَيْتَ الَّذِينَ وَهَبْنَاهُمْ سَرَائِرَنَا فِي زَحْمَةِ الخَطْبِ أَغْلَوْا مَا وَهَبْنَاهُ وَلا وَفَاءَ لِقَلْبٍ حِينَ نُؤْثِرُهُ حَتَّى تَكُونَ رَزَايَانَا رَزَايَاهُ يُرْضِيهِ أَنْ نَتَشَفَّى مِنْ مَدَامِعِنَا لَمْ نَبْكِ مِنْهُ وَلَكِنَّا بَكَيْنَاهُ حَسْبُ الأَحِبَّةِ ذُلاًّ عَارُ غَدْرِهِمُ وَحَسْبُنَا عِزَّةً أَنَّا غَفَرْنَاهُ |
فَلَيْسَ يُنْجِي مِنَ الأَقْدَارِ إِنْ نَزَلَتْ رَأْيٌ وَحَزْمٌ وَلا خَوْفٌ وَلا حَذَرُ |
ويبقى فراقًا وليْس طلاقًا، أليس كذلك؟! فأيهُما أشدُّ مضاضةً على قلْب المرأة: ألَم الفراق أمْ ألم الطَّلاق؟
إذًا؛ الحمْد لله الَّذي قدَّر هذا الفِراق المؤلِم من دون أن يكون له مسمَّى مؤلم، تلك نافِذة مشْرقة، افتَحيها يا عزيزتي وتنسَّمي.
كوْن الانفِصال من قريبٍ فمِن الطبيعي أن تتألَّمي وتشعُري بكلِّ هذا القدْر من الحزن؛ لكِنْ ثِقي تمامًا أنَّه حزنٌ مرْحلي، لا يلْبث أن ينتَهي يومًا ما وينجلي، كموجةٍ عاتية مخيفة علَتْ وارتفعتْ، ثمَّ ما لبثتْ أن تكسَّرت فوق صخرة صغيرة أو حبَّة رمل متناهية الصِّغَر.
ليس بيدكِ الآنَ سوى التَّسليم لقضاء الله وقدَره، والصبر على الألَم، والدُّعاء بأن يثبِّت الله قلبكِ لتتجاوزي هذه المرْحلة المؤْلِمة بقوَّة وشجاعة، من دون أن تفقِدي الأمل في الله وفي قُدْرَته على أن يَجزِيك الجزاء الأوْفى في الدُّنيا والآخرة.
لا تبقَيْ أسيرةَ الحزن والذِّكْريات الموجعة، اشغلي وقتَكِ بكل ما هو بعيد عن ذكْرياته، التَحِقي بدورة تدريبيَّة أو عملٍ تَصْرِفين فيه طاقاتِك ووقتَك بما يعود عليكِ بالفائدة، واستَثْمِري هذه الأيَّام بصيام السِّتِّ من شوَّال؛ فالصوْم جنَّة وراحة، واتِّصال بالله من خلال الدُّعاء والذِّكْر وتلاوة القرآن.
وإيَّاكِ أن تندمي لحظةً واحدة على فِراق هذا الرَّجُل، الَّذي لم يكن ليستحقَّ قلبَكِ لحظةً واحدة، ولا ليستحقَّ عَبرةً واحدة من عبراتكِ، وحذارِ أن يَخذُلكِ قلبُكِ فتعودي إليْه بعد كلِّ هذا الخذلان وتلك الجراح، بل كوني كما قال البهاء زهير:
فَرِجْلٌ تَطْلُبُ المَسْعَى إِلَيْكُمْ قَدْ مَنَعْنَاهَا وَعَيْنٌ تَتَمَنَّى أَنْ تَرَاكُمْ قَدْ غَضَضْنَاهَا وَنَفْسٌ كُلَّمَا اشْتَاقَتْ لِلُقْيَاكُمْ زَجَرْنَاهَا وَكَانَتْ بَيْنَنَا طَاقٌ فَهَا نَحْنُ سَدَدْنَاهَا |
وقبل ذلك قولي: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهُمَّ أجُرْني في مصيبتي واخلُفْ لي خيرًا منْها؛ فقد قالتْها أمّ سلمة - رضِي الله عنْها - بعد وفاة أبي سلمة - رضِي الله عنْه - فأبدَلَها الله - تعالى - بِمن هو خيرٌ من أبي سلمة: نبيِّه المصطفى محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم.
فعن أمِّ سلمة أنَّها قالتْ: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ما من مسلمٍ تُصيبه مصيبة فيقول ما أمَرَه الله: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهُمَّ، أجُرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منْها - إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها))، قالتْ: فلمَّا مات أبو سلمة قلتُ: أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟! أوَّل بيت هاجَر إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثمَّ إنِّي قلتُها، فأخلفَ الله لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالتْ: أرْسل إليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حاطبَ بن أبي بلْتعة يَخطُبني له، فقلتُ: إنَّ لي بنتًا وأنا غيور، فقال: ((أمَّا ابنتُها فندعو الله أن يُغْنيها عنْها، وأدْعو الله أن يذهب بالغيرة))؛ رواه مسلم.
ولا تقولي: "لم أعد في مقتبل العمر"؛ فأمّ سلمة حين أبدلَها الله بِمَن هو خيرٌ من أبِي سلمة كانتْ قد تجاوزتْ عمرَك الآن بِمراحل عديدة، ثمَّ إنَّ عمرَ الزَّواج اليوم قد تغيَّر، حتَّى الشَّباب تأخَّروا في الزَّواج وأصبح من المُتاح جدًّا أن تَجِدي مَن هو في سنِّكِ أو أكبر منكِ بقليل وذو خلق ودين، فلا تيْأسي ولا تسْتَسْلمي لأحاديثِ النَّاس؛ لأنَّهم إن تزوَّجْتِ تساءلوا فيما بيْنهم: متَى تحمل فلانة؟ وإن حملتِ بأُنثى قالوا: متَى تنجب الذَّكَر؟ وإن أنجبتِ الذَّكَر قالوا: متى تترفَّق به وتأتي له بأخ يسليه؟!
فاتركي النَّاس ورِضاهم لأنَّهم لن يَرْضَوا عنكِ، بل فكِّري بما هو أعْلى وأكبر من ذلك: رضا الله تعالى، والرِّضا بما قسم؛ عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ عظمَ الجزاء مع عظمِ البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط))؛ حسَّنه الترمذي.
والحمدُ لله الَّذي رزقك بأهْلٍ ذوي قلوب كبيرة وعقول راشدة، تمكَّنوا من احتوائِك رغْم معارضتِهم لاختيارك منذ البداية، تلك - والله - نعمةٌ تستحقُّ منكِ الشكر.
ثقِي يا عزيزتي، بأنَّ الله سيعوِّضكِ - إن شاء الله - برجُل صالح، أمَّا إن قدّر لكِ غير ذلك - وأرجو ألا يكون كذلك - فاعلَمي أنَّ ذلك قد كُتِب عليْكِ لحكمة خفيَّة وليس لعيْبٍ فيكِ، وربَّما اطَّلع الله على قلوب الرجال فلم يجِد أحدًا منهم يستحقُّ أن تكوني له زوجةً تقرُّ بها عينُه،
وساعتئذٍ لا تنسَي دعوة امرأة فرعون: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].
كلُّ رجُل ظالم ظنَّ أنَّ الدُّنيا خُلِقَتْ له وحْده، لئيمٌ يُهين نساء المسلِمين، قاسٍ يكسِر أفئدة القوارير - هو فرعونُ آخر، وهذا عمله، وتلك دعوة امرأتِه أو من كادتْ أن تكون له امرأة.
ختامًا: يقول ابن الجوْزي في "صيد الخاطر": "ما العيْشُ إلاَّ في الجنَّة، حيث يقَع اليقينُ بالرِّضا، والمعاشرة لِمَن لا يخون ولا يؤذِي، فأمَّا الدنيا، فما هي دار ذاك".
رزقَكِ الله بزوْجٍ صالح تقيٍّ غنيٍّ، يحبُّكِ ويكرمكِ ويصون كرامتكِ، ويَحفظ مشاعركِ من الانكسار، آمين.
دمتِ بألفِ خير، ولا تنسَيني من صالح دعائكِ.
أ.عائشة الحكمى
مجووووووده
مجووووووده