إنَّ المتأملَ في سورتي الكافرون والنصر يجد أن الأولى من أوائل السور المكية، والأخرى من خواتيم السور المدنية.
وفي الترتيب القرآني ذكرتا كأختين متجاورتين، وإن كان الفارق الزمني قد يَربُو على عشرين عاماً!!، والسر في هذا أن سورة الكافرون نزلت يوم أن فُتِنَ إخواننا الصحابة الكرام في دينهم، لتمثل غربةَ الدين، وبداية غرس البذرة الإسلامية الطيبة، وأما سورة النصر فقد نزلت يوم أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، لتكون بمثابة الحصاد الطيب السامق لذلك الغراس الذي زُرِع في أوائل العهد المكي، وما بين الوقتين كان حياة ناصعة ومكللة بالعمل والجهد من أجل النهضة بالدنيا، والدعوة لإعلاء كلمة الدين والجهاد في سبيل الله، بصورة ميمونة تسر الناظرين؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وما ضرّ إخواننا الصحابة أن يكونوا في بطن الأرض شهداء، أو على ظهر الأرض مجاهدين أشداء، لندور مع مصلحة إسلامنا حيث كانت؛ إذ أن الوصول إلى قيادة العالمين يحتاج إلى من يجدد للناس أمر دينهم، وأن ينهض بدنياهم بعد أن جعل الله في أرضه خليفة لعمارتها، لتكتمل منظومة خدمة هذا الدين ..
وإننا لنصدح بهذا المعنى لأننا نرى كثيراً من أبناء الإسلام العظيم قد أتقن فنون الموت في سبيل الله، ولكن لم يُتقِن بعد ساحة الحياة في سبيل الله، وهذا عين ما نطق به الشيخ القرضاوي للإخوة في الفصائل والأحزاب الأفغانية - بعد أن نزغ الشيطان بفتنةٍ حلت فيهم- قائلاً لهم: لقد أتقنتم - أيها المجاهدون- الموت في سبيل الله، ولم تتقنوا الحياة في سبيل الله، فشأن الحياة في سبيل الله لا يقل شأناً عن الشهادة في سبيل الله، بل إن الشيخ ابن باز – رحمه الله – قعَّد لهذه المعادلة قاعدة عميقة بقوله: إن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله تعالى ..
نتحدث بهذا؛ إذ أن تلك الثقافة أفرزت لنا من صاروا لا يستوعبون الحديث عن صناعة الحياة، وعمارة هذه الدنيا، بل إن مفردات الصناعة والزراعة والتجارة وحتى العمل الوظيفي عندهم من الأمور التي تذم على كل حال، وفي كل زمان، وعلى كل لسان، ولا نعيش في رحابها إلا لضيق في سعة العيش، فلا نستخدمها إلا مضطرين كمكان قضاء الحاجة، فكيف يستوي أمر هذه الدنايا مع الجهاد والموت في سبيل الله ؟!! وإذا سمعوا من أهل العلم المحققين من يقعِّد لمصالح العباد في العاجل والآجل، ويقضي بأن عمارة الدنيا وصناعة المجد الإسلامي من خلال الأعمال الوظيفية في مختلف النواحي الحياتية، هي ضرب من ضروب الحياة في سبيل الله، الذي قد يفوق في الأجر الموت في سبيل الله، لما فيه من رفعة الدين وعز الموحدين، تطايرت التهم التي تصف الفقيه العالم بحب الدنيا وكراهية الموت، وقد يصل الأمر بقذفه بالخور والجبن والانسياب مع سياسة أعدائنا الكفرة، مع أن الله أوحى لنبيه أن الدنيا حلوة خضرة، وهي ممرنا إلى الله تعالى ..
وإننا نُخاطِب - بهذا الفهم المبارك - شباب الإسلام العظيم، الذين هم أمل الأمة الواعد، وبشرى الغد المرتقب، الذين ترنوا إليهم أنظار المؤمنين، وبهم تتعلق آمال الراكعين الساجدين، أحيوا بصومهم فروسية الأبطال وأشعلوا بقيامهم ظلام الليل عند الرجال، أقاموا بظهر الأرض فاخضر عودها وورقها، وصار بعضهم ببطن الأرض فاستوحش الظهر، فيا حياهم الله ..
ولهذا فإن المساهمة الفاعلة في إنجاح كافة المؤسسات المجتمعية النافعة، هي لون هام من أطياف الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد مصطلح رَحِب يصل إلى ثلاثة عشر جزءاً، والقتال جزء منه، والمصيبة الثقافية أن هناك من يريد أن يُقنِع أبناء الأمة بحصر الجهاد في القتال فحسب، وهذا فهم قاصر، بل ليس له في الإصابة نصيب؛ إذ أن رَبَنَّا هو الذي خلق الدنيا والآخرة، وطلب إلينا عمارتها، واستخلفنا فيها، وهو الذي أمرنا بالجهاد في سبيله وقت الجهاد، لتبقى أحوالنا متوازِنة بين النهضة بالدنيا، والعمل للدين والجهاد في سبيل الله، فلا يطغى أحدهما في الميزان، ولا يكون الترجيح بينهما قائماً إلا في وقت الحاجة إلى أحدهما، كما في جِهادي الدفع والطلب تكون الأولوية للنار والبارود، وبقيم منضبطة يعرفها أهل الشريعة، وفي غيرها يكون هناك الإعداد بمعناه الشامل لقوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.. }(الأنفال/60)، لأن الله تعالى آخى بين الأمن من الخوف، والأمن الغذائي في قوله {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}( قريش/4) لندور مع مصلحة ديننا حيث كانت ..
وختاماً:
ينبغي لأبناء الإسلام العظيم أن يعلموا أن العقيدة الصائبة التي ينبغي لها أن تشق طريقها إلى شِغَاف القلوب، هي ذلك الفهم المتوازن، الذي يقضي بالجمع بين الأمرين بلا إهمالٍ لأحدهما {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..} (البقرة/143)، فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنما تموت غداً، فحياتك تدور دوماً بين منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة/5) في كل الأحوال والمقامات، متمثلاً بقول ربنا {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام/162،163) ولهذا صدح عبد الله ابن رواحة بهذا الفهم يعلمنا قائلاً: أنا لا أزال حبيساً في سبيل الله حتى أموت، ومن بعده قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أنا إلى الآن أُجَدِّدُ إسلامي في كل وقت، وهذا عين ما أراده الشيخ محمد الغزالي وهو يقول في أسفٍ بعد أحداثٍ وأفكارٍ آلمت المسلمين من أجل عاطفة شكلية خالية من حكمةٍ وفؤاد: أريد أن أُفهِم أبناء جماعة المسلمين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله. فنحن نسير في هذه الدنيا كما أمرنا الله تعالى، نخدم الدعوة والدين، ونُعَمِّر دُنيانا ونَنهض بالمسلمين، لنكتسب الأهلية التي تُبَوؤنا الريادة الدنيوية، وإن كُتِب علينا القتال قاتلنا؛ إذ أن الموت في سبيل الله ٍأسمى أمانينا، لنحيا في بهجة وهناء، وسعادة وسَرَّاء، إما فوق الأرض أحياء في سبيل الله، وإما تحت الثرى أموات في سبيل الله ...
هَذَا، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّم، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَالحَمدُ لِلّه رَبِّ العَالَمِين.
وفي الترتيب القرآني ذكرتا كأختين متجاورتين، وإن كان الفارق الزمني قد يَربُو على عشرين عاماً!!، والسر في هذا أن سورة الكافرون نزلت يوم أن فُتِنَ إخواننا الصحابة الكرام في دينهم، لتمثل غربةَ الدين، وبداية غرس البذرة الإسلامية الطيبة، وأما سورة النصر فقد نزلت يوم أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، لتكون بمثابة الحصاد الطيب السامق لذلك الغراس الذي زُرِع في أوائل العهد المكي، وما بين الوقتين كان حياة ناصعة ومكللة بالعمل والجهد من أجل النهضة بالدنيا، والدعوة لإعلاء كلمة الدين والجهاد في سبيل الله، بصورة ميمونة تسر الناظرين؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وما ضرّ إخواننا الصحابة أن يكونوا في بطن الأرض شهداء، أو على ظهر الأرض مجاهدين أشداء، لندور مع مصلحة إسلامنا حيث كانت؛ إذ أن الوصول إلى قيادة العالمين يحتاج إلى من يجدد للناس أمر دينهم، وأن ينهض بدنياهم بعد أن جعل الله في أرضه خليفة لعمارتها، لتكتمل منظومة خدمة هذا الدين ..
وإننا لنصدح بهذا المعنى لأننا نرى كثيراً من أبناء الإسلام العظيم قد أتقن فنون الموت في سبيل الله، ولكن لم يُتقِن بعد ساحة الحياة في سبيل الله، وهذا عين ما نطق به الشيخ القرضاوي للإخوة في الفصائل والأحزاب الأفغانية - بعد أن نزغ الشيطان بفتنةٍ حلت فيهم- قائلاً لهم: لقد أتقنتم - أيها المجاهدون- الموت في سبيل الله، ولم تتقنوا الحياة في سبيل الله، فشأن الحياة في سبيل الله لا يقل شأناً عن الشهادة في سبيل الله، بل إن الشيخ ابن باز – رحمه الله – قعَّد لهذه المعادلة قاعدة عميقة بقوله: إن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله تعالى ..
نتحدث بهذا؛ إذ أن تلك الثقافة أفرزت لنا من صاروا لا يستوعبون الحديث عن صناعة الحياة، وعمارة هذه الدنيا، بل إن مفردات الصناعة والزراعة والتجارة وحتى العمل الوظيفي عندهم من الأمور التي تذم على كل حال، وفي كل زمان، وعلى كل لسان، ولا نعيش في رحابها إلا لضيق في سعة العيش، فلا نستخدمها إلا مضطرين كمكان قضاء الحاجة، فكيف يستوي أمر هذه الدنايا مع الجهاد والموت في سبيل الله ؟!! وإذا سمعوا من أهل العلم المحققين من يقعِّد لمصالح العباد في العاجل والآجل، ويقضي بأن عمارة الدنيا وصناعة المجد الإسلامي من خلال الأعمال الوظيفية في مختلف النواحي الحياتية، هي ضرب من ضروب الحياة في سبيل الله، الذي قد يفوق في الأجر الموت في سبيل الله، لما فيه من رفعة الدين وعز الموحدين، تطايرت التهم التي تصف الفقيه العالم بحب الدنيا وكراهية الموت، وقد يصل الأمر بقذفه بالخور والجبن والانسياب مع سياسة أعدائنا الكفرة، مع أن الله أوحى لنبيه أن الدنيا حلوة خضرة، وهي ممرنا إلى الله تعالى ..
وإننا نُخاطِب - بهذا الفهم المبارك - شباب الإسلام العظيم، الذين هم أمل الأمة الواعد، وبشرى الغد المرتقب، الذين ترنوا إليهم أنظار المؤمنين، وبهم تتعلق آمال الراكعين الساجدين، أحيوا بصومهم فروسية الأبطال وأشعلوا بقيامهم ظلام الليل عند الرجال، أقاموا بظهر الأرض فاخضر عودها وورقها، وصار بعضهم ببطن الأرض فاستوحش الظهر، فيا حياهم الله ..
ولهذا فإن المساهمة الفاعلة في إنجاح كافة المؤسسات المجتمعية النافعة، هي لون هام من أطياف الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد مصطلح رَحِب يصل إلى ثلاثة عشر جزءاً، والقتال جزء منه، والمصيبة الثقافية أن هناك من يريد أن يُقنِع أبناء الأمة بحصر الجهاد في القتال فحسب، وهذا فهم قاصر، بل ليس له في الإصابة نصيب؛ إذ أن رَبَنَّا هو الذي خلق الدنيا والآخرة، وطلب إلينا عمارتها، واستخلفنا فيها، وهو الذي أمرنا بالجهاد في سبيله وقت الجهاد، لتبقى أحوالنا متوازِنة بين النهضة بالدنيا، والعمل للدين والجهاد في سبيل الله، فلا يطغى أحدهما في الميزان، ولا يكون الترجيح بينهما قائماً إلا في وقت الحاجة إلى أحدهما، كما في جِهادي الدفع والطلب تكون الأولوية للنار والبارود، وبقيم منضبطة يعرفها أهل الشريعة، وفي غيرها يكون هناك الإعداد بمعناه الشامل لقوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.. }(الأنفال/60)، لأن الله تعالى آخى بين الأمن من الخوف، والأمن الغذائي في قوله {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}( قريش/4) لندور مع مصلحة ديننا حيث كانت ..
وختاماً:
ينبغي لأبناء الإسلام العظيم أن يعلموا أن العقيدة الصائبة التي ينبغي لها أن تشق طريقها إلى شِغَاف القلوب، هي ذلك الفهم المتوازن، الذي يقضي بالجمع بين الأمرين بلا إهمالٍ لأحدهما {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..} (البقرة/143)، فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنما تموت غداً، فحياتك تدور دوماً بين منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة/5) في كل الأحوال والمقامات، متمثلاً بقول ربنا {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام/162،163) ولهذا صدح عبد الله ابن رواحة بهذا الفهم يعلمنا قائلاً: أنا لا أزال حبيساً في سبيل الله حتى أموت، ومن بعده قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أنا إلى الآن أُجَدِّدُ إسلامي في كل وقت، وهذا عين ما أراده الشيخ محمد الغزالي وهو يقول في أسفٍ بعد أحداثٍ وأفكارٍ آلمت المسلمين من أجل عاطفة شكلية خالية من حكمةٍ وفؤاد: أريد أن أُفهِم أبناء جماعة المسلمين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله. فنحن نسير في هذه الدنيا كما أمرنا الله تعالى، نخدم الدعوة والدين، ونُعَمِّر دُنيانا ونَنهض بالمسلمين، لنكتسب الأهلية التي تُبَوؤنا الريادة الدنيوية، وإن كُتِب علينا القتال قاتلنا؛ إذ أن الموت في سبيل الله ٍأسمى أمانينا، لنحيا في بهجة وهناء، وسعادة وسَرَّاء، إما فوق الأرض أحياء في سبيل الله، وإما تحت الثرى أموات في سبيل الله ...
هَذَا، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّم، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد، وَالحَمدُ لِلّه رَبِّ العَالَمِين.
محمد بن محمد الأسطل
مجووووووده
مجووووووده