الإيمان بالرسل فرع من الإيمان بحكمة الله |
* حوار: سلوى النجار أرسل الله سبحانه وتعالى رسلاً مبشرين ومنذرين ودعاة إلى دين الحق، لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور. ويبين الله تعالى الحكمة من بعثة الرسل الكرام في قوله عزّوجلّ (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء/ 165). الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، والإيمان بالرسل في جوهره، هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده ويهديهم إلى سبيل الرشاد. ويشمل هذا الإيمان الرسل والأنبياء كافة منذ عهد آدم(ع) انتهاء بخاتم النبيين والرسل محمد(ص)، سواء مَن ورد ذكره منهم في القرآن الكريم أم على لسان نبينا(ص) أم لم نعلم منهم. يقول الله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (غافر/ 78). وفي تفصيل مفهوم الإيمان بالرسل، يحدثنا الدكتور محمود عبدالحميد الأحمد، أستاذ الثقافة الإسلامية والفكر المعاصر، في جامعتي أبوظبي وعجمان. ويستهل حديثة موضحاً أن الإيمان بالنبوة هو فرع من الإيمان بكمال الله وحكمته ورحمته ورعايته وتدبيره للعالم، وتكريمه الإنسان. فما كان الله ليخلق الإنسان ويسخّر له ما في الكون جميعاً ثم يتركه يتخبط على غير هدى، بل كان من تمام الحكمة أن يهديه سبيل الآخرة كما هداه سبيل الحياة الدنيا، وأن يهيئ له زاده الروحي، كما هيأ له زاده المادي، أن ينزل الوحي من السماء ليحيي به القلوب والعقول، كما أنزل من السماء ماء لتحيا به الأرض بعد موتها. فما كان من الحكمة أن يُترك الإنسان لنفسه، تتنازع الفرد قواه وغرائزه المختلفة، وتتنازع الجماعة أهواؤها ومصالحها المتضاربة، وإنما كانت الحكمة في عكس هذا. كانت الحكمة في إرسال رسل بالبينات، ليهدوا الناس إلى الله سبحانه وتعالى، ويقيموا الموازين بالقسط بين العباد. ولهذا استنكر رسل الله من قومهم أن يعجبوا لإرسال الله رسلاً عنه يبلغونهم بأوامره ونوهيه، فيقول نوح(ع) (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف/ 61-63). يقول هود(ع) لقومه ما يقرب من هذه المقالة (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (هود/ 12). ويقول القرآن الكريم رداً على المشركين الجاحدين برسالة محمد(ص) (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) (يونس/ 2). - مراتب الهداية: هناك مراتب ودرجات من الهداية قدّرها الله سبحانه وتعالى ومنحها من شاء من خلقه. والهداية بالوحي هي أعلى مراتب الهداية التي منحها الله تعالى الإنسان. والمرتبة الأولى: هي الهداية الفطرية الكونية، وهي التي عبر عنها أحد العلماء، حين قيل له متى عقلت؟ قال: نزلت من بطن أمي، جعت فالتقمت الثدي، وتألمت فبكيت. وهذه المرتبة أو الدرجة من الهداية ليست خاصة بالإنسان، بل تشمل الحيوان والطير والحشرات، وهي التي عبر عنها بالوحي في شأن النحل، قال تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل/ 68). بل هي منبثة في أجزاء الكون كله، في النبات الذي يمتص غذاءه من عناصر الأرض بنسب محدودة وقدر معلوم، وفي الكواكب التي يسير كل منها في مداره، الذي لا يتعداه ووفق قانون لا يتخطاه (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس/ 40). فهي هداية عامة للمخلوقات علويها وسفليها. ولهذا ذكر لنا القرآن الكريم جواب موسى(ع) لفرعون حين قال (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه/ 49-50). وكذلك في قول الله سبحانه وتعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى/ 1-3). والمرتبة الثانية: للهداية، هي مرتبة الحواس الظاهرة كالسمع والبصر والشم والذوق، والباطنة كالجوع والعطش والفرح والحزن. وهذه المرتبة أرقى من الأولى، ففيها نوع من الانتباه، وقدر من الإدراك، وإن كانت لا تسلم من الخطأ، كما نرى في السراب الذي يحسبه الرائي ماء، وفي الظل الذي يظنه الرائي ساكناً وهو متحرك. والمرتبة الثالثة: هي هداية العقل بملكاته وقواه المختلفة، والعقل أرقى رتبة من الحواس وإن كان كثيراً ما يعتمد على الحواس في الحكم والاستنباط، وبذلك يتعرض للخطأ، كما يتعرض له في ترتيب المقدمات واستخلاص النتائج. والعقل في عملياته العليا من خصائص الإنسان، التي تفرد بها عن الحيوان. والمرتبة الرابعة: هي هداية الوحي، وهي التي تصحح خطأ العقل، وتنفي وهم الحواس، وترسم الطريق إلى ما لا سبيل للعقل أن يصل إليه وحده، وترفع الخلاف في ما لا يمكن أن تتفق عليه العقول. يقول تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/ 213). ويقول عزّوجلّ (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25). وقوله تعالى (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء/ 165). - مضمون الإيمان بالرسل: يتضمن الإيمان بالنبوة والرسالة في حناياه معاني عديدة، فمعناه الإيمان بحمة الله البالغة، ورحمته الواسعة. فحمة الحكيم ورحمة الرحيم هما اللتان اقتضتا ألا يترك الناس سُدى، وألا يعذبوا قبل البلاغ والتبشير والإنذار، وألا يتركوا للخلاف يأكلهم دون حَكم يرجعون إليه. والشاهد على ذلك قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن يُترك سدى) (القيامة/ 36)، وقوله عزّوجلّ (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (الإسراء/ 15)، وقوله تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (البقرة/ 213). ومعناه الإيمان بوحدة الدين عند الله، وأن دين الله في جميع الأماكن والأزمان واحد لا يتغير، وإن تغيرت المناهج والشرائع باختلاف العصور. ومن هنا يخطئ من يطلق على الشرائع السماوية الأديان السماوية. وفي ذلك يقول الله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة/ 136). وقوله عزّوجلّ (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى/ 13). ويصور رسول الإسلام (ص) موقفه من الأنبياء قبله، على أنه ليس إلا اللبنة الأخيرة في هذا الصرح الكبير، فيقول (ص): "مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين". ومعناه الإيمان بمُثل عليا إنسانية واقعية وقدوات بشرية ممتازة، استطاعت أن تجعل من مكارم الأخلاق وصالح الأعمال وفضائل النفوس حقائق واقعة وشخوصاً مرئية للناس، لا مجرد أفكار في بعض الرؤوس، أو أماني في بعض النفوس، أو نظريات في الكتب والقراطيس. وجمهور الناس ليسوا فلاسفة يؤمنون بالمجردات، وإنما يؤمنون ويتأثرون وينفعلون بما يشاهدون وما يحسون. ولهذا جعل الله عز وجل الرسل بشراً مثلهم، لا ملائكة من غير جنسهم لأن الإنسان لا يأنس إلا بمثله، ولا يقتدي إلا بمثله، لا تقوم عليه الحجة إلا به. وقد استبعد المشركون أن يكون الرسول بشراً، وقالوا: منذ عهد نوح عليه السلام (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأنْزَلَ مَلائِكَةً) (المؤمنون/ 24). وقالوا في عهد النبي محمد(ص) (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا) (الإسراء/ 94). فرد الله تعالى عليهم بقوله (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا) (الإسراء/ 95). فالأنبياء في نظر القرآن ليسو آلهة ولا ملائكة، إنهم بشر مثلنا، مَنّ الله تعالى عليهم بنعمة الوحي، ليبلغوا رسالة الله إلى الناس (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (إبراهيم/ 11). مآآآآآجده |
الإيمان بالرسل فرع من الإيمان بحكمة الله
مـــ ماجده ـلاك الروح- الإداري المتميز
- الجنس :
مشاركات : 7979
البلد : المنصورة مصر
نقاط التميز : 17096
السٌّمعَة : 22
- مساهمة رقم 1