السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله،
هذه رسالتي الثانية لكم، كانت رسالتي الأولى كما وَصَفْتُموها شكوى، ولكن شكواي هي سؤالي، أكتب رسالتي هذه والدموع تغمر عيني، وسوف أتحدث عن نفسي، فأنا جميلة بين أهلي، سرُّ جمالي روحي وديني وعَلاقتي بربي، لا أكاد أطلب من الله شيئًا إلاَّ أعطانيه بكرمه معي، وأنا أغنى أهلي وأفضلهم مكانة وعلمًا، وزوجي أفضلهم حالاً وخلقًا، حتى أولادي أجملُ وآدبُ خُلُقًا من أولاد أخواتي من وجهة نظرهم، ولكن أيضًا هم كل منهم في حالة مرتاحة، عندما تزوجتُ زوجي لاحظت أن أمي تكثر الكلامَ مع زوجي بالسر عني، وكانت إذا جاء تجعل له احتفالاً، وتضاحكه حتى ارتفعت الكلفة بينهما.
في تلك الأثناء فهمت أن أمي تريد أن تجلس بجانبه، وتحدثه كلَّ يوم بالهاتف، وتتدخل عن طريقه في حياتي، وتريد أنْ تعرفَ كل كبيرة وصغيرة في حياتي،
المهم الزوج كان يلجأ إليها في كل مَشاكلنا، وأنا كنت أضع لها حدًّا بطريقة أو بأخرى وأبعدها، وكل شخص يحاول أن يتدخل في حياتي.
ثم كانت تحاول أنْ تنتقص من زوجي أمامي حتى يكون لها مدخل بيننا، ولكن أيضًا أغلقتُ كلَّ السُّبُل أمامها، وكانت تزداد قربًا من زوجي يومًا بعد يوم، وأنا في صراع معها، المهم شكوتها لإحدى زميلاتِها بأنَّها تجلس في مكاني بالسيارة، وتكثر الحديث مع زوجي، وتنصره عليَّ دائمًا، وتتزيَّن له وكأنَّه زوجها، طبعًا لم تصدقني زميلتها، واتَّهمتني بقلة الأدب، طبعًا لأن أمي ظاهرها الدين، وأبي شيخ، ولكن "على نيَّاته"، وطبعًا هنا سلَّت سيوفَها عليَّ، ومن قبل كنت أسمع أخواتي يحسدونني على زوجي، وعلى كلِّ شيء، تَخيَّلي، كل شيء، حتى المصيبة يَحسدونني عليها.
كنت أظن حسد أخوات وينتهي، ولكن عاطفتي لم تستوعب أنَّ هناك أمًّا بهذه الصفات، ولم يستوعب عقلي ذلك، ولكن كنت أتلفظ بما أشعر به، وفعلاً كان إحساسي صادقًا، فإنَّها تكره أبي، ولم تُطلَّق منه، ولم تجربْ أنْ تُحبه أصلاً، فكانت تهوى أزواجنا واحدًا تِلْوَ الآخر، فعلاً تشاجرنا، وانقطعت عَلاقتي بها 5 سنوات، فما كان من أختي أيضًا إلاَّ أنْ حَدَثَ لها ما حدث لي من أنَّها أحبَّت زوجَها، وبدأت تَهتم به وأتت بها للعيش عندها، وكانت تفطره وتُغديه، وتنهر أختي وتشغلها عنه، حتى استغل زوج أختي دَلالَ أمي غير الطبيعي له، وبدأت المشاكل.
ولكن بقية أخواتي إحداهن كانت لا تُحبُّ زوجها ولا يعجبها، وأيضًا طلِّقت وتزوجت من آخر، وكانت تسمع من أمي كلماتِ الغَيْرة والحسد، وتراقب جسدَ زوجِها، وتتحدث عنه بالسوء لكل من لا يُعطيها وجهه، فعلاً كل أخواتي تقريبًا شَعَرْنَ بقِلَّةِ أدبِها، وكأنَّها تزوِّجنا من أجلها، أنا طُلِّقت من زوجي وتزوجت آخر، وأفاجأ أنَّها تقول بأنَّها تحبه، وستتزوج الأَوْلَي وكأنَّها لا تُخفي حقارتها، وإذا رَدَدْت عليها تتهمني بأنني أتحدث في عِرضها، وأنا لم أفعل.
ومن غيرتها كانت تؤلِّب والدي عليَّ ويُجَنُّ جنونُها إذا ما رحمني، ويطير عقلها، حدثت مشاكل بيني وبين زوجي الثاني، فلجأت إليها.
فأقنعتْ والدي بأنني المخطئة، وأنَّه رجل مُحترم، وأتيت بيتَ أهلي، وطلبت من والدي أنْ يرفعَ قضية ضده بالمحكمة، وإذا رفضت فأنا أستحق ما يَحدث لي، طبعًا ليس من حبها، وإنَّما رغبة في طلاقي، ولكي تُرجعني إلى زوجي السابق؛ لعلمها بعدم حبي له، ولعلمها بحبي لزوجي الثاني، وأشار زميلاتُها عليها أنْ تصلح بيننا، ولكن كانت تتصل لتوقع بيننا، وتخبره عني كلَّ ما قلته عنه أمامها من أسرار تلفظت بها بعد أنْ ضربني، وتوقعت بأنَّها ستراني مضروبة ستحن عليَّ، وأخذت تسألني عنه لا لتحل المشكلة، بل لتوقع بيننا.
في الفترة الأخيرة أصبحت تُقلدني في اللبس والشعر والصبغة، ودائمًا تحب أن تفتش في أغراضي، من هنا انتبهت على غَيرتِها مني، والآن سوف أطلق ولا تريدني أن أتزوج، ولا أريد أنْ أطُلَّق، هو ذلك شأن الحاسد لا يعجبه شيء، كيف سأتزوج وهي تقنع والدي بما تريد؟! وتريد أنْ تذلَّني، فهي تَمنع عني الأكلَ، وتتهمني في عرضي، رَغْمَ أنِّي ملتزمة، وكذلك اتَّهمت أختي في عِرضها، وأدخلتها السجن، وجعلت أخي يُحاول قتلها، لا أعلم ماذا أفعل؟ كان ابتلاء يوسف بإخوته، فكيف بِمَن كانت أمها تحسدها وتدبِّر لها المكايد؟! هل بيدي شيء؟! لقد اتصلت بزوجي أريد الرجوع، ولكنَّه رفض ذلك، ولا يريد أنْ يطلقني، فطلبت الخلع، لا أعلم ماذا أفعل؟ ماذا أقرأ؟ كيف أتصرف؟ تغار مني وتغار حتى من عَلاقتي بالناس ومَحبة الناس لي، لقد حدثت لي حوادث كثيرة: حادث سيارة، واحتراق بالنار، حتى أخواتي ابتعدوا عني وعن هذه الأم الحسود، ولم يرغب أحدٌ في أن يُساعدني، لقد أطلت كثيرًا، ولكن ما في قلبي أعظم من ذلك بكثير، قلبي يحترق.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله مُجدَّدًا - أختي الفاضلة - ومرحبًا بك معنا في موقع (الألوكة)، أسعدنا تواصُلك معنا مرة أخرى، وصلك الله بطاعَتِه ورضوانه.
هذا نشيد في وصف الجنة، أدعوكِ لسماعه، والتحليق بخيالك مع كلماته، فما رأيك؟
- "لا تأسفن على الدنيا".
صدقيني، الدُّنيا لا تستحق من عاقل دمعة واحدة.
عَلامَ البكاء وانهمار الدموع؟! على أقدار قدرها الله من قبل أن تُخلقي؟! على أشياء ستبقى أيامًا، ثم ماذا؟! ثم الموت.
هذه الدار لا تستحقُّ دموعَنا يا أختي الفاضلة، فكفكفي دموعَك وقولي من قلبك: ((رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيًّا ورسولاً)).
كان أحد السلف أقرعَ الرأس، أبرصَ البدن، أعمى العينين، مشلولَ القدمين واليدين، وكان يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خلق، وفضلني تفضيلاً.
فمر به رجلٌ، فقال له: ممَّ عافاك؟! أعمى وأبرص وأقرع ومشلول، فمِمَّ عافاك؟!
فقال: ويْحك يا رجل! جعل لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا!
سبحان الله!
أي عطاء خير من هذا؟
أختي الكريمة، آلمني كثيرًا وصفُك لوالدتك بِقِلَّةِ الأدب والحقارة.
الوالد والوالدة مهما فعلاَ، ومهما بَدَرَ منهما من سوء تصرُّف، لا يُوصفا أبدًا بمثل هذا؛ الله -تعالى - يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، أمن المصاحبة بالمعروف سبّهم والنيل منهم؟!
وهذا في حالة إذا ما دعونا للكُفر، فكيف بالوالدة المسلمة؟!
أفعالُ والدتكم وإن كانت غير طبيعية، إلاَّ أنَّها تدل على حرمانِها العاطفي، والمرأةُ في هذا العمر تكون أحوجَ من غيرها للمحبة والحنان والعطف، وإشعارها بمكانَتِها لدى الناس، تهتم بأزواجكن كثيرًا وتدللهم، ثم ماذا؟
ما الذي تفعله بعد ذلك؟
وما الذي تود الوصولُ إليه بأفعالها تلك؟
فكِّري معي في هدفها من هذه الأفعال؟
لا يبدو لي إلا أنَّها تحب سماعَ كلمات المدح والثناء على أخلاقها وأفعالها واتِّصافها بالحنان أو الكرم، وغير ذلك من الصفات التي قد تكون حُرمت من اتِّصافها بها في شبابِها، فوالدك -كما يبدو - لا يعاملها بما ينبغي أنْ تعامَل الزوجة من إشباع العَواطِف مع الحزم من الزوج.
لجأت الأم لهذه الأفعال في هذا العمر؛ لتُعزِّزَ ثقتَها بنفسها، وتُرضي غرورَها كأنثى لم تشعر إلاَّ بأنَّها المسؤولة عن البيت والأولاد منذ بداية حياتها الزوجيَّة، فالزوج ترك كل شيء عليها؛ خشية من تسلُّطها أو تجنبًا للمشاكل، المهم أنَّها تولت المسؤولية منذ الصِّغر، فاكتست تلك الطبيعة القاسية، ومع الكبر شعرت بتلك الرَّغبة في جرعات الحنان، فلم يتيسَّر لها أنْ تنالها إلا عن طريق أزواجكُنَّ، ولا شك أن إهمال الزوجة لزوجها واحتياجاته ستزيد من تَمادي الأم في هذه الأفعال.
لماذا لا تهتم أختُك بنفسها بإعداد الإفطار والغَداء لزوجها؟! كيف تنشغل عنه بما هو أقل منه أهمية؟! يا أختي، أيُّ شيء أهم من احتياجات الزَّوج؟!
عذرًا؛ إهمال الزوجة كان أكبرَ مساعدٍ لها على ذلك.
لا شكَّ أن والدتك مخطئة، لكن علينا التعامل مع مثل هذه الشخصيات بمنتهى الدِّقَّة والحرص، خاصَّة حين يكون لهم علينا حقوقٌ عظيمة، وأي حق أعظم من حق الوالدين؟!
بالنسبة لوضعك الحالي:
الآن حصلت مُشكلة بينك وبين زوجك، تلجئين لوالدتك وأنتِ تعلمين من حالها ما تعلمين؟
أليس هذا بعجيب؟!
يا أختي الكريمة، مهما حدث بينك وبين زوجك، لا تتركي بيتَك أبدًا، إلا أنْ تَخافي على نفسك من الحياة معه، ثم بعد ذلك تطلبين من والدك رفعَ قضية على زوجك؟!
وبعد كل هذا تَودِّين منه أن ينسى، وكأنَّ شيئًا لم يكن، ويرغب في العودة إليكِ بنفسٍ صافية وقلب راضٍ؟! الأمر سيحتاجُ منك لبذل المزيد من الجهد.
عذرًا، قبل حدوث هذه المشكلة، كيف كانت حياتك معه؟ هل كنتِ له نعم الزوجة؟
هل كنتِ عَرُوبًا مُتحبِّبة؟
هل كنتِ له نِعْمَ المعينة وقتَ الضيق، ونعم الصاحبة وقت الفرح؟
هل كنتِ تتفقَّدين احتياجاته، وتراعين اهتماماته؟
كيف سيرغب الزوجُ الآن في رجوعك إليه؟
بماذا سيذكرك الآن بعد رحيلك؟ وهل سيشعر بفقدك وفقد لَمَسات حنانك ودفء مشاعرك؟
لابد أن تعلمي أنَّ للزوج عليك حقوقًا تفوق حق الوالدين.
لابُد أن تعلمي أنه جنتك أو نارك.
لابد أن تتعلمي كيف تعاملينه، وكيف تأسرينه بحبك ومودتك وحكمتك، اقرئي حول حقوق الزوج، اقرئي حول ما يُحب الأزواج من زوجاتهم، تعلمي كيف تكونين له أَمة؛ حتى يكون لك عبدًا.
الحديث عن الزوج يَحتاج لمجلدات، ولا أستطيع حصر الحديث هنا، وعلى كلِّ حال، فحاولي تثقيف نفسك، وكسب زوجك من جديد، ولا تطلبي الطلاقَ وراسليه، وتواصلي معه بكل السُّبل، فالرجل بحكمته وذكائه وعقله لا يقفُ أمام أسلحة المرأة الضَّعيفة، تيقَّني من ذلك، وفَّقك الله لكل خير وفلاح، ويَسَّر أمرك، وجمعك بزوجك على خير.
السلام عليكم ورحمة الله،
هذه رسالتي الثانية لكم، كانت رسالتي الأولى كما وَصَفْتُموها شكوى، ولكن شكواي هي سؤالي، أكتب رسالتي هذه والدموع تغمر عيني، وسوف أتحدث عن نفسي، فأنا جميلة بين أهلي، سرُّ جمالي روحي وديني وعَلاقتي بربي، لا أكاد أطلب من الله شيئًا إلاَّ أعطانيه بكرمه معي، وأنا أغنى أهلي وأفضلهم مكانة وعلمًا، وزوجي أفضلهم حالاً وخلقًا، حتى أولادي أجملُ وآدبُ خُلُقًا من أولاد أخواتي من وجهة نظرهم، ولكن أيضًا هم كل منهم في حالة مرتاحة، عندما تزوجتُ زوجي لاحظت أن أمي تكثر الكلامَ مع زوجي بالسر عني، وكانت إذا جاء تجعل له احتفالاً، وتضاحكه حتى ارتفعت الكلفة بينهما.
في تلك الأثناء فهمت أن أمي تريد أن تجلس بجانبه، وتحدثه كلَّ يوم بالهاتف، وتتدخل عن طريقه في حياتي، وتريد أنْ تعرفَ كل كبيرة وصغيرة في حياتي،
المهم الزوج كان يلجأ إليها في كل مَشاكلنا، وأنا كنت أضع لها حدًّا بطريقة أو بأخرى وأبعدها، وكل شخص يحاول أن يتدخل في حياتي.
ثم كانت تحاول أنْ تنتقص من زوجي أمامي حتى يكون لها مدخل بيننا، ولكن أيضًا أغلقتُ كلَّ السُّبُل أمامها، وكانت تزداد قربًا من زوجي يومًا بعد يوم، وأنا في صراع معها، المهم شكوتها لإحدى زميلاتِها بأنَّها تجلس في مكاني بالسيارة، وتكثر الحديث مع زوجي، وتنصره عليَّ دائمًا، وتتزيَّن له وكأنَّه زوجها، طبعًا لم تصدقني زميلتها، واتَّهمتني بقلة الأدب، طبعًا لأن أمي ظاهرها الدين، وأبي شيخ، ولكن "على نيَّاته"، وطبعًا هنا سلَّت سيوفَها عليَّ، ومن قبل كنت أسمع أخواتي يحسدونني على زوجي، وعلى كلِّ شيء، تَخيَّلي، كل شيء، حتى المصيبة يَحسدونني عليها.
كنت أظن حسد أخوات وينتهي، ولكن عاطفتي لم تستوعب أنَّ هناك أمًّا بهذه الصفات، ولم يستوعب عقلي ذلك، ولكن كنت أتلفظ بما أشعر به، وفعلاً كان إحساسي صادقًا، فإنَّها تكره أبي، ولم تُطلَّق منه، ولم تجربْ أنْ تُحبه أصلاً، فكانت تهوى أزواجنا واحدًا تِلْوَ الآخر، فعلاً تشاجرنا، وانقطعت عَلاقتي بها 5 سنوات، فما كان من أختي أيضًا إلاَّ أنْ حَدَثَ لها ما حدث لي من أنَّها أحبَّت زوجَها، وبدأت تَهتم به وأتت بها للعيش عندها، وكانت تفطره وتُغديه، وتنهر أختي وتشغلها عنه، حتى استغل زوج أختي دَلالَ أمي غير الطبيعي له، وبدأت المشاكل.
ولكن بقية أخواتي إحداهن كانت لا تُحبُّ زوجها ولا يعجبها، وأيضًا طلِّقت وتزوجت من آخر، وكانت تسمع من أمي كلماتِ الغَيْرة والحسد، وتراقب جسدَ زوجِها، وتتحدث عنه بالسوء لكل من لا يُعطيها وجهه، فعلاً كل أخواتي تقريبًا شَعَرْنَ بقِلَّةِ أدبِها، وكأنَّها تزوِّجنا من أجلها، أنا طُلِّقت من زوجي وتزوجت آخر، وأفاجأ أنَّها تقول بأنَّها تحبه، وستتزوج الأَوْلَي وكأنَّها لا تُخفي حقارتها، وإذا رَدَدْت عليها تتهمني بأنني أتحدث في عِرضها، وأنا لم أفعل.
ومن غيرتها كانت تؤلِّب والدي عليَّ ويُجَنُّ جنونُها إذا ما رحمني، ويطير عقلها، حدثت مشاكل بيني وبين زوجي الثاني، فلجأت إليها.
فأقنعتْ والدي بأنني المخطئة، وأنَّه رجل مُحترم، وأتيت بيتَ أهلي، وطلبت من والدي أنْ يرفعَ قضية ضده بالمحكمة، وإذا رفضت فأنا أستحق ما يَحدث لي، طبعًا ليس من حبها، وإنَّما رغبة في طلاقي، ولكي تُرجعني إلى زوجي السابق؛ لعلمها بعدم حبي له، ولعلمها بحبي لزوجي الثاني، وأشار زميلاتُها عليها أنْ تصلح بيننا، ولكن كانت تتصل لتوقع بيننا، وتخبره عني كلَّ ما قلته عنه أمامها من أسرار تلفظت بها بعد أنْ ضربني، وتوقعت بأنَّها ستراني مضروبة ستحن عليَّ، وأخذت تسألني عنه لا لتحل المشكلة، بل لتوقع بيننا.
في الفترة الأخيرة أصبحت تُقلدني في اللبس والشعر والصبغة، ودائمًا تحب أن تفتش في أغراضي، من هنا انتبهت على غَيرتِها مني، والآن سوف أطلق ولا تريدني أن أتزوج، ولا أريد أنْ أطُلَّق، هو ذلك شأن الحاسد لا يعجبه شيء، كيف سأتزوج وهي تقنع والدي بما تريد؟! وتريد أنْ تذلَّني، فهي تَمنع عني الأكلَ، وتتهمني في عرضي، رَغْمَ أنِّي ملتزمة، وكذلك اتَّهمت أختي في عِرضها، وأدخلتها السجن، وجعلت أخي يُحاول قتلها، لا أعلم ماذا أفعل؟ كان ابتلاء يوسف بإخوته، فكيف بِمَن كانت أمها تحسدها وتدبِّر لها المكايد؟! هل بيدي شيء؟! لقد اتصلت بزوجي أريد الرجوع، ولكنَّه رفض ذلك، ولا يريد أنْ يطلقني، فطلبت الخلع، لا أعلم ماذا أفعل؟ ماذا أقرأ؟ كيف أتصرف؟ تغار مني وتغار حتى من عَلاقتي بالناس ومَحبة الناس لي، لقد حدثت لي حوادث كثيرة: حادث سيارة، واحتراق بالنار، حتى أخواتي ابتعدوا عني وعن هذه الأم الحسود، ولم يرغب أحدٌ في أن يُساعدني، لقد أطلت كثيرًا، ولكن ما في قلبي أعظم من ذلك بكثير، قلبي يحترق.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله مُجدَّدًا - أختي الفاضلة - ومرحبًا بك معنا في موقع (الألوكة)، أسعدنا تواصُلك معنا مرة أخرى، وصلك الله بطاعَتِه ورضوانه.
لاَ تَأْسَفَنَّ عَلَى الدُّنْيَا وَخَلِّيهَا فَالْمَوْتُ لاَ شَكَّ يُفْنِينَا وَيُفْنِيهَا وَاعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا الْجَارُ أَحْمَدُ وَالرَّحْمَنُ عَالِيهَا |
هذا نشيد في وصف الجنة، أدعوكِ لسماعه، والتحليق بخيالك مع كلماته، فما رأيك؟
- "لا تأسفن على الدنيا".
صدقيني، الدُّنيا لا تستحق من عاقل دمعة واحدة.
عَلامَ البكاء وانهمار الدموع؟! على أقدار قدرها الله من قبل أن تُخلقي؟! على أشياء ستبقى أيامًا، ثم ماذا؟! ثم الموت.
هذه الدار لا تستحقُّ دموعَنا يا أختي الفاضلة، فكفكفي دموعَك وقولي من قلبك: ((رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيًّا ورسولاً)).
كان أحد السلف أقرعَ الرأس، أبرصَ البدن، أعمى العينين، مشلولَ القدمين واليدين، وكان يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا ممن خلق، وفضلني تفضيلاً.
فمر به رجلٌ، فقال له: ممَّ عافاك؟! أعمى وأبرص وأقرع ومشلول، فمِمَّ عافاك؟!
فقال: ويْحك يا رجل! جعل لي لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا!
سبحان الله!
أي عطاء خير من هذا؟
أختي الكريمة، آلمني كثيرًا وصفُك لوالدتك بِقِلَّةِ الأدب والحقارة.
الوالد والوالدة مهما فعلاَ، ومهما بَدَرَ منهما من سوء تصرُّف، لا يُوصفا أبدًا بمثل هذا؛ الله -تعالى - يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، أمن المصاحبة بالمعروف سبّهم والنيل منهم؟!
وهذا في حالة إذا ما دعونا للكُفر، فكيف بالوالدة المسلمة؟!
أفعالُ والدتكم وإن كانت غير طبيعية، إلاَّ أنَّها تدل على حرمانِها العاطفي، والمرأةُ في هذا العمر تكون أحوجَ من غيرها للمحبة والحنان والعطف، وإشعارها بمكانَتِها لدى الناس، تهتم بأزواجكن كثيرًا وتدللهم، ثم ماذا؟
ما الذي تفعله بعد ذلك؟
وما الذي تود الوصولُ إليه بأفعالها تلك؟
فكِّري معي في هدفها من هذه الأفعال؟
لا يبدو لي إلا أنَّها تحب سماعَ كلمات المدح والثناء على أخلاقها وأفعالها واتِّصافها بالحنان أو الكرم، وغير ذلك من الصفات التي قد تكون حُرمت من اتِّصافها بها في شبابِها، فوالدك -كما يبدو - لا يعاملها بما ينبغي أنْ تعامَل الزوجة من إشباع العَواطِف مع الحزم من الزوج.
لجأت الأم لهذه الأفعال في هذا العمر؛ لتُعزِّزَ ثقتَها بنفسها، وتُرضي غرورَها كأنثى لم تشعر إلاَّ بأنَّها المسؤولة عن البيت والأولاد منذ بداية حياتها الزوجيَّة، فالزوج ترك كل شيء عليها؛ خشية من تسلُّطها أو تجنبًا للمشاكل، المهم أنَّها تولت المسؤولية منذ الصِّغر، فاكتست تلك الطبيعة القاسية، ومع الكبر شعرت بتلك الرَّغبة في جرعات الحنان، فلم يتيسَّر لها أنْ تنالها إلا عن طريق أزواجكُنَّ، ولا شك أن إهمال الزوجة لزوجها واحتياجاته ستزيد من تَمادي الأم في هذه الأفعال.
لماذا لا تهتم أختُك بنفسها بإعداد الإفطار والغَداء لزوجها؟! كيف تنشغل عنه بما هو أقل منه أهمية؟! يا أختي، أيُّ شيء أهم من احتياجات الزَّوج؟!
عذرًا؛ إهمال الزوجة كان أكبرَ مساعدٍ لها على ذلك.
لا شكَّ أن والدتك مخطئة، لكن علينا التعامل مع مثل هذه الشخصيات بمنتهى الدِّقَّة والحرص، خاصَّة حين يكون لهم علينا حقوقٌ عظيمة، وأي حق أعظم من حق الوالدين؟!
بالنسبة لوضعك الحالي:
الآن حصلت مُشكلة بينك وبين زوجك، تلجئين لوالدتك وأنتِ تعلمين من حالها ما تعلمين؟
أليس هذا بعجيب؟!
يا أختي الكريمة، مهما حدث بينك وبين زوجك، لا تتركي بيتَك أبدًا، إلا أنْ تَخافي على نفسك من الحياة معه، ثم بعد ذلك تطلبين من والدك رفعَ قضية على زوجك؟!
وبعد كل هذا تَودِّين منه أن ينسى، وكأنَّ شيئًا لم يكن، ويرغب في العودة إليكِ بنفسٍ صافية وقلب راضٍ؟! الأمر سيحتاجُ منك لبذل المزيد من الجهد.
عذرًا، قبل حدوث هذه المشكلة، كيف كانت حياتك معه؟ هل كنتِ له نعم الزوجة؟
هل كنتِ عَرُوبًا مُتحبِّبة؟
هل كنتِ له نِعْمَ المعينة وقتَ الضيق، ونعم الصاحبة وقت الفرح؟
هل كنتِ تتفقَّدين احتياجاته، وتراعين اهتماماته؟
كيف سيرغب الزوجُ الآن في رجوعك إليه؟
بماذا سيذكرك الآن بعد رحيلك؟ وهل سيشعر بفقدك وفقد لَمَسات حنانك ودفء مشاعرك؟
لابد أن تعلمي أنَّ للزوج عليك حقوقًا تفوق حق الوالدين.
لابُد أن تعلمي أنه جنتك أو نارك.
لابد أن تتعلمي كيف تعاملينه، وكيف تأسرينه بحبك ومودتك وحكمتك، اقرئي حول حقوق الزوج، اقرئي حول ما يُحب الأزواج من زوجاتهم، تعلمي كيف تكونين له أَمة؛ حتى يكون لك عبدًا.
الحديث عن الزوج يَحتاج لمجلدات، ولا أستطيع حصر الحديث هنا، وعلى كلِّ حال، فحاولي تثقيف نفسك، وكسب زوجك من جديد، ولا تطلبي الطلاقَ وراسليه، وتواصلي معه بكل السُّبل، فالرجل بحكمته وذكائه وعقله لا يقفُ أمام أسلحة المرأة الضَّعيفة، تيقَّني من ذلك، وفَّقك الله لكل خير وفلاح، ويَسَّر أمرك، وجمعك بزوجك على خير.
أ. مروة يوسف عاشور
مجووووووده
مجووووووده