السؤال:
السلام عليكم،
أنا فتاةٌ أبلغ من العمر 20 عامًا، كنتُ قد أحببت شخصًا عن طريق (الإنترنت) لخمسة أعوام، كان بمثابة الحُبِّ الأول الذي يتَّصف بالجنون، ولكنَّ الظروفَ منعت أن يكتملَ، حِين افترقنا مررتُ بفترة عصيبة جدًّا، ولكن كانت لديَّ إرادة قويَّة تمنعني من العودة، كما كنتُ أفعل دائمًا، بعد فراقِنا بأشهُر فاجئني أحدُ زملائي في الدِّراسة المعروف عنه الدِّين والأخلاق الحميدة بأنَّه يحبني.
صُدِمتْ في بادئ الأمر ورفضتُ، ولكن مع مرور الوقت شعرتُ أنَّه يمكن أن يكونَ مناسبًا، شعرتُ أنَّ الله أرسلَه لي عوضًا عمَّن تركت، أعطيتُه فرصةً كي أتعرَّف به أكثرَ، وطلب منِّي أن أُخبِر أهلي بالموضوع، وأن نتحدَّث بمعرفتهم، وهكذا فعلت.
لا أُنكِر أنَّني عندما حدثتُه كان قلبي ما زال مشغولاً بغيرِه، ولكن مع مرور الوقت بدأتُ أتعلَّق به، وهنا بدأتْ مشكلةٌ أخرى أصبحتُ أحبُّه يومًا، وأرفضه آخر، أصبحتُ أضعُ كلَّ تصرُّفاتِه وكلماتِه تحتَ المجهر، كان يُحبُّني بجنون، ومع ذلك كان حبُّه عاقلاً، لا يتنازل لي عن شيء هو غيرُ مقتنع به، كان يَنصحني بلباس الجلباب، وأعادني لقراءة القرآن بعدَما كنتُ قد هجرتُه لفترة، كما أنَّه كان يجعلني أصوم كلَّ يوم اثنين وخميس معه، كان الجميع يشهدُ له أنَّه صاحب أخلاق ودِين، وكانت صديقاتي ممَّن أثق برأيهنَّ يُبدينَ إعجابهنَّ به، كما أنَّه حَدَّث أمِّي عن طريق الهاتف، وأحبّتْه كثيرًا
أعترفُ أنَّه كانت هناك أمورٌ تُبعدني عنه، فطِباعه كانت تختلفُ عن طباعي، فإنَّه هادِئ جدًّا، يحسب الأمور ويَزِنها أكثرَ ممَّا يجب، عنيدٌ جدًّا كما أنَّه أحيانًا يُفلسِف الأمور، ويبالغ في غضبه، وكنتُ أشعر أحيانًا بشيء من السذاجة في تصرُّفاته.
مع العِلم أنِّي صليتُ استخارةً أكثر من مرَّة، وأحيانًا كان ينقبض قلبي، وأحيانًا كان يَحدُث العكس، وهذا ما زاد في حَيرتي، لكنَّ ذلك لم يمنعْني من الاقتراب منه أكثرَ، وكلَّما كنتُ أقترب منه أشعر بالأمان والدِّفْء معه، ورغمَ أنَّ مشاكلنا وخلافاتنا كانت كثيرةً؛ نظرًا لاختلاف الطِّباع، وعدمِ وجود فارق في السِّنِّ، إلاَّ أنَّنا كنَّا دائمًا نتفق أنَّنا سنتغيَّر من أجل الحبِّ الذي بيننا.
حدثتْ مرَّة بيننا مشكلةٌ جعلتني أغضبُ منه جدًّا، وأطلبُ إنهاءَ العَلاقة، وبعد ذلك بثلاثةِ أيَّام عاودَ الاتصال بي، وعُدنا إلى بعضنا، لكن دون أن يُظهِر قليلاً من التنازل، ودون أن يتخلَّى عن كبريائه، وحينما عُدْنا عدتُ أنا أشدَّ تعلُّقًا به.
كلُّ هذه الأمور حَدَثتْ خِلالَ أربعةِ أشهر، وبعدَها أتى أهلُه ليخطبوني، وبالطبع كان الأمرُ مُحيِّرًا جدًّا لوالدي، فالشابُّ سِنُّه مثل سِني، ووضعُه المادي غيرُ جيِّد، كما أنَّ أمامَه 3 سنين في التعليم؛ أي: كان علينا أن نظلَّ مرتبطينِ قُرابةَ 3 - 4 سنين، ومع ذلك أُعجب به أبي جدًّا جدًّا، وأحبتْه أمي، وقبل أن يقولَ أبي كلمتَه، حَدَثثْ بيننا مشكلةٌ، فأرسلتُ إليه رسالة: إنَّني أريد إنهاءَ العَلاقة، وإنَّني لم أعد أريده، ولم أكنْ أعلمُ أنِّي سأندمُ هكذا، أهلي كانوا ضِدي، وألْقَوا اللومَ عليَّ، وأصبحتُ في نظرهم طفلة لا تتحمَّل مسؤوليةَ قراراتها.
كما أنَّني وضعتُهم في موقف مُحرِج أمامَ أهل الشاب، والشاب نفسه فاجأني جدًّا بردةِ فِعْله، فهو وجد أنَّ كلامي إهانة لكرامته، ورغم أنِّي متأكِّدة أنه ما زال يُحبُّني، إلاَّ أنه لم يتنازلْ، بل بالغَ جدًّا في كبريائه، فلم يُعطني أيَّ فرصة لإصلاحِ ما حَدَث، بصراحة جَرحَني جدًّا بردةِ فِعْله، شعرت أنَّه تخلَّى عني بسبب كلمة قلتُها ساعةَ غضب، وأنَّه لم يكن متمسِّكًا بي.
كما أنَّه جَرَح كرامتي، وكأنه ينتقم لكرامته، كان يقول لي: إنَّه لا يستطيع الحياةَ من دوني، فكيف استطاع؟! حين سألتُه هذا السؤالَ، قال لي: إنَّه قال لي مرَّة: لن يُبعدَه عنِّي إلا أمرانِ؛ مَلَك الموت، أو أن أقولَ له بلساني: إنِّي لا أريده، وهذا ما فعلتُه أنا!
فاجئني جدًّا، كنتُ أظنُّه لا يستطيع فراقي، كنتُ أظنُّني الأغلى عندَه، ولكنَّ كبرياءه كان أكثرَ قيمةً مني، وفي الوقت ذاته شعرتُ بقيمته وبخطئي، وشعرتُ أنَّني حقًّا عديمة المسؤوليه، وما زِلتُ طفلةً، كما قال لي الجميع.
الآن أنا ضائعة، كنتُ أظنُّه عوضي، فكان ضربتي التالية، أشعرُ أنني أحبُّه كثيرًا، فهل كان عليَّ أن أفقدَه لأشعُرَ بقيمته؟! ألَمْ يعد يُريدني؟!
أحيانًا أخافُ أيضًا ألاَّ أجدَ مَن يتزوَّجني؛ لأنَّني لستُ على قدر كافٍ من الجمال، ولكن ليسَ هذا السبب لتمسكُّي به، بل شعرتُ حقًّا أنَّني أحبُّه، ولكن لن أهدرَ كرامتي أبدًا مرة أخرى، ومشكلتي الآن أنَّني لا أعرف كيف أبدأ مِن جديد، فضربةٌ تلوَ الأخرى أحدثت فيَّ شرخًا كبيرًا، أشعرُ أنَّ بي شيئًا قد انكسر، أعادني لأيَّام حُزني القديم، شعرتُ بحبِّه بعدَ أن ابتعد، ما زِلتُ لا أستوعبُ أنَّا حقًّا قد افترقْنا، وأنِّي خَسِرتُ حبًّا صادقًا، متعبة جدًّا جدًّا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله أختي الكريمة، ومرحبًا بك معنا في موقع (الألوكة).
عمرُك الآن عشرون عامًا، وكنتِ على عَلاقة حب مع شابٍّ لمدة خمس سنوات.
أتساءل: أين كان أهلُك وأنت تُراسلين الشبابَ، وفي هذا العمر الغضِّ؟!
أُخيتي وصغيرتي، رعاك الله وحفظك، وبناتِ المسلمين من كلِّ سوء، تَنبَّهي - بارك الله فيك - للخطر الذي تَقفين على شَفَا حفرتِه العظيمة، فمن يسقط لا يتداركه صعود، إلاَّ أن يشاء الله.
أُخيتي الغالية:
بدَا لي في بداية حديثك تعارضٌ؛ حيث أخبرتِ أنَّ العلاقة الأولى انقطعتْ لظروف، ثم أخبرتِ أنَّه كانت لديك إرادةٌ قويَّة لعدم العودة.
فهل تَعنين أنَّك تركتِ تلك العَلاقة عن قناعة لديك بأنَّها لا تجوز، وجاهدت لتركها؟ أم أنَّه حالتِ الظروف دون الاستمرار، والإرادة كانتْ فقط في التغلُّب على جراحات النفس، ومقاومة الشوق الذي سَيْطَر عليك بعدها؟
ثم بدَا لي أيضًا سرعةُ وصفك لكلِّ علاقة حب أو (إعجاب) - إن أردت الحقيقة - بالجنون.
لا أعلم عن العَلاقة الأولى معلوماتٍ كافية، لكن في المرَّة الثانية، تقولين: إنَّ الشاب كان متعقِّلاً، ولا يتنازل عن شيءٍ لا يراه من حقِّك، وأنَّه تركك مع طلبك للمرَّة الثانية لقَطْع العلاقة، فأيُّ جنون هذا؟!
ما رأيك الآن لو فكَّرْنا بصورة أكثرَ إيجابيَّة، وبعيدًا عن عواطفنا التي غالبًا ما تُفسِد علينا الحلولَ السليمة، وتدفعنا لمزيدٍ من الأخطاء؟
يقول دوجلاس ميلر: "يُمكننا جميعًا رؤيةُ الفرص عندما تضيع، ويمكننا جميعًا تحديد المشكلات عندما تطلُّ علينا برأسها بوضوح، وفي كلتا الحالتين غالبًا ما يكون أوانُ الاستجابةِ للظروف المتغيِّرة قد فات".
مررتِ - على صِغر عمرك - بتجرِبتين مريرتَين واحدة تلوَ الأخرى، وهذا الأمرُ لا بدَّ، وأنَّه أكسبكِ بعضَ الخبرة، حتى وإن كان به من الألَم ما به، إلاَّ أنَّ هناك - بلا شكٍّ - فوائدَ وحِكمًا ودروسًا مستفادة.
تعالي نتأمَّل حالَك في العلاقتَين، وما يمكن أن تستفيديه؛ لتُحسِني التصرُّفَ مع المواقف القادمة - إن شاء الله - وتتعاملي بصورةٍ أكثرَ حِكمةً، وبأسلوب أكثرَ تأنيًا.
هل ترينَ أنَّه من المناسب ومن الطبيعي أن يذهبَ شابٌّ لزميلته في الدِّراسة، ويعترفَ لها بحبِّه، ويبقى على علاقة معها بحجَّة دعوتها ونصحها في الله، وتستمر تلك العلاقةُ وتتوطَّد بينهما إلى حدِّ شِجارٍ وصُلْح، ومعرفة كلٍّ منهما بطبيعة الآخر، وتحديده لشخصية صاحبه تمامًا، بل والشُّعور بالأمان؟! وكلُّ ذلك بمعرفة الأهل، وقبلَ أن يذهبَ إليهم ويطلب الزواجَ مِن وليِّ أمرِها؟!
أول ما أنصحك به غاليتي: التوبةُ من كلِّ ما كان في الماضي، والاعترافُ بالخطأ الذي ارتكبتِه في حقِّ نفسك، والمسارعة بالاستغفار والنَّدم على عَلاقة وهميَّة عن طريق الإنترنت، ثم العَلاقة بزميلك في الدِّراسة، ولطفًا أودُّ منك الاطلاعَ على هذه الفتوى بعنوان "حكم المراسلة بين الرجال والنساء الأجانب".
وهذه أيضا بعنوان: "تحريم العلاقة بين الجنسين قبل العقد الشرعي".
فما كان بينك وبين هذا الشاب (الثاني)، وإن كانتِ العلاقةُ نُصحًا في الله، ودروسًا في الأخلاق، فلا يجوز أن يتعاملَ معك، وينظرَ إليك، ويخاطبَك في كثير من الشؤون، دون وجودِ المَحْرَم، والخلوة بكِ في أيِّ مكان، فأكثري من التوبة، وفِعْل الخيرات، والتقرُّب إلى الله بالطاعات.
ثانيًا: يبدو واضحًا أنَّك تعانين فراغًا عاطفيًّا منذ الصغر، فوقوعُك في الحبِّ في المرَّة الأولى وتألمك الآن لفَقْد علاقة دامتْ أربعةَ أشهر يدلُّ على أنَّك عاطفيَّة بشكل كبير، وهذا لا مشكلةَ فيه ما دُمنا قادرين على التحكُّم في عواطفنا بشكل لا يُوقِعنا في الخطأ، أو في حبائل المعصية، وللتدرُّب على توظيف عاطفتِك وتوجيهها الوجهةَ السليمة، عليك بتعميرِ قلبِك الصغير بحبِّ الله ورسوله، وملئِه بذلك الحبِّ الطاهر، حتى يصيرَ قويًّا أمام كلِّ فتنة، وثابتًا في وجه كلِّ مِحنة.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حلاوةَ الإيمان: مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما...)) الحديث؛ متفق عليه.
فإن جعلتِ المرتبة الأولى والعليا في الحبِّ لله تعالى ورسوله، فلن يكون حبُّك لأيِّ شيء سواهما يتَّصف أبدًا بالجنون، بل سيكون حبًّا صافيًا طاهرًا عاقلاً حكميًا متزنًا، موفقًا - بإذن الله.
ثالثًا: سَلِي نفسك: ما الذي جعلَ الصدمةَ قويَّة وعنيفة في كلتا الحالتين مِن فقد مَن أحببتِ؟
السبب - في الغالب - أنَّك لم تفكِّري يومًا في أنَّ هذا قد يحدث، ولم تتوقَّعي، رغمَ أنَّه أخبرك أنَّه لو عَلِم رغبتك عنه، فلن يستمرَّ في تلك العلاقة، لكنَّك تتعجَّبين: كيف استطاع الفراق؟!
إنَّ تخيُّلَ بعض الاحتمالات المستقبلية، ورؤية إمكانية تحوُّلِها إلى واقع - يفتح عقولنا، ويجعل قلوبَنا أكثرَ تقبُّلاً لها في حالةِ التحوُّل الفعلي إلى واقع.
فإن لم نجدِ الحلَّ السليم، فعلى الأقلِّ سنكون أكثرَ تقبُّلاً لها، وسيكون تأثيرُها علينا أقلَّ كثيرًا مما لو أتتْنا على حين غِرَّة.
مشكلةُ الكثيرِ من الفتيات في هذا العمر الصغير: أنَّها تعيش في أحلام رائعة، بمجرَّد أن تشعرَ بنبضات الحبِّ يخفق بها قلبُها، وتظلُّ تحلم وتتمنَّى السعادةَ، وإذ بالأمر لا يعدو لعبةً يلعب بها بعضُ شياطين الإنس، أو وَهْمًا توهمه أحدُ الشباب، أو أنَّه حقيقة، لكنَّه سرعانَ ما يتنبه لحقيقة عدم التوافُق بينهما، وفي جميع الأحوال علينا أن نكونَ أكثرَ واقعيَّة، حتى في أحلامنا.
رابعًا: اعلمي أنَّ ما أصابكِ لم يكن ليخطئَك، وما أخطأك لم يكن ليصيبَك، ولا تُلقِي بالاً بعدها لشيء، لو كتبَ الله لك الزواجَ من هذا الشاب فسيأتي لا محالة؛ يقول الله – تعالى -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
فلا تأسفي على ما فات، وتفكَّري فيما أعدَّه الله لِمَن صبر، وكفَّ نفسه عن هواها، وتذكَّري قوله – تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40 - 41].
فلا داعي لكثرةِ التفكير في ما مضى، وشُغْل النفس به، وليكنْ ذلك درسًا طيِّبًا نافعًا لك في الإيمان بالقدر خيرِه وشرِّه، وأنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى.
خامسًا: حدِّدِي هدفَك:
ترغبين فيه لصلاحه؟
حاولي إذًا إبلاغَه - عن طريق توسيط أحد الأمناء - أنَّك نادمة، وتريدينه زوجًا، فإن كان فيه خير فسيعود - إن شاء الله - وإن لم يكن، فالحمدُ لله أنَّ العلاقة قد انتهتْ قبلَ الزواج، فالفراق بعدَ الزواج يُعنِّي الكثير، وانتهاء العلاقة بينكما الآن - على ألَمِها وشدتها عليك - فهي أهونُ بكثير جدًّا من انتهائِها بعدَ فترة من الزواج، وحمل لقب (المطلَّقة).
سادسًا: أحضري ورقةً ودَوِّني عليها جميعَ أخطائك في تلك العَلاقة، ودَوِّني أيضًا ما استفدتِ منها، فمثلاً تعلمت:
• عدم التسرُّع والحُكم على الأمور لمجرَّد سوء فَهْم يسير.
• النظر للمشكلة من جميع الجوانب.
• مراعاةُ شعورِ الطَّرَف الآخر.
• تدريب النفس على تحمُّل المسؤولية والتفكُّر في عواقبِ الأمور.
• التأنِّي قبلَ النطق بالكلام؛ فكما قيل:
سابعًا: لعلَّ شهرَ رمضان المبارك سيصلك قبلَ رسالتي هذه، وهو فُرصةٌ عظيمة لاستعادة النفس التائهة، ورجوعها إلى الله، والتقرُّب إليه أكثرَ بالطاعات، فأنصحُك باستغلاله في تلاوة القرآن، وشُغْل النفس والقلْب بالتدبُّر في آياته، وكثرة الدُّعاء والابتهال إلى الله في لياليه المباركة، بأن يُيسِّر لك الخيرَ حيث كان، فالله - تعالى - أعلمُ بما فيه الخيرُ لنا، وما فيه صلاح حالنا في الدنيا والآخرة؛ فقد قال - جلَّ وعلا -: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
ولا تُسيطر عليكِ الوساوسُ بشأن الزواج، فأنتِ - بفضل الله - ما زلتِ صغيرةً، والزواج رِزقٌ كغيرِه من الأرزاق؛ فلا تَشغْلي بالك بما تكفَّل به الرزَّاق، وسلِي الله التوفيق.
وأشكرُ لك تواصلَك معنا، سائلةً المولى - عز وجل - أن يرزقَكِ خيرًا مما تتمنّين، وأن يُنعِمَ عليك بكلِّ خير، والله الموفق.
السلام عليكم،
أنا فتاةٌ أبلغ من العمر 20 عامًا، كنتُ قد أحببت شخصًا عن طريق (الإنترنت) لخمسة أعوام، كان بمثابة الحُبِّ الأول الذي يتَّصف بالجنون، ولكنَّ الظروفَ منعت أن يكتملَ، حِين افترقنا مررتُ بفترة عصيبة جدًّا، ولكن كانت لديَّ إرادة قويَّة تمنعني من العودة، كما كنتُ أفعل دائمًا، بعد فراقِنا بأشهُر فاجئني أحدُ زملائي في الدِّراسة المعروف عنه الدِّين والأخلاق الحميدة بأنَّه يحبني.
صُدِمتْ في بادئ الأمر ورفضتُ، ولكن مع مرور الوقت شعرتُ أنَّه يمكن أن يكونَ مناسبًا، شعرتُ أنَّ الله أرسلَه لي عوضًا عمَّن تركت، أعطيتُه فرصةً كي أتعرَّف به أكثرَ، وطلب منِّي أن أُخبِر أهلي بالموضوع، وأن نتحدَّث بمعرفتهم، وهكذا فعلت.
لا أُنكِر أنَّني عندما حدثتُه كان قلبي ما زال مشغولاً بغيرِه، ولكن مع مرور الوقت بدأتُ أتعلَّق به، وهنا بدأتْ مشكلةٌ أخرى أصبحتُ أحبُّه يومًا، وأرفضه آخر، أصبحتُ أضعُ كلَّ تصرُّفاتِه وكلماتِه تحتَ المجهر، كان يُحبُّني بجنون، ومع ذلك كان حبُّه عاقلاً، لا يتنازل لي عن شيء هو غيرُ مقتنع به، كان يَنصحني بلباس الجلباب، وأعادني لقراءة القرآن بعدَما كنتُ قد هجرتُه لفترة، كما أنَّه كان يجعلني أصوم كلَّ يوم اثنين وخميس معه، كان الجميع يشهدُ له أنَّه صاحب أخلاق ودِين، وكانت صديقاتي ممَّن أثق برأيهنَّ يُبدينَ إعجابهنَّ به، كما أنَّه حَدَّث أمِّي عن طريق الهاتف، وأحبّتْه كثيرًا
أعترفُ أنَّه كانت هناك أمورٌ تُبعدني عنه، فطِباعه كانت تختلفُ عن طباعي، فإنَّه هادِئ جدًّا، يحسب الأمور ويَزِنها أكثرَ ممَّا يجب، عنيدٌ جدًّا كما أنَّه أحيانًا يُفلسِف الأمور، ويبالغ في غضبه، وكنتُ أشعر أحيانًا بشيء من السذاجة في تصرُّفاته.
مع العِلم أنِّي صليتُ استخارةً أكثر من مرَّة، وأحيانًا كان ينقبض قلبي، وأحيانًا كان يَحدُث العكس، وهذا ما زاد في حَيرتي، لكنَّ ذلك لم يمنعْني من الاقتراب منه أكثرَ، وكلَّما كنتُ أقترب منه أشعر بالأمان والدِّفْء معه، ورغمَ أنَّ مشاكلنا وخلافاتنا كانت كثيرةً؛ نظرًا لاختلاف الطِّباع، وعدمِ وجود فارق في السِّنِّ، إلاَّ أنَّنا كنَّا دائمًا نتفق أنَّنا سنتغيَّر من أجل الحبِّ الذي بيننا.
حدثتْ مرَّة بيننا مشكلةٌ جعلتني أغضبُ منه جدًّا، وأطلبُ إنهاءَ العَلاقة، وبعد ذلك بثلاثةِ أيَّام عاودَ الاتصال بي، وعُدنا إلى بعضنا، لكن دون أن يُظهِر قليلاً من التنازل، ودون أن يتخلَّى عن كبريائه، وحينما عُدْنا عدتُ أنا أشدَّ تعلُّقًا به.
كلُّ هذه الأمور حَدَثتْ خِلالَ أربعةِ أشهر، وبعدَها أتى أهلُه ليخطبوني، وبالطبع كان الأمرُ مُحيِّرًا جدًّا لوالدي، فالشابُّ سِنُّه مثل سِني، ووضعُه المادي غيرُ جيِّد، كما أنَّ أمامَه 3 سنين في التعليم؛ أي: كان علينا أن نظلَّ مرتبطينِ قُرابةَ 3 - 4 سنين، ومع ذلك أُعجب به أبي جدًّا جدًّا، وأحبتْه أمي، وقبل أن يقولَ أبي كلمتَه، حَدَثثْ بيننا مشكلةٌ، فأرسلتُ إليه رسالة: إنَّني أريد إنهاءَ العَلاقة، وإنَّني لم أعد أريده، ولم أكنْ أعلمُ أنِّي سأندمُ هكذا، أهلي كانوا ضِدي، وألْقَوا اللومَ عليَّ، وأصبحتُ في نظرهم طفلة لا تتحمَّل مسؤوليةَ قراراتها.
كما أنَّني وضعتُهم في موقف مُحرِج أمامَ أهل الشاب، والشاب نفسه فاجأني جدًّا بردةِ فِعْله، فهو وجد أنَّ كلامي إهانة لكرامته، ورغم أنِّي متأكِّدة أنه ما زال يُحبُّني، إلاَّ أنه لم يتنازلْ، بل بالغَ جدًّا في كبريائه، فلم يُعطني أيَّ فرصة لإصلاحِ ما حَدَث، بصراحة جَرحَني جدًّا بردةِ فِعْله، شعرت أنَّه تخلَّى عني بسبب كلمة قلتُها ساعةَ غضب، وأنَّه لم يكن متمسِّكًا بي.
كما أنَّه جَرَح كرامتي، وكأنه ينتقم لكرامته، كان يقول لي: إنَّه لا يستطيع الحياةَ من دوني، فكيف استطاع؟! حين سألتُه هذا السؤالَ، قال لي: إنَّه قال لي مرَّة: لن يُبعدَه عنِّي إلا أمرانِ؛ مَلَك الموت، أو أن أقولَ له بلساني: إنِّي لا أريده، وهذا ما فعلتُه أنا!
فاجئني جدًّا، كنتُ أظنُّه لا يستطيع فراقي، كنتُ أظنُّني الأغلى عندَه، ولكنَّ كبرياءه كان أكثرَ قيمةً مني، وفي الوقت ذاته شعرتُ بقيمته وبخطئي، وشعرتُ أنَّني حقًّا عديمة المسؤوليه، وما زِلتُ طفلةً، كما قال لي الجميع.
الآن أنا ضائعة، كنتُ أظنُّه عوضي، فكان ضربتي التالية، أشعرُ أنني أحبُّه كثيرًا، فهل كان عليَّ أن أفقدَه لأشعُرَ بقيمته؟! ألَمْ يعد يُريدني؟!
أحيانًا أخافُ أيضًا ألاَّ أجدَ مَن يتزوَّجني؛ لأنَّني لستُ على قدر كافٍ من الجمال، ولكن ليسَ هذا السبب لتمسكُّي به، بل شعرتُ حقًّا أنَّني أحبُّه، ولكن لن أهدرَ كرامتي أبدًا مرة أخرى، ومشكلتي الآن أنَّني لا أعرف كيف أبدأ مِن جديد، فضربةٌ تلوَ الأخرى أحدثت فيَّ شرخًا كبيرًا، أشعرُ أنَّ بي شيئًا قد انكسر، أعادني لأيَّام حُزني القديم، شعرتُ بحبِّه بعدَ أن ابتعد، ما زِلتُ لا أستوعبُ أنَّا حقًّا قد افترقْنا، وأنِّي خَسِرتُ حبًّا صادقًا، متعبة جدًّا جدًّا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله أختي الكريمة، ومرحبًا بك معنا في موقع (الألوكة).
عمرُك الآن عشرون عامًا، وكنتِ على عَلاقة حب مع شابٍّ لمدة خمس سنوات.
أتساءل: أين كان أهلُك وأنت تُراسلين الشبابَ، وفي هذا العمر الغضِّ؟!
أُخيتي وصغيرتي، رعاك الله وحفظك، وبناتِ المسلمين من كلِّ سوء، تَنبَّهي - بارك الله فيك - للخطر الذي تَقفين على شَفَا حفرتِه العظيمة، فمن يسقط لا يتداركه صعود، إلاَّ أن يشاء الله.
أُخيتي الغالية:
بدَا لي في بداية حديثك تعارضٌ؛ حيث أخبرتِ أنَّ العلاقة الأولى انقطعتْ لظروف، ثم أخبرتِ أنَّه كانت لديك إرادةٌ قويَّة لعدم العودة.
فهل تَعنين أنَّك تركتِ تلك العَلاقة عن قناعة لديك بأنَّها لا تجوز، وجاهدت لتركها؟ أم أنَّه حالتِ الظروف دون الاستمرار، والإرادة كانتْ فقط في التغلُّب على جراحات النفس، ومقاومة الشوق الذي سَيْطَر عليك بعدها؟
ثم بدَا لي أيضًا سرعةُ وصفك لكلِّ علاقة حب أو (إعجاب) - إن أردت الحقيقة - بالجنون.
لا أعلم عن العَلاقة الأولى معلوماتٍ كافية، لكن في المرَّة الثانية، تقولين: إنَّ الشاب كان متعقِّلاً، ولا يتنازل عن شيءٍ لا يراه من حقِّك، وأنَّه تركك مع طلبك للمرَّة الثانية لقَطْع العلاقة، فأيُّ جنون هذا؟!
ما رأيك الآن لو فكَّرْنا بصورة أكثرَ إيجابيَّة، وبعيدًا عن عواطفنا التي غالبًا ما تُفسِد علينا الحلولَ السليمة، وتدفعنا لمزيدٍ من الأخطاء؟
يقول دوجلاس ميلر: "يُمكننا جميعًا رؤيةُ الفرص عندما تضيع، ويمكننا جميعًا تحديد المشكلات عندما تطلُّ علينا برأسها بوضوح، وفي كلتا الحالتين غالبًا ما يكون أوانُ الاستجابةِ للظروف المتغيِّرة قد فات".
مررتِ - على صِغر عمرك - بتجرِبتين مريرتَين واحدة تلوَ الأخرى، وهذا الأمرُ لا بدَّ، وأنَّه أكسبكِ بعضَ الخبرة، حتى وإن كان به من الألَم ما به، إلاَّ أنَّ هناك - بلا شكٍّ - فوائدَ وحِكمًا ودروسًا مستفادة.
مَا مَضَى فَاتَ وَالْمُؤَمَّلُ غَيْبٌ وَلَكَ السَّاعَةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا |
تعالي نتأمَّل حالَك في العلاقتَين، وما يمكن أن تستفيديه؛ لتُحسِني التصرُّفَ مع المواقف القادمة - إن شاء الله - وتتعاملي بصورةٍ أكثرَ حِكمةً، وبأسلوب أكثرَ تأنيًا.
هل ترينَ أنَّه من المناسب ومن الطبيعي أن يذهبَ شابٌّ لزميلته في الدِّراسة، ويعترفَ لها بحبِّه، ويبقى على علاقة معها بحجَّة دعوتها ونصحها في الله، وتستمر تلك العلاقةُ وتتوطَّد بينهما إلى حدِّ شِجارٍ وصُلْح، ومعرفة كلٍّ منهما بطبيعة الآخر، وتحديده لشخصية صاحبه تمامًا، بل والشُّعور بالأمان؟! وكلُّ ذلك بمعرفة الأهل، وقبلَ أن يذهبَ إليهم ويطلب الزواجَ مِن وليِّ أمرِها؟!
أول ما أنصحك به غاليتي: التوبةُ من كلِّ ما كان في الماضي، والاعترافُ بالخطأ الذي ارتكبتِه في حقِّ نفسك، والمسارعة بالاستغفار والنَّدم على عَلاقة وهميَّة عن طريق الإنترنت، ثم العَلاقة بزميلك في الدِّراسة، ولطفًا أودُّ منك الاطلاعَ على هذه الفتوى بعنوان "حكم المراسلة بين الرجال والنساء الأجانب".
وهذه أيضا بعنوان: "تحريم العلاقة بين الجنسين قبل العقد الشرعي".
فما كان بينك وبين هذا الشاب (الثاني)، وإن كانتِ العلاقةُ نُصحًا في الله، ودروسًا في الأخلاق، فلا يجوز أن يتعاملَ معك، وينظرَ إليك، ويخاطبَك في كثير من الشؤون، دون وجودِ المَحْرَم، والخلوة بكِ في أيِّ مكان، فأكثري من التوبة، وفِعْل الخيرات، والتقرُّب إلى الله بالطاعات.
ثانيًا: يبدو واضحًا أنَّك تعانين فراغًا عاطفيًّا منذ الصغر، فوقوعُك في الحبِّ في المرَّة الأولى وتألمك الآن لفَقْد علاقة دامتْ أربعةَ أشهر يدلُّ على أنَّك عاطفيَّة بشكل كبير، وهذا لا مشكلةَ فيه ما دُمنا قادرين على التحكُّم في عواطفنا بشكل لا يُوقِعنا في الخطأ، أو في حبائل المعصية، وللتدرُّب على توظيف عاطفتِك وتوجيهها الوجهةَ السليمة، عليك بتعميرِ قلبِك الصغير بحبِّ الله ورسوله، وملئِه بذلك الحبِّ الطاهر، حتى يصيرَ قويًّا أمام كلِّ فتنة، وثابتًا في وجه كلِّ مِحنة.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حلاوةَ الإيمان: مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما...)) الحديث؛ متفق عليه.
فإن جعلتِ المرتبة الأولى والعليا في الحبِّ لله تعالى ورسوله، فلن يكون حبُّك لأيِّ شيء سواهما يتَّصف أبدًا بالجنون، بل سيكون حبًّا صافيًا طاهرًا عاقلاً حكميًا متزنًا، موفقًا - بإذن الله.
ثالثًا: سَلِي نفسك: ما الذي جعلَ الصدمةَ قويَّة وعنيفة في كلتا الحالتين مِن فقد مَن أحببتِ؟
السبب - في الغالب - أنَّك لم تفكِّري يومًا في أنَّ هذا قد يحدث، ولم تتوقَّعي، رغمَ أنَّه أخبرك أنَّه لو عَلِم رغبتك عنه، فلن يستمرَّ في تلك العلاقة، لكنَّك تتعجَّبين: كيف استطاع الفراق؟!
إنَّ تخيُّلَ بعض الاحتمالات المستقبلية، ورؤية إمكانية تحوُّلِها إلى واقع - يفتح عقولنا، ويجعل قلوبَنا أكثرَ تقبُّلاً لها في حالةِ التحوُّل الفعلي إلى واقع.
فإن لم نجدِ الحلَّ السليم، فعلى الأقلِّ سنكون أكثرَ تقبُّلاً لها، وسيكون تأثيرُها علينا أقلَّ كثيرًا مما لو أتتْنا على حين غِرَّة.
مشكلةُ الكثيرِ من الفتيات في هذا العمر الصغير: أنَّها تعيش في أحلام رائعة، بمجرَّد أن تشعرَ بنبضات الحبِّ يخفق بها قلبُها، وتظلُّ تحلم وتتمنَّى السعادةَ، وإذ بالأمر لا يعدو لعبةً يلعب بها بعضُ شياطين الإنس، أو وَهْمًا توهمه أحدُ الشباب، أو أنَّه حقيقة، لكنَّه سرعانَ ما يتنبه لحقيقة عدم التوافُق بينهما، وفي جميع الأحوال علينا أن نكونَ أكثرَ واقعيَّة، حتى في أحلامنا.
رابعًا: اعلمي أنَّ ما أصابكِ لم يكن ليخطئَك، وما أخطأك لم يكن ليصيبَك، ولا تُلقِي بالاً بعدها لشيء، لو كتبَ الله لك الزواجَ من هذا الشاب فسيأتي لا محالة؛ يقول الله – تعالى -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
فلا تأسفي على ما فات، وتفكَّري فيما أعدَّه الله لِمَن صبر، وكفَّ نفسه عن هواها، وتذكَّري قوله – تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40 - 41].
فلا داعي لكثرةِ التفكير في ما مضى، وشُغْل النفس به، وليكنْ ذلك درسًا طيِّبًا نافعًا لك في الإيمان بالقدر خيرِه وشرِّه، وأنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى.
خامسًا: حدِّدِي هدفَك:
ترغبين فيه لصلاحه؟
حاولي إذًا إبلاغَه - عن طريق توسيط أحد الأمناء - أنَّك نادمة، وتريدينه زوجًا، فإن كان فيه خير فسيعود - إن شاء الله - وإن لم يكن، فالحمدُ لله أنَّ العلاقة قد انتهتْ قبلَ الزواج، فالفراق بعدَ الزواج يُعنِّي الكثير، وانتهاء العلاقة بينكما الآن - على ألَمِها وشدتها عليك - فهي أهونُ بكثير جدًّا من انتهائِها بعدَ فترة من الزواج، وحمل لقب (المطلَّقة).
سادسًا: أحضري ورقةً ودَوِّني عليها جميعَ أخطائك في تلك العَلاقة، ودَوِّني أيضًا ما استفدتِ منها، فمثلاً تعلمت:
• عدم التسرُّع والحُكم على الأمور لمجرَّد سوء فَهْم يسير.
• النظر للمشكلة من جميع الجوانب.
• مراعاةُ شعورِ الطَّرَف الآخر.
• تدريب النفس على تحمُّل المسؤولية والتفكُّر في عواقبِ الأمور.
• التأنِّي قبلَ النطق بالكلام؛ فكما قيل:
احْفَظْ لِسَانَكَ إِنْ جَلَسْتَ مُنَادِمًا وَزِنِ الْكَلاَمَ فَمَنْ يَزِنْهُ لَمْ يُلَمْ كَمْ مِنْ كَلاَمٍ لاَ يُفِيدُكَ كِلْمَةً وَلَكِلْمَةٌ فِيهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ |
سابعًا: لعلَّ شهرَ رمضان المبارك سيصلك قبلَ رسالتي هذه، وهو فُرصةٌ عظيمة لاستعادة النفس التائهة، ورجوعها إلى الله، والتقرُّب إليه أكثرَ بالطاعات، فأنصحُك باستغلاله في تلاوة القرآن، وشُغْل النفس والقلْب بالتدبُّر في آياته، وكثرة الدُّعاء والابتهال إلى الله في لياليه المباركة، بأن يُيسِّر لك الخيرَ حيث كان، فالله - تعالى - أعلمُ بما فيه الخيرُ لنا، وما فيه صلاح حالنا في الدنيا والآخرة؛ فقد قال - جلَّ وعلا -: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
ولا تُسيطر عليكِ الوساوسُ بشأن الزواج، فأنتِ - بفضل الله - ما زلتِ صغيرةً، والزواج رِزقٌ كغيرِه من الأرزاق؛ فلا تَشغْلي بالك بما تكفَّل به الرزَّاق، وسلِي الله التوفيق.
وأشكرُ لك تواصلَك معنا، سائلةً المولى - عز وجل - أن يرزقَكِ خيرًا مما تتمنّين، وأن يُنعِمَ عليك بكلِّ خير، والله الموفق.
أ. مروة يوسف عاشور
ماجده
ماجده