عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه قال: اخذ الرسول صلى الله عليه
وسلم بمنكبي وقال :
<< كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل >>
يقول الله سبحانه وتعالى
[ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ]، حكم الله وقضى بفناء العباد وهلاكهم [ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ]، إنه الموت الذي لا يفرق بين صغير وكبير وحقير ووزير إنه هادم اللذات ومفرق الجماعات، بينا العبد في سرور ولذة وأنس واجتماع بالأحبة إذا بملك الموت يرسل إليه فينتزعه من بين تلك المسرات إلى دار لا عهد له بها وليس ثمة رجعة إلى الدنيا أبدا، [ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ]، انه سفر مخيف سفر إلى دار الحساب والجزاء إلى دار لا أنيس بها ولا جليس إلا العمل الصالح [ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ]، يا عجبا من ابن آدم يفر من الموت ولابد منه، ويهرب منه ولا محيص عنه، [ قل إن الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ]
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء
يا ابن آدم إذا حل بك الموت وحضرت رسل الله لقبض روحك عندها لا ينفعك حبيب ولا قريب و لا يدفع عنك الطبيب، عندها يندم المفرط ويقول
[رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ] وأنا له ذلك، فيا حسرة على من فرط نفسه وأوردها المهالك، يقول الحسن البصري رحمه الله: <حقيق على من عرف أن الموت مورده، والقيامة موعده، والوقوف بين يدي الجبار مشهده، حقيق أن تطول في الدنيا حسرته، وفي العمل الصالح رغبته، ما أكثر عبد ذكر الموت إلا رأى ذلك في عمله ولا طال أمل عبد قط إلا أساء العمل>، عاد الحسن البصري مريضا فوافقه في الموت ورأى تقلبه وشدة ما نزل به لما رجع إلى داره قدموا له طعاما فقال: <عليكم بطعامكم وشرابكم فإني رأيت مصرعا لابد لي منه ولا أزال اعمل حتى ألقاه>،
حضر رحمه الله جنازة فقال:
< أيها الناس اعملوا لمثل هذا اليوم فسوف يرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون>.
أتنكر أمر الموت أم أنت عارف بمنزلة تفنى وفيها المتالف
كأنك قد غيبت في اللحد والثرى كما لقي الموت القرون السوالف
أرى الموت قد أفنى القرون التي مضت فلم يبق مألوف ولم يبق آلف
كأن الفتى لم يصحب الناس ليلة إذا عصبت يوما عليه اللفائف
وقامت عليه عصبة يدفنونه ومستذكر يبكي حزينا وهاتف
وغيب في لحد كريه فناؤه ونضد من لبن عليه السقائف
يا ابن آدم من لك إذا عظم الألم، وسكن الصوت وتمكن الندم، ووقع بك الفوت وأقبل لقبض الروح ملك الموت، وجاءت جنوده وقيل من راق وتيقنت أنه الفراق فنزلت مسكنا ليس بمسكون فيا أسفا لك كيف تكون، أهوال القبور لا تطاق، اللهم ارحمنا إذا صرنا تحت التراب والجنادل وحدنا، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمنا يوم البعث والنشور، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا عجبا كيف أنِس بالدنيا مفارقها، وأمن النار واردها، كيف يغفل من لا يُغفل عنه، كيف يفرح بالدنيا من تُعد عليه الأنفاس، وكيف يلهو من يقوده عمره إلى أجله وحياته الى موته، كتب زر بن حبيش إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يقول: <لا يطمعنك في طول الحياة ما ترى من صحة بدنك واذكر قول الأول:
إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أجسادها
وجعلت أسقامها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
إنكم تغدون وتروحون في آجال قد غيبت عنكم، فانظروا في خلاصكم قبل انقضاء أعمالكم، النجاة النجاة فالطالب حثيث، تذكروا تلك الصرعة بين الأهل وهم لا يقدرون على ضر ولا نفع،
<< فلولا إذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين>>
، يا ساكن اللحد غدا أين الوالدون وما ولدوا، أين الجبارون وأين ما قصدوا، أين أرباب المعاصي وعلى ماذا وردوا، أما جنوا ثمرات ما جنوا وحصدوا، أما قدموا على أعمالهم في مآلهم ووفدوا، أما خلوا في ظلمات القبور بكوا والله وانفردوا، أما ذلوا وقلوا بعدما عتوا وتمردوا، أما حل الموت فحل عقد ما عقدوا، فعاينوا والله ما قدموا ووجدوا، فمنهم أقوام شقوا وأقوام سعدوا.
وعظ أعرابي ابنه فقال: <أي بني انه من خاف الموت بادر الفوت، ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبِعات، والجنة والنار أمامك >.
فيا غافلا ويا راقدا قد أذن بالرحيل فالبدار البدار إلى دار الأبرار، بادر بالعمل قبل انقضاء الأجل، فلك في موت الأحباب والأصحاب لعبرة
سالت الدار تنبئني عن الأحباب ما فعلوا فقالت لي أناخ القوم أيام وقد رحلوا
فقلت أين أطلبهم وأي منازل نزلوا فقالت بالقبور وقد لقوا والله ما فعلوا
أناس غرهم أمل فبادرهم به الأجل فنوا وبقي على الأيام ما قالوا وما عملوا
قال الحارث بن إدريس: قلت لداود الطائي أوصني فقال: عسكر الموت ينتظرونك فاحذر.
قال سلمان الفارسي: ثلاث أعجبتني ثم أضحكتني:
مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملئ فيه وليس يدري أساخط عليه رب العالمين أم راض عنه، وثلاث أحزنتني حتى أبكتني: فراق محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه الأحبة، وهول المطلع والوقوف بين يدي ربي لا أدري أفي الجنة يؤمر بي أو إلى النار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك >> رواه الحاكم وحسنه الحافظ العراقي. كان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله قبل أن يأخذ مضجعه: <استودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها>.
سأل رجل أبا يوسف الغوري أن يعظه بموعظة يحفظها عنه فبكى ثم قال:
<اعلم يا أُخي أن اختلاف الليل والنهار وما بينهما يسرعان في هدم بدنك وفناء عمرك وانقضاء أجلك فلا تطمئن ولا تأمن حتى تعلم أين مستقرك ومصيرك، وحتى تعلم أساخط عليك ربك بمعصيتك وغفلتك، أم راض عليك بفضله ورحمته>
فعلى المسلم أن يستعد لما أمامه، من الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى قد أخبر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما من أحد وإلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار يحطم بعضها بعضا، فاتقوا النار ولو بشق تمرة
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .
من بريد ALZAHRA