بسم الله الرحمن الرحيم
البخور ومخاطره الصحية الجمة على جسم الإنسان
البخور ومخاطره الصحية الجمة على جسم الإنسان
حوار خاص مع صحيفة العرب القطرية حول البخور ومضارة، أجراه الصحفي محمد لشيب ونشر في 5 شباط 2009
أكد أطباء وباحثون أن استنشاق البخور بطريقة منتظمة على فترة زمنية متوسطة بإمكانه أن يؤدي إلى الإصابة بسرطانات الجهاز التنفسي، خاصة على مستوى الأنف والفم والحنجرة، وحذر متخصصون مستعملي البخور من الإكثار منه، خاصة في الأماكن المغلقة التي تنعدم فيها التهوية الجيدة، وأشارت دراسات ميدانية عديدة بالدول الآسيوية إلى وجود حالات إصابة، كشفت العلاقة بين كثرة استنشاق البخور والإصابة بأنواع مختلفة من سرطانات الجهاز التنفسي.
وكشف الدكتور محمد نصر الزير أخصائي الأنف والأذن والحنجرة لـ «العرب» أن أكثر من 40 % من الإصابات بحساسية الجهاز التنفسي سببها أدخنة البخور والعود. وأكد أن التعرض الدائم والمستمر لهذه الأبخرة يتسبب في أضرار على صحة الإنسان، وأشار إلى أنه من الناحية العلمية والمنطقية، فقد أصبحت البيئة ملوثة بشكل كبير، إضافة إلى أن خلط البخور والعود بمواد كيماوية يؤثر بشكل سلبي، خاصة من حيث تسببه في الحساسية التي يمكن أن تصل إلى درجة الحساسية المزمنة، مؤكداً أن أعداداً كبيرة من مراجعي العيادات المتخصصة في الأنف والأذن والحنجرة يشتكون من حساسية في الأنف والبلعوم والحنجرة والصدر، والسبب يرجع للمواد الكيماوية المحترقة، وأوضح أنه «كلما قلّت المواد الكيماوية المضافة قل الضرر وكان التأثير السلبي أخف على صحة الإنسان، مع العلم أن بعض أنواع البخور يتم خلطها ببعض المواد الضارة، كأن يخلط مع الرصاص لزيادة وزنه بهدف الغش، وهذا النوع من البخور سام؛ لأن الرصاص من المعادن الثقيلة والخطيرة للغاية.
وأشار الدكتور الزير إلى أن عادة تبخير البيت وتقديم البخور للضيوف هي عادة قديمة ومتأصلة في الخليج العربي، ونبه إلى أن الوضع الحالي تغير عن ما كان سابقاً، فالوضع البيئي تغير بشكل جذري، كما أن طبيعية المساكن كانت صحية أكثر من حيث حجمها الواسع وتهويتها الجيدة، وبالتالي لم يكن لمثل هذه العادات أي تأثير على صحة وبيئة الإنسان، لكنه مع الوضع الحالي ونمط السكن الضيق، وغياب التهوية الجيدة، ونوعية المفارش المستعلمة والتلوث البيئي الكبير ونمط الحياة إلى غير ذلك من العوامل كلها أصبحت تفرض ضرورة التقليل من التعرض الدائم لهذه الأبخرة حفاظ على سلامة الجهاز التنفسي.
وأكد الدكتور الزير أهمية القيام بحملة إعلامية واسعة لتوعية المجتمع بأهمية ذلك، خاصة في صفوف الناس المصابين بالأمراض الصدرية كالربو والحساسية وغيرها.
ومن جانبه اعتبر المهندس أمجد قاسم متخصص في هندسة تكنولوجيا الصناعات الكيميائية بالأردن لـ»العرب» أن عملية حرق البخور تؤدي إلى انطلاق كمية كبيرة من الغازات والمواد، والتي قد يكون بعضها ضاراً بصحة الإنسان، ويضيف بأنه وفقاً لدراسات علمية تم إجراؤها في بعض دول جنوب شرق آسيا التي تنتشر فيها عادة حرق البخور في المعابد والمنازل، تبين أن حرق البخور يطلق غاز أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام عند زيادة تركيزه في الهواء عن الحد الطبيعي، كما وجدت الدراسات أن حرق البخور يؤدي إلى إطلاق غاز الفورملين (الفورمالديهايد)، وأشار إلى أن هذا الغاز يؤثر بشكل كبير على الجهاز التنفسي، وتدل بعض الدراسات أنه من المواد التي يعتقد في قدرتها على إحداث مرض السرطان، ويضيف أمجد قاسم أن عملية الحرق تتسبب في إطلاق مجموعة كبيرة من المواد الهيدروكربونية العطرية، والكاربونيلز وغيرها من المركبات، وهي مواد قد تكون من الخشب المحترق الموجود في قطع أو أعواد البخور، وقد تكون ناشئة عن حرق مادة البخور نفسها، والتي يتم تصنيعها في العادة من مخاليط عطرية تشمل العود والمسك والعنبر ويضاف إليها أحياناً دهن الورد وتمزج تلك المكونات وتعجن على هيئة أقراص توضع فوق الجمر.
ويشدد المهندس أمجد على أن التعرض اليومي والطويل وفي أماكن مغلقة لدخان البخور، يشكل بالفعل خطراً على صحة الإنسان، فبناء على دراسة امتدت لحوالي 12 عاماً، وشملت أكثر من 61 ألف شخص من المنحدرين من أصول صينية في سنغافورة، وجد أن هناك علاقة بين كثرة استنشاق البخور والإصابة بأنواع مختلفة من سرطان الجهاز التنفسي، الفم واللسان والحنجرة والرئتين.
ويستطرد المهندس أمجد قاسم أن الباحثين الذين قادهم الدكتور جيب فريبورج الباحث بمعهد سيروم في كوبنهاجن تابعوا ما يقرب من 61320 رجلا وامرأة من السنغافوريين من أصول صينية تراوحت أعمارهم بين 45 و74 عاماً، وكانوا جميعا غير مصابين بأي نوع من السرطانات عند بداية الدراسة.
وأبلغ المشاركون في الدراسة عن تفاصيل استخدامهم للبخور مثل عدد المرات التي يحرقون فيها البخور داخل منازلهم وأيضاً المدة، مثلاً في الليل فقط أو طوال الليل والنهار، وعلى مدى الاثنى عشر عاماً أصيب 325 رجلاً وامرأة بسرطانات الجزء العلوي من الجهاز التنفسي مثل سرطان الأنف أو الفم أو الحنجرة، وأصيب 821 بسرطان الرئة.
ويقول الدكتور جيبي فريبورغ من قسم أبحاث الأوبئة في معهد ستاتينز سيروم في كوبنهاغن بالدنمارك إن هذا الخطر قد ظهر لدى المدخنين وغير المدخنين، وأضاف أن ما أظهرته تلك الدراسة يكفي لنصح الناس بتجنب الاستنشاق الكثير للبخور في الأماكن التي يقضون فيها معظم أوقاتهم مثل غرف النوم والمعيشة وغيرها.
بينما يعلق على ذلك الدكتور لين ليشتنفيلد نائب رئيس الخدمات الطبية في جمعية السرطان الأميركية بقوله إن التعرض اليومي لاستنشاق دخان البخور له علاقة بسرطان الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وهذا خطر حقيقي لا يجب إهماله.
من جهته يؤكد الدكتور موفق سعد الدين أخصائي الأمراض الباطنية والصدرية في مستشفى الملك سعود أن البخور يزيد من سوء بعض الأمراض الشائعة عند الناس كمرض الربو، وأن هذا الدخان يثير نوبات من الربو الحادة؛ بسبب قدرته على التحريض والإثارة للجهاز التنفسي، كما يؤثر دخان البخور على مرضى الالتهاب الرئوي والانسداد المزمن والتهاب الأنف لتحسسي.
ويضيف المهندس أمجد قاسم أن نتائج مماثلة نشرت في العديد من الصحف والمجلات العالمية المتخصصة ومنها مجلة «نيو سينتس» في عام 2001، وقد بينت أن دخان البخور المستخدم في المساجد والمنازل والمعابد والكنائس وغيرها من الأماكن يحتوي بالفعل على تركيز عال لمواد ضارة وخطيرة ومسرطنة.
وأشارت نتائج دراسة مشتركة أعدها باحثون من معهد (Statens Serum Institut) بكوبنهاغن بالتعاون مع زملائهم في سنغافورة إلى أن الإفراط في استهلاك البخور يرفع بصورة لافتة خطر الإصابة بسرطان في المجاري التنفسية، وشملت الدراسة آلاف المتطوعين وتم تقسيمها على مرحلتين، تم في المرحلة الأولى مراقبة المتطوعون أثناء استعمال البخور، وبعد مرور سنتين تقريباً اكتشف الباحثون في المرحلة الثانية أن 4 في المئة تقريباً من هؤلاء المتطوعين أصيبوا بسرطان في المجاري التنفسية العليا، في حين أصيب 8 في المئة منهم بسرطان في الرئة، لتخلص الدراسة إلى أن هناك صلة وصل قوية بين الإفراط في استهلاك البخور والإصابة بسرطان الجهاز التنفسي.
وتؤكد كل الدراسات السابقة على ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان حتى لدى غير المدخنين مما يعني أن دخان البخور يتمتع بمفعول مستقل، من خلال ما ينتج عن احتراقه من مواد مسرطنة، وكذلك من الهيدروكربون الأروماتي متعدد الحلقات (polycyclic aromatic hydrocarbon) والكربونيل والبنزول وهو سائل ملتهب يستخرج من قطران الفحم.
هذا إضافة إلى المخاطر البيئية على اعتبار مساهمة عملية الحرق في تلويث البيئة وما ينجم عنها من انبعاث لعدد كبير من الغازات الضارة.
نصائح
ويجمع كافة الخبراء على ضرورة عدم استخدام البخور في الأماكن المغلقة، وهو يعني أن القليل منه غير ضار، لكن نشر دخانها في أماكن مكتظة بالناس وذات تهوية سيئة بحيث يغدو الهواء ثقيلاً وقاتماً وعابقاً بالروائح العطرية للبخور، فهذا أمر خطير.
وينصح الدكتور الزير في حالة تبخير الغرفة أن يتم إخلاؤها من الناس، خاصة الأطفال خلال فترة حرق البخور أو العود، ثم توفير تهوية جيدة لها، قبل الدخول إليها، مما يحقق الاستمتاع بالرائحة الطيبة دون التأثير السلبي للأدخنة على الشخص مباشرة، ففي حال رغب أحد في نشر تلك العطور في مكان ما كالمسجد مثلا، فمن الأفضل أن يتم حرق البخور عندما يكون المكان خاليا، وقبل أن يصل المصلون، وأن تتم تهوية المكان والتوقف عن إشعال البخور.
ويشدد الدكتور الزير على أنه يجب إبعاد الأطفال والمصابين بالأمراض الصدرية بصفة عامة عن هذه المواد؛ لأنهم أكثر عرضة من الكبير بسبب ضعف مقاومتهم لهذه الأمراض، وعن غيرها من الأماكن الملوثة بالأدخنة الكيماوية أو الغازات أو أي مصدر للدخان، وقال إن الوصول إلى هدف المسكن الصحي السليم هو الحل الأمثل لحفظ صحة الجمهور.
وعموماً ينصح الأطباء بالاعتدال في استهلاك البخور وعدم المبالغة، والتقليل من استخدامها إلى أقل حد ممكن، وهذا أيضا ينطبق على ملطفات الجو ذات الأثر البليغ على الجهاز التنفسي للإنسان.
البخور والعود
عود البخور مادة عطرية تستخرج في الغالب من مواد نباتية عطرية مثل لحاء الأشجار والجذور والزهور، وقد اشتهر استخدامها في المنطقة العربية والخليجية، وتجلب عادة من شرق آسيا من الهند وبنغلاديش وماليزيا وأندونيسيا والفلبين ولاوس وفيتنام وغينيا بيساو. وتنبت هذه الأشجار في المناطق المرتفعة من هذه البلاد وتتباين هذه الأشجار العطرية من حيث الجودة في إنتاج العود، إضافة إلى النقصان المتزايد في هذه الأشجار وعدم تعويضها وتناقص الخبرة المتوارثة في العناية فيها. وتستورد منطقة الخليج أجود أنواع العود وتنتشر هناك أشهر المحلات المتخصصة بالعود.
وتطلق كلمة «عود البخور» على مواد عطرية بعينها أو خلطات عطرية توضع على الجمر؛ لتحترق مطلقة موادها العطرية المكونة لها فينطلق دخانها العطري الجيد الرائحة.
ويستعمل لذلك مباخر أو مجامر خاصة ذات أشكال وألوان متعددة وبعضها غالي الثمن للحرفية العالية التي اعتمدت في تصنيعها.
وتتمتع المرأة العربية والخليجية خصوصاً بذوق خاص في استخدام العطور وعود البخور، ودهن العود وهو أشهرها، إضافة إلى عرق الصندل، وعرق الزعفران، وعرق العنبر، وعرق المسك، وعرق الحنة، والياسمين. وتصنع بعض النساء أنواعاً خاصة من عجينه تخلط بها العود والمسك والعنبر ودهن الورد ثم تجفف لتوضع في خزائن الملابس لتنتقل رائحتها العطرة للملابس.
ويحرق بخور العود في البيوت العربية مفضية لها رائحتها الذكية المميزة وتعد مظهراً من مظاهر الترحيب بالضيوف، وهناك أنواع غالية جدا للعود لا تستعمل إلا في المناسبات، أو عند استقبال زوار يعرفون قيمة العود الغالي، أما لطرد رائحة الطبخ من البيت فيختار نوع عادي من العود.
والبخور الجيد يتصف بكون لون دخانه يميل إلى الأزرق، وكثرة فقاعات الدهن عند احتراقه، كما أنه لا يؤذي أو يدمع العيون عند استنشاقه، كما يميز البخور الجيد بكثرة وجود عروق لونها يميل إلى اللون البني الغامق أو الأسود.
عن صحيفة العرب القطرية