السؤال:
أنا متزوجة من (19) سنة، تزوجت وأنا في السنة الثانية من دراستي الجامعية؛ أي: أكملت تعليمي عند زوجي، وتزوجت رجلاً يكبرني بـ(16) سنة؛ لأنه كان ميسور الحال، وكنت أرى عائلتي كلَّ يوم يستدينون من هنا وهناك، فقررت الزواج من هذا الرجل لكي يحمل عبئي عن عائلتي، فقام بتجهيز كل شيء، وما قدم أهلي شيئًا إلا أنهم اشتروا لي بعض الأغراض لا تزيد عن خمسمائة جنيه، أكملت دراستي بصعوبة؛ لأني حملت وأنا في السنة الثالثة من دراستي، وعانَيت الأمرَّين في خدمة بيت أهلي الذين يحملون طفلي أثناء وجودي في الكلية، وخدمة أهل زوجي، وخدمة زوجي والطفل.
ولكن بعد أن انتهيت من دراستي في الكلية عملت لمدَّة عامين، ثم منَّ الله عليَّ بالسفر إلى دولة الإمارات، والحمد لله أخذت زوجي وأولادي منذ أوَّل شهر سافرت فيه، ولكن أهلي لا يرحمونني بكثرة طلباتهم، وإذا لم أستجب فعليَّ غضبهم وغضب الله.
وكلَّ عام عند نزولي، أشتري لهم الهدايا وأعطيهم مبالغ مالية، لكنهم حكموا عليَّ أن أزوِّج إخواني الذكور، فأنا بنت وحيدة في هذه الدنيا، أتحمَّل الإهانة منهم، وأتحمَّل شماتة زوجي فيَّ، إنهم مسرفون إلى أبعد الحدود؛ كلَّما أعطيتهم طلبوا المزيد، زوجي لا يعمل، وعندي الآن (5) أولاد، وأعمل جاهدة حتى أؤمِّن لهم مستقبلاً جيدًا.
أدفع مصروفات مدارسهم الخاصة والأكل والملابس والسفر وكل شيء، زوجي يستحوذ على راتبي ولا يعطيني سوى (300) درهم إماراتي أدَّخرهم لكي أعطي منهم أهلي؛ حتى لا يبتعدون عنِّي أثناء نزولي في الإجازة، علمًا بأنهم أخذوا منِّي ذهبي ولم يعطوني إياه، وعندما تدخَّل زوجي ضربوه، ونادوني لكي أوقِّع أن ليس لي شيء عندهم، وإلا لن أكون ابنتهم، والويل لي إذا لم أُطِع أوامرهم.
رجاءً الرد عليَّ في أقرب وقت، ماذا أفعل مع زوجي الذي يستحلُّ راتبي كلَّه له، وأهلي الذين لا يرحمونني ويطلبون منِّي المزيد كلَّ عام، أنا في حالة يُرثَى لها، أفكِّر في الانتحار حتى يرتاح الجميع منِّي، وأنا أخاف الله، لكنِّي سئمتُ من هذه الحياة التي كلها خوفٌ من زوجي وأهلي، والخوف على أولادي.
ساعدوني وردُّوا عليَّ ضروريًّا؛ أنا في حالة انهيار تامٍّ، وأرغب في إنهاء حياتي، ولا أحد يشعر بالمعاناة التي أعانيها، الكل يظن أن راتبي حقٌّ خالص له، وأنا والله لا أصرف منه شيئًا على نفسي، فكلُّ قرش أوفِّره أعطيه أهلي دون أن يعرف زوجي.
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كثيرًا ما نفعل الخير ظنًّا منَّا أنا سنلقى بعده شكرًا وعرفانًا، وإذا به يصبح حقًّا مكتَسبًا يفرضه الآخَرون علينا، ويعتبرونه واجبًا (عرفيًّا)، لا حقَّ لنا حتى في سماع كلمة شكر، ولا نفيق إلا ونحن مكبَّلون بسلاسل أقوى من الحديد ممَّن قدَّمنا له يد العون، ولكن لا عجب؛ فقد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، لأحبَّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب))؛ رواه البخاري.
أختي الفاضلة، تدرَّجتِ بلا شك في التَّساهُل وارتكاب الأخطاء في حقِّ نفسك، وتمادَيتِ مع الزوج والأهل، ولم تستطيعي المقاوَمة، حتى خارَت قُواكِ، ولم تبحثي عن الحل إلا مع بداية شعورك بالانهيار.
وفي الحقيقة، لن أخدعك وأبشرَّك كذبًا أن المشكلة ستُحلُّ من خلال هذه الاستشارة، ولكن نريد أن نكون أكثرَ منطقية وواقعية، فبدلاً من التفكير في الانتحار مع علمنا التامِّ بجزاء المنتحر وعقوبته عند الله، فلنحاول أن نكون أكثر قوة ما دمنا على الحق.
أنت تعلمين أنك على الحق، وهم جميعًا على الباطل، فالزوج ملزَم شرعًا وعُرفًا بالإنفاق عليك، وبذلك استحقَّ القوامة؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
ورد في تفسير الطبري: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}؛ يعني: بما فضَّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنَّ مهورَهن، وإنفاقهم عليهنَّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنَهنَّ، وذلك تفضيل الله - تبارك وتعالى - إياهم عليهنَّ، ولذلك صارُوا قوَّامًا عليهن".
وفي الحقيقة، أنت لم توضحي كيف بدأت أحوال زوجك تدهور إلى حدِّ ترك العمل، والاعتماد الكلِّي عليك، وعلى راتبك؟
فقد أخبرتِ في البداية أنك تزوجتِه لأن حاله ميسور، ثم صار يعتمد الآن عليك، فماذا كان يعمل قبل عملك؟ أم أنه ترك العمل بعد مصاحبته لك في سفرك، وقرَّر البقاء في البيت؟
على كلِّ حال، كان عليك أن تساعديه في البحث عن عملٍ له في البلد الذي أنتم فيه فَوْرَ وصولكما، ولا أظن أن عمره الآن يجعله عاجزًا عن ذلك، فكما يبدو أنه في بداية الخمسين من عمره، فحاولي البحث له عن عمل مناسب، وحاولي إقناعه بأن هذا سيعود عليكما وعلى الأبناء بالنفع، ولا توضِّحي له أن هذا عن رغبة منك لاستعادة راتبك، فالتدرُّج في مثل هذه الأمور خيرٌ من المباغَتَة، وإن كان من حقِّك، لكنَّا نريد حلاًّ وسطًا، على الأقلِّ حاليًّا، فالتحدُّث إليه يكون على أساس المصلحة المشتركة، وذكِّريه أيضًا بسابق عهده وكرمه، ولا تنسي أن تمتدحي بعض أعماله، وتشجِّعيه على العمل، ولعلَّ هذه الاستشارة فيها ما يفيدك - إن شاء الله – "زوجٌ اعتمادي".
وأما الأهل، فليس من حقِّهم استنزافك إلى هذا الحدِّ المؤلم، وإن كانوا يهدِّدونك بغضبهم أو مقاطعتك؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل سأله: يا رسول الله، إن لي قرابة: أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم.
فإن كان باستطاعتهم أن يغضبوا عليك، فإن إغضاب الله ليس في مقدورهم، فلا تكوني بهذا الضعف.
لا شك أن لهم عليك حقَّ الصلة، والمعاشرة بالمعروف، والصبر على أذاهم، لكنك لا تأثمين بترك تزويج إخوانك مثلاً، أو بعدم جلب الهدايا الكثيرة لهم، أو إمدادهم الدائم بالمال لينفقوه بإسراف.
فتحدَّثي إليهم بقوَّة وأدب، وأخبريهم أن أحوالك المادية ليست كما يظنُّون، وأنك تساعدين بما تستطيعين فقط، وتعلَّمي قول كلمة: (لا)، بأدب وحسن خُلق، هل تعلمين أن كتبًا كثيرة قد صُنِّفت في هذا الشأن خصيصًا؟ غالبها بعنوان "كيف تقول: (لا)"؛ لأن الكثير من الناس يفرض على نفسه حياة الضعف والمذلَّة؛ لأنه فقط لا يستطيع أن يقول: (لا)، ويضيِّع بذلك العجز حقوقَه كاملة.
وإن كنت تخشَين غضبهم، وتتذكَّرين حقوقهم، فتذكَّري أيضًا حقوق نفسك، وهذا من العدل؛ فإن الله سائلك عن نفسك كما هو سائلك عن أهلك، وكما جاء في الحديث: ((... وإن لنفسك عليك حقًّا))؛ رواه البخاري.
أذكِّرك أنهم سيقاطعونك، ويكيلون لك، ويسمعونك من الكلام ما يتألم له قلبك، لكن كيف تواجهين كلَّ هذا؟
ليكن إعلامهم بهذا الوضع الجديد قبل سفرك إليهم؛ أي: أخبريهم بالتدريج من خلال الهاتف أنه لم يَعُدْ باستطاعتك المساعدة، وإن تيسَّرت لك المساعدة في أيِّ وقت، فلن تتأخَّري عنهم، فذلك خيرٌ من المواجهة.
لا تبادليهم المقاطعة ولا السبَّ، ولكن لا تضعفي، إياك أن تضعفي، تماسكي واستمرِّي في صلتهم ونصحهم، لكن لا تعودي إلى ما كنت عليه من انهزامية وضعف، ستمرُّ مدَّة يسيرة أو طويلة، ثم يعودون إلى التواصُل معك؛ حتى لا يخسروا كل شيء.
وأما الأولاد، فإن كان الإنفاق عليهم ليس من واجبك أنت، لكنهم ضعفاء، ولا حيلة لهم في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، ولا ذنب لهم فيما يحدث، وأرجو أن يكتب الله لك الأجر بصبرك وحسن تربيتهم، وأنصحك بعدم التخلِّي عنهم.
لديَّ سؤال أخير أختي الفاضلة:
لماذا نترك جذور مشكلاتنا تغوص في أعماق حياتنا، وتتعمَّق فيها بشكل يعسِّر علينا اقتلاعها، ويجعلنا نفضِّل الموت على الحياة؟!
لعله الخوف من المواجهة، الكثير من الناس يخشى المواجهة، دائمًا ما نتهرَّب منها ونترك الأمور تسير، والمشاكل تنمو وتنمو، وفي النهاية نضطرُّ رغمًا عنَّا أن نواجه الأمر بعد أن يتضاعَف حجمه، في حين كان من السهل علينا المواجهة في السابق، ولكننا نفضل التسويف.
وهذه نصيحة أقدِّمها لك، لا تؤخِّري أيَّ مشكلة إلى الغد، بادري بالعلاج الآن، فالقضاء على الأورام الخبيثة كلَّما كان مبكرًا، كان عونًا - بإذن الله - على الشفاء التامِّ من المرض.
فأولادك بحاجة إليك وإلى عطفك وإشعارهم بالأمان، ولن تتمكَّني من إمدادهم بكلِّ هذا إلا بأن تكوني أكثر قوة وصلابة، وقدرة على مواجهة المِحَن والتصدِّي لها، وأعتقد أن حياة الغربة قد أكسبتك الكثير؛ فاستفيدي من خبراتك، واستخدميها على خير ما يكون.
في النهاية:
لا تنسَيِ الدعاء وصدق اللجوء إلى الله: أن يثبِّتك ويقوِّي عزيمتك، ويهدي زوجك وأهلك، ويعينك على أمرك، ولا تظنِّي أن هذا الحلَّ آخِر الحلول، بل هو أنجعها وأقواها على الإطلاق لِمَن صدق في لجوئه إلى الله، وتذكري: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، وكم فرَّطنا في دعوات ودعوات واستبطأنا الإجابة، وبحثنا عن غيرها من الحلول؛ مع أن الله - تعالى - يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فثقي في وعد الله، وتذكَّري أنه ليس أصدق منه قيلاً.
وفَّقك الله، وأصلح حالك، وكتب لك بكلِّ عمل تعملينه أجرًا، وأقرَّ عينك بأبنائك.
أنا متزوجة من (19) سنة، تزوجت وأنا في السنة الثانية من دراستي الجامعية؛ أي: أكملت تعليمي عند زوجي، وتزوجت رجلاً يكبرني بـ(16) سنة؛ لأنه كان ميسور الحال، وكنت أرى عائلتي كلَّ يوم يستدينون من هنا وهناك، فقررت الزواج من هذا الرجل لكي يحمل عبئي عن عائلتي، فقام بتجهيز كل شيء، وما قدم أهلي شيئًا إلا أنهم اشتروا لي بعض الأغراض لا تزيد عن خمسمائة جنيه، أكملت دراستي بصعوبة؛ لأني حملت وأنا في السنة الثالثة من دراستي، وعانَيت الأمرَّين في خدمة بيت أهلي الذين يحملون طفلي أثناء وجودي في الكلية، وخدمة أهل زوجي، وخدمة زوجي والطفل.
ولكن بعد أن انتهيت من دراستي في الكلية عملت لمدَّة عامين، ثم منَّ الله عليَّ بالسفر إلى دولة الإمارات، والحمد لله أخذت زوجي وأولادي منذ أوَّل شهر سافرت فيه، ولكن أهلي لا يرحمونني بكثرة طلباتهم، وإذا لم أستجب فعليَّ غضبهم وغضب الله.
وكلَّ عام عند نزولي، أشتري لهم الهدايا وأعطيهم مبالغ مالية، لكنهم حكموا عليَّ أن أزوِّج إخواني الذكور، فأنا بنت وحيدة في هذه الدنيا، أتحمَّل الإهانة منهم، وأتحمَّل شماتة زوجي فيَّ، إنهم مسرفون إلى أبعد الحدود؛ كلَّما أعطيتهم طلبوا المزيد، زوجي لا يعمل، وعندي الآن (5) أولاد، وأعمل جاهدة حتى أؤمِّن لهم مستقبلاً جيدًا.
أدفع مصروفات مدارسهم الخاصة والأكل والملابس والسفر وكل شيء، زوجي يستحوذ على راتبي ولا يعطيني سوى (300) درهم إماراتي أدَّخرهم لكي أعطي منهم أهلي؛ حتى لا يبتعدون عنِّي أثناء نزولي في الإجازة، علمًا بأنهم أخذوا منِّي ذهبي ولم يعطوني إياه، وعندما تدخَّل زوجي ضربوه، ونادوني لكي أوقِّع أن ليس لي شيء عندهم، وإلا لن أكون ابنتهم، والويل لي إذا لم أُطِع أوامرهم.
رجاءً الرد عليَّ في أقرب وقت، ماذا أفعل مع زوجي الذي يستحلُّ راتبي كلَّه له، وأهلي الذين لا يرحمونني ويطلبون منِّي المزيد كلَّ عام، أنا في حالة يُرثَى لها، أفكِّر في الانتحار حتى يرتاح الجميع منِّي، وأنا أخاف الله، لكنِّي سئمتُ من هذه الحياة التي كلها خوفٌ من زوجي وأهلي، والخوف على أولادي.
ساعدوني وردُّوا عليَّ ضروريًّا؛ أنا في حالة انهيار تامٍّ، وأرغب في إنهاء حياتي، ولا أحد يشعر بالمعاناة التي أعانيها، الكل يظن أن راتبي حقٌّ خالص له، وأنا والله لا أصرف منه شيئًا على نفسي، فكلُّ قرش أوفِّره أعطيه أهلي دون أن يعرف زوجي.
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كثيرًا ما نفعل الخير ظنًّا منَّا أنا سنلقى بعده شكرًا وعرفانًا، وإذا به يصبح حقًّا مكتَسبًا يفرضه الآخَرون علينا، ويعتبرونه واجبًا (عرفيًّا)، لا حقَّ لنا حتى في سماع كلمة شكر، ولا نفيق إلا ونحن مكبَّلون بسلاسل أقوى من الحديد ممَّن قدَّمنا له يد العون، ولكن لا عجب؛ فقد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، لأحبَّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب))؛ رواه البخاري.
أختي الفاضلة، تدرَّجتِ بلا شك في التَّساهُل وارتكاب الأخطاء في حقِّ نفسك، وتمادَيتِ مع الزوج والأهل، ولم تستطيعي المقاوَمة، حتى خارَت قُواكِ، ولم تبحثي عن الحل إلا مع بداية شعورك بالانهيار.
وفي الحقيقة، لن أخدعك وأبشرَّك كذبًا أن المشكلة ستُحلُّ من خلال هذه الاستشارة، ولكن نريد أن نكون أكثرَ منطقية وواقعية، فبدلاً من التفكير في الانتحار مع علمنا التامِّ بجزاء المنتحر وعقوبته عند الله، فلنحاول أن نكون أكثر قوة ما دمنا على الحق.
أنت تعلمين أنك على الحق، وهم جميعًا على الباطل، فالزوج ملزَم شرعًا وعُرفًا بالإنفاق عليك، وبذلك استحقَّ القوامة؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
ورد في تفسير الطبري: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}؛ يعني: بما فضَّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنَّ مهورَهن، وإنفاقهم عليهنَّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنَهنَّ، وذلك تفضيل الله - تبارك وتعالى - إياهم عليهنَّ، ولذلك صارُوا قوَّامًا عليهن".
وفي الحقيقة، أنت لم توضحي كيف بدأت أحوال زوجك تدهور إلى حدِّ ترك العمل، والاعتماد الكلِّي عليك، وعلى راتبك؟
فقد أخبرتِ في البداية أنك تزوجتِه لأن حاله ميسور، ثم صار يعتمد الآن عليك، فماذا كان يعمل قبل عملك؟ أم أنه ترك العمل بعد مصاحبته لك في سفرك، وقرَّر البقاء في البيت؟
على كلِّ حال، كان عليك أن تساعديه في البحث عن عملٍ له في البلد الذي أنتم فيه فَوْرَ وصولكما، ولا أظن أن عمره الآن يجعله عاجزًا عن ذلك، فكما يبدو أنه في بداية الخمسين من عمره، فحاولي البحث له عن عمل مناسب، وحاولي إقناعه بأن هذا سيعود عليكما وعلى الأبناء بالنفع، ولا توضِّحي له أن هذا عن رغبة منك لاستعادة راتبك، فالتدرُّج في مثل هذه الأمور خيرٌ من المباغَتَة، وإن كان من حقِّك، لكنَّا نريد حلاًّ وسطًا، على الأقلِّ حاليًّا، فالتحدُّث إليه يكون على أساس المصلحة المشتركة، وذكِّريه أيضًا بسابق عهده وكرمه، ولا تنسي أن تمتدحي بعض أعماله، وتشجِّعيه على العمل، ولعلَّ هذه الاستشارة فيها ما يفيدك - إن شاء الله – "زوجٌ اعتمادي".
وأما الأهل، فليس من حقِّهم استنزافك إلى هذا الحدِّ المؤلم، وإن كانوا يهدِّدونك بغضبهم أو مقاطعتك؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل سأله: يا رسول الله، إن لي قرابة: أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم.
فإن كان باستطاعتهم أن يغضبوا عليك، فإن إغضاب الله ليس في مقدورهم، فلا تكوني بهذا الضعف.
لا شك أن لهم عليك حقَّ الصلة، والمعاشرة بالمعروف، والصبر على أذاهم، لكنك لا تأثمين بترك تزويج إخوانك مثلاً، أو بعدم جلب الهدايا الكثيرة لهم، أو إمدادهم الدائم بالمال لينفقوه بإسراف.
فتحدَّثي إليهم بقوَّة وأدب، وأخبريهم أن أحوالك المادية ليست كما يظنُّون، وأنك تساعدين بما تستطيعين فقط، وتعلَّمي قول كلمة: (لا)، بأدب وحسن خُلق، هل تعلمين أن كتبًا كثيرة قد صُنِّفت في هذا الشأن خصيصًا؟ غالبها بعنوان "كيف تقول: (لا)"؛ لأن الكثير من الناس يفرض على نفسه حياة الضعف والمذلَّة؛ لأنه فقط لا يستطيع أن يقول: (لا)، ويضيِّع بذلك العجز حقوقَه كاملة.
وإن كنت تخشَين غضبهم، وتتذكَّرين حقوقهم، فتذكَّري أيضًا حقوق نفسك، وهذا من العدل؛ فإن الله سائلك عن نفسك كما هو سائلك عن أهلك، وكما جاء في الحديث: ((... وإن لنفسك عليك حقًّا))؛ رواه البخاري.
أذكِّرك أنهم سيقاطعونك، ويكيلون لك، ويسمعونك من الكلام ما يتألم له قلبك، لكن كيف تواجهين كلَّ هذا؟
ليكن إعلامهم بهذا الوضع الجديد قبل سفرك إليهم؛ أي: أخبريهم بالتدريج من خلال الهاتف أنه لم يَعُدْ باستطاعتك المساعدة، وإن تيسَّرت لك المساعدة في أيِّ وقت، فلن تتأخَّري عنهم، فذلك خيرٌ من المواجهة.
لا تبادليهم المقاطعة ولا السبَّ، ولكن لا تضعفي، إياك أن تضعفي، تماسكي واستمرِّي في صلتهم ونصحهم، لكن لا تعودي إلى ما كنت عليه من انهزامية وضعف، ستمرُّ مدَّة يسيرة أو طويلة، ثم يعودون إلى التواصُل معك؛ حتى لا يخسروا كل شيء.
وأما الأولاد، فإن كان الإنفاق عليهم ليس من واجبك أنت، لكنهم ضعفاء، ولا حيلة لهم في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، ولا ذنب لهم فيما يحدث، وأرجو أن يكتب الله لك الأجر بصبرك وحسن تربيتهم، وأنصحك بعدم التخلِّي عنهم.
لديَّ سؤال أخير أختي الفاضلة:
لماذا نترك جذور مشكلاتنا تغوص في أعماق حياتنا، وتتعمَّق فيها بشكل يعسِّر علينا اقتلاعها، ويجعلنا نفضِّل الموت على الحياة؟!
لعله الخوف من المواجهة، الكثير من الناس يخشى المواجهة، دائمًا ما نتهرَّب منها ونترك الأمور تسير، والمشاكل تنمو وتنمو، وفي النهاية نضطرُّ رغمًا عنَّا أن نواجه الأمر بعد أن يتضاعَف حجمه، في حين كان من السهل علينا المواجهة في السابق، ولكننا نفضل التسويف.
وهذه نصيحة أقدِّمها لك، لا تؤخِّري أيَّ مشكلة إلى الغد، بادري بالعلاج الآن، فالقضاء على الأورام الخبيثة كلَّما كان مبكرًا، كان عونًا - بإذن الله - على الشفاء التامِّ من المرض.
فأولادك بحاجة إليك وإلى عطفك وإشعارهم بالأمان، ولن تتمكَّني من إمدادهم بكلِّ هذا إلا بأن تكوني أكثر قوة وصلابة، وقدرة على مواجهة المِحَن والتصدِّي لها، وأعتقد أن حياة الغربة قد أكسبتك الكثير؛ فاستفيدي من خبراتك، واستخدميها على خير ما يكون.
في النهاية:
لا تنسَيِ الدعاء وصدق اللجوء إلى الله: أن يثبِّتك ويقوِّي عزيمتك، ويهدي زوجك وأهلك، ويعينك على أمرك، ولا تظنِّي أن هذا الحلَّ آخِر الحلول، بل هو أنجعها وأقواها على الإطلاق لِمَن صدق في لجوئه إلى الله، وتذكري: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، وكم فرَّطنا في دعوات ودعوات واستبطأنا الإجابة، وبحثنا عن غيرها من الحلول؛ مع أن الله - تعالى - يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فثقي في وعد الله، وتذكَّري أنه ليس أصدق منه قيلاً.
وفَّقك الله، وأصلح حالك، وكتب لك بكلِّ عمل تعملينه أجرًا، وأقرَّ عينك بأبنائك.
أ. مروة يوسف عاشور
مآآآآآجده
مآآآآآجده